تأثير النوم في نقض القرارات
«ما أنقض النوم لعزائم اليوم»
نهج البلاغة – حكمة 440 ، خطبة 241
محمد جواد الدمستاني
«مَا أَنْقَضَ النَّوْمَ لِعَزَائِمِ الْيَوْمِ» حكمة 440، أي ما أشدّ و أقوى تأثير النوم في نقض و إِبطال و إلغاء عزيمة الإنسان، ففترة النوم و راحة البدن عامة لها قابلية في تغيير أو إبطال القرارات التي يتخذها الإنسان.
و عزائم جمع عزيمة وهي التصميم على فعل شيء، و العزيمة و الرغبة في عمل ما يحتاج لشخص منتبه متيقض عازم و لديه إِصرار و تصمِيم، فإذا نام الشخص و غفل فلن يتمكن من تنفيذ عزمه و إرادته و رغبته.
و في خطبة 241 قال عليه السلام «لَا تَجْتَمِعُ عَزِيمَةٌ وَ وَلِيمَةٌ، مَا أَنْقَضَ النَّوْمَ لِعَزَائِمِ الْيَوْمِ، وَ أَمْحَى الظُّلَمَ لِتَذَاكِيرِ الْهِمَمِ».
و ذكر ابن ميثم أنّ أصل الحكمة: إنّ الانسان يعزم في النهار على المسير بالليل لتقريب المنزل (يعني مقصد السفر)، فإذا جاء الليل نام إلى الصباح فينتقض بذلك عزمه على المسير.
و الحكمة تجري مجرى المثل، يُضرب لمن يعزم على تحصيل الأمور الكبيرة و السعي فيها ثم يغفل عنها أو يسهو أو يتراخى عن فعلها أو يركن للراحة حتّى ينتقض عزمه عنها فتفوته.
فكأنّ المعنى إنّ حبّكم للدَعة و الراحة و الرفاه ينقض ما تعزمون عليه من الجهاد في سبيل الله بما فيه من مشقة و جهد.
و إنّكم بالركون إلى الدَعَة و القعود و حبّ الراحة دون مشقات و صعوبات الجهاد لن تنالوا ما تريدون و تحبون من نيل السعادة في الدّنيا و الآخرة.
و الغرض من الكلام هو الحث و الترغيب على المسارعة و التّعجيل في فعل الخير مطلقا و إن كان صعبا شاقا، و عدم التباطئ والتأخير أو الخلود للراحة و الكسل، بل يبقى الانسان على عزمه و لا يركن للراحة و الدَعَة.
و سياق الكلمة عسكري حربي حيث كان الإمام عليه السلام – كما في مقدمة الخطبة 241 – يحث أصحابه على الجهاد، و لكن المعنى عام.
و من أوضح الأمثلة البسيطة أنّ الطالب في الجامعة أو المدرسة يعزم على حضور الامتحان و لكنه ينام ليلة الامتحان و لا يستيقظ إلا و قد فات وقت الامتحان، فيكون النوم قد نقض العزيمة.
و يقال: «كلامُ الليلِ يمحُوهُ النّهارُ»، حيث يعزم الإنسان بالليل على أمر فإذا طلع الصباح تأخّر و تقاعس و محى ما قد عزم عليه في نهاره.
و من يطلب النجاح و الارتقاء يلزمه الجدّ و الاجتهاد، و مثله من الأمثال «وَ مَنْ طَلَبَ الْعُلَا سَهِرَ اللَّيَالِي»، أي للحصول على الأمور العظيمة و الدرجات الرفيعة يحتاج الإنسان إلى عمل و سعي و مثابرة و جهد و سهر ليالي.
و الأمور في الحياة عامة تحتاج إلى إرادة و عزيمة و تصميم و همّة عالية لتحقيقها و إنجازها، و أمّا التباطؤ و التلكؤ و التردد و التقاعس فإنّه يبطل و يفسد الأعمال المنوي عملها أو يؤخرها.
و بعض الأعمال لا سعة وقت في عملها و إنّما لها وقت محدد معلوم فإذا ما أؤخرت عنه لا تتم فائدتها و منفعتها القصوى و قد تنتفي، و على مستوى الفرد ففي الصلاة مثال للمؤمن فإنّ لها أوقات محددة تختلف زيادة و نقصانا من يوم لآخر و من موسم لآخر، و كذا من فرض لآخر، و روي عن أمير المؤمنين عليه السلام «اِرْتَقِبْ وَقْتَ اَلصَّلاَةِ فَصَلِّهَا لِوَقْتِهَا، وَ لاَ تَعْجَلْ بِهَا قَبْلَهُ لِفَرَاغٍ، وَ لاَ تُؤَخِّرْهَا عَنْهُ لِشُغُلٍ». الأمالي (الطوسی)،ج1ص24، الأمالي (المفید)،ج1ص260 .
و كذا بالنسبة للوظيفة و العمل و الدوام بحاجة إلى جدّ و ضرورة الالتزام و التقيّد بالأوقات و الأزمنة و الشروط و له نتائج عملية كبيرة للفرد و المجتمع، و هكذا في التطبيب و التعليم و غيرها من شؤون الحياة.
و ما ينطبق على الفرد ينطبق على المجتمع و الأمة و هي مجموعة الأفراد، و حينما يهجم العدوّ على البلد فالواجب الدفاع فورا عن البلد و الأمة دون تأخير أو تقاعس أو تقاعد، فإذا ما حصل تّباطؤ و تلكؤ فإنّ العدوّ يتقدم في عدوانه.
و ذلك الالتزام و الضبط و العزيمة تستلزم الجدّ و الاجتهاد و التضحيات و المشقات، قال تعالى «أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّىٰ يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَىٰ نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ»، سورة البقرة:214، أي تظنون دخول الجنة بدون الامتحان الشاق و لما يأتكم مثل الذين مضوا من المؤمنين السابقين من أنواع البلاء و الأذى.
و في الخطبة 241 و هي آخر خطبة في باب الخطب في نهج البلاغة و بعدها باب الكتب و الرسائل و الوصايا، ذكر عليه السلام هذه الحكمة و مثالين آخرين، قال عليه السلام «لَا تَجْتَمِعُ عَزِيمَةٌ وَ وَلِيمَةٌ، مَا أَنْقَضَ النَّوْمَ لِعَزَائِمِ الْيَوْمِ، وَ أَمْحَى الظُّلَمَ لِتَذَاكِيرِ الْهِمَمِ».
«لَا تَجْتَمِعُ عَزِيمَةٌ وَ وَلِيمَةٌ»، و الوليمة هي الطعام المتخذ لجمع أو لدعوة أو فرح، و المعنى أنّه لا يجتمع العزيمة و الرفاه، و لا يجتمع لكم الرغبة في دخول الجنة مع القعود و التقاعس عن الحرب و صعوباتها.
«وَ أَمْحَى الظُّلَمَ لِتَذَاكِيرِ الْهِمَمِ»، فالرجل تبعثه همّته في مطالبه على المسير بالليل، فإذا جن الظلام أدركه الكسل و غلبه حبّ النوم على ذكر مطالبه وصرفه عنها.
و المعاني التي ذكرناها هي المناسبة لسياق النص حيث أنّه عليه السلام كان يحث أصحابه على الجهاد، و قال «وَ اللَّهُ مُسْتَأْدِيكُمْ شُكْرَهُ، وَ مُوَرِّثُكُمْ أَمْرَهُ، وَ مُمْهِلُكُمْ فِي مِضْمَارٍ مَحْدُودٍ لِتَتَنَازَعُوا سَبَقَهُ، فَشُدُّوا عُقَدَ الْمَآزِرِ، وَ اطْوُوا فُضُولَ الْخَوَاصِرِ، لَا تَجْتَمِعُ عَزِيمَةٌ وَ وَلِيمَةٌ، مَا أَنْقَضَ النَّوْمَ لِعَزَائِمِ الْيَوْمِ، وَ أَمْحَى الظُّلَمَ لِتَذَاكِيرِ الْهِمَمِ»، نهج البلاغة،خطبة241، و لكن ممكن التوسعة في المعنى و بيان معنى آخر من الحكمة «مَا أَنْقَضَ النَّوْمَ لِعَزَائِمِ»، و قد أشار إليه الشيخ مغنية في شرحه، و هو إنّ الإنسان يواجه في حياته الكثير من المتاعب والمصائب التي لا صبر له عليها، فينتهي به العجز إلى العزم على الخلاص منها بالهرب والفرار، أو بارتكاب رذيلة كانتحار و نحوه، فإذا نام و أخذ قسطا من الراحة هدأت نفسه، و خفت أثقاله، و عدل عزمه وما مضى من أفكاره. في ظلال نهج البلاغة،ج ٣ص٣٧١.
و كذلك ما ذكره الشارح السيد عباس الموسوي من أنّه: قد يكون عندك أمور قد عزمت عليها وصممت على فعلها فإذا نمت و ارتاحت قواك البدنية و العقلية و فكرت فيها مليا فإنك قد تبطلها وتنقضها. شرح نهج البلاغة،ج٥،ص٥٢٢.
و قريب منه قول أمير المؤمنين عليه السلام «مَن كَثُرَ في لَيلِهِ نَومُهُ فاتَهُ مِن العَمَلِ ما لا يَستَدرِكُهُ في يَومِهِ». غرر الحكم،ص640، وهو في فوات ما لا يُستدرك من اليوم بسبب كثرة نوم الليل.
فليعزم الإنسان العزيمة الصحيحة و النية الصادقة و يتوكّل على الله و لا ينقض العزيمة بالغفلة و النوم، و «وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ»، آل عمران:122.
اللهمّ وفقنا للْجَدِّ وَ الِاجْتِهَادِ وَ التَّأَهُّبِ وَ الِاسْتِعْدَادِ وَ التَّزَوُّدِ فِي مَنْزِلِ الزَّادِ وَ ألا تَغُرَّنَّا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا كَمَا غَرَّتْ مَنْ كَانَ قَبْلَنا، و الحمد لله ربّ العالمين، و صلّ اللّهم على محمد و آله الطاهرين.