محمد جواد الدمستانيمحمد جواد الدمستاني

Loading

تناس مساوئ الإخوان تستدم ودّهم

في فن الصداقات و العلاقات

محمد جواد الدمستاني

هذه الحكمة في كتاب غرر الحكم و فيه مجموعة كبيرة من حكم أمير المؤمنين و إمام المتقين علي بن أبي طالب عليه السلام، و رقمها 9749 في كتاب تصنيف غرر الحكم.

قال عليه السلام: «تَنَاسَ مَسَاوِيَ الْإِخْوَانِ تَسْتَدِمْ وُدَّهُمْ»، و الإخوان جمع الأخ و هي عامة قد تشمل الأخوة الدينية و الصداقة العامة، أي الأخ الشقيق و الرفيق و الصديق و الصاحب.

وهي دعوة من أمير المؤمنين عليه السلام لإغفال و إهمال مساوئ و سلبيات الأخوان و تناسيها حتى تستمد و تستمر العلاقة بين الأصدقاء و الإخوان، و حتى تحافظ على ودّ و محبة هذا الأخ أو الأخوة أو الأصدقاء أو الرفقاء أو الأصحاب.

فالمعنى اهمل و انسى سلبيات الإخوان – و العادة تصدر منهم أخطاء أو اشتباهات أو غفلات أو نسيان، كما تصدر منك أيضا- فاهمل و انسى تلك السلبيات و المساوئ حتى تستدم و دّهم و تستمر حبهم و مودتهم.

فهذه الاشتباهات و مواقع الغفلة و الجهل و النسيان و سوء التصرف أو غير ذلك من المساوئ بقصد أو بغير قصد، كل هذه الأخطاء لا ينبغي أن تتوقف كثيرا عندها، و تتذكرها دائما، لأنّ تذكرها المستمر يؤدي إلى خسارتهم، و فقد صداقتهم و أخوتهم.

و تناس بمعنى تغاضى، اغفل، تجاهل أو تهاون تلك المساوئ و العيوب، كما عليك أن تتذكر و تنتبه و تعي أنّك أيضا قد يحصل منك الخطأ و الاشتباه بقصد أو بدونه.

يقابلها – إن اردنا أن نقابلها – هو تذكّر و ركّز و انتبه إلى سلبيات الإخوان أو الأصدقاء و مساوئهم و عيوبهم تفقد ودّهم و تخسر صداقاتهم و محبتهم، و هذا ما لا ينبغي.

و هذه الحكمة يمكن تصنيفها في فن الصداقات و العلاقات، و لأمير المؤمنين عليه السلام عدد من الحكم فيما يمكن تصنيفه في هذا الفن مروي في كتاب غرر الحكم و درر الكلم، و منها:

«لَا تَصْحَبْ إِلَّا عَاقِلًا تَقِيّاً، وَ لَا تُعَاشِرْ إِلَّا عَالِماً زَكِيّاً، وَ لَا تُودِعْ سِرَّكَ إِلَّا مُؤْمِناً وَفِيّاً»، غرر الحكم.

الأمر و النصح و الوصية بمصاحبة و مصادقة الشخص العاقل التقي، العاقل الذي يدرك الأمور و يضعها في مواضعها الصحيحة و الذي يميز بين النافع و الضار، و من يتصف بالتقوى.

و معاشرة من يتصف بالعلم و الصلاح و الطهارة ، العالم الزكيّ.

و وضع السرّ في محله و عند أهله، و عند من يحافظ عليه و لا يفشيه، أي عند المؤمن الوفيّ، و هو الذي يخاف الله و تأمنه من الخيانه، و إياك أن تضع سرّك عند غير المؤمن أو من تشك في إيمانه أو عند الخائن.

و منها:

«إِيَّاكَ وَ الْجَفَاءَ فَإِنَّهُ يُفْسِدُ الْإِخَاءَ، وَ يُمَقِّتُ إِلَى اللَّهِ وَ النَّاسِ»، غرر الحكم.

و الجفاء: أي الإعراض ، الثقل ، الجفوة.

و يُمَقِّتُ من الفعل مَقَتَ، و المصدر مَقت، و هو البغض الشديد.

و يمكن أن يقابل الجفاء: الأنس، الوصال، اللطف، الليونة، النعومة.

و العلاقات الأخوية و الصداقات بحاجة الى نوع من المرونة مع الأصدقاء، و اللطف مع الإخوان، و الأنس في مصاحبتهم، و هنا تحذير من الجفاء في العلاقات و الجفاف فلا ينبغي أن تكون صديقا و تقوم بالإعراض عن أصدقائك، و ثقيلا معهم، متكلفا في علاقاتك، أو جافا خشنا، أو لا تعطيهم أهمية و قدرا، فإنّ ذلك الجفاء يُمَقِّت إلى الله، و يُمَقِّت إلى النّاس، فيبغضك النّاس بسبب جفائك و جفافك و تخسر صداقاتك و علاقاتك.

و منها :

«إِيَّاكَ أَنْ تُخْرِجَ [تُحْرِجَ‏] صَدِيقَكَ إِخْرَاجاً [إِحْرَاجاً] يُخْرِجُهُ عَنْ مَوَدَّتِكَ وَ اسْتَبْقِ لَهُ مِنْ أُنْسِكَ مَوْضِعاً يَثِقُ بِالرُّجُوعِ إِلَيْهِ»، غرر الحكم.

إِيَّاكَ أَنْ تُخْرِجَ صَدِيقَكَ إِخْرَاجاً ، أو إِيَّاكَ أَنْ تُحْرِجَ‏ صَدِيقَكَ إِحْرَاجاً.

كما يرشد أمير المؤمنين عليه السلام إلى عدم القطيعة التامة مع الأصدقاء، في حالة حصول خلافات أو دونها.

و في حاله حصول نوع من سوء التفاهم أو من الجفاء أو القطيعه فلا تكن هذه قطيعة تامة بل فليكن هناك حبل في هذه الصداقه لم ينقطع يوصل صديقك إليك حينما يريد الرجوع إليك، و لا تخرجه و لا تحرجه بقطيعة تامة، بل استبق له من أنسك موضعا يثق بالرجوع اليه.

و قريب منها أيضا:

«إِنْ أَرَدْتَ قَطِيعَةَ أَخِيكَ فَاسْتَبْقِ لَهُ مِنْ نَفْسِكَ بَقِيَّةً يَرْجِعُ إِلَيْهَا إِنْ بَدَا لَهُ ذَلِكَ يَوْماً مَا»، غرر الحكم.

إن أردت قطيعة أو مقاطعة أخيك، أو إعراض عن صداقة ما، أو اعتزال عن رفقة، فلا تكن تلك القطيعة أو الإعراض أو المغادرة بصورة قطعية لا رجوع بعدها، و حينما يكون بين الأصدقاء سوء فهم أو خلاف و يقرر أحدهم القطيعة فلا تكن قطيعة تامة لا رجوع بعدها، بل فليحافظ على حبل أو شعاع في باب الصداقة مفتوح يرجع إليه الأخ أو الصديق إن بدأ له الرجوع يوما ما.

و منها:

«رُبَّ أَخٍ لَمْ تَلِدْهُ أُمُّكَ»، غرر الحكم.

و ربّما يوفق الإنسان أن يكون له صديق أو رفيق عزيز، و يتعامل معه بأفضل معاملة و بأصدق أخوة، و بكل معاني الأخوة و المصاحبة، و الفضائل و العون و المساعدة، و الصفات النبيلة من الإيثار و التضامن و التكافل، و صفات النخوة و الحميّة، و غيرها من الفضائل كما يقوم بها الأخ الشقيق المخلص، فكأنّ هذا الصديق المخلص و الوفيّ أخ لك و يقوم بأفعال و صفات الأخوة، و لكنه ليس أخ شقيق من أمك، فهو أخ لم تلده أمك.

و منها:

«لَيْسَ مَعَ الْخِلَافِ ائْتِلَافٌ»، غرر الحكم.

الخلاف يقابل الائتلاف، و المعنى إرشاد إلى تقليل الخلاف أو الخلافات فإنّه يفقد الائتلاف و الصداقات، فاذا أردت أن تسير علاقة و صداقة فاسعى نحو ائتلاف و اتفاق و وفاق بينك وبين الأصدقاء، أما إذا زاد الخلاف و اتسع و كثرت الخلافات و تشعّبت أو تفرعت، فلن يكون هناك ائتلاف بل فراق و افتراق و انفصال، فكأنّ مقدمة قطع الصداقة هو الخلاف و الخلافات.

و منها:

«مَنْ لَمْ يَرْضَ مِنْ صَدِيقِهِ إِلَّا بِإِيثَارِهِ عَلَى نَفْسِهِ دَامَ سَخَطُهُ»، غرر الحكم.

العلاقات بين الاصدقاء تكون متكافئة تقريبا أو شبه متكافئة، و فيها نوع من المودة و المحبة و التنازل و ابداء الصفات النبيلة و الفضائل و منها الإيثار، و هو تقديم الغير على النفس و يقابله الأثرة أو الأنانية، و هذا الإيثار يكون متبادلا بين الأصدقاء، منك و من صديقك أو أصدقائك، و ليس من صديقك فقط، فلا تطلب الإيثار فقط من الغير و أنت لا تظهر إيثارا، و لا تؤثره على نفسك، و من لم يرضى و لا يقبل من صديقه الا أن يؤثره على نفسه، و لا يقبل بغير ذلك هذا سيدوم سخطه و غضبه، لأنّ الصديق لا يستطيع دائما أن يؤثر صديقه على نفسه و الصداقة تحتاج إلى نوع من التكافئ و التماثل.

فلا يطلب الإنسان من صديقه دائما ان يؤثره على نفسه وهو أنانيّ يحب نفسه و يقدّمها دائما.

و منها:

«مَا سَعِدَ مَنْ شَقِيَ إِخْوَانُهُ»، غرر الحكم.

إذا كان الاخوان أو الاصدقاء و الرفقاء في حالة غير مرضيه و سيئة و يمرون بظروف صعبه، و غير سعداء، أخوهم و صديقهم مع طبيعة الأخوة و الصداقة بينهما لن يكون سعيدا.

و الحكمة بها حيثية الحض و الحث على رفع الشقاء و البؤس عن الإخوان، و مساعدتهم ما أمكن لأنّهم إذا وقعوا في أزمة و مشقة فإنّ صديقهم و أخاهم في خسارة و ضرر لأنّه لن يكون سعيدا مسرورا بل في حالة من الحزن و التعاسة.

و منها:

«لَا تَسْتَحْسِنْ مِنْ نَفْسِكَ مَا مِنْ غَيْرِكَ تَسْتَنْكِرُهُ»، غرر الحكم.

بمعنى أنّه إذا أنت تستنكر بعض الصفات أو الأفعال او الأعمال أو الحركات من غيرك و لا تقبلها بل تستقبحها فأنت أيضا ينبغي ألا تفعلها و لا تستحسنها من نفسك، فكما أنّك تستنكر الصفات القبيحه من الغير ينبغي عليك ألا تستحسنها من نفسك و ألا ترتكبها أنت.

و الحمد لله ربّ العالمين وصلّ اللهم على محمد و آله الطاهرين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *