محمد جواد الدمستانيمحمد جواد الدمستاني

Loading

فعل الخير و إن قلّ

«افعلوا الخير و لا تحقروا منه شيئا فإنّ صغيره كبير و قليله كثير»

محمد جواد الدمستاني

توصية من أمير المؤمنين (ع) بعدم استصغار قليل الخير، و الترغيب في فعل الخير مطلقا رويت في نهج البلاغة، قال (ع): «افْعَلُوا الْخَيْرَ وَ لَا تَحْقِرُوا مِنْهُ شَيْئاً فَإِنَّ صَغِيرَهُ كَبِيرٌ وَ قَلِيلَهُ كَثِيرٌ، وَ لَا يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ إِنَّ أَحَداً أَوْلَى بِفِعْلِ الْخَيْرِ مِنِّي فَيَكُونَ وَ اللَّهِ كَذَلِكَ، إِنَّ لِلْخَيْرِ وَ الشَّرِّ أَهْلًا فَمَهْمَا تَرَكْتُمُوهُ مِنْهُمَا كَفَاكُمُوهُ أَهْلُهُ»[1].

و الخير بمعنى الأعمال الصالحة عامة، و هنا حث على فعل الخير و عدم استصغار شيئ منه و إن كان قليلا يسيرا، أي افعلوا الخير مهما كان قليلا، و لا تحقّروا منه شيئا و لا تستصغروه، أو ترونه قليلا فلا تفعلوه، لأن صغير الخير كبير، و قليل الخير كثير في الأجر و الثواب، و في الفائدة التي تقع على من يحتاج إليه فقد يُعطى المحتاج مبلغا بسيطا و لكنه يراه كثيرا لحاجنه الماسة إليه، أو لفقره و حرمانه، و في الآثار التكوينية المترتبة على هذا الخير على صاحبه، و كبير و كثير في الآثار و النتائج المترتبة على فعل الخير، و روي عنه (ع): «لا تَحقِرَنَّ شَيئاً مِنَ الخَيرِ و إن صَغُرَ، فَإِنَّكَ إذا رَأَيتَهُ سَرَّكَ مَكانُهُ»[2]، أي إذا رأيت آثار و نتائج ذلك الخير و العمل الصالح فإنّك تفرح و تبتهج.

و قريب منه في نهج البلاغة «لَا تَسْتَحِ مِنْ إِعْطَاءِ الْقَلِيلِ فَإِنَّ الْحِرْمَانَ أَقَلُّ مِنْهُ»[3]، أي عدم التوقف بحجم العطاء و إن قلّ فهو شيء و هو أكبر من الحرمان الذي هو لا شيء، و الشيء القليل أكثر و أفضل من الحرمان.

و في خطبة رسول الله (ص) في استقبال شهر رمضان، عن فضل إفطار الصائمين، قال (ص): «اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ، اتَّقُوا النَّارَ وَ لَوْ بِشَرْبَةٍ مِنْ مَاءٍ»[4]، شق تمرة و شربة ماء مثال للأشياء القليلة و الصغيرة ذات الآثار العظيمة، و ثمرتها هنا اتقاء النّار و دخول الجنّة، و قد سبق هذا الكلام قول رسول الله (ص): «مَنْ فَطَّرَ مِنْكُمْ صَائِماً مُؤْمِناً فِي هَذَا اَلشَّهْرِ كَانَ لَهُ بِذَلِكَ عِنْدَ اَللَّهِ عِتْقُ رَقَبَةٍ، وَ مَغْفِرَةٌ لِمَا مَضَى مِنْ ذُنُوبِهِ، فَقيلَ: يا رَسولَ اللّهِ، ولَيسَ كُلُّنا يَقدِرُ عَلى ذلِكَ، فَقالَ صلى الله عليه و آله: «اِتَّقُوا النّارَ ولَو بِشِقِّ تَمرَةٍ ، اِتَّقُوا النّارَ ولَو بِشَربَةٍ مِن ماءٍ»[5].

و قال أمير المؤمنين (ع) في نفس الحكمة «ولا يَقولَنَّ أحَدُكُم: إنَّ أحَداً أولى بِفِعلِ الخَيرِ مِنّي، فَيَكونَ وَاللهِ كَذلِكَ»[6]، أي لا يترك أحد فعل الخير للآخرين أو اتكالا على الآخرين، فيعملون الخير و يكونون كذلك أولى بالخير منه، و الأفضل أن يقول الإنسان مع التمكن من فعل الخير: ليس أحد بأحق من فعل الخير مني، بل أنا أولى من فعل الخير من الآخرين، و إذا كان النّاس بهذه الروحية و التنافس في فعل الخير فإنّ الخير يعم كل المجتمع، و يقوى المجتمع و يزيد ترابطه و تعاضده بفعل الخيرات، كما أنّه إذا تخلى النّاس عن فعل الخير و كل واحد اتكل على غيره في فعله، فلن يفعل الخيرَ أحدٌ و سيبقى المجتمع ضعيف و غير متماسك، و لكن لا تفقد المجتمعات أهل الخير كما قال (ع) في نفس الحكمة «إنَّ لِلخَيرِ وَ الشَّرِّ أهلاً، فَمَهما تَرَكتُموهُ مِنهُما كَفاكُموهُ أهلُهُ»[7]، فإذا النّاس اعتمدت على غيرها في فعل الخير، و كل واحد رأى أنّ هذا وظيفة الآخرين ليقوموا بها فإنّ أنّاسا من أهل الخير و أصحابه جدِيرون بفعل الخير سيقومون بفعله و يكفوكم أمره ، كما أنّ للشر أهلا أيضا.

و أعمال الخير و الطاعات لا تُقاس بأحجامها الظاهرية و إن ذكرت روايات أجر و ثواب بعض الأعمال لأن الأعمال و الطاعات عامة محفوفة بظروفها و شروطها و أصحابها و نياتها فحينما يخرج دينارا أو درهما ممن لا يمتلك غيره لا يقاس بمن يمتلك الملايين و يخرج دينارا، و حينما يعطي الإنسان خيرا صادقا مخلصا ليس بمثل المعطي المرائي، فلا يُستهان دائما بصغير و قليل العطاء و لا يُغتر بكبيره و كثيره، و روي عن رسول الله (ص) قوله: «يا أَبا ذَرٍّ: إِنَّ اللّهَ تَبارَكَ وَتَعالى لا يَنظُرُ إِلى صُوَرِكُم وَ لا إِلى أموالِكُم وَ أَقوالِكُم، وَ لَكِن يَنظُرُ إِلى قُلوبِكُم و أَعمالِكُم»[8].

و كمثال في اختلاف موازين الأعمال و عدم قياسها بمقياس واحد لو وُجد في الصحراء شخص مشرف على الموت من العطش و هو بحاجة إلى قليل من الماء للبقاء على قيد الحياة، فتم إعطائه و إنقاذه، فلا تقدّر قيمة هذا العمل و إن كان قليلا و قد حازه صاحب الماء في الصحراء دون قيمة مالية، مع تقدير قيمته لو كانا على ضفاف نهر جارٍ أو بجنب عيون!.

و هذه قاعدة عامة في الحياة بعدم استصغار و استقلال الخير و مطلق الطاعات و ليس كل الأمور تُقاس بأحجامها الظاهرية فضلا عن الجهل في أحجام الأعمال و مقاديرها في الأجر و الثواب عامة، و في الرواية عن أمير المؤمنين قال: «إنَّ اللهَ – تَبارَكَ وتَعالى – أخفى أربَعَةً في أربَعَة، منها: أخفى رِضاهُ في طاعَتِهِ، فَلا تَستَصغِرَنَّ شَيئاً مِن طاعَتِهِ فَرُبَّما وافَقَ رِضاهُ وأنتَ لا تَعلَمُ»[9]، و كذلك – في الرواية-لا تَستَصغِرَنَّ المعصية و لا تَستَصغِرَنَّ الدعاء، و لا تَستَصغِرَنَّ عَبداً مِن عَبيدِ اللَّهِ.

و رويت عنهم عليهم السلام عدد من الروايات في هذا المعنى من الحث على فعل الخير و أفعال البرّ و الإحسان و التّأكيد عليها دون النظر إلى صغرها، و منها ما روي عن الإمام الباقر (ع): «لا تَستَصغِرَنَّ حَسَنَةً تَعمَلُ بِها، فَإِنَّكَ تَراها حَيثُ تَسوؤُكَ»[10]، و عن الإمام الصادق (ع): «لا تَستَقِلَّ ما يُتَقَرَّبُ بِهِ إلَى اللهِ عزّوجلّ ولَو شِقَّ تَمرَة»[11].

و ربّما قليل الخير يكون عند الله تبارك و تعالى أفضل من كثير، و كل شيئ مكتوب «وَلَا يُنفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً وَلَا يَقْطَعُونَ وَادِيًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ»[12]، فالخير عظيم مهما صغر و قلّ، و هو محفوظ عند الله الكريم «فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ»[13]، و كمثال على القليل العظيم درهم شطيطة المرأة المؤمنة في عهد الإمام الكاظم عليه السلام[14]، فالصغير يتضاعف ثوابه بالاخلاص و الصدق، كما يتضاعف بالاستمرار و التراكم، و قد تكون صدقة صغيرة تدفع عن بلاء كبير من مرض أو غيره، و تكون سببا في نزول الرحمة، و الكبير قد يتقلص أو يبطل أو يصبح هباء منثورا إذا أحيط برياء أو منٍّ و أذى.

و المعنى ينصرف إلى الخيرات و العطايا و الإحسان و الصنائع و لكن الاطلاق يشمل كل معاني الخير و الصدقات بما فيها الابتسامة في وجه أخيك، و قد تكون كلمة حق بسيطة تدفع عن ظلم كبير، أو نصيحة و كلمة طيبة قصيرة تهدي فئة من النّاس، أو إدخال السرور على قلب مؤمن يغيّر وضعه النفسي أو الصحي.

و في مقابل عدم استقلال قليل الخير عدم اسعظام و استكثار كثير الخير، فلا تستقل قليل الخير و لا تستكثر كثيره، و عن النبي (ص): «لا تَستَكثِروا الخَيرَ وإن كَثُرَ في أعيُنِكُم»[15]، و الإمام الكاظم (ع): «لا تَستَكثِروا كَثيرَ الخَيرِ»[16].

و كذلك عدم استصغار الشر، روي عن النبي (ص) «لاَ تُحَقِّرُوا شَيْئاً مِنَ اَلشَّرِّ وَ إِنْ صَغُرَ فِي أَعْيُنِكُمْ»[17]، و عن أمير المؤمنين (ع) «و لا تُحَقّرَنّ شيئاً مِنَ الشرِّ وإن صَغُرَ، فإنّك إذا رأيتَه ساءَك مَكانُه»[18].

و عدم استصغار الذنوب، عن الإمام الكاظم (ع): «ولَا تَسْتَقِلُّوا قَلِيلَ الذُّنُوبِ فَإِنَّ قَلِيلَ الذُّنُوبِ يَجْتَمِعُ حَتَّى يَكُونَ كَثِيراً»[19].

 

و في الصحيفة السجادية من دعاء الإمام زين العابدين (ع) في يوم الفطر و الجمعة عن عظيم الأجر و الثواب من الله على الطاعات و إن قلّت، قال عليه السلام: «و يَا مَنْ يَجْتَبِي صَغِيرَ مَا يُتْحَفُ بِه، و يَشْكُرُ يَسِيرَ مَا يُعْمَلُ لَه، ويَا مَنْ يَشْكُرُ عَلَى الْقَلِيلِ و يُجَازِي بِالْجَلِيلِ»[20]، تقبل منا القليل برحمتك يا أرحم الراحمين.

  1. – نهج البلاغة، حكمة 422

  2. – شرج نهج البلاغة، ابن ابي الحديد، ج20، ص 321 ، من الحكم المنسوبة للإمام علي عليه السلام (لا تُحَقّرَنّ شيئاً مِنَ الخيرِ وإن صَغُرَ ، فإنّك إذا رأيتَه سَرّك مَكانُه، ولا تُحَقّرَنّ شيئاً مِنَ الشرِّ وإن صَغُرَ ، فإنّك إذا رأيتَه ساءَك مَكانُه).

  3. – نهج البلاغة، حكمة 67

  4. – فضائل أمير المؤمنين ( ع )، ابن عقدة الكوفي، ص ١٣٤، الأمالي، الشيخ الصدوق، ص ١٥٤، عيون أخبار الرضا ( ع )، الشيخ الصدوق، ج ١، ص ٢٦٦، فضائل الأشهر الثلاثة، الشيخ الصدوق، ص ٧٨

  5. – فضائل أمير المؤمنين ( ع )، ابن عقدة الكوفي، ص ١٣٤، الأمالي، الشيخ الصدوق، ص ١٥٤، عيون أخبار الرضا ( ع )، الشيخ الصدوق، ج ١، ص ٢٦٦، فضائل الأشهر الثلاثة، الشيخ الصدوق، ص ٧٨

  6. – نهج البلاغة، حكمة 422

  7. – نهج البلاغة، حكمة 422

  8. – الأمالي، الشيخ الطوسي، ص ٥٦٦، مكارم الأخلاق، حسن بن الفضل الطبرسي، ص ٤٦٩، تنبيه الخواطر ونزهة النواظر ( مجموعة ورام )، ورام بن أبي فراس المالكي الاشتري، ج ٢، ص ٧١

  9. – الخصال، الشيخ الصدوق، ص 209 (أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ اَلْبَاقِرِ عَنْ أَبِيهِ عَلِيِّ بْنِ اَلْحُسَيْنِ عَنْ أَبِيهِ اَلْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ أَبِيهِ أَمِيرِ اَلْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِمُ السَّلاَمُ قَالَ: إِنَّ اَللَّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى أَخْفَى أَرْبَعَةً فِي أَرْبَعَةٍ أَخْفَى رِضَاهُ فِي طَاعَتِهِ فَلاَ تَسْتَصْغِرَنَّ شَيْئاً مِنْ طَاعَتِهِ فَرُبَّمَا وَافَقَ رِضَاهُ وَ أَنْتَ لاَ تَعْلَمُ وَ أَخْفَى سَخَطَهُ فِي مَعْصِيَتِهِ فَلاَ تَسْتَصْغِرَنَّ شَيْئاً مِنْ مَعْصِيَتِهِ فَرُبَّمَا وَافَقَ سَخَطُهُ مَعْصِيَتَهُ وَ أَنْتَ لاَ تَعْلَمُ وَ أَخْفَى إِجَابَتَهُ فِي دَعْوَتِهِ فَلاَ تَسْتَصْغِرَنَّ شَيْئاً مِنْ دُعَائِهِ فَرُبَّمَا وَافَقَ إِجَابَتَهُ وَ أَنْتَ لاَ تَعْلَمُ وَ أَخْفَى وَلِيَّهُ فِي عِبَادِهِ فَلاَ تَسْتَصْغِرَنَّ عَبْداً مِنْ عَبِيدِ اَللَّهِ فَرُبَّمَا يَكُونُ وَلِيَّهُ وَ أَنْتَ لاَ تَعْلَمُ) .

  10. – علل الشرائع، الشيخ الصدوق، ج ٢، ص ٥٩٩

  11. – الكافي، الشيخ الكليني، ج ٢ ، ص ١٤٢

  12. – سورة التوبة، آية 122

  13. – سورة الزلزلة، آية 7

  14. – ذكر القصة المجلسي و البحراني، بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج٤٧، ص٢٥١، العوالم، الإمام الكاظم (ع)، الشيخ عبد الله البحراني، ج١، ص ١٧٥

  15. – الأمالي، الشيخ الصدوق، ص ٥١٨ (لاَ تُحَقِّرُوا شَيْئاً مِنَ اَلشَّرِّ وَ إِنْ صَغُرَ فِي أَعْيُنِكُمْ، وَ لاَ تَسْتَكْثِرُوا اَلْخَيْرَ وَ إِنْ كَثُرَ فِي أَعْيُنِكُمْ، فَإِنَّهُ لاَ كَبِيرَ مَعَ اَلاِسْتِغْفَارِ وَ لاَ صَغِيرَ مَعَ اَلْإِصْرَارِ).

  16. – الكافي، الشيخ الكليني، ج ٢، ص ٢٨٧، الكافي، الشيخ الكليني، ج ٢، ص 457

  17. – الأمالي، الشيخ الصدوق، ص ٥١٨

  18. – – شرج نهج البلاغة، ابن ابي الحديد، ج20، ص 321 ، من الحكم المنسوبة للإمام علي عليه السلام

  19. – الكافي، الشيخ الكليني، ج ٢، ص ٢٨٧ (لَا تَسْتَكْثِرُوا كَثِيرَ الْخَيْرِ ولَا تَسْتَقِلُّوا قَلِيلَ الذُّنُوبِ فَإِنَّ قَلِيلَ الذُّنُوبِ يَجْتَمِعُ حَتَّى يَكُونَ كَثِيراً)، الكافي، الشيخ الكليني، ج ٢، ص 457 (لَا تَسْتَكْثِرُوا كَثِيرَ الْخَيْرِ وتَسْتَقِلُّوا قَلِيلَ الذُّنُوبِ فَإِنَّ قَلِيلَ الذُّنُوبِ يَجْتَمِعُ حَتَّى يَصِيرَ كَثِيراً).

  20. – الصحيفة السجادية، الإمام زين العابدين ( ع )، ص ٢٠٦ – دعاء 46 ، دعاؤه في يوم الفطر و الجمعة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *