محمد جواد الدمستانيمحمد جواد الدمستاني

Loading

فوائد المرض المستورة

إنّ المرض لا أجر فيه، و لكنه يحط السيئات ويحتها حت الأوراق

نهج البلاغة، حكمة 42

قَالَ أمير المؤمنين عليه السلام لِبَعْضِ أَصْحَابِهِ فِي عِلَّةٍ اعْتَلَّهَا:

«جَعَلَ اللَّهُ مَا كَانَ مِنْ شَكْوَاكَ حَطّاً لِسَيِّئَاتِكَ، فَإِنَّ الْمَرَضَ لَا أَجْرَ فِيهِ، وَ لَكِنَّهُ يَحُطُّ السَّيِّئَاتِ، وَ يَحُتُّهَا حَتَّ الْأَوْرَاقِ،

وَ إِنَّمَا الْأَجْرُ فِي الْقَوْلِ بِاللِّسَانِ، وَ الْعَمَلِ بِالْأَيْدِي وَ الْأَقْدَامِ،

وَ إِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ يُدْخِلُ بِصِدْقِ النِّيَّةِ وَ السَّرِيرَةِ الصَّالِحَةِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ الْجَنَّةَ».

قال أمير المؤمنين عليه السلام هذا الكلام إلى رجل مريض لما رجع مع جيشه من صفّين و قد جاوزوا اَلنُّخَيْلَةَ و رأوا بيوت الكوفة، و سأل عن اسمه فقال صالح بن سُليم، و لم يشهد معه صفّين لمرضه، و نقله المنقري في كتاب صفين، الصفحة 528، قال:

لَمَّا أَقْبَلَ عَلِيٌّ عليه السلام أَقْبَلْنَا مَعَهُ – إلى أن قال- فَإِذَا نَحْنُ بِشَيْخٍ جَالِسٍ فِي ظِلِّ بَيْتٍ عَلَى وَجْهِهِ أَثَرُ اَلْمَرَضِ، إلى أن قال عليه السلام «جَعَلَ اَللَّهُ مَا كَانَ مِنْ شَكْوَاكَ حَطّاً لِسَيِّئَاتِكَ، فَإِنَّ اَلْمَرَضَ لاَ أَجْرَ فِيهِ، وَ لَكِنْ لاَ يَدَعُ لِلْعَبْدِ ذَنْباً إِلاَّ حَطَّهُ»، مع اختلاف يسير في نص نهج البلاغة.

و المعنى في محو ذنوب المريض في روايات عديدة ففي الرواية عن رسول الله (ص) «السُّقمُ يَمحُو الذُّنوبَ»، البحار،ج64ص244، و «ساعاتُ الوَجَعِ يُذهِبْنَ ساعاتِ الخَطايا»، البحار، ج64ص244، «إنّ المَرَضَ يُنَقِّي الجَسَدَ مِن الذنوبِ كما يُذهِبُ الكِيرُ خُبثَ الحديدِ»، بحار الأنوار، ج78، ص197، و أمير المؤمنين (ع) «إذا ابتَلَى اللَّهُ عَبداً أسقَطَ عنهُ مِنَ الذُّنوبِ بقَدْرِ عِلَّتِهِ»، دعائم الإسلام،ج١، ص ٢١٨، و الإمام الرضا (ع) «و إنّ المَرَضَ لا يَزالُ بالمؤمنِ حتّى لا يكونَ علَيهِ ذَنبٌ»، ثواب الأعمال، ص ١٩٣.

و في روايات أنّ المرض كفارة للذنوب، روي عن النبي صلى الله عليه و آله «حُمّى ليلةٍ كَفّارةُ سَنَةٍ»، الأمالي (الطوسي)، ص ٦٣٠، و عن أَمِير المؤمنين عليه السلام «فِي اَلْمَرَضِ يُصِيبُ اَلصَّبِيَّ فَقَالَ كَفَّارَةٌ لِوَالِدَيْهِ»، الكافي، ج١١، ص ٤٥٤، الصبي لا سيئات عليه فالمرض كفارة لوالديه، و في موقع آخر في نهج البلاغة في الخطبة القاصعة قال الإمام عليه السلام «وَ كُلَّمَا كَانَتِ الْبَلْوَى وَ الِاخْتِبَارُ أَعْظَمَ كَانَتِ الْمَثُوبَةُ وَ الْجَزَاءُ أَجْزَلَ»، نهج البلاغة، خطبة 192.

و في روايات ذكرت عظيم الأجر و الثواب، و مع محو الذنوب يظهر و يمتاز الأجر و الثواب، و قد روي عن أحدهما (الإمام الباقر أو الإمام الصّادق) عليهما السلام «سَهَرُ لَيلَةٍ مِن مَرَضٍ أو وَجَعٍ أفضَلُ وأعظَمُ أجراً مِن عِبادَةِ سَنَةٍ»، الكافي،ج5ص309.

في الرواية عن عبد الله بن مسعود قَالَ: «بَيْنَمَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ ص إِذْ تَبَسَّمَ فَقُلْتُ لَهُ مَا لَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ عَجِبْتُ مِنَ الْمُؤْمِنِ وَجَزَعِهِ مِنَ السُّقْمِ وَلَوْ يَعْلَمُ مَا لَهُ فِي السُّقْمِ مِنَ الثَّوَابِ لَأَحَبَّ أَنْ لَا يَزَالَ سَقِيماً حَتَّى يَلْقَى رَبَّهُ عَزَّ وَجَلَّ». التوحيد، الصدوق، ص 400

المرض أو الدَّاء أو العِلَّة حالة غير طبيعية تصيب الجسد البشري و تحدث انزعاجاً، أو ضعفاً في الوظائف، أو إرهاقاً للشخص المصاب.

والمرض قهري و ليس بفعل الإنسان، فلا أجر فيه، «وَ إِنَّمَا الْأَجْرُ في» العمل الاختياري مثل «الْقَوْلِ بِاللِّسَانِ» بالذكر ، بالشُكر، بالتلاوة، و بالإرشاد، و التعليم، و النصيحة، و غيرِه، «وَ الْعَمَلِ بِالْأَيْدِي وَ الْأَقْدَامِ» بجهاد أو بإنفاق، و بالأعمال العبادية، و الصالحة و غيرِها.

وقال عليه السلام «وَ إِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ يُدْخِلُ بِصِدْقِ النِّيَّةِ وَ السَّرِيرَةِ الصَّالِحَةِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ الْجَنَّةَ». يدخل اللهُ من عباده الجنةَ إذا كانت نيتهم في أعمال الخير صادقة و سريرتهم صالحة و قلوبهم نظيفة، و كأنّه إلفات و تنبيه لـقوله عليه السلام: «إِنَّمَا الْأَجْرُ فِي الْقَوْلِ بِاللِّسَانِ، وَ الْعَمَلِ بِالْأَيْدِي وَ الْأَقْدَامِ»، حتى لا يُتوهم أن الأجر خاص بعمل الجوارح «بِالْأَيْدِي وَ الْأَقْدَامِ»، بل يعم عمل القلب أيضا.

بل إذا نوى الإنسان عمل خير و إن لم يعمله كتب له ثواب، فإذا عمله تضاعف الثواب عشرة أضعاف، كما في الرواية عن زرارة عن أحدهما (الباقر و الصادق) عليهما السلام قَالَ: «إِنَّ اللَّه تَبَارَكَ وتَعَالَى جَعَلَ لآِدَمَ فِي ذُرِّيَّتِه مَنْ هَمَّ بِحَسَنَةٍ ولَمْ يَعْمَلْهَا كُتِبَتْ لَه حَسَنَةٌ، ومَنْ هَمَّ بِحَسَنَةٍ وعَمِلَهَا كُتِبَتْ لَه بِهَا عَشْراً، ومَنْ هَمَّ بِسَيِّئَةٍ ولَمْ يَعْمَلْهَا لَمْ تُكْتَبْ عَلَيْه سَيِّئَةٌ، ومَنْ هَمَّ بِهَا وعَمِلَهَا كُتِبَتْ عَلَيْه سَيِّئَةٌ» الكافي،ج ٤،ص٢٢٢

و المرض و إن كان بلاءً مزعجا و معطلا للوظائف في جسم الإنسان، و يترتب عليه آثار، من أوجاع و آلام و ضيق و آثار نفسية، و من قلة المهتمين بالمريض قلة عائديه مع طول مدة المرض، و قد يسبب له المرض الفقر و الحاجة، و ربما شماتة الخصوم و الأعداء، و مشقة الأهل و احراج، إلى غيرها من آثار سلبية للمرض.

إلا أنّ في المرض فوائد لا ينبغي أن تخفى على العقلاء ، و من فوائده ما ذكره الإمام عليه السلام من حطِّ السيئات حتِّ الأوراق وهي فائدة عظيمة في محو السيئات، و لكنها لا تُدرك في عالم الدّنيا، أو لا يتعقلها إلا قليل من النّاس مع أهميتها العظيمة.

و منها التنبيه عن الغفلة والحث على التوبة فإنّ المرض محطة توقف و مراجعة للإنسان و قد يتغير نمط حياة المريض بالكامل بعد المرض حين التدبر و التوبة أثناءه.

و منها معرفة قيمة نعمة الصحة و العافية و اغتنامها، فإنّ النعم لا تعرف حق معرفتها و قيمتها إلا عند فقدها، و يعرف قيمة الصحة و العافية المرضى، قال أمير المؤمنين عليه السلام «إنما يعرف مقدار النعم بمقاساة ضدها»، عيون الحكم و المواعظ، ص١٧٧.

و منها الصبر عليه، قال أمير المؤمنين عليه السلام «الصبر زينة البلوى»، الإرشاد للمفيد،ج1ص300. و قال عليه السلام « اَلصَّبْرُ عَلَى اَلْبَلاَءِ أَفْضَلُ مِنَ اَلْعَافِيَةِ فِي اَلرَّخَاءِ»، غرر الحکم،ص98

و منها الرضا بقضاء الله و قدره و ما يؤديه من طمأنينة قلبية و اللجوء إلى الله و التوكل عليه.

و منها الدعاء و التضرع إلى الله تعالى فإنّ المريض أقرب نفسا و تهيئة للدّعاء و الصدق فيه و الخشوع حالة مرضه عادة، و الدّعاء من فعل الإنسان و به يستحق الثواب، قال تعالى «وَإِذَا مَسَّ الْإِنسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا» سورة يونس:12.

و منها الحث و الحضّ على الصدقة و هي دواء، قال أمير المؤمنين عليه السلام «الصَّدَقَةُ دَوَاءٌ مُنْجِحٌ»، نهج البلاغة، حكمة 7، و عن النبي (ص) «دَاوُوا مَرْضَاكُمْ بِالصَّدَقَةِ»، الكافي،ج٧، ص٢١١.

و منها التفرغ في الوقت مما يساعده إلى الأعمال العبادية و الأذكار، و التفكر و التدبر مما لم يكن ذلك متوفر له في وقت صحته و سلامته.

ومنها ما يكسبه المريض من أهل الطاعات و العمل الصالح من الحسنات و الثواب و الله يؤجرهم على نياتهم الصالحة و إن لم يتمكنوا منها و يعملوها، و يمنع أهل المعاصي من ارتكاب الذنوب أو بعض الذنوب لقلة الحركة و الفعل، و لانعدام الشهوة أو قلتها وهي دافع رئيس لارتكاب الذنوب.

و في الرواية عن رسول الله (ص): «يَقُولُ اللَّهُ – عَزَّ وَجَلَّ – لِلْمَلَكِ الْمُوَكَّلِ بِالْمُؤْمِنِ إِذَا مَرِضَ، اكْتُبْ لَهُ مَا كُنْتَ تَكْتُبُ لَهُ فِي صِحَّتِهِ، فَإِنِّي أَنَا الَّذِي صَيَّرْتُهُ فِي حِبَالِي». الكافي، ج5 ص308

و كل تلك الفوائد بها أجر و ثواب، و الأمر مقرون بالإيمان و الاعتقاد، و اليقين، فالحكمة دعوة لتحمّل المرض، و أنّ فيه من الفوائد الكبيرة لمصلحة المريض.

اللهمّ تفضّل على مرضى المؤمنين بالشفاء و الصحة، و الحمد لله ربّ العالمينن و صلّ اللهم على محمد و آله الطاهرين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *