03
الاجمال في الطلب و الاقتصار على الحلال
محمد جواد الدمستاني
الرزق ميسور للعباد و لكنهم يتخبطون في الحصول عليه، و القلة القليلة منهم من يطلب الرزق من حله مراعيا التقوى في طلبه مبتعدا عن الكسب الحرام و محتاطا في الشبهات، و كثير من الناس لا يبالي من أين جاء الرزق و المال، و بعضهم لا يتوقف عند الشبهات حيث يغريه المال في تجاوز الحدود أو التسامح معها، و مع هذا فإنّ الرزق مقسوم لصاحبه، و قد ذكر رسول الله هذا المعنى فعنه صلى الله عليه و آله أنّه قال: «ألا و إنّ الروح الأمين نفث في روعي أنه لن تموت نفس حتى تستكمل رزقها، فاتقوا الله وأجملوا في الطلب، و لا يحمل أحدكم استبطاء شئ من الرزق أن يطلبه بغير حله، فإنه لا يدرك ما عند الله إلا بطاعته»[1].
و روي عن الإمام أبي جعفر (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه و آله و سلم) في حجة الوداع: «ألا إن الروح الأمين … و أجملوا في الطلب و لا يحملنكم استبطاء شيء من الرزق أن تطلبوه بشيء من معصية الله فإنّ الله تبارك و تعالى قسم الأرزاق بين خلقه حلالا و لم يقسمها حراما، فمن اتقى الله عز وجل و صبر أتاه الله برزقه من حله، و من هتك حجاب الستر و عجّل فأخذه من غير حله قص به من رزقه الحلال و حوسب عليه يوم القيامة»[2].
و يقسّم الرزق بقسمين من ناحية الحلية و الحرمة، فالرزق مقسوم و ليسع الإنسان للظفر به من حله و يتجنب أن يحصل عليه بالحرام، و عن الإمام الصادق عن آبائه (عليهم السلام)، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): «و أعلموا أن الرزق رزقان: فرزق تطلبونه، ورزق يطلبكم، فاطلبوا أرزاقكم من حلال، فإنكم آكلوها حلالا إن طلبتموها من وجوهها، وإن لم تطلبوها من وجوهها أكلتموها حراما، وهي أرزاقكم لابد لكم من أكلها»[3].
و قد أمر الله سبحانه و تعالى عبيده و خلقه بالأكل الحلال الطيب، قال تعالى: (يا ايها الناس كلوا مما في الأرض حلالا طيبا)[4]، و قال سبحانه و تعالى: (فكلوا مما رزقكم الله حلالا طيبا واشكروا نعمة الله)[5]، و هو الرزاق الكريم: (و الله يرزق من يشاء بغير حساب)[6]، و قد وعد من يتقيه بالرزق من حيث لا يحتسب، فقال سبحانه: (و من يتق الله يجعل له مخرجا و يرزقه من حيث لا يحتسب)[7].
و روي عن رسول الله صلى الله عليه و آله: أيها الناس إن الرزق مقسوم لن يعدو امرؤ ما قسم له فأجملوا في الطلب: وإن العمر محدود لن يتجاوز أحد ما قدر له، فبادروا قبل نفاذ الأجل، والأعمال محصية»[8].
و قال أمير المؤمنين في وصيته لابنه الإمام الحسن عليهما السلام: «فخفض في الطلب، و أجمل في المكتسب، فإنه رب طلب قد جر إلى حرب، وليس كل طالب بناج، وكل مجمل بمحتاج»[9]. و قال عليه السلام: «خذ من الدنيا ما أتاك وتول عما تولى عنك فإن أنت لم تفعل فأجمل في الطلب»[10].
و قال الإمام الصادق عليه السلام: «لو كان العبد في جحر لأتاه الله برزقه فأجملوا في الطلب»[11].
و عنه (عليه السلام): «لا تخاطر بشئ رجاء أكثر منه، و اطلب فإنه يأتيك ما قسم لك»[12].
و قد يقوم العبد بكثير من الحيّل دون نتائج كثيرة في الرزق المراد، و قد يأتيه رزقه الكثير مع قلة حيلته، و في هذا قال أمير المؤمنين عليه السلام: «كم من متعب نفسه مقتر عليه، و مقتصد في الطلب قد ساعدته المقادير»[13].
و قال عليه السلام: «اعلموا أن عبدا و إن ضعفت حيلته، و وهنت مكيدته إنّه لن ينقص مما قدر الله له، و إن قوي عبد في شدة الحيلة و قوة المكيدة أنّه لن يزداد على ما قدر الله له»[14].
فهذا حال الدنيا لا ينال كثيرا مما فيها بالحيّل، قال الإمام الصادق عليه السلام: «إن الله تعالى وسع في أرزاق الحمقى ليعتبر العقلاء و يعلموا أن الدّنيا ليس ينال ما فيها بعمل و لا حيلة»[15].
و الرزق مضمون لمن طلبه كما عن أمير المرمنين عليه السلام: «اطلبوا الرزق فإنه مضمون لطالبه»[16].
و قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): «العبادة عشرة أجزاء تسعة أجزاء في طلب الحلال»[17]. و روي عنه (صلى الله عليه و آله و سلم): «العبادة سبعون جزءا أفضلها طلب الحلال»[18].
و قال رسول الله صلى الله عليه و آله: «طلب الحلال فريضة على كل مسلم ومسلمة»[19].
و عن رسول الله (صلى الله عليه و آله): «إن الله يحب أن يرى عبده تعبا في طلب الحلال»[20].
وعنه (صلى الله عليه و آله): «من أكل من كد يده نظر الله إليه بالرحمة ثم لا يعذبه أبدا»[21].
و قال الفضل بن أبي قرة: «دخلنا على أبي عبد الله (عليه السلام) وهو يعمل في حائط له فقلنا: جعلنا الله فداك دعنا نعمل لك أو تعمله الغلمان، قال: لا، دعوني فإني أشتهي أن يراني الله عز وجل أعمل بيدي، وأطلب الحلال في أذى نفسي»[22].
- – الكافي – الكليني – ج2، ص74 ، ميزان الحكمة – محمد الريشهري – ج 2 – ص 1069 ↑
- – الكافي – الشيخ الكليني – ج ٥ – ص ٨٠ ، موسوعة أحاديث أهل البيت (ع) – الشيخ هادي النجفي – ج 4 – ص 184، وسائل الشيعة (آل البيت) – الحر العاملي – ج 17 – ص 44 . ↑
- – الأمالي – الشيخ الصدوق – ص 369 ↑
- – سورة البقرة، آية 168 ↑
- – سورة النحل، آية 114 ↑
- – سورة البقرة – آية 212، سورة النور – آية 38 ↑
- – سورة الطلاق، آية 2،3 ↑
- – بحار الأنوار – العلامة المجلسي – ج 100 – ص 26، مستدرك الوسائل – الميرزا النوري – ج 13 – ص 29 ↑
- – نهج البلاغة: الحكمة 396، والكتاب 72 . ↑
- – نهج البلاغة، الكتاب 31، و من وصية له للإمام الحسن بن علي (عليهما السلام). ↑
- – جامع أحاديث الشيعة – السيد البروجردي – ج ١٧- ص ١٨ (لو كان العبد في جحر)، كتاب التمحيص – محمد بن همام الإسكافي – ص 53 (لو كان العبد في جحر) ، الكافي – الكليني – ج5 – ص81 (لو كان العبد في حجر)، موسوعة أحاديث أهل البيت (ع) – الشيخ هادي النجفي – ج 4 – ص 184 (لو كان العبد في حجر). ↑
- – تحف العقول – ج1- ص68 ، ميزان الحكمة – محمد الريشهري – ج 1 – ص 324 ↑
- – الكافي – الكليني – ج5 – ص81 ، موسوعة أحاديث أهل البيت (ع) – الشيخ هادي النجفي – ج 4 – ص 185. ↑
- – الأمالي – الشيخ المفيد – ج1- ص207، ميزان الحكمة – محمد الريشهري – ج 2 – ص 1068 ↑
- – ، الكافي – الكليني- ج5- ص82، موسوعة أحاديث أهل البيت (ع) – الشيخ هادي النجفي – ج 4 – ص 185 وسائل الشيعة (آل البيت) – الحر العاملي – ج 17 – ص 48 ↑
- – الإرشاد – المفيد – ج1- ص 303، ميزان الحكمة – محمد الريشهري – ج 2 – ص 1068. ↑
- – جامع الأخبار ( معارج اليقين في أصول الدين )، الشيخ محمد الشعيري السبزواري، ص ٣٩٠، بحار الأنوار – العلامة المجلسي -ج ١٠٠ – ص ١١، ميزان الحكمة – محمد الريشهري – ج 2 – ص 1074 ↑
- – الكافي – الشيخ الكليني – ج ٥ – ص ٧٨، موسوعة أحاديث أهل البيت (ع) – الشيخ هادي النجفي – ج 4 – ص182 ↑
- – جامع الأخبار- السبزواري- ج1- 139، بحار الأنوار- المجلسي – ج100- ص9، جامع أحاديث الشيعة – السيد البروجردي – ج 17 – ص 14. ↑
- – كنز العمال، المتقي الهندي- ج٤- ص٤، ميزان الحكمة – محمد الريشهري – ج 2 – ص 1074. ↑
- – جامع الأخبار ( معارج اليقين في أصول الدين )، الشيخ محمد الشعيري السبزواري، ص ٣٩٠، ميزان الحكمة – محمد الريشهري – ج 2 – ص 1074. ↑
- – من لا يحضره الفقيه – الشيخ الصدوق- ج ٣ – ص ١٦٣، ميزان الحكمة – محمد الريشهري – ج 2 – ص 1075 ↑