غفلة أهل الدّنيا
«أهل الدنيا كركب يسار بهم وهم نيام»
محمد جواد الدمستاني
إشارة إلى غفلة أهل الدّنيا و انشغالهم بزخرفها و عدم اكتراثهم للآخرة و قربها روي عن أمير المؤمنين عليه السلام في نهج البلاغة قوله (ع): «أَهْلُ الدُّنْيَا كَرَكْبٍ يُسَارُ بِهِمْ وَ هُمْ نِيَامٌ»[1]، و هو تنبيه بعدم الاغترار بالدّنيا و الانشغال بزينتها، و دعوة للتيقظ و أنّ الدنّيا ممر للآخرة و ليست مقرا، و أنّ الإنسان لابد له من الاستعداد و التهيّؤ للآخرة.
و نيام كناية عن غفلة أهل الدّنيا فأهل الدّنيا مشتغلين بها و ناسين الموت و الآخرة، و الكلام تنبيه لهم و تحذيرهم بعدم الغفلة، و الانتباه إلى سرعة تصرّم العمر و انقضائه.
و السائر أو المسافر له مبدأ في السفر و مقصد، و كلما خطى خطوة أو تحرك مسافة ابتعد عن مبدأ السفر أو بداية السفر و اقترب إلى مقصد السفر أو نهاية السفر، حتى يصل إلى المقصد و ينتهي السفر، و نهاية السفر للمسافر من الدّنيا هو الموت، و المسافر النائم لا يعلم كم خطوة خطى و كم مسافة قطع، و كم ابتعد من بداية السفر و كم اقترب من نهاية السفر، لا يلتفت إلى المسافات و المراحل المقطوعة في الطريق، و لا ينتبه إلا و قد وصل إلى نهاية السفر، و نهاية سير و سفر الدّنيا هو الوصول إلى الآخرة بالموت، و بما أنّ أهل الدّنيا نائمون، لا يلتفتون إلى أن ينتهي سفرهم، فيأخذهم الموت بغتة و هم غافلون وجب تنبيههم و إيقاظهم.
و كأنّما أهل الدّنيا مجموعة من الركّاب يُسار بهم في سفر الدنيا، بداية السفر الزمنية هي الولادة و نهاية السفر هو الموت، و كلما ابتعدوا عن وقت الولادة اقتربوا من الموت، و هم في حالة من الغفلة و النوم لا يشعرون بالحركة أو التغيّر الذي يجري حولهم و لا يعلمون أين يُؤخذون و إلى أين يُساقون، و هم يُنقلوم من مكان إلى مكان آخر دون أن يشعروا، فعيونهم مغمضة و قلوبهم مقفلة، و لا يعلمون كم قطعوا من المسافة و كم بقى عليهم للوصول، و على هذا الحال غالبية أهل الدّنيا حتى يفاجئهم الموت فيوقظهم، قال تعالى: «اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُّعْرِضُونَ»[2].
فأهل الدّنيا منشغلون بها و يقضون حياتهم فيها و هي في انصرام، تغريهم شهوتها و تمتعهم لذتها و تفتنهم أموالها، و تخدعهم طموحاتهم و أمانيّهم فيها، لا يدركون أين يُساقون، و سرعان ما تأتي ساعة الفراق فلا يصطحبون معهم متاعا و لا عقارا، و هذه الغفلة تستمر حتى ساعة الموت فحينها ينتبهون و يندمون و يتأسفون، و لكن الوقت يكون قد انتهى و جاء عالم آخر لا عمل فيه و لا اكتساب فـــ «اَلنَّاسُ نِيَامٌ فَإِذَا مَاتُوا اِنْتَبَهُوا»[3] كما روي عن أمير المؤمنين عليه السلام.
و في نهج البلاغة قريب من هذا المعنى في قوله عليه السلام: «فَإِنَّمَا أَنْتُمْ كَرَكْبٍ وُقُوفٍ لَا يَدْرُونَ مَتَى يُؤْمَرُونَ بِالسَّيْرِ»[4]، و التعبير هنا بالوقوف للحياة، و بالسير للموت و انتهاء الحياة و الانتقال إلى العالم الآخر فالنّاس يجهلون وقت موتهم حتى يأتي أمر الله به. و كذلك «وَ إِنَّ أَهْلَ الدُّنْيَا كَرَكْبٍ بَيْنَا هُمْ حَلُّوا إِذْ صَاحَ بِهِمْ سَائِقُهُمْ فَارْتَحَلُوا»[5] إشارة إلى سرعة انقضاء العمر، بينا هم وُلدوا فتصرّم العمر سريعا فماتوا، و كذا روي عن أمير المؤمنين (ع) «نَفَسُ الْمَرْءِ خُطَاهُ إِلَى أَجَلِهِ»[6].
وينسب في الشعر إلى أمير المؤمنين عليه السلام:
أَلَا إِنَّمَا الدُّنْيَا كَمَنْزِلِ رَاكِبٍ أَنَاخَ عَشِيّاً وَهُوَ فِي الصُّبْحِ رَاحِلٌ
فهي دعوة مهمة من أمير المؤمنين عليه السلام بضرورة التيقّظ و الانتباه من الغفلة فإنّ الدّنيا لا يُسار فيها بأهلها إلى الأبد بل لابد من مقصد ينتهي إليه و هي ساعة الموت فيجب الانتباه في المسير و طرد الغفلة حتى لا يدركهم الموت و هم نائمون.
و يجب التيقظ في الأمور كلها و الجدّ «فإنّ الأمر أسرع من ذلك»[7] كما يقول أمير المؤمنين عليه السلام للبائع الذي أراد أن يخيط ثوب الإمام بعد قطعه.
اللهم أبعدنا عن نومة الغافلين، و اجعلنا من الذّاكرين، برحمتك يا أرحم الراحمين، و صلّ اللّهمّ على محمد و آله الطاهرين.
-
– نهج البلاغة – حكمة 64 ↑
-
– سورة الأنبياء، آية 1 ↑
-
– خصائص الأئمة علیهم السلام، الشريف الرضي، ص112، عیون الحکم ، الليثي الوسطي، ص 66، كما تروى عن رسول الله (ص). ↑
-
– نهج البلاغة، خطبة 157 ↑
-
– نهج البلاغة، حكمة 415 ↑
-
– نهج البلاغة، حكمة 74 ↑
-
– الغارات، إبراهيم بن محمد الثقفي الكوفي، ج١، ص ١٠٥ ↑