اللسان كاشف عن شخصية الإنسان
«تكلّموا تُعرفوا فإنّ المرء مخبوء تحت لسانه»
محمد جواد الدمستاني
اللسان هو الكاشف الحقيقي عن شخصية الإنسان و ليس شيئا آخر و روي عن أمير المؤمنين عليه السلام في نهج البلاغة قوله في حكمة «الْمَرْءُ مَخْبُوءٌ تَحْتَ لِسَانِهِ»[1]، و في حكمة أخرى «تَكَلَّمُوا تُعْرَفُوا فَإِنَّ الْمَرْءَ مَخْبُوءٌ تَحْتَ لِسَانِهِ»[2]، و من الأمثال العربية التي تذكر إضافة طيلسانه لكلامه عليه السلام فيقال «المرء مخبوء تحت طي لسانه لا طيلسانه».
و مخبوء أي مخفي و مستور، و تحت لسانه كناية عن السكوت و عدم الكلام، و في الحكمة نوع تشبيه باختفاء الإنسان تحت لسانه كالمال و الكنز المدفون المخفي تحت الأرض، فكما أنّ الكنز لا يكتشف إلا بالحفر و الإخراج كذلك الإنسان لا تكتشف شخصيته إلا بالكلام و الأقوال.
و المرء أو الرجل مخبوء حاله، مخفيّ وضعه، مستور شخصه حتى يتكلم، فإذا تكلم بَيّن و ظهر و اكتُشفت شخصيته، فيظهر العالم من الجاهل و الحكيم من السفيه، و الخيّر من الشرير، و يظهر قدر الشخص و عقله و علمه، و لذا تكلموا تعرفوا و تتضح شخصيتكم، و إذا لم تتكلموا فستبقى شخصيتكم مجهولة و لا تُعرفوا.
و هكذا يُعرف بالكلام العلماء و المفكرين و الفلاسفة عند نطقهم كما يُعرف الجهال بالكلام و دونه يبقى كل واحد منهم مجهول و مخبوء و مستور لا تدل عليه ظواهره من اللباس أو الهيكل أو اللون و البلد و العرق تمام المعرفة.
و هكذا يظهر بالكلام تفاصيل في حياة المتكلم فتظهر خبرته و تجربته و عقله، و فكره و أخلاقه و حكمته أو سذاجته و معتقداته، و فصاحته و بلاغته و أدبه، و تظهر تفاصيل شخصيته للمخاطب و السامع.
فالتمييز بين الناس و معرفتهم من خلال كلامهم و طريقة حديثهم، و كلّ ما يكنّونه و يكتمونه في أنفسهم يظهر في أقوالهم و أحاديثهم و تعابيرهم.
فلا اللباس أو الطيلسان و الزيّ و الهيئة، و لا هيكل الجسم و قوته و ضعفه، و لا الانتساب إلى قبيلة معروفة أو مجهولة، و لا نسبته إلى مكان دون آخر، يدل على معرفة النّاس و الأشخاص، و إنما الكلام هو المعرّف و المميّز و الكاشف عن الشخص و قدره، و في القرآن الكريم «وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ»[3].
و الأمر بالكلام لفهم الإنسان في «تَكَلَّمُوا تُعْرَفُوا» به ترجيح للكلام على الصمت فإنّ المعرفة لا تتم إلا بالكلام، و أنّ شؤون الحياة و النّاس لا تتم إلا باللسان و إلا تعطّلت مصالحهم، و لا تنتشر العلوم و المعارف و التعليمات و التوصيات إلا به، و قد جاء الأنبياء عليهم السلام بالكلام لا بالصمت.
و في الحكمة إضافة إلى هذه الحقيقة في معرفة الناس بالكلام و جهلهم بدونه دعوة إلى وزن الكلام قبل إخراجه، و إلى عرضه على العقل قبل النطق به، و حذف الزوائد منه، و التفكير قبل تحريك اللسان، و قد رُوي هذا المعنى عن أمير المؤمنين عليه السلام في نهج السعادة في مستدرك نهج البلاغة عن الإمام الصادق (ع) قال: قال أمير المؤمنين (ع): «اَلْمَرْءُ مَخْبُوءٌ تَحْتَ لِسَانِهِ، فَزِنْ كَلاَمَكَ، وَ اِعْرِضْهُ عَلَى اَلْعَقْلِ، فَإِنْ كَانَ لِلَّهِ وَ فِي اَللَّهِ فَتَكَلَّمْ بِهِ، وَ إِنْ كَانَ غَيْرَ ذَلِكَ فَالسُّكُوتُ أَوْلَى»[4]، فإن كان لله و في الله، و فيه نصيحة أو توصية أو تعليم، أو أمر بمعروف أو نهي عن منكر، أو ذكر أو عبادة، أو منفعة و فائدة و ذو معنى و قيمة فيتكلم الإنسان به، و إن كان غير ذلك من فضول الكلام من ثرثرة أو جدال و لغو أو مراء فيمتنع عنه، و يلزم السكوت فهو خير له، و لا أقل يسعى الإنسان في تقليل الكلام قدر المستطاع فإنّ كل كلمة تخرج من فم الإنسان تأخذ مأخذها و تُوزن بأوزانها، و لكن هذا يحتاج إلى تربية نفس كبيرة و جهاد نفسي و تدريب مستمر يحافظ فيه الإنسان على الصمت و السكوت و لا يتكلم إلا في أوقاته المناسبة و المفيدة.
و يروى عن الرسول صلى الله عليه و آله هذا المعنى: «رَحِمَ اَللَّهُ عَبْداً تَكَلَّمَ فَغَنِمَ، أَوْ سَكَتَ فَسَلِمَ»[5]، و روي عن أمير المؤمنين عليه السلام: «اَلنَّاسُ أَبْنَاءُ مَا يُحْسِنُونَ، وَ قَدْرُ كُلِّ اِمْرِئٍ مَا يُحْسِنُ، فَتَكَلَّمُوا فِي اَلْعِلْمِ تَبَيَّنْ أَقْدَارُكُمْ»[6]، فقدر كل امرئ ما يحسنه و يعلمه و يظهر بالكلام قدره و منزلته.
و بهذا يظهر عدم معرفة النّاس الحقيقية بألوانهم أو حسن جمالهم أو مناطق سكناهم أو حجم ثرائهم أو نوعية ألبستهم أو انتماءاتهم القبلية و العرقية، فهي كلها لا تدل على المعرفة الحقيقية للنّاس، و لكن قد يتعامل أنّاس بها كنوع من الحقيقة في معرفة الأشخاص و هي وهم، فإنّ بعض الشعوب ترى أّنّها هي الأفضل و الآخرين دونهم بل بعضها قد يرى نفسه بأنّه مميز لا مثيل له بين شعوب الأرض.
و بعض الدول المتجاورة التي تفصل بينها حدود برية أو بحرية تترافع على بعضها فيرون الأفضلية لهم دون غيرهم بل و يصدرون النكات على جارتهم و ليس إلا بتفضيل المكان و البلد و جعله مقياسا لقدر النّاس، و لا حقيقة لهذا في تمييز و معرفة الأشخاص، بل بالكلام و اللسان تكون المعرفة الحقيقية.
-
– نهج البلاغة، حكمة 148 ↑
-
– نهج البلاغة، حكمة 392 ↑
-
– سورة محمد، آية 30 ↑
-
– مستدرك الوسائل، الميرزا النوري، ج9، ص22، مستدرك الوسائل، الميرزا النوري، ج9، ص22، ج9، ص22 ↑
-
– جامع الأخبار، الشعيري، ص 185، أعلام الدین، الديلمي، ص 335 ↑
-
– الکافي، الكليني، ج1، ص50 ↑