آثار الفقر و الحرمان
«الفقر الموت الأكبر»
محمد جواد الدمستاني
حول تأثير الفقر في حياة الفرد و المجتمع و إشارة الى أسبابه الرئيسية في المعاناة الإنسانية روي عن أمير المؤمنين عليه السلام قوله: «الفَقْرُ المَوْتُ الأَكْبَرُ»[1]، و في غرر الحكم «الْقَبْرُ خَيْرٌ مِنَ الْفَقْرِ»[2]، و روي عن النبي (ص) «الفَقرُ أشَدُّ مِنَ القَتلِ»[3].
و وصفه بالموت «الفَقْرُ المَوْتُ» لعله لانقطاع الفقير عن رغباته و مشتهياته و مطلوباته التي بها تستقيم الحياة أو هي مادّة الحياة، فالفقير لا يصل الى تلك الرغبات و المشتهيات فهو كالميت، و تعدم معه الحياة الكريمة العزيزة، و تقل المعنويات الى أدناها مع شدة الفقر، و يضعف أو يموت عنده الطموح.
و وصفه بالأكبر «المَوْتُ الأَكْبَرُ» لتوالي الآلام و الأوجاع على الفقير مدّة فقره، الم بعد الم و وجع بعد وجع، بينما في الموت ألم أو وجع في وقت واحد، فبالمقارنة الفقر هو أكبر لتتابع و استمرار الآلام و الأوجاع، و أنّه قد يسبب في حرمان الإنسان من إنسانيته و يذله و يقيّده.
فهو موت أكبر حيث يمنع الفقير من الحياة الطبيعية و ما تقتضيها و ما يشتهيه، و يستمر فيها مع الآلام و الأحزان، و قد يصل الأمر الى حالة اليأس بالفقير الذي لا يطال شيئا منها و يتمنى الموت.
و مع هذا فإنّ الفقير لديه قدرة مع الإيمان و الصبر و التوكل و الجدّ لتغيير الواقع النفسي الداخلي و الحارجي فيتجاوز تلك الآثار و الصعوبات أو شطرا منها.
و لأنّ الفقر في كثير من الحالات يؤدي بصاحبه الى الذل و الإهانة و يسبب مرارة و مشقة، و قد يؤدي في حالات إلى فساد أخلاقي من رذائل و فواحش و جرائم، و حالات الى فساد إداري من رشوات و اختلاسات و محسوبيات، و حالات الى فساد اجتماعي من انحرافات و سرقات و ارتكاب جرائم عامة و اعتداءات على حقوق الآخرين، كما يؤدي الى اضطرابات اجتماعية و نزاعات، فالفقر يؤدي الى خراب أخلاق النّاس، و في غرر الحكم «ضَرُورَات الْفَقْرِ تَبْعَثُ عَلَى فَظِيعِ الْأَمْرِ»[4].
و قد يؤدي الفقر الى الجوع المدقع و سوء التغذية لعدم توفر الغذاء الكافي، و حرمان من الرعاية الصحية اللازمة، و أمراض تترافق مع عدم القدرة على العلاج، و كثير من حالات الفقر يعجز معها الفقير من فرصة التعليم المناسب مما يؤدي الى توسيع دائرة الفقر، و في حالات مضطربة يؤدي الى اليأس، و كل هذه لها آثار سلبية فتتضاعف.
و يؤثر الفقر على الجانب النفسي فقد يسبب ضغوطا نفسية متعددة و علاقة سلبية مع الكرامة و عزّة النفس و الإباء، و الاضطرار الى اللجوء إلى عون الآخرين و مساعدتهم، و تلاشي الأمنيات و الطموحات، مع التفكير في انعدام التعليم له أو لأولاده و صعوبات التطبيب، و تشتتات الذهن، و الوسوسات الشيطانية، فــ «الفقرُ أحزانٌ»[5].
و يجلب الفقر الديون و الهموم و الغموم، و في غرر الحكم «الْفَقْرُ مَعَ الدَّيْنِ الْمَوْتُ الْأَحْمَرُ»[6]، «الْفَقْرُ مَعَ الدَّيْنِ الشَّقَاءُ الْأَكْبَرُ»[7].
و الفقراء في الدّنيا عامة لا يُعطون أهمية و إن كانوا يتصفون بالصفات الحسنة و المزايا النبيلة و الفضائل و الكمالات، و أما الأغنياء و أصحاب الثروات فهم موقرون و محترمون و إن كانوا جهلة و سفلة و فاسدين، و في الرواية عن أمير المؤمنين (ع) في كلامه لابنه الإمام الحسن (ع) قال: «يا بُنَيَّ الفَقيرُ حَقيرٌ لا يُسْمَعُ كَلامُهُ، وَلا يُعْرَفُ مَقامُهُ، لَوْ كانَ الفَقيرُ صادِقاً يُسَمُّونَهُ كاذِباً، وَلَوْ كانَ زاهِداً يُسَمُّونَهُ جاهِلًا»[8].
و الفقر سبب لكثير من الانهيارات الفردية و الاجتماعية و خراب المجتمعات، و ترك الرضا و في رواية النبي (ص): «و لَولا رَحمَةُ رَبّي عَلى فُقَراءِ امَّتي،كادَ الفَقرُ يَكونُ كُفرا»[9] ، و «كَادَ الْفَقْرُ أَنْ يَكُونَ كُفْراً و كَادَ الْحَسَدُ أَنْ يَغْلِبَ الْقَدَرَ»[10].
و للفقر آثار متعددة في اليقين و العقل و الدين و الحياء يذكرها أمير المؤمنين (ع) في كلمة للإمام الحسن (ع)، قال (ع): «يا بُنَيَّ، مَنِ ابتُلِيَ بِالفَقرِ فَقَدِ ابتُلِيَ بِأَربَعَ خِصال: بِالضَّعفِ في يَقينِهِ، وَالنُّقصانِ في عَقلِهِ، وَالرِّقَّةِ في دينِهِ، وقِلَّةِ الحَياءِ في وَجهِهِ»[11].
ضعف في اليقين و الاعتقاد الجازم، و النقصان و الضعف و الانحدار في العقل، و قلة و نقص في الحياء، و الرقة في الدين أي ضعف و منقصة في التدين لأن النفس إذا أحرزت رزقها و قوتها هدأت وسكنت و اطمأنت، و إذا لم تحرز و احتاجت اضطربت و قلقت و تعرضت لما هو خارج الحدود الشرعية إذا لم تكن تملك الإيمان الكافي و رعاية للقيّم الإنسانية.
نعم الفقر مع المحافظة على القيّم الدينية و الأخلاقية و الإنسانية و الصبر يكون اجتياز عظيم في امتحان الدّنيا للآخرة و نجاح موفق، و لعل هذا هو الممدوح في روايات مدح الفقر أو الفقراء.
ومن آثار الفقر التي يذكرها الإمام (ع):
الشعور بالغربة في الوطن، قال (ع): «الفَقْرُ فِي الوَطَنِ غُرْبَةٌ»[12]، و «المُقِلُّ غَرِيبٌ فِي بَلْدَتِهِ»[13].
و منها انعقاد لسان الفقير عن الكلام «الفَقْرُ يُخْرِسُ الفَطِنَ عَنْ حُجَّتِهِ»[14].
و منا أنّ «الفقر يُنسِى»[15]، أو يُؤخّر، فينشغل صاحبه بالهموم و الأحزان أو بالنفس و الأهل، و يفقد التركيز و يتشتت ذهنه.
و منها ما ذكره (ع) إلى ابنه محمد من تأثير الفقر على الدين و العقل و تقييم النّاس السلبي للفقير، قال (ع): «يَا بُنَيَّ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكَ الفَقْرَ، فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنْهُ فَإِنَّ الفَقْرَ مَنْقَصَةٌ لِلدِّينِ مَدْهَشَةٌ لِلْعَقْلِ دَاعِيَةٌ لِلْمَقْتِ»[16]، نعوذ بالله من الفقر و الفاقة، و في غرر الحكم «إنّ الفَقرَ مَذَلَّةٌ لِلنَّفسِ، مَدهَشَةٌ لِلعَقلِ، جالبٌ لِلهُمومِ»[17].
و من دعائه عليه السلام المروي في نهج البلاغة «اللَّهُمَّ صُنْ وَجْهِي بِاليَسَارِ، وَ لَا تَبْذُلْ جَاهِيَ بِالإِقْتَار،ِ فَأَسْتَرْزِقَ طَالبِي رِزْقِكَ، وَ أَسْتَعْطِفَ شِرَارَ خَلْقِكَ، وَ أُبْتَلَى بِحَمْدِ مَنْ أَعْطَانِي، وَ أُفْتَتَنَ بِذَمِّ مَنْ مَنَعَنِي، وَ أَنْتَ مِنْ وَرَاءِ ذَلِكَ كُلِّهِ وَلِيُّ الإِعْطَاءِ وَ المَنْعِ، إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ»[18].
-
– نهج البلاغة، حكمة 163 ↑
-
– غرر الحكم ودرر الكلم، عبد الواحد الآمدى التميمي، ص ٣٢ ↑
-
– جامع الأخبار ( معارج اليقين في أصول الدين )، الشيخ محمد الشعيري السبزواري، ص ٢٩٩ ↑
-
– غرر الحكم ودرر الكلم، عبد الواحد الآمدى التميمي، ص ٤٢٥ ↑
-
– غرر الحكم ودرر الكلم، عبد الواحد الآمدى التميمي، ص٢٠ ↑
-
– غرر الحكم ودرر الكلم، عبد الواحد الآمدى التميمي، ص ٧٠ ↑
-
– غرر الحكم ودرر الكلم، عبد الواحد الآمدى التميمي، ص ٧٠ ↑
-
– جامع الأخبار (معارج اليقين في أصول الدين)، الشيخ محمد الشعيري السبزواري، ص ٣٠٠، بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج69، ص 47 ↑
-
– جامع الأخبار ( معارج اليقين في أصول الدين )، الشيخ محمد الشعيري السبزواري، ص ٣٠٠ ↑
-
– الكافي، الشيخ الكليني، ج2، ص ٣٠٧ ↑
-
– جامع الأخبار (معارج اليقين في أصول الدين)، الشيخ محمد الشعيري السبزواري، ص ٣٠٠، بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج69، ص 47 ↑
-
– نهج البلاغة، حكمة 56 ↑
-
– نهج البلاغة، حكمة 3 ↑
-
– نهج البلاغة، حكمة 3 ↑
-
– غرر الحكم ودرر الكلم، عبد الواحد الآمدى التميمي، ص ١٨، شرح آقا جمال خوانسارى بر غرر الحكم ودرر الكلم ( فارسي )، جمال الدين محمد الخوانساري، ج ١، ص ١٣٩ ↑
-
– نهج البلاغة، حكمة 319 ↑
-
– غرر الحكم ودرر الكلم، عبد الواحد الآمدى التميمي، ص ٢٢٢ ↑
-
– نهج البلاغة، خطبة 225 ↑