الصوم في الشتاء الغنيمة الباردة
محمد جواد الدمستاني
رُوي عن الإمام الصادق عن آبائه عليهم السلام عن رسول الله صلى الله عليه و آله «اَلصَّوْمُ فِي اَلشِّتَاءِ اَلْغَنِيمَةُ اَلْبَارِدَةُ» من لا یحضره الفقیه،ج4ص352، معاني الأخبار،ج1ص272، الخصال،ج1ص314.
و في البحار «اَلْغَنِيمَةُ اَلْبَارِدَةُ اَلصَّوْمُ فِي اَلشِّتَاءِ». بحار الأنوار،ج93،ص257، مستدرك الوسائل،ج7ص510.
و في وسائل الشيعة للحر العاملي، باب في استحباب الصوم في الشتاء، في الجزء العاشر، صفحة 414.
كما رُوي عن الإمام الصادق عليه السلام «اَلشِّتَاءُ رَبِيعُ اَلْمُؤْمِنِ يَطُولُ فِيهِ لَيْلُهُ فَيَسْتَعِينُ بِهِ عَلَى قِيَامِهِ، وَ يَقْصُرُ فِيهِ نَهَارُهُ فَيَسْتَعِينُ بِهِ عَلَى صِيَامِهِ». معاني الأخبار،ج1ص228، الأمالی (للصدوق)،ج1ص237، فضائل الأشهُر الثلاثة،ج1ص111، وسائل الشیعة،ج10ص414.
الغنيمة في الأصل ما يؤخذ في الحرب و الجمع غَنائم، و تأتي بمعنى الكسب و الربح، و في القرآن الكريم، «وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ» الأنفال:٤١، و «فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلَالًا طَيِّبًا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ». الأنفال:٦٩، و غنيمة باردة بمعنى فائدة أو منفعة سهلة، و الصائم في الشتاء يكسب الأجر و الثواب بسهولة و بدون مشقة كبيرة.
و الرواية بها دعوة و ترغيب و اغتنام عبادة الصوم في أيام الشتاء قصير النّهار مع عدم الشعور بالجوع كثيرا، و قليل الساعات مع عدم الجهد الكثير، و مع سهولة التحمّل، و في أيامه الباردة مع عدم الشعور بالعطش، فهو غنيمة من جهة أنّ الصائم في الشتاء يحصل الأجر و الثواب دون تعب كبير و مشقة، كأنّه غنيمة تؤخذ دون مقابل من جهد و مشقة.
و في لياليه فرصة لاغتنام العبادة و الاجتهاد في المستحبات و النوافل مع طول الليل و ليس ذلك في الصيف، إذ أنّ ليله قصير و صيام نهاره أكثر جهدا و مشقة.
ففي الشتاء فرصة لمن عليه أيام قضاء صوم واجب من شهر رمضان و قضائه، لمن كان مريضا أو مسافرا فأفطر في شهر رمضان، أو صيام الكفارة، أو صيام واجب بالنذر أو اليمين أو العهد، أو صيام واجب بالايجار، و مطلق القضاء و الاستحباب و النيابة فإنّ أيام الشتاء فرصته الكبرى للصوم.
و كذلك في الشتاء فرصة و غنيمة كبيرة للباحثين عن الصوم المستحب، و هو كثير و منه الصوم ثلاثة أيام من كل شهر، و صوم شهر رجب، و شهر شعبان، و يوم الغدير، و يوم مولد النبي صلى الله عليه و آله، و يوم بعثه، ويوم دحو الأرض و هو الخامس و العشرون من ذي القعدة، ويوم عرفة لمن لا يضعفه الصوم عن الدعاء، و يوم المباهلة و هو الرابع والعشرون من ذي الحجة.
و أقصر مدة للنهار و أطول مدة للّيل خلال السنة في النصف الشمالي من الكرة الأرضية في شهر 12 ميلادي، يوم 21 و لكن ليس دائما و يمكن أن يحدث قبله أو بعده بساعات، و تسمى الليلة بليلة الانقلاب الشتوي و يحتفل بها الإيرانيون و تسمى شب يلدا، و هي الليلة الأطول من السنة، و يقومون ببعض العادات و المراسم.
فمن يشق عليه صوم النهار الطويل و يريد أن يغتنم الصيام مع قصر النّهار فليترقب أو يترصد هذه الأيام من شهر 12 ميلادي للصوم، يعني يوسط يوم 21 ديسمبر و يصوم قبله و بعده، فمن عليه صوم 20 يوما يغتنم صيامها من 10 ديسمبر إلى 30 أو نهايته، و يكون بهذا أيضا قد ختم سنته الميلادية بالصوم و العبادة.
و للصوم فوائد صحية كبيرة و يُذكر في هذا أنّ الصوم يساعد في منع الإصابة ببعض المشكلات الصحية، مثل ارتفاع الكوليسترول في الدم و أمراض القلب و السمنة، و يساعد في حرق الدهون، فللصوم جوانب صحية مهمة، و مع قلة النشاط و الحركة في الشتاء و خاصة في البلدان الباردة، فإنّ الصيام يقوم بدور وظيفي كبير في التخلص من السموم، و تقليل حدوث الأمراض و الجلطات.
و في مقابل هذه الغنيمة و هي الصوم في الشتاء و هو تعبير عن السهولة، روي ما يعبر عن المشقة و الجهاد في الصيف، فعن رسول اللَّه صلى الله عليه و آله: «الصَّومُ في الحَرِّ جِهادٌ»، بحار الأنوار،ج93ص257، و عن الإمام الصّادق عليه السلام: «أفضَلُ الجِهادِ الصَّومُ في الحَرِّ». بحار الأنوار،ج93ص256.
و في حديث المعراج في الرواية عن ميراث الصوم، عن النبي صلى الله عليه و آله، «قَالَ يَا رَبِّ مَا أَوَّلُ اَلْعِبَادَةِ، قَالَ أَوَّلُ اَلْعِبَادَةِ اَلصَّمْتُ وَ اَلصَّوْمُ، قَالَ يَا رَبِّ وَ مَا مِيرَاثُ اَلصَّوْمِ، قَالَ اَلصَّوْمُ يُورِثُ اَلحِكْمَةَ، وَ اَلحِكْمَةُ تُورِثُ اَلْمَعْرِفَةَ، وَ اَلْمَعْرِفَةُ تُورِثُ اَلْيَقِينَ، فَإِذَا اِسْتَيْقَنَ اَلْعَبْدُ لاَ يُبَالِي كَيْفَ أَصْبَحَ بِعُسْرٍ أَمْ بِيُسْرٍ». إرشاد القلوب،ج1ص199، و عنه البحار،ج74ص21.
اَللّـهُمَّ وفقنا للصيام و القيام، اَللّـهُمَّ اِنّي أَسْأَلُكَ،.، الْغَنيمَةَ مِنْ كُلِّ بِرٍّ، وَ السَّلامَةَ مِنْ كُلِّ اِثْم، كما ورد في تعقيبات صلاة الظهر، و الحمد لله ربّ العالمين، و صلّ اللهم على محمد و آله الطاهرين.