محمد جواد الدمستانيمحمد جواد الدمستاني

Loading

الرضا بفعل الظالمين شراكة معهم

«الراضي بفعل قوم كالداخل فيه معهم»

محمد جواد الدمستاني

إنّ من الواجب على الإنسان تجاه الفعل الباطل هو أن ينكره بقلبه و يرفضه و يظهر عدم رضاه به، و إلا فمع قبوله القلبي و رضاه فقد دخل مع الفاعل في الباطل و شاركه، فــــ «الرَّاضِي بِفِعْلِ قَوْمٍ كَالدَّاخِلِ فِيهِ مَعَهُمْ، وَ عَلَى كُلِّ دَاخِلٍ فِي بَاطِلٍ إِثْمَانِ إِثْمُ الْعَمَلِ بِهِ وَ إِثْمُ الرِّضَى بِهِ»[1]، كما روي عن أمير المؤمنين عليه السلام في نهج البلاغة، و في غرر الحكم «إِيَّاكَ وَ مُصَاحَبَةَ أَهْلِ الْفُسُوقِ فَإِنَّ الرَّاضِي بِفِعْلِ قَوْمٍ كَالدَّاخِلِ مَعَهُمْ»[2]، كما رويت في تمام نهج البلاغة[3].

و بيان ذلك هو إنّ الفعل الاختياري للإنسان يتكون ابتداء في القلب، برغبة قلبية أو إرادة قلبية، ثم يتحقق في الخارج، فكأنّما الفعل يصدر من الفاعل المختار بمرحلتين، الأولى في قلبه و باطنه، و الثانية في الخارج بإيجاده.

و الرغبة القلبية و الرضا هي الأول، و هي أصل الفعل و بدونها لا يتشكل الفعل، و هي مناط مدح أو ذم الفاعل فإن المجبور و المكره تماما على فعل لا يُذم على فعله، و كأنّه ليس هو الفاعل الحقيقي.

فإذا رضى الإنسان بفعل قام به الآخرون فقد قام به هو في مرحلته الأولى القلبية، و هكذا إذا كانت لديه رغبة قلبية و إرادة بفعل و لكن هذا الفعل لم يتحقق في الخارج.

أو قد يكون لدى عدد كبير من النّاس رضا بفعل و رغبة و لكن يقوم به أفراد قلائل أو واحد منهم فقط مثل عاقر ناقة صالح، أو كطيار عسكري يرمي قنابل على أحياء المدنيين، فقد قام الراضون الراغبون بالفعل في مرحلته الأولى.

«و الرَّاضِي بِفِعْلِ قَوْمٍ كَالدَّاخِلِ فِيهِ مَعَهُمْ» لأنّ الراضي ارتكب فعلهم في المرحلة القلبية أو الباطنيّة و إن لم يخرجه إلى المرحلة الثانية الخارجيّة.

«وَ عَلَى كُلِّ دَاخِلٍ فِي بَاطِلٍ إِثْمَانِ إِثْمُ الْعَمَلِ بِهِ» و هي المرحلة أو الصورة الخارجيّة للعمل فله إثمها و وزرها، «وَإِثْمُ الرِّضَى بِهِ» و هي المرحلة أو الصورة القلبيّة للعمل و له إثمها و وزرها.

و النتيجة هي أنّ الراضي بفعل ما شريك الفاعل المباشر، و كأنّه فاعل غير مباشر بسبب رضاه، و كنتيجة من الروايات فإنّ الراضي بالقتل شريك القاتل، و أنّ «اَلْعَامِلُ بِالظُّلْمِ وَ اَلْمُعِينُ عَلَيْهِ وَ اَلرَّاضِي بِهِ شُرَكَاءُ ثَلاَثَةٌ»[4].

و أنّ «مَنْ رَضِيَ أَمْراً فَقَدْ دَخَلَ فِيهِ، وَ مَنْ سَخِطَهُ فَقَدْ خَرَجَ مِنْهُ»[5]، لانقسام النّاس أمام الفعل الصادر من أي أحد إلى قسمين رئيسيين هما الراضين القابلين، و الساخطين الرافضين، و الراضين فقد دخلوا فيه و شاركوا، و الساخطين فقد خرجوا منه و ابتعدوا.

و في نهج البلاغة، قال (ع): «أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا يَجْمَعُ النَّاسَ الرِّضَا وَ السُّخْطُ وَ إِنَّمَا عَقَرَ نَاقَةَ ثَمُودَ رَجُلٌ وَاحِدٌ فَعَمَّهُمُ اللَّهُ بِالْعَذَابِ لَمَّا عَمُّوهُ بِالرِّضَا فَقَالَ سُبْحَانَهُ فَعَقَرُوها فَأَصْبَحُوا نادِمِينَ»[6]، ففي الآية نسبة عقر الناقة للمجموع مع أنّ العاقر واحد، قال الله تعالى: «فَعَقَرُوها فَأَصْبَحُوا نادِمِينَ»[7]، و في سورة الشمس قال تعالى: «فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَـهَا فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا فَدَمْدَمَ عَلَيهِم رَبُّهُم بِذَنْبِهِم فَسَوَّاهَا وَلاَ يَخَافُ عُقْبَـهَا»[8]، نسبة العقر للمجموع لأنهم راضون بفعله «فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا»، و العذاب نزل على الجميع لرضاهم «فَدَمْدَمَ عَلَيهِم رَبُّهُم بِذَنْبِهِم فَسَوَّاهَا»[9].

و الرضا هو الموافقة و القبول و يقابله السخط و هو الاستياء و الرفض ، فيجب الرضا بالخير و المعروف بالقلب، كما يجب انكار الشر و المنكر بالقلب، و المعنى تحذير من الرضا بالعمل الباطل و الفاسد و الظالم بل يجب رفضه و نكرانه و عدم تمكينه و أصحابه، و الرضا به يشرّعه و يجعله مألوفا بين النّاس يستشري و ينتشر، و الرضا به شراكة في العمل مع الفاعل المباشر كما أنّ رفضه تبرؤ منه، و حث و ترغيب و حض على العمل بالحق و الرضا عنه، و ذلك في مطلق الزمان و المكان دون تقييد، و في الرواية عن الإمام الرضا عليه السلام قال: «وَ لَوْ أَنَّ رَجُلًا قُتِلَ فِي الْمَشْرِقِ، فَرَضِيَ بِقَتْلِهِ رَجُلٌ فِي الْمَغْرِبِ، لَكَانَ الرَّاضِي عِنْدَ اللَّهِ عز وجل شَرِيكَ الْقَاتِلِ»[10].

و الرواية في تفسير الإمام العسكري (ع) عن النبي (ص) «أَلاَ وَ إِنَّ اَلرَّاضِينَ بِقَتْلِ اَلْحُسَيْنِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ شُرَكَاءُ قَتَلَتِهِ»[11].

وفي زيارة الحسين عليه السلام: «فلَعـَنَ اللهُ اُمَةً قَتـَلَتـكَ، وَ لَعَنَ اللهُ اُمَةً ظَلَمَتكَ، وَ لَعَنَ اللهُ اُمَةً سَمِعت بـِذلك فَرَضِيَت بـه»[12].

القاتل في كربلاء سنة 61هــ و الراضي بالقتل في كل زمان و مكان ملعونان، و هما -القاتل و الراضي- شركاء في القتل، و عليه يجب أن يكون للإنسان موقفٌ و لو على مستوى القلب لكل حدث يشاهده أو يسمعه أو يعلمه أو يقرأ عنه، و أن يرفض الباطل دائما و يستنكره، و يقف مع الحق دائما و ينصره، و لهذا تقول صادقا في زيارة الإمام الحسين عليه السلام: «يَا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَكُمْ فَأَفُوزَ فَوْزاً عَظِيماً»[13]، و من هذا قول الإمام أمير المؤمنين عليه السلام في معركة الجمل «وَ لَقَدْ شَهِدَنَا فِي عَسْكَرِنَا هَذَا أَقْوَامٌ فِي أَصْلَابِ الرِّجَالِ وَ أَرْحَامِ النِّسَاءِ سَيَرْعَفُ بِهِمُ الزَّمَانُ وَ يَقْوَى بِهِمُ الْإِيمَانُ»[14].

و الراضي شريك بموافقته الضمنية على الفعل، و داعم للفعل بصمت قد يتطور، أو شريك بالقوة قد يتحول في أي لحظة إلى فاعل، و هذا أحد الابتلاءات العامة و لو أنّ الأمة ترفض الباطل و الباطلين ابتداء و تنكرهم لما انتشر الباطل و لما وصل الأمر إلى أن يتحكم بمصائرها و قوانينها و معتقداتها أهل الجهل و السفه، و لكن النّاس قد قبلوا بالسكوت بدل الرفض أولا، و تنازلوا عن مسؤولياتهم ثانيا، و بعد الصمت ربما برر بعضهم موقفه الخطأ بتبريرات واهية، أو قارن موقفه بموقف الآخرين الباطل فقنع نفسه، أو رضي بأن يفعل ما يفعل الآخرون و يتقاعس معهم، حتى يقوم بالتطبع مع الأخطاء و المنكرات و الجرائم و الباطل و يتعايش معها، فأول ما ينبغي أن يقوم به الإنسان أمام الباطل و العمل السيء هو السخط و الرفض و الإنكار القلبي.

و الرواية في تمام نهج البلاغة شاملة و موضحة للمعنى، روي عن أمير المؤمنين عليه السلام:

«أَيُّهَا النّاسُ، إِنَّمَا يَجْمَعُ النّاسَ الرِّضَا وَالسَّخَطُ، [ف] إيِاّك [م] وَ مُصَاحَبَةَ أَهْلِ الْفُسُوقِ، فَإِنَّ الرّاضِيَ بِفِعْلِ قَوْمٍ كَالدّاخِلِ مَعَهُمْ فيهِ، وَ عَلى كُلِّ دَاخِلٍ في بَاطِلٍ إِثْمَانِ: إِثْمُ الْعَمَلِ بِهِ، وَ إِثْمُ الرِّضَا بِهِ.

أَلَا وَ إِنَّمَا عَقَرَ نَاقَةَ ثَمُودَ رَجُلٌ وَاحِدٌ فَعَمَّهُمُ اللّهُ -تَعَالى- بِالْعَذَابِ لِمَا عمَوُّهُ بِالرِّضَا، فَقَالَ -سبحانه-: «فَعَقَرُوها فَأَصْبَحُوا نادِمِينَ».

وَ قَالَ: «فَعَقَرُوها فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوّاها وَ لا يَخافُ عُقْباها.

وَآيَةُ ذَلِكَ قَوْلُهُ -عَزَّ وَجَلَّ-: «فَنادَوْا صاحِبَهُمْ فَتَعاطى فَعَقَرَ فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ»، فَمَا كَانَ إِلّا أَنْ خَارَتْ أَرْضُهُمْ بِالْخَسْفَةِ خُوَارَ السِّكَّةِ الْمُحْمَاةِ فِي الأَرْضِ الْخَوّارَةِ .

يَا مَعْشَرَ النّاسِ، أَلَا فَمَنْ سُئِلَ عَنْ قَاتِلي فَزَعَمَ أنَّه مُؤْمِنٌ فَقَدْ قَتَلَني»[15].

  1. – – نهج البلاغة، حكمة 154

  2. – غرر الحكم ودرر الكلم، عبد الواحد الآمدى التميمي، ص ١٧٠

  3. – تمام نهج البلاغة، السيد صادق الموسوي، ص ٢٤٤

  4. – الخصال، الشيخ الصدوق، ص ١٠٧ (عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالَ كَانَ عَلِيٌّ عَلَيْهِ السَّلاَمُ يَقُولُ: اَلْعَامِلُ بِالظُّلْمِ وَ اَلْمُعِينُ عَلَيْهِ وَ اَلرَّاضِي بِهِ شُرَكَاءُ ثَلاَثَةٌ)، الكافي، الشيخ الكليني، ج٢، ص ٣٣٣ (عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّه (ع) قَالَ الْعَامِلُ بِالظُّلْمِ والْمُعِينُ لَه والرَّاضِي بِه شُرَكَاءُ ثَلَاثَتُهُمْ).

  5. – المحاسن، البرقي، ج1، ص262

  6. – نهج البلاغة، خطبة 101

  7. – سورة الشعراء، آية 157

  8. – سورة الشمس، آية 13 – 15

  9. – سورة الشمس، آية 14

  10. – علل الشرائع، الشيخ الصدوق، ج١، ص ٢٢٩، عيون أخبار الرضا (ع)، الشيخ الصدوق ، ج١، ص ٢٤٧

  11. – تفسير الإمام العسكري ( ع )، المنسوب إلى الإمام العسكري (ع)، ص ٣٦٩

  12. – تهذيب الأحكام، ج ٦، الشيخ الطوسي، ص ١١٤، مصباح المتهجد، الشيخ الطوسي، ص ٧٢١، ص722، ص789

  13. – كامل الزيارات، جعفر بن محمد بن قولويه، ص ٣٨٣

  14. – نهج البلاغة، خطبة 12

  15. – تمام نهج البلاغة، السيد صادق الموسوي، ص ٢٤٤

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *