المنبر الحسيني علامة فارقة للطائفه الشيعيه وخصيصه من خصائص الجمهور الشيعي, ولطالما كان هذا المنبر مصدرا للإشعاع الفكري والعلمي , وقلعة من قلاع الصمود والتصدي لكل ظالم ومستبد عبر التاريخ . فقد ارتقاه الكثير من العلماء الأعلام , منهم على سبيل المثال لا الحصر عميد المنبر الحسيني الشيخ الدكتور أحمد الوائلي ,فكان هذا الرجل سفيرا للكلمه الصادقه , وكان مكتبتآ علميه أوصلت الثقافة الإسلامية والعلمية لكل البيوتات , وشعت كلماته في كل الشوارع والحارات, فكان مدرسة نهل منها الكثير وتربى تحت منبره العديد, فكان بحق سفيرا للحسين وللثقافه بشكل عام , أما بعد أن رحل الرجل فقد مر المنبر بمرحله من الضعف والوهن بل ومن التزييف ما يندى له الجبين, وما يطأطئ له الرأس حزنآ وخجلا لما أعتلى صهوة هذا المنبر أناس لا علاقة لهم به لا من قريب ولا من بعيد, و انتحلوا صفة ليست لهم, إلا أنهم ارتقوا لا حباً بالحسين ولا حميتاً على الإسلام ولكن رغبتاً بملئ الجيوب بألاف الدولارات وملايين الدنانير العراقية , وياريت الأمر يقف عند هذا الحد بل مارسوا أسوأ حالات التجهيل من تزييف وترويج للخرافة ومغالطات التاريخ أنتج عنها تخديرآ للوعي العام , وتزييف للحقائق وتعطيل للحياة.
هذا المنبر بدل من أن يكون أشعاع معرفي أصبح وللأسف منبر للمصالح والهبات التي يمنحها الجمهور من لقمة عيشه مقابل غذاء فكري فقد صلاحيته وأصبح لا يغني ولا يشبع من جوع ,بل حتى في كثير من الأحيان بات يسبب الأذى والصداع لهم بدل من أن يساهم في حل مشاكلهم وينمي حياتهم ويدفعهم لما هو خير لحياتهم ومماتهم . بالوقت الذي يصول ويجول فيه طبقه من المترفين المنبريين الذين حولوا عشاق ومريدي المنبر الحسيني الى بقرة حلوب ,يجود الزمان علينا بمنبري قد شق الآفاق بكلماته الصادحه ومعارفه الراقية ألا وهو الشيخ حسن الصفار , هذا الرجل الذي يمكن أن يمسح من المنبر كل غبار المستغلين له والذين أحرفوا هذا الموقع عن رسالته الخالدة ويعيد له ألقه ولمعانه , وأن يكون ملاذ لكل العطشى للمعارف الدينية الحقة والحسينيه الخالده . كما أني أرى في هذا الرجل بأنه الفارس الذي لا يشق له غبار وصاحب المشروع الأسلامي المحمدي الأصيل بما يمتلكه من وسطية واعتدال ومعرفة حقيقية تنقلك محاضراته الى آفاق أوسع وأجواء أرحب , حتى أنك تشعر حين تستمع له بأن النفس تأخذ غذاءها الروحي , والعقل وقد أخذ نفحات من المعارف القيمة .فالرجل يتمتع بلغة عالية , ويمتلك رهافة الحس , وعلو في البيان وغزارة بالمعرفة.
من أجل إرجاع المنبر الحسيني الى رونقه ومكانته السابقة ,على الحوزه والجمهور معآ التعاطي مع هكذا خطباء والترويج لهم , ومحاولة بناء مدرسة خطابية تنسج على منوالهم وتتبع نسق خطاباتهم , هذا إذا أردنا أن نبني أمة رسالية, ومجتمع ناهض ومستقبل زاهر. أننا جميعآ مسؤولين في ترسيخ هذا اللون من الخطباء وبنفس الوقت أبعاد المتسلقين والانتهازيين المستغلين للمنبر الحسيني والذين أساءوا للأسف له أكثر مما أفادوه ,فقد عزفوا على أشجان الجمهور المنكوب بآلام واقعه الأليم وظروفه العصيبة فيحرصوا على استدرار دموعه كشهادة لحرفيتهم الخطابية ,في وقت أراد الحسين منا العزة والكرامة والشموخ وعدم الأنكسار أمام التحدي , وهنا أشدد على دور الجمهور في اختياراته لنوعية الخطيب لأن هذه العملية تكشف ذوقه المعرفي وجديته في تغير الواقع ونظرته للحسين .
أن الشيخ الصفار يهدف من خلال محاضراته الى توعية الجمهور باعتباره أداة للتغيير , كما يعكس رغبة بالتجديد , فتراه يلتقط من التراث ما يدفع هذه الأمه الى الأمام , كما أنه يتتبع المنهجيات الحديثة في قراءة التراث الديني بعكس غيره الذي يتحرك بحركة دورانية غير منتجة مما تركوا أنطباعاً بأن ما يطرحونه عبارة عن تكرار للأحداث مما أصاب الجمهور بالغثيان من كثرة تكرارها. أن ما نصفه لواقع بائس ليس أعتباطآ ولا حسدً لأننا ليس من أصحاب هذه المهن ولا من المنافسين لهم, ولكن ما تتصف به بيئتنا الاجتماعية من خمول وأنقسامات وشيوع البدع والضلالات والسلوكيات الشاذة لبعض أبناءنا ,هو ما دفعنا لتأشير ملاحظاتنا , لأن الكثير من مجالسنا يصدق عليها القول بأنها جعجعه بلا طحين .