فاعل الخير خير منه
و فاعل الشرّ شرّ منه
محمد جواد الدمستاني
الخير و الشرّ متضادان، الخير عنوان للفضائل و المحاسن و الأفعال الحسنة، و الشر عنوان للرذائل و المساوئ، و الأفعال السيئة، و من الخير العدل، و نفع الناس، الإحسان إليهم، و مشاركتهم همومهم، و مواساتهم في أحزانهم، و التخفيف مِن آلامهم، السعي في قضاء حوائجهم، و من الشر الظّلم و أذية الناس، و الإساءة إليهم، و عدم الاهتمام بهم.
و لكل من الخير و الشرّ فاعل، و «فاعِلُ الخَيْرِ خَيْرٌ مِنْهُ، وفاعِلُ الشَّرِ شَرٌّ مِنْهُ»[1]، كما روي عن أمير المؤمنين عليه السلام في نهج البلاغة.
و الحكمة تتضمن حث على فعل الخير و الترغيب فيه والتشجيع له، و النهي عن فعل الشرّ و التحذير منه، و الحَضّ على اجتنابه.
و في تمام نهج البلاغة رويت « إِفْعَلُوا الْخَيْرَ مَا اسْتَطَعْتُمْ، فَفَاعِلُ الْخَيْرِ خَيْرٌ مِنْهُ، وَاجْتَنِبُوا الشَّرَّ فَفَاعِلُ الشَّرِّ شَرٌّ مِنْهُ»[2].
و في شروح هذه الحكمة يبيّن الشراح المعنى و الجواب للسؤال، لماذا «فاعِلُ الخَيْرِ خَيْرٌ مِنْ الخيرِ» نفسِه، و «فاعِلُ الشَّرِ شَرٌّ مِنْ الشرِ» نفسِه ؟ ذلك لأن فاعل الخير و فاعل الشر علة للفعل، و الفعل نفسه هو الخير و الشر و هو المعلول، و العلَّة أقوى من معلولها، و لولا العلة لما وجد المعلول، و لولا فاعل الخير لما وُجد الخيرُ نفسُه، و كذا الشر لولا فاعل الشر لما وُجد الشرُ نفسُه.
و في الرواية عن رسول الله في باب النية، قال: «نِيَّةُ الْمُؤْمِنِ خَيْرٌ مِنْ عَمَلِه، ونِيَّةُ الْكَافِرِ شَرٌّ مِنْ عَمَلِه، وكُلُّ عَامِلٍ يَعْمَلُ عَلَى نِيَّتِه»[3]، نية المؤمن الصالحة خير و هي المؤسس للعمل فهي خير من العمل إذ لولاها لما تحقق العمل، و نية الكافر الطالحة شرّ لأنّها تؤسس الشرّ و لولاها لما تحقق الشر، و هذا توضيح لأهمية النية في مطلق الأعمال، و السعي أن تكون نيات المؤمن و أفعاله صالحة خيّرة، و في الخبر عن أمير المؤمنين عليه السلام: «لا تعمل الخير رياء، ولا تتركه حياء»[4] .
و الأمثلة أو التطبيقات كثيرة، كما في الروايات عنهم عليهم السلام، و في الرواية عن الإمام الباقر عليه السلام: «أحْسَنُ مِنَ الصِّدْقِ قائِلُهُ، وَ خَيْرٌ مِنَ الْخَيْرِ فاعِلُهُ»[5]، قائل الصدق، الصادق، أحسن من الصدق، و المؤثّر أقوى من أثره، و الفعل أضعف من فاعله.
وفي الرواية عن الإمام الهادي عليه السلام: «خَيرٌ مِن الخَيرِ فاعِلُهُ، و أجمَلُ مِن الجَميلِ قائلُهُ، و أرجَحُ مِن العِلمِ حامِلُهُ، وشَرٌّ مِنَ الشَّرِّ جالِبُهُ، وأهوَلُ مِنَ الهَولِ راكِبُهُ»[6] ، صاحب العمل الجميل و الخلق الحسن، و الإحسان و المعروف أفضل من الخلق نفسه و الإحسان.
و روي عن أمير المؤمنين عليه السلام أيضا «أُطْلُبُوا الْخَيْرَ وَأهَلَهُ، وَ اعْلَمُوا أَنَّ خَيْراً مِنَ الْخَيْرِ معُطْيهِ، وَشَرّاً مِنَ الشَّرِّ فاَعِلُهُ»[7].
و روي «إِنَّهُ لَيْسَ شَيْءٌ بِشَرّ مِنَ الشَّرّ إِلَّا عِقَابُهُ، وَلَيْسَ شَيٌ بِخَيْرٍ مِنَ الْخَيْرِ إِلَّا ثَوَابُهُ»[8]، الأسوأ من الشر هو عقاب الله لمرتكب الشرّ، و الأفضل من الخير هو ثواب الله الذي يمنحه لفاعل الخير .
فالإنسان الطيب خير من العمل الطيب، و هو الذي يصنع العمل الطيب، و يسري و ينتشر عمله الطيب و خيره إلى النّاس خيرا و حسنا، و يؤثر في المجتمع تأثيرا إيجابيا، و الإنسان السيئ أسوأ من العمل السيء، فهو الذي يصنع السوء و الشر، و عمله ينعكس على النّاس و المجتمع سوءا و قبحا، و العمل الطيب أو السيء يكتسب صبغة أو لمسة من صاحبه الحسن أو القبيح.
و نظم ابن أبي الحديد الحكمة فقال:
فالخيرُ خيرٌ وخيٌر منه فاعله و الشرُ شرٌ و شرٌ منه صانعه
-
– نهج البلاغة – حكمة 32 ↑
-
– تمام نهج البلاغة، السيد صادق الموسوي، ص ١٥٧ ↑
-
– الكافي، الشيخ الكليني، ج ٢، ص ٨٤ ↑
-
– روض الأخيار المنتخب من ربيع الأبرار، محمد بن قاسم بن يعقوب الأماسي ( ابن خطيب )، ص ٢٠٥ ↑
-
– الأمالي، الشيخ الطوسي، ص ٢٢٣، ص 596 ↑
-
– نزهة الناظر وتنبيه الخاطر، الحلواني، ص ١٤٢، أعلام الدين في صفات المؤمنين، الحسن بن محمد الديلمي، ص٣١١ ↑
-
– تمام نهج البلاغة، السيد صادق الموسوي، ص ٣٧٣ ↑
-
– نهج البلاغة، خطبة 114 ↑