محمد جواد الدمستانيمحمد جواد الدمستاني

Loading

الفرح للتحذير كالبشارة

(من بشرك كمن حذرك)

محمد جواد الدمستاني

حكمة عظيمة من أمير المؤمنين عليه السلام و كل حكمه عظيمة، روي عنه (ع) قوله: «مَنْ حَذَّرَكَ كَمَنْ بَشَّرَكَ»[1].

و من حذرك أي قام بتحذيرك، أو أنذرك، أو خوّفك، أو نبّهك، أو نصحك، و هذه أمور قد تستثقلها الأنفس البشرية ابتداء.

و بشّرك من البِشارة و هو الخبر السارّ الذي لا يعلمه المخبَر به، و هذه تفرح بها الأنفس و تنشرح.

و المعنى أنّ من حذرّك بالنجاة من أمر ما و الوقاية من خطره، أو مكروه لاجتنابه، بكل نوع من التحذير و يشمل الإنذار و التخويف و التهديد و التنبيه، مثل الذي بشرّك بأمر تحبه و بخبر تفرح به.

و عليه فكما تفرح لمن بشّرك بخبر سار و تشكره عليه و على بشارته و قد تكافأه فكذلك ينبغي عليك أن تفرح لتحذير المحذِّر و تشكره على تحذيره، ذلك أنّه سينجيك من الوقوع في الأخطار.

فالاثنان المحذّر و المبشِر هما موضع فرح و سرور و شكر و تقدير، و من حذرك من الشر فقد بشّرك بالخير.

و الحكمة بها ترغيب في تقبل كلام المحذّر واستماع تحذيره و عدم النفور منه أو الاستنكاف أو صده كما هي عادة بعض أو كثير من الناس فإنّهم لا يرغبون في تنبيههم و تحذيرهم بالمخاطر و قد يتهمون المحذّر دون قرائن بسوء الظن و عدم الوفاء و الأمانة في تحذيره و الغش في نصيحته، و أنّه قد يبتغي من تحذيره أمرا يخطط له أو منفعة يجلبها، فهو محتال، أو غير مقدّر للأمور.

فمن حذرك فقد قدّم لك خدمة ما كنت لتراها و تنتبه لها لولا تحذيره، و من جهة أنّ الآخرين قد يرون في وضع شخص ما لا يراه هو في نفسه و وضعه، أو أنّهم في حالة يرون الأمور أكثر موضوعية من صاحبها، و أكثر تشخيص لها كون صاحب الأمر نفسه قد يغلب عليه هوى أو أوضاع نفسية و اجتماعية تمنعه من التشخيص الدقيق، فلا يرى كل زوايا الموضوع و هو فرد و الآخرون قد يرونها و هم جماعة و هذه أيضا من فوائد الشورى.

و هذا المعنى في رواياتهم عليهم الصلاة السلام لتعليمنا و إرشادنا إلى محبة و استقبال من يقوم بتنبيهنا و إبداء الملاحظات لنا، و توجيهنا إلى تلافي مواقع الخلل و العيوب، و في ذلك نجاة لنا و تكامل، ففي الرواية عن الإمام الصادق عليه السلام «أَحَبُّ إِخْوَانِي إِلَيَّ مَنْ أَهْدَى إِلَيَّ عُيُوبِي»[2].

و في الصداقات و العلاقات، يرشد أمير المؤمنين عليه السلام إلى مؤاخاة و محبة المحذّر العاقل فإنّه منجد و مرشد، قال عليه السلام «عَلَيْكَ بِمُؤَاخَاةِ مَنْ حَذَّرَكَ وَ نَهَاكَ فَإِنَّهُ يُنْجِدُكَ وَ يُرْشِدُكَ»[3].

إنّ كثيرا من الأحداث و الوقائع تفاجئ الإنسان بنتائجها السلبية و عدم إدراك أصحابها بأبعادها الحقيقية، فإنّهم لا يرون كل جهاتها و زواياها، و قد يزيّن لهم الشيطان بهرجها و زخرفها و يخفي مثالبها، و هنا تظهر قيمة الناصح الأمين و المحذر الصادق و المنبه الوفيّ الذي يهرع لبيان جوانب النقص و يرشد إلى رفعها، و هي الوظيفة التي تستعمل اليوم بعنوان مستشار و مستشارين و شركات استشارية و الذين يُفترض فيهم إبداء النصيحة و بيان أوجه الموضوع المستشار فيه، و هذا في كل أنحاء الحياة فإنّ أهل الخبرة و التجربة في المجالات المتعددة من تعليم أو تطبيب أو تجارة أو حكومة أو عسكر أو غيرها هم الأقدر على تقديم أفضل الحلول و رفع المخاطر و تجنب الوقوع في الأزمات.

و هذا في النصائح و التحذيرات الصادقة و المستشارين الأوفياء لا من يختارهم الطغاة و الحكام الجائرين كمعاونين للظلم و مشاركين بالعداوات، فإنّهم لا قيمة لهم، و هؤلاء لا يقومون بالتحذير بل بالتطبيل.

و أهمية سماع الناصحين و المحذرين كما يكون على مستوى شخصي كذلك على مستوى اجتماعي عام، بل و تزداد أهميته مع اتساع موضوعه، فإن النصائح لاتقاء الحروب و بيان مساوئها يجنب البلاد و العباد ويلاتها و مصائبها التي لا يكون لها حد محدد و أمد معين، و تتسع باتساع رقعتها و حدّتها، و يُسفك فيها الدم و تكثر الضحايا و البلايا، إلا أن تكون الحرب آخر الدواء، « فَآخِرُ الدَّوَاءِ الْكَيُّ»[4].

و في التحذيرات العامة روي عن أمير المؤمنين عليه السلام روايات عديدة يحذر فيها النّاس من أمور كثيرة تجنبا لأخطارها، و منها الحذر من الغفلة، و الحذر من عدم الاستعداد و التهيؤ قبل الموت، و الحذر من الفتن، و الحذر من الكبر، و الحذر من طاعة الكبراء المنحرفين أو العاصين.

و منها ما روي في نهج البلاغة و غرر الحكم و درر الكلم:

الحذر من المعاصي و الآثام

«فَاحْذَرُوا مِنَ اللَّهِ مَا حَذَّرَكُمْ مِنْ نَفْسِهِ»[5]، و «احْذَرُوا مِنْهُ كُنْهَ مَا حَذَّرَكُمْ مِنْ نَفْسِهِ»[6]، و «وَ احْذَرُوا مَا حَذَّرَكُمْ مِنْ أَلِيمِ عَذَابِهِ»[7].

و الحذر من الشيطان

«وَ حَذَّرَكُمْ عَدُوّاً نَفَذَ فِي الصُّدُورِ خَفِيّاً وَ نَفَثَ فِي الْآذَانِ نَجِيّاً»[8].

و الحذر من الدّنيا

«فَإِنِّي أُحَذِّرُكُمُ الدُّنْيَا فَإِنَّهَا حُلْوَةٌ خَضِرَةٌ حُفَّتْ بِالشَّهَوَاتِ»[9].

و الحذر من المنافقين

«وَ أُحَذِّرُكُمْ أَهْلَ النِّفَاقِ فَإِنَّهُمُ الضَّالُّونَ الْمُضِلُّونَ»[10].

و في التحذير من التشتت و التفرق

« وَ إِيَّاكُمْ وَ الْفُرْقَةَ»[11]، «وَ إِيَّاكُمْ وَ التَّفَرُّقَ»[12]

و في التحذير من أصناف من الأصدقاء

«إِيَّاكَ وَ مُصَادَقَةَ الْأَحْمَقِ»[13]، «إِيَّاكَ وَ مُصَادَقَةَ الْبَخِيلِ»[14]، «إِيَّاكَ وَ مُصَادَقَةَ الْفَاجِرِ»[15]، «إِيَّاكَ وَ مُصَادَقَةَ الْكَذَّابِ»[16].

و قال عليه السلام في التحذير أيضا:

«إِيَّاكَ وَ مَا يُعْتَذَرُ مِنْهُ»[17]، «إِيَّاكُمْ وَ التَّدَابُرَ وَ التَّقَاطُعَ إِيَّاكُمْ وَ الْمُثْلَةَ وَ لَوْ بِالْكَلْبِ الْعَقُورِ»[18]، «إِيَّاكَ وَ الدِّمَاءَ وَ سَفْكَهَا بِغَيْرِ حِلِّهَا»[19]، «إِيَّاكَ وَ الْمَنَّ عَلَى رَعِيَّتِكَ بِإِحْسَانِكَ»[20]، «إِيَّاكَ وَ الْعَجَلَةَ بِالْأُمُورِ قَبْلَ أَوَانِهَا»[21]، «إِيَّاكَ وَ الْإِعْجَابَ بِنَفْسِكَ وَ الثِّقَةَ بِمَا يُعْجِبُكَ مِنْهَا»[22]، «إِيَّاكَ وَ الِاسْتِئْثَارَ بِمَا النَّاسُ فِيهِ أُسْوَةٌ»[23].

  1. – نهج البلاغة، حكمة 59

  2. – الکافي، الكليني،ج2، ص639، الإختصاص ، المفيد، ص240، تحف العقول، ابن شعبة الحراني، ص366، وسائل الشیعة، الحر العاملي، ج12، ص25

  3. – غرر الحكم ودرر الكلم، عبد الواحد الآمدى التميمي، ص ٤٤٦، عيون الحكم والمواعظ، علي بن محمد الليثي الواسطي، ص ٣٣٦

  4. – نهج البلاغة، خطبة 168

  5. – نهج البلاغة، خطبة 23

  6. – نهج البلاغة، خطبة 83

  7. – غرر الحكم ودرر الكلم، عبد الواحد الآمدى التميمي، ص ١٥٣

  8. – نهج البلاغة، خطبة 83 (أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ الَّذِي أَعْذَرَ بِمَا أَنْذَرَ وَ احْتَجَّ بِمَا نَهَجَ وَ حَذَّرَكُمْ عَدُوّاً نَفَذَ فِي الصُّدُورِ خَفِيّاً)

  9. – نهج البلاغة، خطبة 111

  10. – نهج البلاغة، خطبة 194

  11. – نهج البلاغة، خطبة 127

  12. – نهج البلاغة، وصية 11

  13. – نهج البلاغة، حكمة 38

  14. – نهج البلاغة، حكمة 38

  15. – نهج البلاغة، حكمة 38

  16. – نهج البلاغة، حكمة 38

  17. – نهج البلاغة، وصية 33

  18. – نهج البلاغة، وصية 47

  19. – نهج البلاغة، وصية 53

  20. – نهج البلاغة، كتاب 53

  21. – نهج البلاغة، كتاب 53

  22. – نهج البلاغة، كتاب 53

  23. – نهج البلاغة، كتاب 53

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *