شهر رمضان ميدان سباق خلق الله في طاعة الله
إنّ الله عزّ وجلّ جعل شهر رمضان مضمارا لخلقه
محمد جواد الدمستاني
رُوي عن الإمام الحسن المجتبى عليه السلام قوله: «إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ جَعَلَ شَهْرَ رَمَضَانَ مِضْمَاراً لِخَلْقِهِ، يَسْتَبِقُونَ فِيهِ إِلَى طَاعَتِهِ، فَسَبَقَ قَوْمٌ فَفَازُوا، وَتَخَلَّفَ آخَرُونَ فَخَابُوا ..»[1].
و مناسبتها أّنه عليه السلام مر بقوم يوم عيد فطر يلعبون و يضحكون فقال لأصحابه و التفت إليهم فقال: «إِنَّ اَللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ جَعَلَ شَهْرَ رَمَضَانَ مِضْمَاراً لِخَلْقِهِ، يَسْتَبِقُونَ فِيهِ بِطَاعَتِهِ إِلَى رِضْوَانِهِ، فَسَبَقَ فِيهِ قَوْمٌ فَفَازُوا، وَ تَخَلَّفَ آخَرُونَ فَخَابُوا، فَالْعَجَبُ كُلُّ اَلْعَجَبِ مِنَ اَلضَّاحِكِ اَللاَّعِبِ فِي اَلْيَوْمِ اَلَّذِي يُثَابُ فِيهِ اَلْمُحْسِنُونَ وَ يَخِيبُ فِيهِ اَلْمُقَصِّرُونَ، وَ اَيْمُ اَللَّهِ لَوْ كُشِفَ اَلْغِطَاءُ لَشُغِلَ مُحْسِنٌ بِإِحْسَانِهِ وَ مُسِيءٌ بِإِسَاءَتِهِ»[2].
و مِضمار أي المكان الذي تضمر فيه الخيل أو تتسابق، و المجال و الميدان التي تجري فيه الخيل لمعرفة ترتيبها و أفضلها سرعة و قدرة، كما يطلق مضمار على المكان الذي تُربط فيه الخيل و يُعتنى بها.
و «شَهْرَ رَمَضَانَ مِضْمَاراً لِخَلْقِهِ» بمعنى أنّ شهر رمضان ميدان سباق لخلق الله، «يَسْتَبِقُونَ فِيهِ إِلَى طَاعَتِهِ»، يتسابقون و يتبارون في هذا الشهر و المضمار إلى طاعة الله و عبادته و الانقياد لأوامره و تطبيق أحكامه، و ينتهي هذا التسابق بانتهاء شهر رمضان و مجيئ يوم العيد، «فَسَبَقَ قَوْمٌ فَفَازُوا، وَ تَخَلَّفَ آخَرُونَ فَخَابُوا»، و بعد أدّاء فريضة صوم شهر رمضان و مجيء يوم العيد و هو يوم الجوائز كما في الرواية عن رسول الله صلّى الله عليه و آله[3] يكون النّاس بين فائز و خائب، فائز و محسن و رابح و مسرور من صيامه و طاعاته و قبول أعماله و إحسانه و السعي في الزيادة فيها، و هذا السرور يُشغله عن اللَّعب، و بين خائب و مسيء و خاسر و حزين تأخذه الحسرة و الإساءة و تُشغله عن الضحك و اللعب و التزيّن، قال عليه السلام في خاتمة الرواية «وَاللَّهِ لَوْ كُشِفَ الْغِطَاءُ لَشُغِلَ مُحْسِنٌ بِإِحْسَانِهِ وَمُسِيءٌ بِإِسَاءَتِهِ عَنْ تَرْجِيلِ شَعْرٍ وَتَصْقِيلِ ثَوْبٍ»[4].
و الصوم و الصائمون درجات فبعضهم يعتبر الصوم عبارة عن كفّ البطن و الفرج عن متطلباتهما و ليس فوق ذلك شيء، و آخرون بدرجة أكبر في كفّ جميع الجوارح عن المعاصي و آخرون بدرجة أكبر و أرقى، و كذا يرون و يعتبرون في يوم العيد فهناك من يراه يوما للأكل و الشرب و الزينة فقط و بعضهم يراه أكثر من ذلك من صلاة و دعاء و من قيّم دينية و اجتماعية و إنسانية.
و قد بيّن النبي صلّى الله عليه و آله فضل شهر رمضان و عظمته و اغتنامه في خطبته في استقباله فهو أفضل الأوقات و الساعات على الاطلاق في العبادة و تلاوة القرآن و التدبر فيه بجوع و عطش يوم القيامة، و الانتباه للجوانب الاجتماعية و الطبقات الضعيفة، و الجوانب الأخلاقية، و العبادية و الدّعاء.
و لعل اعتبار صوم شهر مضان مضمار و ميدان يشمل كل المعاني و المنافع التي يجنيها الصائم في هذا الشهر و أحدها الامتناع عن الأكل و الشرب، و تشمل السيطرة و التحكم في الشهوات و الغرائز، و الانتباه إلى الجوانب العبادية من قيام و دعاء و ابتهال، و الجوانب الاجتماعية بالشعور بأوضاع المحرومين و الجائعين، و تهذيب الأخلاق، و حالة الانكسار و الخضوع لله سبحانه و تعالى، و ما يصل إليه الصائم الطائع من حالات صفاء للقلب و الروح، فالفروق بين المتسابقين كبيرة و متسعة و متعددة الأوجه.
و يوم انتهاء السباق هو عيد الفطر، و هو يوم صلاة و زكاة و واجبات اجتماعية، و يوم جدّ و تجديد و عمل، و ليس مختصرا أو مقتصرا على التزيّن أو تجديد الثياب كما في خاتمة الرواية نفسها، و إن كان من المطلوب التزيّن والتجمُّل و تحسين الثياب و لبس الجديد منها في العيد، لكن ليس العيد مقتصرا على المظاهر بل أكثر من ذلك من المعاني و القيّم و الآثار المهمة لشهر رمضان و لفريضة الصوم بعد انقضاء الشهر.
هذا المعنى روي عن أمير المؤمنين عليه السلام أيضا فقد خطب في عيد الفطر فقال (ع): «إنَّ يَومَكُم هذا يَومٌ يُثابُ فيهِ المُحسِنونَ ويَخسَرُ فيهِ المُبطِلونَ..»[5].
وفي خطبة النبي في استقبال شهر رمضان «فَإِنَّ الشَّقِيَّ مَنْ حُرِمَ غُفْرَانَ اللَّهِ فِي هَذَا الشَّهْرِ الْعَظِيمِ»[6]، الشقيّ و الخائب و البائس من حُرم غفران الله في شهر الله، مع ما فيه من فرص كبيرة و إمكانات واسعة قابلة للاغتنام تجلب السعادة و الخير و الفلاح.
و تُذكر هذه الرواية في باب استحباب كثرة ذكر اللَّه و العمل الصالح يوم العيد و عدم الاشتغال باللعب و الضحك، يريد أهل البيت صلوات الله عليهم للأعياد الإسلامية أن تأخذ مكانتها الحقيقية في نفوس الناس و المجتمعات، و تكون حركة النّاس تكاملية و مرتبطة بالقيّم الإنسانية، و أنّ يوم العيد يوم شكر و حمد و إحسان و تآخي و صلة رحم و روابط اجتماعية و تقوية للأسرة و المجتمع، و لا يقتصر فيه على الطقوس و الزينة، أو عند البعض وقت للبذخ أو الانفلات.
و لهذا فإنّ مظاهر اللهو و اللعب و تضييع الوقت موارد تعجّب و دهشة و إنكار، ففي الرواية نفسها قال الإمام الحسن عليه السلام: «فَالْعَجَبُ كُلُّ الْعَجَبِ مِنَ الضَّاحِكِ اللَّاعِبِ فِي الْيَوْمِ الَّذِي يُثَابُ فِيهِ الْمُحْسِنُونَ، وَ يَخْسَرُ فِيهِ الْمُقَصِّرُونَ»[7].
اللهمّ أعنا على صيامه و قيامه في لياليه و أيامه و اجعلنا عندك من المقبولين و في الآخرة من الفائزين يا ارحم الراحمين و أكرم الأكرمين.
-
– من لا یحضره الفقیه، الصدوق، ج1، ص422، تحف العقول، ابن شعبة الحراني،ج1، ص236، إقبال الأعمال، ح1، ص275، وسائل الشیعة، الحر العاملي، ج7، ص480، بحار الأنوار، المجلسي، ج88، ص119، بحار الأنوار، المجلسي، ج75، ص110 ↑
-
– المصدر السابق. ↑
-
– من لا يحضره الفقيه، الشيخ الصدوق، ج1، ص ٥١١ ، و روى جابر عن أبي جعفر عليه السلام قال : «قال النبي صلى الله عليه وآله: إذا كان أول يوم من شوال نادى مناد يا أيها المؤمنون اغدوا إلى جوائزكم ، ثم قال : يا جابر جوائز الله ليست كجوائز هؤلاء الملوك ، ثم قال: هو يوم الجوائز». ↑
-
– المصدر السابق. ↑
-
– الأمالی ، الصدوق، ص100، روضة الواعظین، ج2، ص354، تنبيه الخواطر ونزهة النواظر (مجموعة ورام )، ورام بن أبي فراس، ج٢، ص، ٤٧٦، وسائل الشیعة، الحر العاملي، النيسابوري، ج7، ص481، تنبيه الخواطر ونزهة النواظر ( مجموعة ورام )، ورام بن أبي فراس، ج٢، ص٤٧٦ ↑
-
– فضائل أمير المؤمنين ( ع )، ابن عقدة الكوفي، ص١٣٤، الأمالي، الشيخ الصدوق، ص ١٥٤، عيون أخبار الرضا (ع)، الشيخ الصدوق، ج١، ص٢٦٥ ↑
-
– من لا یحضره الفقیه، الصدوق، ج1، ص422، تحف العقول، ابن شعبة الحراني،ج1، ص236، إقبال الأعمال، ح1، ص275، وسائل الشیعة، الحر العاملي، ج7، ص480، بحار الأنوار، المجلسي، ج88، ص119، بحار الأنوار، المجلسي، ج75، ص110 ↑