إنّما هو عيد لمن قبل الله صيامه و شكر قيامه
محمد جواد الدمستاني
تأكيد من أمير المؤمنين عليه السلام على العيد الذي يوجب الفرحة الحقيقية و السعادة و هو العيد الذي قبل الله لعبده فيه طاعاته، و في عيد الفطر لمن قبل الله صيامه و شكر قيامه، و أنّه انتهاء موفق لموسم الطاعات و العبادات لله سبحانه و تعالى، و مثله بقية الأيام التي تخلو من الذنوب فكلها أعياد، قال عليه السلام في بعض الأعياد «إِنَّمَا هُوَ عِيدٌ لِمَنْ قَبِلَ اللَّهُ صِيَامَهُ وَ شَكَرَ قِيَامَهُ، وَ كُلُّ يَوْمٍ لَا يُعْصَى اللَّهُ فِيهِ فَهُوَ عِيدٌ»
[1].
فالعيد الحقيقي هو يوم الطاعة لله و العبادة له و عدم معصيته، و هذا يتكرر على المؤمنين الصالحين و الطائعين المخلصين.
تأكيد يوم العيد الحقيقي بيوم «لا يُعصى الله فيه» أي يوم خال من الذنوب و المعاصي يوسّع معنى يوم العيد، و يكثر أعياد الصالحين و المتقين، فكل أيامهم أعياد، و كل حياة الخلق تكون أعيادا إذا ملؤوها و عمرّوها بالطاعة و اجتنبوا عن الذنوب.
كما أنّه يضيّق دائرة أصحاب العيد الحقيقيين، فإنّ حصر العيد بقبول الصيام و الطاعات مطلقا و شكر القيام و عدم الذنوب يقلل من عدد المعيّدين الذين يعتبرونه عيدا لهم و يحتفلون به، فهو عيد حقيقي لأهل الطاعة و ليس للجميع فلا يشمل أهل المعاصي.
و قد يُقال أن كلام أمير المؤمنين حول العيد بمعنى العيد الأكمل و هو الذي يدعو إليه و يرغّب فيه فهذه صفاته مما ذكر من قبول الأعمال و الخلو من الذنوب، و أنّ كثيرا من المسلمين من الصائمين و المعيّدين ممن يفرحون بالعيد و يقومون ببعض أحكامه و بهجته و مراسمه، و لكنهم ينحرفون عن الطاعة و يقعون في الزلات و الأخطاء، و صيامهم و قيامهم على قدر معرفتهم.
و كثير من المسلمين يصومون شهر رمضان لكنهم يفطرون قبل الليل و قد أمر الله سبحانه و تعالى بإتمام الصيام إلى الليل، قال تعالى «وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ»[2].
و كثير من المسلمين يقومون الليل، و يصلّون نوافل شهر رمضان جماعة، و النوافل إنّما تصلّى فرادى، و في الرواية عن الإمام الصادق و الرضا عليهما السلام «لمّا دخل رمضان اصطف الناس خلف رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله، فقال: أيها الناس هذه نافلة فليصلّ كلّ منكم وحده، و ليعمل ما علّمه اللَّه في كتابه، و اعلموا أنّه لا جماعة في نافلة، فتفرّق الناس»[3].
فالعيد و الفرح مرتبط بالعبادة و الطاعة و المغفرة كما روي عن أمير المؤمنين (ع) أيضا: «إنَّما هذا عيدُ مَن غُفِرَ لَهُ»[4]، و قال تعالى في كتابه الكريم «قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَٰلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ»[5]، فالعيد لمن غفر له، و من لم يغفر له فهو شقي مع سعة البركة و الرحمة و المغفرة في شهررمضان، و في خطبة النبي صلّى الله عليه و آله «فإنَّ الشَّقِيَّ مَن حُرِمَ غُفرانَ اللّهِ في هذَا الشَّهرِ العَظيمِ»[6].
و العيد يوم الانتصار و التوفيق للطاعة و يوم عبادة و صلاة و زكاة و مراجعات و توبة و تواصل اجتماعي و صلة أرحام و ذكر الله سبحانه بمجموعة الأذكار و مجموعة من المستحبات ليلة و يوم العيد من غسل و إحياء ليلة العيد و البيتوتة في المسجد، و بالصّلاة و الدّعاء و الاستغفار و التكبيرات و زيارة الإمام الحسين عليه السلام و دّعاء الندبة، لكن لا ينافي ذلك الأعمال التي تظهر الزينة و الفرح و الابتهاج و التجمعات و تحسين الثياب و لبس الجديد، و إنّما لا ينبغي أن تطغى مظاهر الفرح و الزينة على معاني العيد الحقيقية من الطاعة.
و من أدعية الإمام زين العابدين عليه السلام دعاؤه في وداع شهر رمضان، و هو دعاء عظيم و كل أدعيته عظيمة، و جاء فيه «اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَ آلِهِ، وَ اجْبُرْ مُصِيبَتَنَا بِشَهْرِنَا، وَ بَارِكْ لَنَا فِي يَوْمِ عِيدِنَا وَ فِطْرِنَا، وَ اجْعَلْهُ مِنْ خَيْرِ يَوْمٍ مَرَّ عَلَيْنَا أَجْلَبِهِ لِعَفْوٍ، وَ أَمْحَاهُ لِذَنْبٍ، وَ اغْفِرْ لَنَا مَا خَفِيَ مِنْ ذُنُوبِنَا وَ مَا عَلَنَ»[7].
برحمتك يا ارحم الراحمين، و صلّ اللهم على محمد و آله الطاهرين.
-
– نهج البلاغة، حكمة 428 ↑
-
– سورة البقرة، آية 187 ↑
-
– المعتبر في شرح المختصر، المحقق الحلي، ج2، ص 416، تذكرة الفقهاء ( ط . ج )، العلامة الحلي، ج٤، ص ٢٣٥ ↑
-
– المناقب، ابن شهر آشوب، ج2، ص 99 ↑
-
– سورة يونس، آية 58 ↑
-
– فضائل أمير المؤمنين ( ع )، ابن عقدة الكوفي، ص ١٣٤، الأمالي، الشيخ الصدوق، ص ١٥٤، عيون أخبار الرضا (ع)، الشيخ الصدوق، ج ١، ص ٢٦٥، فضائل الأشهر الثلاثة، الشيخ الصدوق، ص ٧٧ ↑
-
– الصحيفة السجادية الكاملة، دعاؤه في وداع شهر رمضان ↑