محمد جواد الدمستانيمحمد جواد الدمستاني

Loading

البشاشة حبالة المودة

تأثير الابتسامة على الأنفس البشرية

محمد جواد الدمستاني

في تأثير البشاشة و الابتسامة على الأنفس البشرية روي عن أمير المؤمنين عليه السلام في نهج البلاغة، قوله: «الْبَشَاشَةُ حِبَالَةُ الْمَوَدَّةِ»[1].

و البَشاشة هي ظهور الابتسامة و السرور على الوجه و الابتهاج و طلاقة الوجه و الانشراح، و هي الصفة المطلوبة في التعامل مع الناس عامة، و من البَشَاشَة البَشوش أي الْمُبتَسم الضّاحِك.

و يقابلها العُبُوس و التّجَهّم و الاكفِهرار و هي صفات مذمومة في التعامل عامة، و قد تكون مقبولة في الحروب مع العدوّ و في القتال المباشر و قد لا تكون مقبولة أيضا.

و حِبالة أي مصيدة، و هي أداة مصنوعة من حبال يُؤخذ بها الصَّيد.

و «الْبَشَاشَةُ حِبَالَةُ الْمَوَدَّةِ» بمعنى إظهار البشاشة و الإرتياح و لقاء الآخر أو الآخرين بالابتسامة و السرور و إظهار الانشراح تكون مقدمة لكسب مودتهم و صداقاتهم، فكأنّ البشاشة و طلاقة الوجه آلة أو وسيلة أو شبكة لاصطياد القلوب و وقوعها في المودة و المحبة.

و التشبيه هو أنّ الصائِد أو الصيّاد هو البشوش أو صاحب البشاشة و الابتسامة، و الآلة أو الشبكة أو الفخ أو المصيدة هي البشاشة و الابتسامة و طلاقة الوجه، و المَصِيد أو موضوع الصيد هي القلوب، فإن بشاشة الوجه تغرس المحبة في القلوب و تجعلها تميل إليها و تتفاعل معها و تحبها.

و مثله ما روي عن أمير المؤمنين عليه السلام: «البَشاشَةُ فَخُّ المَوَدَّةِ»[2]، أي البشاشة آلة اصطياد المودة، و الفخ آلة أو أداة لاصطياد الطيور و بعض الحيوانات.

و الحكمة حث و دعوة إلى حسن المعاشرة و إظهار البشاشة و التبسم و الابتهاج في اللقاء مع النّاس فإنّ ذلك يؤدي إلى كسب مودتهم، و هذا من حسن المعاشرة و فنون التعامل مع النّاس، و يُروى عن النبي صلّى الله عليه و آله: «تَبَسُّمُكَ في وَجْهِ أَخِيْكَ صَدَقَةٌ»[3].

فصاحب الوجه المبتسم يقوم بتحويل اللقاء إلى حالة من التفاؤل و الأمل يعطيها صاحب الابتسامة لمن يقابله فهي عطاء و إحسان و صلة و كأنّها صدقة معنوية.

و قد يلتقي مريض أو زائر في مستشفى أو مراجع في مسألة إدارية أو دائرة حكومية موظفا لتخليص معاملة فإذا التقى بشخص بشوش مبتسم تفاءل بالخير و إنّ مسألته و حاجته ستنجز براحة، و إذا التقى بآخر عبوس مكفهر الوجه تشاءم و أنّ غرضه الذي جاء من أجله لن يُنجز، و كأنّ الابتسامة وصفة سحرية في تأثيرها على الأنفس البشرية.

فهذه الابتسامة و البشاشة و سيلة لفتح القلوب أو تليينها و توطيد العلاقات أو تقويتها، و هي في صفتها ابداء الاستعداد بالتعامل الحسن و السعي للتفاهم و التعاون، و مقدمة من اللطف تجعل الإنسان أكثر قربًا و محبة من الآخرين، فإنّ النّاس كعادتهم يميلون و ينجذبون لأصحاب البشاشة و الذين يظهرون ملامج المودة و السعادة.

و للبشاشة تأثير أكبر على القلوب بإذابة التوترات الاجتماعية و إزالة الرواسب السلبية من القلوب الحاقدة أو تخفيفها، و روي عن النبي صلّى الله عليه و آله: «حُسْنُ الْبِشْرِ يَذْهَبُ بِالسَّخِيمَةِ»[4]، و السَّخِيمَةِ بمعنى الحقد و الضغينة الموجودة في النفس، أي أنّ حسن البِشر و طلاقة الوجه يذهب و يزيل الضغينة و الحقد من القلوب.

فإظهار البشاشة والارتياح أمر مهم في التعامل و إن كان الشخصُ المبتسمُ حزينا نفسيا و يمر بأوضاع أو ظروف صعبة، أو بحالة نفسية حزينة، و يعاني من هموم و أحزان داخلية، فليحافظ على حزنه و آلامه في قلبه و يرجو من الله سبحانه و تعالى انفراجها، و يظهر البِشرَ و البشاشة للآخرين دون أن يثقلهم بهمومه أو أن يظهر توجعه و أحزانه، و في نهج البلاغة في صفة المؤمن العارف روي عن أمير المؤمنين عليه السلام «الْمُؤْمِنُ بِشْرُهُ فِي وَجْهِهِ وَ حُزْنُهُ فِي قَلْبِهِ»[5].

و للابتسامة و البشاشة و معاملة النّاس باللطف آثار على النفس و الآخرين، و في المثل الشائع «إذا لا تعرف تبتسم فلا تفتح متجرا» أي إذا لا تجيد البسمة و البشاشة و إظهار الارتياح للآخرين و أنت صاحب متجر أو دكان فلن تجذب و تكسب الزبائن، و سينفرون منك و لن يشتروا، و بالتالي ستنكسر تجارتك، فالأولى ألا تفتح متجرا من البداية لئلا تتضاعف خسائرك.

و الارتياح و الانشراح و حسن اللقاء مع النّاس بما يشمل البشاشة و الابتسامة و اللطف و المصافحة مأمور بها شرعا في اللقاءات الاجتماعية و العلاقات و الصداقات، و في الرواية عن أمير المؤمنين عليه السلام: «إِذَا لَقِيتُمْ إِخْوَانَكُمْ فَتَصَافَحُوا وَ أَظْهِرُوا لَهُمُ اَلْبَشَاشَةَ وَ اَلْبِشْرَ تَتَفَرَّقُوا وَ مَا عَلَيْكُمْ مِنَ اَلْأَوْزَارِ قَدْ ذَهَبَ»[6].

و جاءت كلمة البشاشة في عدد من روايات أمير المؤمنين عليه السلام، منها:

«الْبَشَاشَةُ إِحْسَانٌ»[7]، «الْبَشَاشَةُ أَحَدُ الْقَرَاءَيْنِ [الْقَرَابَتَيْنِ‏]»[8].

و بلفظ البشر روي عدد من الروايات عنه عليه السلام، منها:

«البِشرُ يونِسُ الرِّفاقَ»[9]،«الْبِشْرُ يُطْفِي نَارَ الْمُعَانَدَةِ»[10]، «البِشْرُ أَحَدُ الْعَطَاءَيْنِ»[11].

و في العالم الرقمي يفتقد الإنسانُ الروحَ الإنسانية و يحل محلها روبوتات صناعية خالية من التفاعل الإنساني و البشاشة و أخواتها من تبسم و بشر و لطف، و يسير إلى حالة من الجفاف.

  1. – نهج البلاغة، حكمة 6

  2. – تحف العقول عن آل الرسول ( ص )، ابن شعبة الحراني، ص ٢٠٢

  3. – كنز العمال، المتقي الهندي، ج ٦، ص ٤١٠

  4. – الكافي، الشيخ الكليني، ج٢، ص ١٠٤

  5. – نهج البلاغة، حكمة 333

  6. – الخصال، الصدوق، ج2، ص610

  7. – غرر الحكم ودرر الكلم، عبد الواحد الآمدى التميمي، ص ١٨

  8. – غرر الحكم ودرر الكلم، عبد الواحد الآمدى التميمي، ص ٩٠

  9. – غرر الحكم ودرر الكلم، عبد الواحد الآمدى التميمي، ص ٤٥

  10. – غرر الحكم ودرر الكلم، عبد الواحد الآمدى التميمي، ص ٨١٥

  11. – غرر الحكم ودرر الكلم، عبد الواحد الآمدى التميمي، ص ٨٦

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *