محمد جواد الدمستانيمحمد جواد الدمستاني

Loading

الميزة الفارقة بين المؤمن و المنافق حبّ علي بن أبي طالب عليه السلام

(لو ضربت خيشوم المؤمن بسيفي هذا علي أن يبغضني ما أبغضني)

(و لو صببت الدّنيا بجمّاتها علي المنافقين علي أن يحبني ما أحبني)

محمد جواد الدمستاني

في حبّ المؤمن الشديد لأمير المؤمنين عليه السلام، و بغض المنافق الشديد له، روي عن أمير المؤمنين عليه السلام في نهج البلاغة «لَوْ ضَرَبْتُ خَيْشُومَ اَلْمُؤْمِنِ بِسَيْفِي هَذَا عَلَى أَنْ يُبْغِضَنِي مَا أَبْغَضَنِي، وَ لَوْ صَبَبْتُ اَلدُّنْيَا بِجَمَّاتِهَا عَلَى اَلْمُنَافِقِ عَلَى أَنْ يُحِبَّنِي مَا أَحَبَّنِي، وَ ذَلِكَ أَنَّهُ قُضِيَ فَانْقَضَى عَلَى لِسَانِ اَلنَّبِيِّ اَلْأُمِّيِّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ أَنَّهُ قَالَ يَا عَلِيُّ لاَ يُبْغِضُكَ مُؤْمِنٌ وَ لاَ يُحِبُّكَ مُنَافِقٌ» حكمة 45.

و الحبّ أصيل في المؤمن لأمير المؤمنين و متجدر و ثابت فلو ضرب عليه السلام بسيفه خيشوم المؤمن لما أبغضه لأصالة الحبّ فيه و إيمانه به، و خيشوم و الجمع خياشيم هو أقصى الأَنف.

كما أنّ البغض في المنافق أصيل ضد أمير المؤمنين فلو صبّ عليه السلام الدنيا بكل أموالها و خيراتها على المنافق لما أحبه لأصالة النفاق و البغض فيه. و الجمّات جمع جمّة، و تأتي بمعنى مجتمع ماء البئْر.

ثم أنّه عليه السلام بيّن سبب ذلك وهو أنّ رسول الله صلى الله عليه و آله حكم و قضى لا يبغضه عليه السلام مؤمن و لا يحبّه منافق.

و الحديث متواتر عند المسلمين، و منتشر في كتب الحديث، و نقل بعدة طرق و أسانيد، و هذا الحديث و أمثاله في حق أمير المؤمنين عليه السلام ميزان و مقياس الإيمان، وهذه صفة مخصوصة به عليه السّلام و ليست لأحد غيره، فلم ترد عن رسول الله صلى الله عليه و آله صفة «حبّه إيمان و بغضه نفاق» إلا أمير المؤمنين عليه السلام.

و الحكمة بها تذكير للأمة بما قاله رسول الله صلي الله عليه وآله في أمير المؤمنين (ع)، و أخذه حقيقة لا تقبل الخطأ، و تمييز المؤمن من المنافق، و الإخبار بعدم اجتماع الإيمان مع بغض الإمام علي (ع)، و أنّ حبّه من الإيمان و من يريد أن يؤمن فعليه حبّ الإمام، و من لا يحبه فليس مؤمنا، بل من يبغضه منافقا و إن أظهر الإيمان، كما هو صريح الروايات.

فهذه ميزة فارقة للمؤمن و المنافق وهي حبّ علي أو بغضه، و روي أعظم من هذا فقد روي بعدة روايات بمضمون واحد ، «عَلِيٌّ قَسِيمُ اَلْجَنَّةِ وَ اَلنَّارِ». الخصال،ج2ص496، فالمحبون لأمير المؤمنين (ع) هم المهتدون و يدخلون الجنة، و المبغضون هم أهل الضلال و يدخلون النّار، وهذه حقيقة صعبة لأعداء الإمام عليه السلام، كما هي بشرى لأتباعه و شيعته.

فأمير المؤمنين عليه السّلام ميزان المؤمن من المنافق، و مقياس أهل الجنة و النار، و هذه أيضا خاصة لأمير المؤمنين عليه السلام فهو وحده ورد فيه عن رسول الله (ص) حبّه إيمان و بغضه نفاق، وهو وحده ورد فيه أنّه قسيم الجنّة و النّار، و لذا هو ميزة المؤمنين كما في حديث الرسول (ص) «لَوْلاَكَ مَا عُرِفَ اَلْمُؤْمِنُونَ بَعْدِي». العمدة،ج1ص379، کشف اليقين،ج1ص430، المناقب،ج ٣،ص ٢٠٦

و في طبقات الحنابلة، قال و سمعت مُحَمَّد بْن منصور يقول: « كنا عند أحمد بن حنبل فقال له رجل يا أبا عَبْد اللَّه ما تقول فِي هذا الحديث الذي يروي أنّ عليا قَالَ: « أنا قسيم النار»، فقال: وما تنكرون من ذا ؟ أليس روينا أَنَّ النَّبِيَّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ [و آله] وَسَلَّمَ – قَالَ لعلي: «لا يحبك إلا مؤمن و لا يبغضك إلا منافق»؟ قلنا بلى، قَالَ: فأين المؤمن؟ قلنا فِي الجنة، قَالَ: و أين المنافق؟ قلنا فِي النار، قَالَ: فعلي قسيم النار». طبقات الحنابلة،ج1ص320

و قد أخرج المسلمون عامة هذا الحديث عن رسول الله (ص) بحبّ المؤمن لأمير المؤمنين عليه السلام و بغض المنافق له، و ليس مختص بكتب الشيعة بل أخرجه عدد كبير من كتب الحديث عند مذاهب المسلمين.

و في تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر، عن أبي ذر قال سمعت رسول الله ( صلى الله عليه [و آله] وسلم ) يقول لعلي «إنَّ اللهَ أخَذَ مِيثاقَ المُؤْمِنينَ عَلي حُبِّكَ، وَ أخَذَ مِيثاقَ المُنافِقينَ عَلي بُغْضِكَ. وَ لَوْ ضَرَبْتَ خَيْشُومَ المُؤْمِنِ ما أبْغَضَكَ، وَ لَوْ نَثَرْتَ الدَنانِيرَ عَلي المُنافِقِ ما أحَبَّكَ. يا عَلِيُّ، لايُحِبُّكَ إلّا مُؤْمنٌ، وَ لايُبْغِضُكَ إلّا مُنافِقٌ». مدينة دمشق، ج ٤٢، ابن عساكر، ص ٢٧٧، الغدير ج3ص263

و في البحار و موسوعة الغدير « لَوْ ضَرَبْتُ خَيَاشِيمَ اَلْمُؤْمِنِ بِالسَّيْفِ مَا أَبْغَضَنِي، وَ لَوْ صَبَبْتُ عَلَى اَلْمُنَافِقِ ذَهَباً وَ فِضَّةً مَا أَحَبَّنِي، إِنَّ اَللَّهَ أَخَذَ مِيثَاقَ اَلْمُؤْمِنِينَ بِحُبِّي، وَ مِيثَاقَ اَلْمُنَافِقِينَ بِبُغْضِي، فَلاَ يُبْغِضُنِي مُؤْمِنٌ وَ لاَ يُحِبُّنِي مُنَافِقٌ أَبَداً». بحار الأنوار،ج39ص295

و بهذا المضمون رويت عدة روايات، و ذكر المناقب عدد من أحاديث النبي (ص) في هذا المقام، منها:

– ابْنُ بُطَّةَ مِنْ سِتَّةِ طُرُقٍ وَابْنُ مَاجَةَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالْبُخَارِيُّ وَأَحْمَدُ وَابْنُ الْبَيِّعِ وَأَبُو الْقَاسِمِ الْأَصْفَهَانِيُّ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ وَكِيعٍ وَابْنِ مُعَاوِيَةَ عَنِ الْأَعْمَشِ بِأَسَانِيدِهِمْ عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ قَالَ عَلِيٌّ (ع): «وَالَّذِي فَلَقَ الْحَبَّةَ وَبَرَأَ النَّسَمَةَ إِنَّهُ لَعَهْدُ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ أَنَّهُ لَا يُحِبُّنِي إِلَّا مُؤْمِنٌ وَلَا يُبْغِضُنِي إِلَّا مُنَافِقٌ». المناقب،ج ٣،ص ٢٠٦

– جَامِعِ التِّرْمِذِيِّ وَمُسْنَدِ الْمَوْصِلِيِّ وَفَضَائِلِ أَحْمَدَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَ النَّبِيُّ لِعَلِيٍّ «لَا يُحِبُّكَ مُنَافِقٌ وَلَا يُبْغِضُكَ مُؤْمِنٌ». المناقب،ج ٣،ص ٢٠٦

– أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِ النِّسَاءِ الصَّحَابِيَّاتِ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ وَكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ الثَّقَفِيِّ عَنْ أَنَسٍ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص«أَبْشِرْ فَإِنَّهُ لَا يُبْغِضُكَ مُؤْمِنٌ وَلَا يُحِبُّكَ مُنَافِقٌ وَلَوْ لَا أَنْتَ لَمْ يُعْرَفْ حِزْبُ اللَّهِ». المناقب،ج ٣،ص ٢٠٦

– وَفِي الْخَبَرِ يَا عَلِيُّ حُبُّكَ تَقْوَى وَإِيمَانٌ وَبُغْضُكَ كُفْرٌ وَنِفَاقٌ . المناقب،ج ٣،ص ٢٠٦

الْبَلاذِرِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالسَّمْعَانِيُّ عَنْ أَبِي هَارُونَ الْعَبْدِيِّ قَالَ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ : «كُنَّا لَنَعْرِفُ الْمُنَافِقِينَ نَحْنُ مَعَاشِرَ الْأَنْصَارِ بِبُغْضِهِمْ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ». المناقب، ج ٣، ص ٢٠٧.

– إِبَانَةِ الْعُكْبَرِيِّ وَكِتَابِ ابْنِ عُقْدَةَ وَفَضَائِلِ أَحْمَدَ بِأَسَانِيدِهِمْ أَنَّ جَابِراً وَالْخُدْرِيَّ قَالا : «كُنَّا نَعْرِفُ الْمُنَافِقِينَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ ص بِبُغْضِهِمْ عَلِيّاً» . المناقب، ج ٣، ص ٢٠٧.

وفي طائفة من الروايات تبيّن صفات مبغضي أمير المؤمنين عليه السلام، و منها خبث الولادة، مثل ما روي في المناقب: أَنَسٌ فِي خَبَرٍ طَوِيلٍ كَانَ الرَّجُلُ مِنْ بَعْدِ يَوْمِ خَيْبَرَ يَحْمِلُ وَلَدَهُ عَلَى عَاتِقِهِ ثُمَّ يَقِفُ عَلَى طَرِيقِ عَلِيٍّ ع فَإِذَا نَظَرَ إِلَيْهِ أَوْمَى بِإِصْبَعِهِ يَا بُنَيَّ تُحِبُّ هَذَا الرَّجُلَ فَإِنْ قَالَ نَعَمْ قَبَّلَهُ وَإِنْ قَالَ لَا خَرَقَ بِهِ الْأَرْضَ وَقَالَ لَهُ الْحَقْ بِأُمِّكَ». المناقب،ج٣،ص ٢٠٧.

و يذكر في الكافي و المناقب قصة متشابهة في سرقة لأحد الأشخاص بعد الإقرار و قيام أمير المؤمنين بتنفيذ حكم القطع، ثم أنّ مقطوع اليد – و قد قطعت الأصابع من الراحة و خلّيت الإبهام و كانوا ثمانية – سئل في رواية الكافي (ج7ص264) من قطعك؟ فقال: «قَطَعَنِي خَيْرُ النَّاسِ».

و في رواية المناقب (ج٢ص٣٣٥) ، في قطع يد رجل أقر أنّه سرق، فلما سئل من قطع يدك؟ قال: «لَيْثُ الْحِجَازِ وَكَبْشُ الْعِرَاقِ وَمُصَادِمُ الْأَبْطَالِ الْمُنْتَقِمُ مِنَ الْجُهَّالِ كَرِيمُ الْأَصْلِ شَرِيفُ الْفَضْلِ مُحِلُّ الْحَرَمَيْنِ وَارِثُ الْمَشْعَرَيْنِ أَبُو السِّبْطَيْنِ أَوَّلُ السَّابِقِينَ وَآخِرُ الْوَصِيِّينَ مِنْ آلِ يس الْمُؤَيَّدُ بِجَبْرَائِيلَ الْمَنْصُورُ بِمِيكَائِيلَ الْحَبْلُ الْمَتِينُ الْمَحْفُوظُ بِجُنْدِ السَّمَاءِ أَجْمَعِينَ ذَاكَ وَاللَّهِ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى رَغْمِ الرَّاغِمِينَ».

و حينما أخبر أمير المؤمنين عليه السلام قال « إِنَّ مُحِبِّينَا لَوْ قَطَعْنَاهُمْ إِرْباً إِرْباً مَا ازْدَادُوا لَنَا إِلَّا حُبّاً وَإِنَّ فِي أَعْدَائِنَا مَنْ لَوْ أَلْعَقْنَاهُمُ السَّمْنَ وَالْعَسَلَ مَا ازْدَادُوا لَنَا إِلَّا بُغْضاً ». المناقب،ج،٢ص٣٣٥.

و في الرواية عن النبيّ (ص) «إِنَّ النَّاسَ لَوِ اجْتَمَعُوا عَلَى حُبِّ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ لَمَا خَلَقَ اللَّهُ النَّارَ». المناقب،ج٣ص238

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *