Loading

المدينة المنورة

 

اعداد / عمران الياسري

 

 

الحمد لله الذي أسبغ علينا نعمه الباطنة والظاهرة وشملنا بصفات الطافة الغامرة,ووشحنا بمزايا فيوض كرمه ونواله , وأهلنا بارتقاء أعلى درجات أفضالة وفضلنا على سائر الانام بالتوفيق لاعتناق الاسلام وحج بيته الحرام وزيارة قبر نبيه واله الكرام ..
ونشهد ان لا اله الا الله وحدهُ لا شريك له تنزه عن الشركاء والأضداد وجل عن اتخاذ الصاحبة والأولاد ونشهد ان محمد نبيهُ خير من ارسلهُ الى الثقلين وأشرف من اجتباه من النبيين وبشر المذنبين وأنذر العارفين صلى الله عليه وال بيته الطيبين الطاهرين قادة المؤمنين الى مسالك الحق واليقين صلاةً تنجينا من اهوال يوم الدين وتزلف لنا الجنة مع المتقين ..

 


عباد الله اوصيكم ونفسي العاصية بتقوى الله سبحانه في النقض والابرام ومراقبتهِ في كل حلال وحرام قبل أن يأتي يوم يؤخذ بهِ بالنواصي والاقدام
قال تعالى بسم الله الرحمن الرحيم: رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ الصَّلاَةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ }إبراهيم 37
بهذا الدعاء الخالص النابع من القلب الطاهر بدأت قصة الحج حيث أختتم خليل الرحمن نبي الله ابراهيم عليه السلام رحلتهُ الطويلة التي بدأت من بابل بالعراق ومرت ببلاد الشام واستقرت بالجزيرة العربية ولاتحديد في ام القرى مكة المكرمة ومعهُ زوجهُ السيدة هاجر وابنه الرضيع اسماعيل حط هذا الركب الصغير في عدده الكبير في قدرهِ ورشده وشأنه  بالبلد الامن حط في أرض السلام الوادي الحدب حيث الجبال الساحنة والصحاري القاحلة وبدأ بناء البيت كما أمره ُ ربه .ثم يرمق السماء بعينيه ويرفع بضراعة والخشوع بيديه مناجياً ربه سبحانهُ وتعالى (رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ الصَّلاَةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ)إبراهيم
ثم يقفل راجعاً الى فلسطين تاركاً أهله في تلك الصحراء حيث لا أنيس ولا جليس ولا زرع ولا ضرع ويشتد بهما العطش وأخذت الام تهرول وتسعى للبحث عن الماء في قلبها دعاء الحب وايمان وأمتداد الحب الكبيروقد غارت عيناها من شدة العطش وذبلت شفتاه الطفل من شدة الضماء والجفاف حتى أخذ يفحصُ رمال الوادي بقدميه الصغيرتين كانه يغمز ثديي الارض الام الرؤم للإنسان علما تسكبُ عليه قطرة من الماء وتستجيب لرغبة وتتفجر الارض ينابيع زمزم فتذهل هاجر فتقترب من الماء وتغترف بكفيها لزوي الرضيع وترتوي وتحفظ الماء وتزمزمهُ بالتراب ويعود ابراهيم ويرى ما أنعم الله تعالى على ذريته الطاهرة والايمان على ارض المقدسات وتستمر في البناء ويشمخ رمز التوحيد كي تهفو اليه النفوس الضامئة وتلتقي القلوب المفعمة بالايمان ويصبح قبلةً يتوجه اليها أنظار المسلمين ومزاراً يحج اليه القاصدون ويكون اول بيت وضع للناس للحج والعبادة رمزاً للايمان وبيتاً لضيافة والرفادة الالهيه {وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَن لَّا تُشْرِكْ بِي شَيْئاً وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ }الحج 26/27
وأخذ يتضرع الى الله في ان يعمر المكان لتميل اليه قلوب المؤمنين ويتبعون دينه ويكونوا من نبذة الاوثان واتباع التوحيد {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَـذَا الْبَلَدَ آمِناً وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الأَصْنَامَ رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِّنَ النَّاسِ فَمَن تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }إبراهيم35/36

 

ويدعوا الله تعالى ان يرزقهم من أنواع الثمرات ليتمكنوا من أداء مناسك والاعمال ولتكون عنواناً لشكر الخالق المنعم المتفضل وببتهال ان يجعلهم مقيم للصلاة ومتضرعين الى البارئ بالدعاء بالنوايا الخالصة والقلوب الطاهرة والأرواح السامية {إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ }النمل91
وبهذا يندرج الحج ضمن الفرائض الالهية التي تهدف الى بناء الانسان وتكامله فان فرائض الله مبنية على التدرج وألارتقاء بما يتناسب مع عمق الايمان وقوة ووضوحه اشبه ما يكون كرافعة الاثقال كلما زاد وزن الاثقال زادة قوته فالصلاة الفريضة الاولى في حياة المسلم لا تاخذ من وقته وجهدهِ الا القليل ويأتي من بعدها الصيام الذي ياخذ اكثر من الصلاة ,أما بالنسبىة للحج فانه يأخذ أكثر منهما من الجهد والطاقة والمال ويمثل الجهاد قمة العطاء والبذل ولذلك يتبين من هذا ان المقيم لفريضة الحج ينبغي ان يكون ذا نفسية تتناسب مع عظمة الفريضة وقدسيتها اعلى من عقلية ونفسية المصلي والصائم ولا يكون كالطفل الذي يحمل اكثر من وزنه فيؤذيه وهذا ما يُلاحظ في بعض الحجاج فبدل أن يرجعوا وهم اكثر تقرباً الى الله وشوقاً الى الالتزام بالطاعة والعودة الى ممارسة الفريضة نجد العكس من كل ذلك ومردود ذلك عدم التناسب بين الفريضة وعقلية ونفسية الممارسين لها لذلك يحق القول ان المقيم للحج بصورته المطلوبة صنفاً رائعاً من المؤمنين ويستحق التقدير والاكبار لدرجة ايمانه العالية ولتزامه لما فرضه الله تعالى عليه في هذه الفريضة{ الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللّهُ وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ }البقرة197
وبهذا فان للحاج من الاجر والثواب ما لا يمكن تصوره ولا يقدر على حصره كما جاءت بذلك الروايات عن ابي عبد الله الصادق عليه السلام قال إن العبد المؤمن إذا أخذ في جهازه لم يرفع قدما ولم يضع قدما إلا كتب الله له بها حسنة ، حتى إذا استقل لم يرفع بعيره خفّاً ولم يضع خفّاً إلا كتب الله له بها حسنة ، حتى إذا قضى حجه مكث ذا الحجة والمحرم وصفر تكتب له الحسنات ولا تكتب عليه السيئات إلا أن يأتي بكبيرة
(وفي الرواية صافحوهم قبل ان يلموا بمعصية)
عن أبي عبد الله (ع) قال: إن المسلم إذا خرج إلى هذا الوجه .. يحفظ الله عليه نفسه و أهله ،حتى إذا انتهى إلى المكان الذي يحرم فيه وكل ملكان يكتبان له أثره و يضربان على منكبيه و يقولان له أما ما مضى فقد غفر لك فاستأنف العمل
عن سعد الاسكاف قال سمعت أبا جعفر ( عليه السلام ) يقول : إن الحاج إذا أخذ في جهازه لم يخط خطوة في شيء من جهازه إلا كتب الله عزوجل له عشر حسنات ، ومحا عنه عشر سيئات ، ورفع له عشر درجات حتى يفرغ من جهازه ، متى ما فرغ ، فإذا استقلت به راحلته لم تضع خفا ولم ترفعه إلا كتب الله عزوجل له مثل ذلك حتى يقضي نسكه ، فإذا قضى نسكه غفر الله له ذنوبه ، وكان ذا الحجة والمحرم وصفر وشهر ربيع الاول أربعة أشهر تكتب له الحسنات ، ولا تكتب عليه السيئات إلا أن يأتي بموجبة ، فإذا مضت الاربعة الاشهر خلط بالناس

قال الصادق (ع) : لما أفاض رسول الله (ص) تلقّاه أعرابي في الأبطح فقال : يا رسول الله (ص) !.. إني خرجت أريد الحجّ فعاقني عائقٌ ، وأنا رجلٌ مليءٌ كثير المال ، فمرني أن أصنع في مالي ما أبلغ ما بلغ الحاج ، فالتفت رسول الله (ص) إلى أبي قبيس فقال : لو أنّ أبا قبيسٍ لك زنته ذهبة حمراء أنفقته في سبيل الله ما بلغت ما بلغ الحاجّ

قال الإمام الباقر‏عليه السلام: “الحاج والمعتمر وفد اللَّه؛ إن سألوه أعطاهم، وإن دعوه أجابهم، وإن شفعوا شفعهم، وإن سكتوا إبتدءهم، ويعوضون بالدرهم ألف ألف درهم
اللهم يسر لنا حج بيتك الحرام وأغننا بالحلال عن الاحرام وحشرنا في زمرة نبيك الاعظم واله الكرام عليهم أفضل الصلاة والسلام .
بسم الله الرحمن الرحيم
لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآَمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ

 

الخطبة الثانية
بسم الله الرحمن الرحيم
قال الرسول الكريم محمد (ص) : ((من حج البيت ولم يزرني فقد جفاني))

قال رسول الله (ص) : من زارني ميتاً فكأنما زارني حياً ، ومن زار قبري وجبت له شفاعتي يوم القيامة ، وما من أحد من أمتي له سعة ثم لم يزرقال أمير المؤمنين (ع) : أتموا برسول الله (ص) حجّكم إذا خرجتم إلى بيت الله ، فإن تركه جفاء وبذلك أُمرتم ، وأتموا بالقبور التي ألزمكم الله عزَّ وجلَّ زيارتها وحقها
لقد جرت على سيرة المسلمين من عصر الصحابة الى يومنا هذا الى شد الرحال الى زيارة النبي الاكرم (ص) وعدوا زيارتها والسفر قربة ومن ينكر ذلك الا مخالف للدين عديم اليقيين وقد ورد لزيارته صلوات الله عليه واله وسلم اداب منها الغسب والتطيب ولبس احسن الثياب
وقد ورد ان تقول في الغسل اللهم طهر قلبي وأشرح صدري وأجري على لساني مدحتك والثناء عليك اللهم اجعله لي طهوراً وشفاء ونوراً انك على كل شئ قديراً.


كما يستحب الوقار والسكينة اثناء المشي والسير لزيارته وكثر الصلاة عليه وقد ورد في ذلك أخبار كثيرة كقوله (ص) أكثروا الصلاة عليّ فان صلاتكم عليَّ مغفرة لذنوبكم
عن عمّار بن ياسر عن النبيّ (صلى الله عليه وآله) أنه قال: “إن الله أعطى ملكاً من الملائكة أسماع الخلق، فهو قائم على قبري إلى يوم القيامة لا يصلّي عليَّ أحد صلاة إلاّ سمّاه باسمه واسم أبيه وقال: يا محمّد صلّى عليك فلان بن فلان وقد ضمن لي ربّي تبارك وتعالى أنه أردّ عليه بكلّ صلاة عشراً
فقد كان السلف من العلماء والعشاق للرسول الاكرم اذا دنوا من المدينة وشاهدوا اعلامها استحضروا وضائف الخشوع واستبشروا بالهنا وبلوغ المنى فمن كان على دابةً حركها شوقاً الى الحبيب وعند الاقتراب ترجلوا عن الرواحل تواضعاً لله تعالى وأجلالاً لنبيه (ص) وحكى القاضي عياض في الشفاء أن أبا الفضل الجوهري لما ورد المدينة زائراً ، وقرب من بيوتها ترجل ومشى باكياً منشدا
ولما رأينا رسم من لم يدع لنا فؤاداً لعرفان الرسوم و لا لباً
نزلنا عن الأكوار نمشي كرا مةً لمن بان عنه أن نلم به ركباً


فضمنها القاضي عياض قصيدة نبوية له يقول فيها


وتهنا بأكناف الخيام تواجدا * نقبلها طورا ونرشفها طورا
ونبدي سرورا والفؤاد بحبها * تقطع والأكباد أورى بها لهبا
أقدم رجلا بعد رجل مهابة * وأسحب خدي في مواطنها سحبا
وأسكب دمعي في مناهل حبها * وأرسل حبا في أماكنها النجبا
إذا بلغ حرم المدينة الشريفة فليقل بعد الصلاة والتسليم: أللهم هذا حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي حرمته على لسانه، ودعاك أن تجعل فيه من الخير والبركة مثلي ما في حرم البيت الحرام، فحرمني على النار، وآمني من عذابك يوم تبعث عبادك، وارزقني من بركاته ما رزقته أولياءك وأهل طاعتك، ووفقني لحسن الادب وفعل الخيرات وترك المنكرات ثم تشتغل بالصلاة والتسليم
وقال الغزالي في الاحياء ص246 : اذا وقع بصر الزائر على حيطان المدينة وأشجارها قال : اللهم هذا حرم رسولك فاجعله لي وقاية من النار,وأماناً من العذاب وسوء الحساب .
وفي الدروس:
اذا توجه الحاج الى المدينة فاذا اتى المدينة فليغتسل لدخولها ولدخول المسجد ولزيارة النيي (ص) وليدخل المسجد من باب جبرئيل ويدعو عند دخوله فأذا دخل المسجد صلّى التحية ثم أتى سيدنا رسول الله
عن محمد بن مسعود قال : رأيت أبا عبدالله (ع) انتهى الى قبر النبي (ص) فوضع يده عليه وقال (ع) : أسال الله الذي أجتباك وأختارك ,وهداك وهدى بك , أن يصلي عليك .
ثم قال : إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً الأحزاب56

 

الصور

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *