محمد جواد الدمستانيمحمد جواد الدمستاني

Loading

يوم المظلوم على الظالم أشدّ من يوم الظالم على المظلوم

يوم العدل على الظالم أشدّ من يوم الجور على المظلوم

محمد جواد الدمستاني

في النهي و الردع عن الظلم و الجور و التحذير منه و أنّ الله العزيز الجبّار ينتقم من الظالمين و يأخذ الحق للمظلومين و أنّ عذابه شديد و عقابه أليم و سيأتي اليوم الذي يأخذ المظلوم حقه من الظالم و هو أشد هولا و وطأة مما عاناه المظلوم من ظلمه روي عن أمير المؤمنين عليه السلام في نهج البلاغة قوله: «يَوْمُ الْمَظْلُومِ عَلَى الظَّالِمِ أَشَدُّ مِنْ يَوْمِ الظَّالِمِ عَلَى الْمَظْلُومِ»[1]، و «يَوْمُ الْعَدْلِ عَلَى الظَّالِمِ أَشَدُّ مِنْ يَوْمِ الْجَوْرِ عَلَى الْمَظْلُومِ»[2].

و «يَوْمِ الظَّالِمِ عَلَى الْمَظْلُومِ» هو وقت و فترة و زمن ظلم الظالم في الدّنيا و عدوانه حيث يتسلّط بالقوة و القهر على المظلوم، و و تُؤخذ حقوق المظلوم و يُقهر و يتعذب.

و «يَوْمُ الْمَظْلُومِ عَلَى الظَّالِمِ» هو يوم الانتقام و القصاص والانتصار للمظلوم على الظالم حيث يأخذ حقه، و هو إما يوم القيامة و هو يوم إنصاف المظلوم و أخذ حقّه بالكامل و هو يوم الجزاء و العقاب للظالم، و يوم العدل للمظلوم و هو أشد من فترة و عهد ظلم الظالم، لأنّه يوم الجزاء الأكبر و الانتقام الأعظم، بينما أقصى ما يعمله الظالم في الدنيا أن يقتل المظلوم قتلة واحدة، أما يوم المظلوم في القيامة فإنّ الظالم لا يموت فينتهي عذابه بل عذابه دائم و متجدد، و هو أشد هولا فهو يوم اقتصاص و مجازاة من الظالم، و يوم انكشاف حقيقة الظالم، و يوم لا يتوقعه الظالمون مما يشاهدون، و يرافقه ذل و خزي و عار أمام الخلق فالظالم مهما كانت أيامه في الدّنيا فإنها زائلة و القيامة و الآخرة قادمة حيث الحساب و الانتقام، فهو أعظم من عذابات الدّنيا و ظلمها، قال الله تعالى «وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ ۚإِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لَا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ ۖ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ»[3].

أو يوم المظلوم في الدّنيا فقد ينتقم الله من الظالم في الدّنيا قبل عذاب الآخرة، و«مَنْ سَلَّ سَيْفَ الْبَغْيِ قُتِلَ بِهِ»[4]، فيكون يوم إنصاف المظلوم في الدّنيا بأن يقوى فيه المظلوم على الظالم فينتقم منه، أو بمثل أن تحدث ثورة على حاكم جائر ظالم مستبد، أو ثورة ضد احتلال فينتقم الثوار و الشعب منه في الدّنيا، و ينتقم الله منه في الدّنيا و الآخرة، و في نهج البلاغة «الْبَغْيُ أَعْجَلُ عُقُوبَةً»[5] و عن النبي (ص) «إِنَّ أَعْجَلَ الشَّرِّ عُقُوبَةً الْبَغْيُ»[6]، و أمير المؤمنين (ع) «إِنَّ أَسْرَعَ الشَّرِّ عِقَاباً الظُّلْمُ»[7]، تشير إلى الانتقام الدنيويّ.

أو ينزل عليه الانتقام الإلهي و يهلكه، و المثال الواضح هو فرعون ملك مصر، حاكم مستبد و طاغية، يدّعي لنفسه الربوبية، و استعبد بني إسرائيل، و أمر بقتل أبناءهم بمجرد ولادتهم ليمنع ولادة النبي موسى (ع)، و يسجن و يعذّب مخالفيه في عقيدته، و نهايته أن انتقم الله منه بإغراقه في البحر «وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنجَيْنَاكُمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ»[8]، و نجّاه ببدنه ليكون عبرة، «فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً»[9]، و كل الطغاة و الظالمين هالكون كبارا صغارا.

أو قد ينتقم من الظالم ظالمٌ آخر مثله و يكون انتقامه أشد تنكيلا من ظلم الأول للآخرين، و عن الإمام الباقر عليه السلام: «مَا انْتَصَرَ اللَّه مِنْ ظَالِمٍ إِلَّا بِظَالِمٍ، قَالَ تعالى: «وَكَذلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظّالِمِينَ بَعْضاً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ»»[10].

و من روايات الانتقام الإلهي من الظالم ما روي عن الإمام الباقر (ع) في الدعوات التي لا يُحجبن عن الربّ تبارك و تعالى احداها «دَعْوَةُ اَلْمَظْلُومِ يَقُولُ اَللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ لَأَنْتَقِمَنَّ لَكَ وَ لَوْ بَعْدَ حِينٍ»[11]، و في عدد كبير من كتب العامة روي الحديث القدسي، قال تعال: «وعزّتي وجلالي لأنتقمنّ من الظالم في عاجله وآجله، و لأنتقمنّ ممّن رأى مظلوما فقدر أن ينصره فلم يفعل»[12].

و في الحكمتين حيثية تسلية للمظلوم و دعوة له بالصبر و الاحتساب عند الله و أنّ الظلم مهما اشتد و طال فإنّه لا يدوم و سينتهي، و أنّ الله سيقتص من الظالمين عاجلا أو آجلا، قال تعالى: «وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَىٰ بِنَا حَاسِبِينَ»[13].

و دعوة و حث للعدل و الإنصاف و رفض الظلم و الجور قبل أن يأتي يوم الانتقام و العدل و أخذ الحق للمظلوم لأنه سيكون أشدّ على الظالم و أقسى، و في حديث رسول الله (ص): «اتَّقُوا الظُّلْمَ، فَإِنَّهُ ظُلُمَاتُ يَوْمِ الْقِيَامَةِ»[14].

و فيها تنبيه لعدم استعجال العقوبة على الظالم فإنّها آتية لا محالة و هذه العروش تتهاوى و الطغاة تتدحرج في الدّنيا و العدل قادم لا محالة و إن تأخر بحساب أهلها أمّا في الآخرة فهو يوم الجزاء الأكبر و العدل الأعظم.

لكن الظالمين لا يعون هذا الكلام رغم كثرة ما نقل في التاريخ، و ما يشاهدونه في عصورهم من سقوط حكام جائرين و طغاة ظالمين و مستبدين و إقطاعيين باغين، كما أنّهم لا يعون أنّ الظلم يقصّر أعمارهم و عهودهم، و يعجّل العقوبة و الانتقام بهم، قال أمير المؤمنين (ع): «إِنَّ أَعْجَلَ الْعُقُوبَةِ عُقُوبَةُ الْبَغْيِ»[15]، و «لِكُلِّ ظَالِمٍ انْتِقَامٌ»[16]، و عن الإمام الصادق (ع) قال: «مَنْ ظَلَمَ مَظْلِمَةً أُخِذَ بِهَا فِي نَفْسِهِ أَوْ فِي مَالِهِ أَوْ فِي وُلْدِهِ»[17].

و على هذا ينبغي التمسك بالعدل و الحق و الإنصاف و تجنّب الظلم في الدنيا قبل فوات الأوان، و في رواية في الكافي: دَخَلَ رَجُلَانِ عَلَى الإمام الصادق فِي مُدَارَاةٍ بَيْنَهُمَا ومُعَامَلَةٍ فَلَمَّا أَنْ سَمِعَ كَلَامَهُمَا قَالَ كلاما حول الظلم فَاصْطَلَحَ الرَّجُلَانِ قَبْلَ أَنْ يَقُومَا[18]، لما سمعوه من بشاعة الظلم فأثّر فيهم الكلام.

و ضرورة الوعي بأنّ القوة الحقيقية ليست في البطش و الظلم و القهر و إنّما في العدل و الحق، و ألا يغتر الظالمون بالقوة و السلطة و الثروة فإنّ الدّنيا دول، و على الظالم أن يتوب و يرتدع و يرجع حقوق المظلومين قبل أن يأتي يوم المظلومين فيقتصون منه بأشد مما كان يفعل في الدّنيا أو في الآخرة.

و الظلم أنواع متعددة و كثيرة و منها حقوق العباد لبعضهم بأخذها و اغتصابها أو بقتل أو فساد أو طغيان أو سجن أو سلب حقوقهم و حرياتهم، أو تهجيرهم من بيوتهم و ديارهم، أو فتنة أو غيبة أو إلحاق ضرر بالآخرين.

و في تقسيم الظلم من جهة الغفران من الله روي عن الإمام الباقر (ع) أنّه على ثلاثة أقسام، قال (ع): «اَلظُّلْمُ ثَلاَثَةٌ ظُلْمٌ يَغْفِرُهُ اَللَّهُ، وَ ظُلْمٌ لاَ يَغْفِرُهُ اَللَّهُ، وَ ظُلْمٌ لاَ يَدَعُهُ اَللَّهُ.

فَأَمَّا اَلظُّلْمُ اَلَّذِي لاَ يَغْفِرُهُ فَالشِّرْكُ،

وَ أَمَّا اَلظُّلْمُ اَلَّذِي يَغْفِرُهُ فَظُلْمُ اَلرَّجُلِ نَفْسَهُ فِيمَا بَيْنَهُ وَ بَيْنَ اَللَّهِ،

وَ أَمَّا اَلظُّلْمُ اَلَّذِي لاَ يَدَعُهُ فَالْمُدَايَنَةُ بَيْنَ اَلْعِبَادِ»[19].

و لو علم الظالم ببشاعة و فظاعة و شناعة الظلم و كذا عقوبته لما ظلم أحدٌ أحدا، «وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ»[20]، و خاصة ظلم من لا يجد ناصرا له إلا الله، و الرواية عن الإمام الباقر (ع) قال: لَمَّا حَضَرَ عَلِيَّ بْنَ الْحُسَيْنِ (ع) الْوَفَاةُ ضَمَّنِي إِلَى صَدْرِه، ثُمَّ قَالَ يَا بُنَيَّ أُوصِيكَ بِمَا أَوْصَانِي بِه أَبِي (ع) حِينَ حَضَرَتْه الْوَفَاةُ، و بِمَا ذَكَرَ أَنَّ أَبَاه أَوْصَاه بِه، قَالَ: يَا بُنَيَّ إِيَّاكَ وظُلْمَ مَنْ لَا يَجِدُ عَلَيْكَ نَاصِراً إِلَّا اللَّه»[21].

و عن الإمام الصادق (ع): «مَا مِنْ مَظْلِمَةٍ أَشَدَّ مِنْ مَظْلِمَةٍ لاَ يَجِدُ صَاحِبُهَا عَلَيْهَا عَوْناً إِلاَّ اَللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ»[22].

و إن شئت فتعجّب من أنّه كيف ينام الظالم في قصره و سجونه مملوءه بالمظلومين و المعذّبين القابعبن في غرف التعذيب و زنازين الموت، و أمهاتهم ساهرة تدعو الله سبحانه و تعالى بالفرج لهم و الانتقام من ظالميهم، و المنتقم هو الله العزيز الجبّار، «إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنتَقِمُونَ»[23].

و في ديوان الإمام علي عليه السلام:

تَنامُ عَينُكَ وَالمَظلومُ مُنتَبِهٌ يَدعو عَلَيكَ وَعَينُ اللَهِ لَم تَنَمِ

  1. – نهج البلاغة ، حكمة 241

  2. – نهج البلاغة ، حكمة 341

  3. – سورة إبراهيم، آية 42-43

  4. – نهج البلاغة، حكمة 349

  5. – غرر الحكم ودرر الكلم، عبد الواحد الآمدى التميمي، ص ٥٠، عيون الحكم والمواعظ، علي بن محمد الليثي الواسطي، ص ٤٦(البغي أعجل شئ عقوبة)

  6. – الكافي، الشيخ الكليني، ج٢، ص٣٢٧، ثواب الأعمال وعقاب الأعمال، الشيخ الصدوق، ص ٢٧٥، من لا يحضره الفقيه، الشيخ الصدوق، ج ٤، ص ٣٧٩

  7. – غرر الحكم ودرر الكلم، عبد الواحد الآمدى التميمي، ص ٢١٩

  8. – سورة البقرة، آية 50

  9. – سورة يونس، آية 92

  10. – تفسير العياشي، محمد بن مسعود العياشي، ج ١، ص ٣٧٦

  11. – الکافي، الشيخ الكليني، ج2، ص 509، (عَنْ أَبِي عَبْدِ اَللَّهِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ قَالَ كَانَ أَبِي عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ يَقُولُ: خَمْسُ دَعَوَاتٍ لاَ يُحْجَبْنَ عَنِ اَلرَّبِّ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى: دَعْوَةُ اَلْإِمَامِ اَلْمُقْسِطِ، وَ دَعْوَةُ اَلْمَظْلُومِ يَقُولُ اَللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ لَأَنْتَقِمَنَّ لَكَ وَ لَوْ بَعْدَ حِينٍ، وَ دَعْوَةُ اَلْوَلَدِ اَلصَّالِحِ لِوَالِدَيْهِ، وَ دَعْوَةُ اَلْوَالِدِ اَلصَّالِحِ لِوَلَدِهِ، وَ دَعْوَةُ اَلْمُؤْمِنِ لِأَخِيهِ بِظَهْرِ اَلْغَيْبِ فَيَقُولُ وَ لَكَ مِثْلُهُ»، عدة الداعي، ابن فهد الحلي، ص 131، وسائل الشیعة، الحر العاملي، ج7، ص116

  12. – المعجم الأوسط، ، الطبراني، ج١، ص ١٥، المعجم الكبير، الطبراني، ج ١٠، ص ٢٧٨، ذكر أخبار أصبهان (تاريخ أصبهان)، أبي نعيم الأصبهاني، ج٢، ص٥، القند في ذكر علماء سمرقند، النسفي، ص ٣٦٧، تاريخ مدينة دمشق، ابن عساكر، ج٣٤، ص٣٤٠

  13. – سورة الأنبياء، آية 47

  14. – الكافي، الشيخ الكليني، ج2، ص ٣٣٢

  15. – غرر الحكم ودرر الكلم، عبد الواحد الآمدى التميمي، ص ٢١٩

  16. – غرر الحكم ودرر الكلم، عبد الواحد الآمدى التميمي، ص ٥٤١

  17. – الکافي، الشيخ الكليني، ج2، ص332

  18. – الكافي، الشيخ الكليني، ج٢، ص ٣٣٤ (قَالَ دَخَلَ رَجُلَانِ عَلَى أَبِي عَبْدِ اللَّه (ع) فِي مُدَارَاةٍ بَيْنَهُمَا ومُعَامَلَةٍ فَلَمَّا أَنْ سَمِعَ كَلَامَهُمَا قَالَ: أَمَا إِنَّه مَا ظَفِرَ أَحَدٌ بِخَيْرٍ مِنْ ظَفَرٍ بِالظُّلْمِ أَمَا إِنَّ الْمَظْلُومَ يَأْخُذُ مِنْ دِينِ الظَّالِمِ أَكْثَرَ مِمَّا يَأْخُذُ الظَّالِمُ مِنْ مَالِ الْمَظْلُومِ ثُمَّ قَالَ مَنْ يَفْعَلِ الشَّرَّ بِالنَّاسِ فَلَا يُنْكِرِ الشَّرَّ إِذَا فُعِلَ بِه أَمَا إِنَّه إِنَّمَا يَحْصُدُ ابْنُ آدَمَ مَا يَزْرَعُ ولَيْسَ يَحْصُدُ أَحَدٌ مِنَ الْمُرِّ حُلْواً ولَا مِنَ الْحُلْوِ مُرّاً فَاصْطَلَحَ الرَّجُلَانِ قَبْلَ أَنْ يَقُومَا).

  19. – الکافي، الشيخ الكليني، ج2، ص330

  20. – سورة الشعراء، آية 227

  21. – الكافي، الشيخ الكليني، ج٢، ص٣٣١

  22. – الکافي، الشيخ الكليني، ج2، ص331

  23. – سورة السجدة، آية ٢٢

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *