جذور التطرف
من الملاحظ أن التطرف والغلو واقع لا يمكن نكرانه أو تجاهله فهو موجود في واقعنا الأجتماعي والديني والسياسي , فالكثير منا من يغالي في وصف نفسه أو حادثه معينه وهناك من يبالغ عند وصف العدد فيعطي أرقامآ فلكيه وهناك من يغالي بالدين والأمثله كثيره فالمسيحي يغالي بعيسى فيدعي أبن الله والخوارج في التاريخ الأسلامي يغالوا في تكفير غيرهم وهناك من يغالي بالصحابه وهناك من يبالغ في الممارسات الشعائريه كما في بعض الأوساط الشيعيه مثل تطين الثياب والزحف الى مقام الأمام الحسين (ع) والضرب بالسيف والتي هي ليست من المذهب في شئ وأنما هي حاله تعبيريه للولاء عند البعض هي حاله شعبيه وكذلك هناك الغلو في السياسه والي يتمظهر بالتطرف القومي ذات البعد الشوفيني وهناك من يتطرف بالوطنيه ويجعلها في مقام الألوهيه وهكذا.
أن حجم التطرف اليوم لدى الكثير من الشباب أصبح كبير وينذر بالكثير من الشؤوم ويتوقع الكثير من التطورات الدراماتيكيه في واقعنا الأسلامي لأن التطرف ما أن يتمظهر في وسط الا وأصبح وبالآ عليه.
لا شك أن ما للواقع الأجتماعي والتربيه من أثر كبير في نشأت الأرهاب , فترى الأنسان الذي يعيش في بيئه مقهوره أجتماعيآ وسياسيآ وفي وسط يسوده الجهل تراه يعاني من أضطراب في منهجية التفكير حيث تتسم أفكارهم بالفوضى والتخبط والتي سرعان ما تبتعد عن الموضوع الأصلي, ولهذا يسود التعصب والتشبث بالأفكار القطعيه بعيدآ عن أي محاوله للتحليل ,فترى تفكيرهم بعيدآ عن المنطق القائم على الجدل والسببيه والقائم على تكديس الأفكار والحوادث في غياب تام لأي ترابط يعيد بنيانها وعلاقاتها العضويه لتشكل صوره واضحه وواقعيه للواقع.كذلك هناك الكثير ممن يعاني توترآ نفسيآ يطغى عليه الأنفعال بسبب مأزق معيشي أو شعور داخلي بالأضطهاد حيث يغلب عليه التعاطي الأنفعالي مع المواقف بدل تحكيم العقل والمنطق, فترى مثلآ بعض الجهلاء الذين يرتقون المنصات في المظاهرات وممن ينتحل صفة رجل دين يغلب على خطابه التباكي وهو أسلوب عاطفي للتحشيد والتحريض وتصعيد المواقف والاستفزاز وهذا ما يثير الكثير من مشاعر العداء ضد الأخر , وهذا ما شاهدناه ولمسناه في منصات الخطابه في أعتصامات الأنبار وسامراء والموصل.
بالأضافه الى ما تقدم هناك عدة أسباب تساهم في نشوء وظهور التطرف ومنها:
1-الجهل بالشريعه الناتج عن غياب الوعي بالنص الديني , وغالبآ الجاهل يكون أكثر جرأه في معالجة النص واصدار الحكم ,ناهيك عن جهله بمقاصد الشريعه وفهم تأويلها.
2-أبتلينا اليوم بالكثير من طالبي الشهره والزعامه وممن يتجرأ بالتعسف في تأويل النصوص بما يوافق هوى نفسه والتي غالبآ ما تكون نفسيته مريضه ومنحرفه ومياله للعنف.
3-ان ماللتحلل الخلقي في المجتمع من أثر كبير على العنف والتطرف كرد فعل لها . فمثلآ مظاهر الرذيله والملابس البعيده عن الحشمه في الشارع والمدرسه ووسائل الأعلام.
4-أسباب سياسيه وهو الغزو الخارجي بكل مظاهره الأقتصاديه والعسكريه والثقافيه ومحاولات الهيمنه على الشعوب وأسقاط هويتها الحضاريه . لاشك كل هذا سوف ينعكس بفعل أنتقامي في نفوس الكثير . فمثلآ الرسوم المسيئه للرسول محمد(ص) وكذلك محاولات حرق المصحف الشريف وتفجير مراقد الأولياء من قبل المتطرفين.
5-الأضطهاد السياسي وتكميم الأفواه ومنع حرية التعبير كما يحصل في أنظمتنا السياسيه في الشرق الأوسط والزج بالسجون لكل صاحب رأي أو معتقد يخالف توجه الدوله أو رأس السلطه فيها,والمثال على ذلك ظهور الحركات الجهاديه التي خرجت من رحم السجون المصريه في عصر جمال عبد الناصر والسادات وحسني مبارك.
6-الأوضاع الأقتصاديه وأستئثار الطبقه الحاكمه لقوة الشعب والفساد الأداري والمالي وأنعدام تكافؤ الفرص وأستغلال السلطه في ظل وجود طبقه كبيره من المحرومين تعيش الفقر على هامش المدن وأطرافها . وهذا ما نراه اليوم في دولنا العربيه خاصه ومنهم العراق وخير مثال ذلك الشاب التونسي بائع الخضار الذي لا يستطيع سداد قوته اليومي والذي وجه العنف الى نفسه فأحرقها والذي كان شرارة الثوره التونسيه. أما على مستوى التاريخ فهي تلك الفتنه التي أنتهت بقتل عثمان بن عفان نتيجةأستئثاره بالمال والسلطه فقال حينها أمير المؤمنين علي (ع) معلقآ على الحادث ( أستاثروا فأساءوا الأسئثار وجزعوا فأساءوا الجزع).
كلنا يعلم ما للبطاله من أثر واضح وكبير في تغذية الأرهاب والتطرف وهو من أهم وسائل الحركات المتطرفه في شراء الذمم وتعبئة الشباب العاطل نحو العنف عن طريق جذبهم بالعطايا والهبات السخيه فيكون لقمه سائغه يتم أستدراجها للأرهاب وخاصه وهم من الطبقات غير المتعلمه مما يسهل على المتطرفين احتوائهم وغسل ادمغتهم ومن ثم تفجيرهم بعمليات أنتحاريه. أننا نرى يوميآ ومن على شاشات التلفزيون الأعداد الكبيره من الشباب الذين يمارسون العنف في الأحتجاجات ويحرقون المحلات التجاريه والمرافق العامه , فهم من صنف الشباب الذي يعاني الفقر والعوز والشعور بعدم العداله في توزيع الثروات والتي تكون السبب في تاجيج روح العداء ويذكي نار التطرف والغلو تحت شعار الدين والدين منه براء , براءة الذئب من دم يوسف.
7-الفراغ الروحي وفقدان الهويه عند الكثير من الشباب وخاصه الذين يعيشون في المهجر والذين يشعرون بالتهميش الأجتماعي والأقتصادي وخاصه العمل أضافه الى ظهور الحركات المتطرفه في تلك البلدان مما يساهم في وقوع هؤلاء الشباب في شباك الحركات المتطرفه والتي توهمه بأعطاء الهويه والأنتماء لها مما يشعره بالأمتلاء النفسي بالركون اليها وعنئذ توجهه نحو وجهة التطرف وتنفيذ كل ما هو مطلوب منه وهذا ما نشاهده من حالات تفجير لأجسادهم في الكثير من البلدان ومنها بريطانيا وحصلت حاله في السويد عندما فجر ذلك الشاب الوسيم تيمور في استوكهولم وهناك الكثير منهم من يرسل الى سوريا والعراق وأفغانستان وبأعداد كبيره جدآ يجعلون منهم وقودآ لهذه الحروب العبثيه والتي أشعلوها ولأهداف دنيئه ومشبوه ولا أبرئ دول عظمى تشترك في مخطط أسقاط أنظمه يريد الغرب أسقاطها لأنها قد تكون حجر عثره في طريق هيمنتها على المنطقه ولتأمين عوامل الأستقرار للأسرائيل.
8-الأدمان على السلطه سواء من قبل الفرد كالشاه وصدام والقذافي وأمراء الخليج او القوميه كما حكم البشتون أفغانستان بدون أعطاء الفرصه لغيرهم من القوميات الأخرى أوطائفيه كما في البحرين والعراق حيث طائفه معينه تستأثر بالحكم على طول التاريخ بدون مشاركة او اعطاء الفرصه للطوائف الأخرى بالحكم , وهذه كانت واحده من معانات الطائفه الشيعيه بالعراق . فهم لم يعطوا فرصه للحكم منذ تشكلت الدوله العراقيه والى سقوط صدام حسين. أن المشكله في هذا النوع من الحكم عندما يسقط ولأي سبب تقوم الدنيا ولا تقعد من قبل أعوانه أو طائفته وهذا الذي يحدث بالعراق من تفجيرات وأساله للدماء ومن ذبح , ما هو الا نتيجه لهذا الأدمان السلطوي والذي لا أعرف من أين اتوا بهذا الحق التاريخي للحكم.
أن ذكر هذه الأسباب لا يعني ليس هناك أسبا أخرى ولكن هذه هي الأسباب الرئيسيه للتطرف. ولاشك أن علمنا بأسباب الغلو والتطرف يسهل على المعنين بهذا الشأن وخاصه الحكومات على وضع الحلول والدراسات لمعالجة هذه الظواهر الغريبه والتي في الكثير منها وليدة واقع مرير كبر وتراكم مع الأيام .
أن هذا يمكن تداركه عبر عدة أجراءات منها ملئ الفراغ الروحي لدى فئة الشباب بالفكر الوسطي (أنا جعلناكم أمة وسطا) وكذلك العمل على توفير تكافؤ الفرص لهم وشعورهم بالعدل والأنصاف من الدوله والمجتمع . كذلك العمل على تحسين وضعهم الأقتصادي عبر أتاحة فرص العمل لهم واعادة تأهيلهم وهذا يعتمد على كل دوله وظروفها. كذلك من الأمور المهمه هو حرية الرأي وترشيد وتحسين الوضع الساسي للبلد مما يولد حاله من الأستقرار النفسي للناس وعدم الشعور بالمظلوميه لبعض رعايا الدوله لقطع الطريق لكل المتربصين بها من اصحاب الأجندات الخارجيه والذين يستغلون كل حالة تذمر أجتماعي أو مناطقي أو قومي أو مذهبي لكي يصبوا الزيت على النار وأشعال الفتنه وخلق الفوض في المجتمع والدوله وهذا ما يجند له عملاء الداخل لحساب أجنده أقليميه ودوليه لصنع ما يسمى بالفوضى الخلاقه.
كذلك من الأمور المهمه والحساسه ترشيد الأعلام ومنع كل ما يثير المشاعر البدائيه عند الأنسان ومحاولة أجراء حوارات ومناظرات لتحديد المشاكل ووضع الحلول لها , ولكن هناك مسائل يكون من الضروري الأشاره اليها وهي مهمه بمكان وهو تمكين علماء دين مشهود لهم بالعلميه والخبره والنزاهه والأخلاص بأن يأخذوا دورهم في توجيه الجماهير عن طريق فتح قنوات أعلاميه لهم في مقابل منع ظهور المنتحلين لهذه الألقاب من منتحلي العمائم الصغار والذين قد يكون غالبيتهم ممن لهم أرتباطات مشبوه بحركات سياسيه لا صله لها بالدين ولكن بظهورهم باللباس الديني وتسلقهم لمنصات الخطابه وبأسم الدين مما يذروا الرماد بعيون مستمعيهم ومشاهديهم وبالتالي يكونوا ركيزه اساسيه للفتنه المجتمعيه التي نعيشها اليوم .
أياد الزهيري