محمد جواد الدمستانيمحمد جواد الدمستاني

Loading

06

الحرص و الرزق (أصول الرزق 6-14)

محمد جواد الدمستاني

لعل غالبية الناس يظنون بأنّ العلاقة طردية بين الحرص و الرزق بمعنى كلما حرص الإنسان ازداد رزقه و اتسعت أمواله و أملاكه و لكن الحقيقة أنّ العلاقة عكسية بينهما، و سنذكر في فصلي ما يورث الغنى و ما يورث الفقر عدد من تلك الروايات التي تبيّن أنّ ترك الحرص يزيد في الرزق و إظهار الحرص يورث الفقر. قال رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم: «إنّ الرزق لا يجره حرص حريص و لا يصرفه كراهية كاره»[1]. و قال الإمام علي (عليه السلام): «من لم يعط قاعدا لم يعط قائما»[2]، و في غرر الحکم «من لم يعط قاعدا منع قائما»[3].

و كتب الإمام علي عليه السلام لابن عباس كتابا جاء فيه: «أما بعد، فإنك لست بسابق أجلك، و لا مرزوق ما ليس لك»[4].

و من تعاليمهم عليهم السلام الاعتدال في طلب الرزق و الاتزان و البعد عن الحرص ففي حديث روي عن الإمام الحسن كما روي عن الإمام الحسين عليهما السلام: لا تجاهد الطلب جهاد الغالب، ولا تتكل على القدر اتكال المستسلم فإن ابتغاء الفضل من السنة، والإجمال في الطلب من العفة، و ليس العفة بدافعة رزقا، و لا الحرص بجالب فضلا، فإنّ الرزق مقسوم، و استعمال الحرص استعمال المآثم[5].

و في البحار عن الإمام الحسين عليه السلام: (يا هذا لا تجاهد في الرزق جهاد الغالب، و لا تتكل على القدر اتكال مستسلم، فان اتباع الرزق من السنة والاجمال في الطلب من العفة، و ليس العفة بمانعة رزقا)[6].

و عن أبي حمزة الثمالي قال: ذكر عند علي بن الحسين عليه السلام غلاء السعر فقال: وما علي من غلائه، إن غلا فهو عليه، و إن رخص فهو عليه[7].

و في الأمالي: قال سيدنا الصادق (عليه السلام): من اهتم لرزقه كتب عليه خطيئة، إنّ دانيال كان في زمن ملك جبار عات، أخذه فطرحه في جب و طرح معه السباع، فلم تدن منه، ولم تجرحه، فأوحى الله إلى نبي من أنبيائه، أن إئت دانيال بطعام، قال: يا رب، وأين دانيال؟ قال: تخرج من القرية فيستقبلك ضبع فاتبعه فإنه يدلك عليه، فأتت به الضبع إلى ذلك الجب، فإذا فيه دانيال، فأدلى إليه الطعام، فقال دانيال: الحمد لله الذي لا ينسى من ذكره، والحمد لله الذي لا يخيب من دعاه، الحمد لله الذي من توكل عليه كفاه، الحمد لله الذي من وثق به لم يكله إلى غيره، الحمد الله الذي يجزي بالاحسان إحسانا و بالصبر نجاة[8].

و جاء رجل إلى الإمام الصادق عليه السلام فقال له: بأبي أنت وأمي يا ابن رسول الله، علمني موعظة، فقال (عليه السلام): (إن كان الله تبارك و تعالى قد تكفل بالرزق، فاهتمامك لماذا ؟ و إن كان الرزق مقسوما، فالحرص لماذا ؟ و إن كان الحساب حقا فالجمع لماذا ؟ و إن كان الثواب من الله، فالكسل لماذا ؟ و إن كان الخلف من الله عز و جل حقا، فالبخل لماذا ؟ وإن كانت العقوبة من الله عز وجل النار فالمعصية لماذا ؟ وإن كان الموت حقا فالفرح لماذا ؟ و إن كان العرض على الله عز وجل حقا فالمكر لماذا ؟ و إن كان الشيطان عدوا فالغفلة لماذا ؟ و إن كان الممر على الصراط حقا فالعجب لماذا ؟ و إن كان كل شئ بقضاء و قدر فالحزن لماذا ؟ و إن كانت الدنيا فانية، فالطمأنينة إليها لماذا ؟)[9]. و هذا هو الزهد الأعظم.

و قال الإمام علي (عليه السلام): (من زهد في الدنيا لم تفته، من رغب فيها أتعبته و أشقته)[10].

و قال (عليه السلام): إن زهد الزاهد في هذه الدنيا لا ينقصه مما قسم الله عز وجل له فيها و إن زهد، و إن حرص الحريص على عاجل زهرة [الحياة] الدنيا لا يزيده فيها و إن حرص، فالمغبون من حرم حظه من الآخرة[11].

  1. – مشكاة الأنوار في غرر الأخبار- علي بن الحسن الطبرسي – ص٤٤، وسائل الشيعة (آل البيت) – الحر العاملي – ج 15 – ص 202، ميزان الحكمة – محمد الريشهري – ج 2 – ص 1068

  2. – نهج البلاغة – حكمة 369، غرر الحکم – عبد الواحد الآمدى التميمي – ص 602، ميزان الحكمة – محمد الريشهري – ج 2 – ص 1069

  3. – غرر الحکم و درر الكلم – عبد الواحد بن محمد التميمي الآمدي – ص 602

  4. – نهج البلاغة – باب الكتب – 72، ميزان الحكمة – محمد الريشهري – ج 2 – ص 1069

  5. – تحف العقول عن آل الرسول ( ص )، ابن شعبة الحراني، ص ٢٣٣، بحار الأنوار- العلامة المجلسي – ج ٧٥ – ص ١٠٦، ميزان الحكمة – محمد الريشهري – ج 2 – ص 1070، مستدرك الوسائل – الميرزا النوري – ج 13 – ص 35 (جالب المأثم)، موسوعة كلمات الإمام الحسين (ع) – لجنة الحديث في معهد باقر العلوم (ع) – ص 918 (واستعمال الحرص طالب المأثم)

  6. – بحار الأنوار – العلامة المجلسي – ج 100 – ص 27

  7. – وسائل الشيعة (آل البيت) – الحر العاملي – ج 17 – ص 57

  8. – الأمالي – الشيخ الطوسي – ص 300

  9. – من لا يحضره الفقيه – الشيخ الصدوق – ج4 – ص 393، الأمالي – الشيخ الصدوق – ص 56

  10. – عيون الحكم والمواعظ – علي بن محمد الليثي الواسطي – ص 456، ميزان الحكمة – محمد الريشهري – ج 2 – ص 1175

  11. – الكافي – الشيخ الكليني – ج 2 – ص 129

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *