05
الرزق من حيث لا يحتسب (أصول الرزق 5-14)
محمد جواد الدمستاني
وعد الله سبحانه و تعالى من يتقيه بالفرج و الرزق من حيث لا يحتسب، قال تعالى في سورة الطلاق (ومَنْ يتق اللّه يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب)[1]. و لا يتصور و لا يتوقع، و عن الإمام جعفر بن محمد عن أبيه عن آبائه عليهم السلام قال: قال علي عليه السلام من أتاه الله برزق لم يخط إليه برجله، و لم يمد إليه يده، و لم يتكلم فيه بلسانه، و لم يشد اليه ثيابه، و لم يتعرض له، كان ممن ذكره الله عز وجل في كتابه «ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب»[2])[3].
و في المناقب: بلغ عبد الملك أنّ سيف رسول الله عند زين العابدين فبعث يستوهبه منه و يسأله الحاجة فأبى عليه، فكتب إليه عبد الملك يهدده و أنّه يقطع رزقه من بيت المال. فأجابه عليه السلام: أما بعد فان الله ضمن للمتقين المخرج من حيث يكرهون و الرزق من حيث لا يحتسبون، و قال جل ذكره (إنّ الله لا يحب كل خوّان كفور)[4] فانظر أينا أولى بهذه الآية؟[5] .
و ذكر العلامة الطباطبائي في تفسير الآية: (و من يتق الله) و يتورع عن محارمه و لم يتعد حدوده و احترم لشرائعه فعمل بها (يجعل له مخرجا) من مضائق شكلات الحياة فإن شريعته فطرية يهدي بها الله الإنسان إلى ما تستدعيه فطرته و تقضي به حاجته و تضمن سعادته في الدنيا و الآخرة (و يرزقه) من الزوج و المال و كل ما يفتقر إليه في طيب عيشه و زكاة حياته (من حيث لا يحتسب) و لا يتوقع، فلا يخف المؤمن أنه إن اتقى الله و احترم حدوده حرم طيب الحياة و ابتلي بضنك المعيشة فإن الرزق مضمون و الله على ما ضمنه قادر[6].
و ذكرت عدد من روايات أهل البيت عليهم السلام حول معنى الرزق من حيث لا يحتسب فعن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: أبى الله عز وجل إلا أن يجعل أرزاق المؤمنين من حيث لا يحتسبون)[7].
و عنه عليه السلام، عن أبيه، عن جده (عليهم السلام) قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام): كن لما لا ترجو أرجى منك لما ترجو، فإن موسى بن عمران (عليه السلام) خرج يقتبس لأهله نارا فكلمه الله عز وجل ورجع نبيا مرسلا، و خرجت ملكة سبأ فأسلمت مع سليمان (عليه السلام)، و خرجت سحرة فرعون يطلبون العز لفرعون فرجعوا مؤمنين[8].
و قال الإمام الصادق (عليه السلام): إنّ الله عز وجل جعل أرزاق المؤمنين من حيث لا يحتسبون و ذلك أن العبد إذا لم يعرف وجه رزقه كثر دعاؤه[9].
و من دعاء الإمام زين العابدين عليه السلام في مكارم الأخلاق طلب ذلك الرزق فيما طلب فقال عليه السلام: اللهم صل على محمد و آله، واكفني مؤنة الاكتساب، و ارزقني من غير احتساب، فلا أشتغل عن عبادتك بالطلب، و لا أحتمل إصر تبعات المكسب، اللهم فأطلبني بقدرتك ما أطلب، وأجرني بعزتك مما أرهب، اللهم صل على محمد و آله، و صن وجهي باليسار، و لا تبتذل جاهي بالإقتار، فأسترزق أهل رزقك، و أستعطي شرار خلقك، فأفتتن بحمد من أعطاني، و أبتلى بذم من منعني، و أنت من دونهم ولي الاعطاء و المنع[10].
و يستحب الرجاء في النفس بالرزق من حيث لا يحتسب، ذكر السيد الحكيم في منهاج الصالحين: يستحب ذكر الله تعالى في الأسواق، وطلب الخيرة منه، والدعاء بالمأثور، ومنه الشهادتان. كما يستحب عند الشراء التكبير ثلاثا، والدعاء بالمأثور أيضا، وأن يستدر الرزق بالدعاء، وأن يرجو في نفسه الرزق من حيث لا يحتسب، و لا يعتمد على حذقه و كده و لا يطمئن إليهما[11].
-
– سورة الطلاق، آية 2، 3 ↑
-
– سورة الطلاق – آية 2-3 ↑
-
– من لا يحضره الفقيه -ج ٣ -الشيخ الصدوق – ص ١٦٦، بحار الأنوار -ج ٦٧- العلامة المجلسي – ص ٢٨١، جامع أحاديث الشيعة – السيد البروجردي – ج 17 – ص 37 ↑
-
– سورة الحج، آية 38 ↑
-
– مناقب آل أبي طالب – ابن شهر آشوب – ج 3 – ص 302 ، بحار الأنوار- العلامة المجلسي-ج ٤٦- ص ٩٥، العوالم – الإمام علي بن الحسين ( ع )- الشيخ عبد الله البحراني- ج ٢- ص ١١٧ ، ج ٢ – ص ١٧٣ ↑
-
– الميزان في تفسير القرآن، السيد محمد حسين الطباطبائي – ج ١٩- ص ٣١٤، تفسير الآية (ومَنْ يتق اللّه يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب). ↑
-
– الكافي – الشيخ الكليني – ج 5 – ص 83 ↑
-
– الكافي – الشيخ الكليني – ج 5 – ص 83 ↑
-
– الكافي – الشيخ الكليني – ج 5 – ص 84 ↑
-
– الصحيفة السجادية الكاملة – الإمام زين العابدين عليه السلام، دعاء مكارم الأخلاق و مرضى الأفعال. ↑
-
– منهاج الصالحين – السيد محمد سعيد الحكيم – ج 2 – ص 28 ↑