محمد جواد الدمستانيمحمد جواد الدمستاني

Loading

من زارني على بعد داري أتيته يوم القيامة في ثلاث مواطن

عظمة زيارة الإمام الرضا عليه السلام و يوم القيامة

محمد جواد الدمستاني

الرواية عن الإمام الرضا (ع) عظيمة في فضل زيارته قال (ع): «مَنْ زَارَنِي عَلَى بُعْدِ دَارِي أَتَيْتُهُ يَوْمَ اَلْقِيَامَةِ فِي ثَلاَثِ مَوَاطِنَ حَتَّى أُخَلِّصَهُ مِنْ أَهْوَالِهَا إِذَا تَطَايَرَتِ اَلْكُتُبُ يَمِيناً وَ شِمَالاً، وَ عِنْدَ الصِّرَاطِ، وَ عِنْدَ اَلْمِيزَانِ»، رواه في كامل الزيارات جعفر بن محمد بن قولويه، كما رواه الشيخ الصدوق في الخصال، و عيون أخبار الرضا (ع )، و الأمالي، كما رواه الشيخ المفيد في المزار و في المقنعة، و الشيخ الطوسي في تهذيب الأحكام[1].

 

و تبيّن الرواية عظمة و فضل زيارة الإمام الرضا (ع)، كما رويت عنه عليه السلام عدد من الروايات في فضل زيارته، و منها ما قاله (ع) عند إنشاد الشاعر دعبل الخزاعي قصيدته التائية، و أضاف الإمام لها بيتين أوله – وَ قَبْرٌ بِطُوسٍ يَا لَهَا مِنْ مُصِيبَةٍ – و سأله لمن هذا القبر، فقال الرضا عليه السلام: «قَبْرِي، وَ لاَ تَنْقَضِي اَلْأَيَّامُ وَ اَللَّيَالِي حَتَّى تَصِيرَ طُوسُ مُخْتَلَفَ شِيعَتِي وَ زُوَّارِي، أَلاَ فَمَنْ زَارَنِي فِي غُرْبَتِي بِطُوسَ كَانَ مَعِي فِي دَرَجَتِي يَوْمَ اَلْقِيَامَةِ مَغْفُوراً لَهُ»[2].

 

و الرواية تبيّن أثر زيارة الإمام الرضا (ع) يوم القيامة حيث يأتي الإمام (ع) لزائره في أصعب مواطن يوم القيامة ليخلصه من أهوالها، و الهول هو الفزع المخيف و الأمر الشديد، و تخليصه من الأهوال أي إنقاذه منها و نجاته، حيث يكون الإنسان في حالة من الشدة و الفزع في منازل الحساب الأخيرة من منازل و مواطن يوم القيامة و هي تطاير الكتب و الميزان و الصراط فيأتي إليه الإمام الرضا (ع) في هذه المواطن فيخلصه و ينقذه منها فينجو بفضل و بركة زيارته للإمام الرضا (ع) في عالم الدّنيا.

و هي أصعب -أو من أصعب- مواطن يوم القيامة إذ تسبقها مواطن كثيرة و مجموعها خمسين موطنا أو منزلا في مدة تشبه خمسين ألف سنة، قال تعالى: «تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ‎»[3]، فيكون كل موطن أو منزل أو موقف ألف سنة، و روي عن الإمام الصادق قوله (ع): «أَلاَ فَحَاسِبُوا أَنْفُسَكُمْ قَبْلَ أَنْ تُحَاسَبُوا، فَإِنَّ لِلْقِيَامَةِ خَمْسِينَ مَوْقِفاً، كُلُّ مَوْقِفٍ مِثْلُ أَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ، ثُمَّ تَلاَ هَذِهِ اَلْآيَةَ (فِي يَوْمٍ كٰانَ مِقْدٰارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ)»[4].

و في رواية طويلة رواها الشيخ الصدوق في التوحيد عن أمير المؤمنين (ع) بيّن فيها عددا من مواقف و مواطن يوم القيامة، قال عليه السلام: فَإِنَّ ذَلِكَ فِي مَوَاطِنَ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ مَوَاطِنِ ذَلِكَ اَلْيَوْمِ اَلَّذِي كٰانَ مِقْدٰارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ، يَجْمَعُ اَللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ اَلْخَلاَئِقَ يَوْمَئِذٍ، فِي مَوَاطِنَ يَتَفَرَّقُونَ …،

ثُمَّ يَجْتَمِعُونَ فِي مَوْطِنٍ آخَرَ يَبْكُونَ فِيهِ ..،

ثُمَّ يَجْتَمِعُونَ فِي مَوْطِنٍ آخَرَ فَيُسْتَنْطَقُونَ فِيهِ،…،

ثُمَّ يَجْتَمِعُونَ فِي مَوْطِنٍ آخَرَ فَيُسْتَنْطَقُونَ فَيَفِرُّ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ،…،

ثُمَّ يَجْتَمِعُونَ فِي مَوْطِنٍ آخَرَ يَكُونُ فِيهِ مَقَامُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ هُوَ اَلْمَقَامُ اَلْمَحْمُودُ،.. .

ثُمَّ يَجْتَمِعُونَ فِي مَوْطِنٍ آخَرَ وَ يُدَالُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ، .. الرواية[5].

و هذه المواطن قبل الحساب و معرفة النتائج فكأنّما هي مقدمة للحساب أو المواطن المتقدمة على الحساب في يوم القيامة، و فيها ذكر أمير المؤمنين (ع) مواقف فيها: يتفرقون، يبكون، يكلم بعضهم بعضا و يستغفر بعضهم لبعض (أهل الطاعة)، يلعن بعضهم بعضا و يكفر بعضهم بعضا أي يبرأ بعضهم من بعض (أهل المعاصي)، يستنطقون، يفر بعضهم من بعض، موطن يكون فيه مقام النبي محمد (ص) و هو المقام المحمود، موقف يدال بعضهم من بعض، و «هَذَا كُلُّهُ قَبْلَ اَلْحِسَابِ فَإِذَا أُخِذَ فِي اَلْحِسَابِ شُغِلَ كُلُّ إِنْسَانٍ بِمَا لَدَيْهِ – نَسْأَلُ اَللَّهَ بَرَكَةَ ذَلِكَ اَلْيَوْمِ»، الرواية[6]. و هي رواية طويلة رويت في التوحيد و الاحتجاج، و تفسير البرهان، و بحار الأنوار.

ثم تأتي منازل و مواطن أخرى، و منها:

الميزان

قال تعالى«وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ»[7].

و توزن الأعمال يوم القيامة بأمر من الله، و قد تتحول الأعمال إلى قياسات أو حدات أو درجات أو أنوار و كل واحد من الأعمال له قيمة في الأجر و الثواب أو الجزاء و العقاب.

و نوقش في الميزان، هل هو ميزان معنوي و الوصف بالثقل و الخفة على وجه المجاز ، أو أّنه الحمل على الحقيقة و هو وجود مادي حقيقي، و أن الأعمال تتجسد فيه كما يرجحه بعض العلماء، قال تعالى: «فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ. وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ»[8].

و أكثر ما يثقل الميزان كما في الروايات هي الصلاة على محمد و آل محمد (ص)، و روي عن النبي قال (ص): «أَنَا عِنْدَ اَلْمِيزَانِ يَوْمَ اَلْقِيَامَةِ فَمَنْ ثَقُلَتْ سَيِّئَاتُهُ عَلَى حَسَنَاتِهِ جِئْتُ بِالصَّلاَةِ عَلَيَّ حَتَّى أُثَقِّلَ بِهَا حَسَنَاتِهِ»[9].

و هنا تأتي رواية الإمام الرضا (ع) و عظمة زيارته «مَنْ زَارَنِي عَلَى بُعْدِ دَارِي أَتَيْتُهُ يَوْمَ اَلْقِيَامَةِ فِي ثَلاَثِ مَوَاطِنَ حَتَّى أُخَلِّصَهُ مِنْ أَهْوَالِهَا إِذَا تَطَايَرَتِ اَلْكُتُبُ يَمِيناً وَ شِمَالاً، وَ عِنْدَ اَلصِّرَاطِ، وَ عِنْدَ اَلْمِيزَانِ».

و في رواية حب أهل البيت (ع) نافع في عدة أماكن منها عند الكتاب و الحساب و الميزان، عن الإمام الباقر عن آبائه (ع) عن جده رسول الله (ص) «حُبِّي وَ حُبُّ أَهْلِ بَيْتِي نَافِعٌ فِي سَبْعَةِ مَوَاطِنَ أَهْوَالُهُنَّ عَظِيمَةٌ عِنْدَ اَلْوَفَاةِ وَ فِي اَلْقَبْرِ وَ عِنْدَ اَلنُّشُورِ وَ عِنْدَ اَلْكِتَابِ وَ عِنْدَ اَلْحِسَابِ وَ عِنْدَ اَلْمِيزَانِ وَ عِنْدَ اَلصِّرَاطِ»[10].

تطاير الكتب

تطاير كتب صحائف الأعمال و التي مثبت فيها كل شيء يوم القيامة على أهل المحشر بعد الحساب، و كل كتاب يطير و يذهب لصاحبه و ليس بواسطة ملائكة أو مخلوقات أخرى و إنّما تطاير، و يعرف كل كتاب صاحبه، و السعيد يتلقى كتابه بيمينه فيكون علامة فوزه بالجنة، و الشقي يتلقى كتابه بشماله أو من وراء ظهره فيكون علامة شقائه، كل واحد حسب نوع أعماله و حسب الجزاء الذي حدده الله له، «وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَٰذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا»[11].

وهنا يأتي الإمام الرضا (ع) ليخلص زائره في عالم الدّنيا من أهوال هذا الموطن.

و الصراط

أحد المواقف يوم القيامة و هو جسر فوق جهنم، يمر عليه كل إنسان بعد مرحلة من الحساب، و تختلف أحوال الناس في المرور عليه بحسب الأعمال، و في الروايات يتساقط أهل النار منه ليساقوا إلى جهنم، و يعبر عليه المؤمنون فيؤخذون إلى الجنّة، و يُسأل الإنسان على الصراط عن ولاية الأئمة (ع)، و روي عن النبي (ص) قوله: «يَا عَلِيُّ إِذَا كَانَ يَوْمُ اَلْقِيَامَةِ أَقْعُدُ أَنَا وَ أَنْتَ وَ جَبْرَئِيلُ عَلَى اَلصِّرَاطِ، فَلاَ يَجُوزُ عَلَى اَلصِّرَاطِ إِلاَّ مَنْ كَانَتْ مَعَهُ بَرَاءَةٌ بِوَلاَيَتِكَ»[12].

و هنا يأتي الإمام الرضا (ع) ليخلص زائره في عالم الدّنيا من أهوال هذا الموطن.

اللهم ارزقنا زيارة الإمام الرضا (ع) و الأئمة عليهم السلام في الدّنيا و شفاعتهم في الآخرة، يا ارحم الراحمين.

  1. – رواه في كامل الزيارات، جعفر بن محمد بن قولويه، ص ٥٠٦، و الشيخ الصدوق في الخصال، ص ١٦٨، و عيون أخبار الرضا (ع)، ج ٢، ص ٢٨٥، و الأمالي، ص ١٨٣، كما رواه الشيخ المفيد في المزار، ص ١٩٥، و في المقنعة، ص ٤٧٩، و الشيخ الطوسي في تهذيب الأحكام، ج ٦، ص ٨٥.

  2. – عيون أخبار الرضا (ع)، الشيخ الصدوق، ج٢، ص٢٩٥

  3. – سورة المعارج ، آية 4

  4. – الأمالي (للطوسی)، ص36

  5. – التوحيد، الشيخ الصدوق، ص ٢٦١، الاحتجاج، الطبرسي، ج١، ص٣٦٠، البرهان في تفسير القرآن، البحراني، ج٥، ص ٨٤٨، بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج٧، ص ١١٨، بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج90، ص ١٠٠، ص133، الولادات الثلاث، الكوراني العاملي، ص 228

  6. – المصدر السابق.

  7. – سورة الأنبياء، آية 47

  8. – سورة المؤمنون، آية 102-103

  9. – ثواب الأعمال و عقاب الأعمال، الصدوق، ج1، ص 155

  10. – الخصال، الصدوق، ج2، ص360، الأمالی (الصدوق) ، ص10

  11. – سورة الكهف ، آية 49

  12. – الاعتقادات في دين الإمامية، الشيخ الصدوق، ص ٧٠

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *