الجُبن نقص و عيب و عار
«الجُبن منقصة»
محمد جواد الدمستاني
روي في نهج عن أمير المؤمنين عليه السلام «الْبُخْلُ عَارٌ، وَ الْجُبْنُ مَنْقَصَةٌ، وَ الْفَقْرُ يُخْرِسُ الْفَطِنَ عَنْ حُجَّتِه،ِ وَ الْمُقِلُّ غَرِيبٌ فِي بَلْدَتِهِ»[1]، و الكلام حول الجبن منقصة.
الجُبن يعني الخوف، وجَبُنَ الرّجُل أي خاف و هاب و صار جبانا، و منقصة أي نقص و عيب و يروى عنه عليه السلام أيضا «احْذَرُوا الْجُبْنَ فَإِنَّهُ عَارٌ وَ مَنْقَصَةٌ»[2]، و العار عيب يُعيّر به الإنسان.
وضد الجُبن الشّجاعة، و هي القوة المعنوية و الجرأة و شدة القلب و رباطة الجأش، و هي الصفة المطلوبة لأن الإفراط في الشجاعة هو التهور، و التفريط فيها هو الجبن.
و الاثنان حالتان معنويتان للإنسان، الشجاعة تمكنه من مجابهة الأخطار و تدفعه إلى العمل بحزم و قوة، و الجُبن حالة تجعله يخاف و يتردد و يخشى الإقدام و خاصة على الصعوبات و في المحن.
و «الْجُبْنُ مَنْقَصَةٌ» و عيب و عار لأنّ كمال الإنسان بالصفات الحسنة و الفضائل فإذا نقصت بعض تلك الصفات نقص من كماله بمقدارها، فالجبن ينقص الكمال فهو منقصة، و الجبن يسلب قدرة الإنسان الحقيقية أو الطبيعية، فيعيش بالهواجس و الأوهام بلا إرادة، و يخاف في كلّ موقع على نفسه، و لا يستطيع أن يدافع عن حقه أو عرضه أو دينه أو ماله، فتلك منقصة في الإنسان الطبيعي تقلل من قدره و تعيبه.
و الجبن يسري في أفعال الجبان فلا يرد منكرا، و لا يدفع ظالما، و لا يردّ مظلمة، و لا يشارك في حرب أو جهاد، و لا يساهم في احتجاج سياسي تحتاجه الأمة، و لا يدخل حتى مشروع تجاري، و هكذا، و كله مصدره الحالة النفسية التي تفقده الإقدام، و يعيش في هواجس و وساوس.
وفي رواية أخرى يبيّن أمير المؤمنين عليه السلام سبب شدة الجُبن فقد روي عنه :«شِدَّةُ الْجُبْنِ مِنْ عَجْزِ النَّفْسِ وَ ضَعْفِ الْيَقِينِ»[3]، فالأصل صفة نفسية و حالة من عجز و ضعف.
و في نهج البلاغة في عهد أمير المؤمنين عليه السلام لمالك الأشتر – و هو شجاع صلب – حين ولاّه مصر ذكر (ع) الجامع بين الصفات السلبية: البخل و الجبن و الحرص، فقال (ع): «فَإِنَّ الْبُخْلَ وَ الْجُبْنَ وَ الْحِرْصَ غَرَائِزُ شَتَّى يَجْمَعُهَا سُوءُ الظَّنِّ بِاللَّهِ»[4].
و في تميّز الأشياء روي عنه (ع): «لَوْ تَمَيَّزَتِ الْأَشْيَاءُ لَكَانَ الصِّدْقُ مَعَ الشَّجَاعَةِ، وَ كَانَ الْجُبْنُ مَعَ الْكَذِبِ»[5]، فإذا أُريد تصنيف الأشياء و تفريقها يكون الصدق مع الشجاعة كحالة إيجابية منشؤها مواجهة الأمور الصعاب فالصدق شجاعة نفسية، و الجبن مع الكذب منشؤه الهروب من صعاب الأمور فكأنّما الكذب جبن نفسي.
و من الروايات في ذم الجبن قول أمير المؤمنين عليه السلام: «الْجُبْنُ آفَةٌ»[6]، و الآفَة ما يصيب شيئا فيفسده، من عاهة أو مرض أو قحط فهو هنا بمعنى منقصة، و «الْجُبْنُ ذُلٌّ ظَاهِرٌ»[7]، حيث يتعرض الجبان لمضايقات و أضرار تحتاج منه الإقدام و إظهار القوة و الشجاعة و التصدي لها فيمنعه جُبنه عن ذلك فيبقى ذليلا دون تصدي أو مقاومة، و «مَنْ هَابَ خَابَ»[8]، فمن الأضرار التي تصيب الخائف و المتردد الخيبة و الخسران، و يقابل ذُل الجُبن عزّ الشّجاعة، و في مدحها قال عليه السلام «الشّجاعَةُ عِزٌّ ظاهِرٌ»[9]، و واضح و بيّن.
و الجبن صفة اكتسابية أو أكثرها اكتسابي يمكن تطويرها إلى الأحسن و هو أمر عقلي يرشد إليه العقل تحصيلا للكمال، و لها حث في المصادر الشرعية، فلا ينبغي الجمود و البقاء على صفة الجبن و هو منقصة و عيب، و في الرواية عن أمير المؤمنين عليه السلام، «لَا يَنْبَغِي لِلْعَاقِلِ أَنْ يُقِيمَ عَلَى الْخَوْفِ إِذَا وَجَدَ إِلَى الْأَمْنِ سَبِيلًا»[10]، فيمكن تغييرها مع العزيمة و الجدّ إلى حالة من الشّجاعة و الإقدام، ابتداء بالخروج من منطقة الجبن صعودا إلى الشّجاعة ثم تنميتها و تطويرها إلى الأفضل، و في محاولة التطوير هذه يجب الاعتماد على الله و الثقة بالله و التوكل عليه، و الاستفادة من النصوص الشرعية في هذا المقام، و الاستفادة من النماذج الشّجاعة و القادة الأبطال، و الخبرات و التجارب، و حسن التفكير و التدبر، و تقوية الثقة و الإرادة، و القيام بأعمال تتسم بالشّجاعة و إن كانت صغيرة، و في الرواية عن أمير المؤمنين عليه السلام في نهج البلاغة قوله: «إِذَا هِبْتَ أَمْراً فَقَعْ فِيهِ فَإِنَّ شِدَّةَ تَوَقِّيهِ أَعْظَمُ مِمَّا تَخَافُ مِنْهُ»[11].
-
– نهج البلاغة، حكمة 3 ↑
-
– غرر الحكم و درر الكلم، عبد الواحد الآمدى التميمي، ص ١٦٠، عيون الحكم والمواعظ، علي بن محمد الليثي الواسطي، ص ١٠٤ ↑
-
– غرر الحكم و درر الكلم، عبد الواحد الآمدى التميمي، ص ٤١٤، عيون الحكم والمواعظ، علي بن محمد الليثي الواسطي، ص ٢٩٨ ↑
-
– نهج البلاغة، كتاب 53 ↑
-
– غرر الحكم ودرر الكلم، عبد الواحد الآمدى التميمي، ص ٥٦٨، عيون الحكم والمواعظ، علي بن محمد الليثي الواسطي، ص ٤١٧ ↑
-
– غرر الحكم ودرر الكلم، عبد الواحد الآمدى التميمي، ص ٢١، عيون الحكم والمواعظ، علي بن محمد الليثي الواسطي، ص ٣١ ↑
-
– غرر الحكم ودرر الكلم، عبد الواحد الآمدى التميمي، ص ٣٨، عيون الحكم والمواعظ، علي بن محمد الليثي الواسطي، ص ٢٥ ↑
-
– غرر الحكم ودرر الكلم، عبد الواحد الآمدى التميمي، ص ٥٧٦، عيون الحكم والمواعظ، علي بن محمد الليثي الواسطي، ص ٤٥١ ↑
-
– غرر الحكم ودرر الكلم، عبد الواحد الآمدى التميمي، ص ٣٨، عيون الحكم والمواعظ، علي بن محمد الليثي الواسطي، ص ٢٥ ↑
-
– غرر الحكم ودرر الكلم، عبد الواحد الآمدى التميمي، ص ٧٨٧، عيون الحكم والمواعظ، علي بن محمد الليثي الواسطي، ص ٥٤١ ↑
-
– نهج البلاغة، حكمة 175 ↑