Loading

الوم و ضجر الأمة و استيعاب القائد لها في مواجهة الاستكبار*

بقلم يوسف الحوري البحراني

*قَالُوا أُوذِينَا مِن قَبْلِ أَن تَأْتِيَنَا وَمِن بَعْدِ مَا جِئْتَنَا ۚ قَالَ عَسَىٰ رَبُّكُمْ أَن يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ*
سورة الاعراف (129)
مواجهة قوى الشر و قواعد الاستكبار مكلفه مادياً و مؤلمه نفسياً و البشرية في مسيرتها محتم عليها أن تمر بمخاضات عسيرة و ابتلاءات معقدة و هنا يأتي دور القيادة لتستوعب الحالة النفسية للأمة و تنتشالها من براثن اليأس والقنوط و التشتت الذهني و تقودها إلى استعادة التوازن النفسي والعاطفي و اعادتها إلى مسار المواجهة من جديد حتى تحقيق الانتصارات.
هذه الآيات حوار بين النبي موسى عليه السلام و بين قومه ..
تكشف لنا الآيات عن الانهيار النفسي و الاحباط و الارهارق و الانكسار و النظرة القاتمة للقوم الذين يعددون ظروفهم القاسيه للنبي موسى
فيما تكشف لنا الآيات ايضا الحالة المعنوية المطمئنة و الواثقة بالله و بسننه وكيف تعامل النبي القائد مع الحالة النفسية لقومه
*قالوا أوذينا من قبل أن تأتينا* : يخاطب القوم النبي موسى بضجر و نبرة تعب و ملامة يا موسى قبل أن تأتي الينا بالرسالة كان الطاغوت فرعون يذبح ابنائنا الذكور حينما علم فرعون بقرب ولادتك كان يبقر بطون النساء الحوامل بحثاً عن الاجنة الذكور و يذبحهم فلم يبقي لنا جنين و لا رضيع الا و ذبحه و كان يضطهدنا و يستضعفنا
*ومن بعد ما جئتنا* و استمر الجبار فرعون في ممارسة ابشع أنواع الانتهاكات ضدنا لأن فرعون لما غلبناه سَحرَته، كان يقتل أبنائنا و يستحي نسائنا و يستعبدنا و ويذلنا و يُشغلنا في المهن الحقيرة و الشاقة و قد توعدنا بالقطع والصلب فقد كان يسومنا سوء العذاب و الآن يطاردنا والبحر امامنا و جنوده خلفنا فأما ان نغرق في البحر و يبتلعنا أو يدركنا جنود فرعون الاشرار و ينكلوا بنا
*قال عسى ربكم أن يهلك عدوكم* : قال موسى لقومه كلمات تبعث التفاؤل بالمستقبل المشرق و الأمل بالله عسى ربكم أن يهلك عدوكم فرعون الذي فعل بكم ما فعل من أنواع الظلم، وتوعدكم بما توعد من صنوف الاضطهاد و الابادة و الجور و الحرمان و الاستعباد و التهميش، لكن لاحظ ادب موسى مع الله في أحلك الظروف و اشد المراحل قسوة حين استخدم تعبير *عسى* الذي يدل على الرجاء و هو النبي الذي لو طلب لأجيب لكن ميزة النبي موسى هي الادب السامي مع الله و القوم وهو البصير بقومه وحالهم فكان تعبير *عسى* لعله يراد منه أمور:
▪️لعله اراد تثبيت آداب الطلب و الدعاء بصيغة الرجاء
▪️لعله كان بين قومه من يشكك بوعوده .
▪️لعله في حال ضمن لهم الوعد فأنهم سوف ينتظرون تحققه ويعيشون حالة من الترقب و الانتظار الذي يصاحبه توتر و ضغط نفسي و أراد تجنيبهم هذه الحاله.
▪️لعله لمنعهم من الاتكال وترك الجهاد والعمل، لأنه لو جزم لهم في استجابة الله لدعائه ووعدهم فقد يتقاعسون و يميلون الى الدعة و الراحه و يصبحوا مهملين ويتركون السعى والجهاد و مشروع التعمير الإلهي اعتماداً على وعده.
*ويستخلفكم* يجعلكم خلفاء في البلاد من بعد هلاك فرعون هو وجنوده فتكون لكم السيادة و تتولون مقاليد الدولة و الحكم و النفوذ و الادارة..
*فينظر كيف تعملون* فيرى الله سبحانه وتعالى كيف تعاملتم مع الاستخلاف و التمكين في البلاد هل كانتم صالحين فيزيدكم الله من فضله أم كنتم مفسدين و أشرار ، فإن استخلافكم في الأرض من بعد هلاك فرعون ليس امتيازاً ومحاباةً لكم، وإنما هو *استخلاف ابتلائي* للاختبار والامتحان، فإن أحسنتم الاستخلاف زادكم الله من فضله، وإن أسأتم الاستخلاف كان مصيركم كمصير عدوكم فرعون وجنوده وهو مصير الهلاك و الاستبدال فكما استبدلهم يستبدلكم.
*هذه المرحلة الابتلائية تمر بها كل الامم و قياداتها في مواجهة قوى الاستكبار ونحن كأمة نعيش هذه المرحلة وبيننا قوم موسى و فينا موسى*

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *