اياد الزهيري

Loading


الإسلام ومجال أشتغالاته في السياسة (3)

أستمراراً لعرض القواعد الكلية في الفقه السياسي الأسلامي , والتي تناولنا منها أثنين في الحلقة السابقة , وستناول قواعد آخرى في هذا الجزء من الدراسة , ولكن قبل البدأ, نتناول بعض الشرح عن القواعد الكلية , وتبيان الهدف منها , وأن تطرقنا لها في الحلقات السابقة , لكن ما نطرحه في هذه الحلقة , هو أضافة أخرى في التوسع في شرح هذا المفهوم , وزيادة في معرفة القاريء له.

القاعدة الكلية في الفقه السياسي: هو مبدأ يُستخدم لطرح الرؤية السياسية , كدليل توجيهي وأرشادي , يستعين بها الفاعل السياسي في صياغة رؤيته السياسية , سواء كان هذا الفاعل السياسي فرد أم حزب أم نظام سياسي , وهي( تعتبر الأطار الذي يجيب عن التسائلات الحرجة والملحة , ومن ثم يمكن من خلالها تحديد الأستراتيجيات المناسبة لمواجهة ذلك الواقع على وجه الدقة , وعلى مستوى التنفيذ كدليل معياري نحدد به مدى قربنا أو بعدنا من الممارسة السياسية الواعية )(قواعد في الممارسة السياسية ص17: د.جاسم سلطان). فالقاعدة الكليه في المجال السياسي , هي أذن منظور توضح , وتحدد الرؤية للفاعل السياسي , وكلما كانت القواعد سليمة تكون نتائج العمل السياسي الذي يتخذ من القاعدة الكلية موجه له يكون سليم أيضاً , وعلى هذا الأساس تكون طبيعة الفلسفة السياسية تعتمد على طبيعة هذه القواعد , وتتلون بلونها , وعلى أساسها تتميز المدارس السياسية , وتختلف عن بعضها . كما من فوائد القواعد الكلية في المضمار السياسي أنها تمنح الفاعل السياسي الوضوح في الرؤية والأداء السياسي , وتجعله يبتعد عن الأرتجال في القرار السياسي , بأعتباره قرار خطير بسبب طبيعته الشمولية , فيشمل كل أفراد الشعب , ويؤثر على مصير بلد , بالأضافة الى ذلك فأن أستخدام الفاعل السياسي , وألتزامه بالقواعد الكلية يجعل من تصرفه ذو صفة شرعية وقانونية , مما يضفي على عمله نتائج مقبولة بحكم ألتزامه بحدود هذه القواعد , وعدم الخروج عنها , لأنها حدود متفق عليها في ظل نظام نال مقبولية العمل بمبادئه جماهيرياً .

القاعدة الثالثة من القواعد الكلية في الفقه السياسي الأسلامي هي : 3- قاعدة الحرية : الأصل في الأسلام الحرية إلا أذا جاء نص يحرم الفعل أو القول , وأن تقيدها يكون في حدود الصالح العام , والحرية في الأسلام تشمل الجميع , ولافرق بين مسلم وغير المسلم بحقوقه المدنية , فقد قال الرسول (ص) (من ظلم معاهداً أو أنقصه حقه فأنا خصمه يوم القيامة) , وقد نُقل عن عمر بن الخطاب كلمته المشهورة (متى أستعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً) , ومن أنواع الحرية التي أقرها الأسلام , هي حرية العقيدة , والنص القرآني صريح في هذا (فمن شاء فليؤمن , ومن شاء فليكفر)(الكهف:29 ) , وأن الأنسان هو المالك لنفسه , والمسؤول عن فعله , وقد وضح النص القرآني ذلك , حيث أشار الى حدود النبي في علاقته مع الأنسان بأن علاقته أرشادية وتوجيهية بعيداً عن الأجبار والسيطرة على أفكاره , ونوع عقيدته , وما يملك, والنص القرآني واضح في هذا الشأن (إنما أنت مُذكر لست عليهم بمسيطر)(الغاشية:22 ) و(..وما جَعلناك عليهم حفيظاً وما أنت عليهم بوكيل)(الأنعام:107).

4-قاعدة الشورى : وهي قاعدة كلية , حيث تمثل قاعدة مهمة للفاعل السياسي , تمنعه من الأرتجال في الأحكام والقرارات , مما تبعده عن حالة الأستئثار في الحكم , وتمنع عليه الأستبداد , وهي قاعدة مرنه تتيح للمنظر والفاعل السياسي مجارات التطور في تشكيل الأنظمة السياسية , وتستوعب كل تطور في أدوات العمل السياسي . فمثلاً يمكن تطبيق هذا المبدأ الكلي على طريقة أهل احل والعقد , وممكن أن تتمثل في النظام البرلماني , أو بأخذ الرأي من منظمات المجتمع المدني والنقابات المهنية الى آخره , فالشورى تمتلك من المرونة ما يجعلها تتماشى مع الكثير من الأنظمة ذات الطابع الغير شمولي بأعتباره مبدأ يقر المشاورة والمشاركة , ويسمح بكل الأشكال الفنية من طرق المشاورة التي يفرزها الزمن عبر مسيرته الطويلة . , وهنا يمكن أن نُشير الى نصوص تأسيسية في القرآن الكريم وبعضها جاء على لسان النبي والأئمة من آل بيته من بعده :

أ-(وأمرهم شورى بينهم)(الشورى:38 )

ب-(..وأستغفر لهم وشاورهم في الأمر..)(آل عمران:159)

ج-(…فإن أرادا فصالاً عن تراضٍ منهما وتشاورٍ فلا جُناح عليكم …)(البقرة:233 )

ح-(ماخاب من أستخار, ولا ندم من أستشار)(حديث نبوي)

د-(أسترشدوا العاقل ترشدوا, ولاتعصوه فتندموا)(الدر المنثور, البحار)

ذ-من أراد أمراً فشاور فيه, أهتدى لأرشد الأمور)(الدر المثور)

ر-(من شاور الناس شاركهم عقولهم)(الأمام علي ع)

ز-(شاور ذوي العقول تأمن الزلل والندم)(الأمام علي :غرر الحكم), وقد أكد الأمام علي على أستخدام هذا المبدأ في وصيته الى واليه على مصر مالك الأشتر , وأنه مبدأ في غاية الأهمية لمن يتولى قيادة الناس سياسياً , حيث جاء فيا (وأكثر مدارسة العلماء ومنافثة الحكماء , في تثبيت ماصلح عليه أمر بلادك ..)

5-قاعدة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:

وهي من القواعد الكلية المهمة , وذلك لشموليتها , وسعتها في كثرة الموضوعات التي يمكن أن تغطيها , وتضم تحت جناحها العديد من المصاديق التي يمكن تطبيق القاعدة عليها ,وهي قاعدة تستمد قوتها التأصيلية من القرآن (كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر..)(ال عمران:110 ) , كما قال تعالى (الذين يتبعون الرسول الأمي الذي يجدونه مكتوباعندهم في التوراة والأنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر..)(الأعراف:157 ) , بالأضافة الى قوله تعالى (ولتكن منكم أمة يدعون الى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون)(ال عمران:104 ) والسنة النبوية تُشير كذلك لهذه القاعدة (من رأى منكم منكراً فليغيره بيده, فإن لم يستطع فبلسانه, فإن لم يستطع فبقلبه,وذلك أضعف الإيمان) , ففي هذا الحديث الذي خرجت منه هذه القاعدة لو يُفَعَل سياسياً لتراه يقف بوجه كل دكتاتور , ومجابهة كل محتل للبلد , كما أنها ترتبط بشكل كبير بالواقع العملي , وتدخل في صلب العمل السياسي والأجتماعي , فهي قاعدة تروم في التصدي للظلم , ومكافحة التعدي سواء كان سياسي أم أجتماعي , وهي مبدأ يوجه لأستباب الأمن والسلام , وأقامة واقع يتسم بالأصلاح والعدل , وهي من القواعد المهمة والمركزية في المشروع الفكري المعتزلي , مبدأ يوجه بأتجاه دفع الضرر عن كل ما يمس الحياة العامة والخاصة للفرد والمجتمع , كما يحمل الجميع المسؤولية للقيام بمسؤولياتهم أمام أي حالة أنحراف سياسي وأجتماعي , وخلاصة القول أنه قاعدة كلية تسند كل ماهو أيجابي , وتقاوم كل ما هو سلبي .

6-قاعدة العدالة : وهي من القواعد التي قام عليها الأسلام , وتمثل أصل من أصول الدين , والركن المتين في الأسلام , وهي الدليل في المدارات الأجتماعية والقضائية والأخلاقية والسياسية , والعدل من أولى واجبات الحاكم في الأسلام , والحامي له والحريص على سريانه في المنظومة السياسية التي يقودها, ولاشك فهي قاعدة لها تأصيلها بالكتاب كقوله

(وأذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل..)(النساء:58 ) و(لقد أرسلنا رُسلنا بالبينات , وأنزلنا معهم الكتاب والميزان لِيَقُومَ الناس بالقسط)(الحديد:25 ), و(إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتآىءِ ذي القربى)(النحل:90 ) , كما في الآية (يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين)(النساء:135 ). أما في الحديث النبوي فقد جاءت كثيراً ومنها (أفضل الجهاد كلمة عدل عند سلطان جائر) و (سبعة يظلهم الله تعالى في ظله يوم لا ظل الا ظله: إمام عادل…) و(من طلب قضاء المسلمين حتى يناله ثم غلب عدله جَوره فله الجنة..) , وكذلك يقول (ص) (ساعة أمام عادل أفضل من عبادة سبعين سنة)(وسائل الشيعة:ج28 ) وفي كلام لعلي بن أبي طالب ع (ومن ضاق عليه العدل,فالجور عليه أضيق)(نهج البلاغة: الخطبة15 ) يتضح مما سقناه من نصوص قرآنيه وحديثية بأن مبدأ العدل هو مبدأ أساسي , وأنه الأس في النهج السياسي للفلسفة السياسية في الأسلام , وأنه من الأحكام العقلية , لذا فالسياسة والحكم في الأسلام لا مشروعية لهم بدون توفر العدالة , فهي معيار لشرعية السياسة , ودليل ومرشد لها. لذا نرى أن أقامة العدل أمر وجوبي وهو ما دعى علي بن أبي طالب (ع) بقبول الخلافة بعد عثمان بن عفان , حيث قال ( لولا حضور الحاضر , وقيام الحجة بوجود الناصر, وما أخذ الله على العلماء ألا يقارَّوا على كظة ظالم ولاسغب مظلوم لألقيت حبلها على غاربها)(نهج البلاغة:خطبة 3 ) , فالعدالة هي المحرك والدافع لكل الثورات التي مرت على الأنسانية عبر الزمن , وأمل كل المجتمعات , وشعار كل الأنظمة السياسية التي تنادي لنصرة الأنسان. يتبع. يتبع

أياد الزهيري

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *