Loading

(إنّما يجمع النّاس الرضا و السُخط)

تحديد الموقف من الأحداث و الوقائع

(إنّما يجمع النّاس الرضا و السُخط)

محمد جواد الدمستاني

إِنَّمَا يَجْمَعُ النَّاسَ الرِّضَا وَ السُّخْطُ – نهج البلاغة – خطبة 201

أوردها الشريف الرضي في نهج البلاغة بعنوان من كلام لأمير المؤمنين عليه السلام يعظ بسلوك الطريق الواضح، و أوله: «أَيُّهَا النَّاسُ لَا تَسْتَوْحِشُوا فِي طَرِيقِ الْهُدَى لِقِلَّةِ أَهْلِهِ ..».

وفيها «أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا يَجْمَعُ النَّاسَ الرِّضَا وَ السُّخْطُ، وَ إِنَّمَا عَقَرَ نَاقَةَ ثَمُودَ رَجُلٌ وَاحِدٌ فَعَمَّهُمُ اللَّهُ بِالْعَذَابِ لَمَّا عَمُّوهُ بِالرِّضَا فَقَالَ سُبْحَانَهُ فَعَقَرُوها فَأَصْبَحُوا نادِمِينَ».

و في المحاسن عن أمير المؤمنين عليه السلام «إِنَّمَا يَجْمَعُ اَلنَّاسَ اَلرِّضَا وَ اَلسَّخَطُ فَمَنْ رَضِيَ أَمْراً فَقَدْ دَخَلَ فِيهِ وَ مَنْ سَخِطَهُ فَقَدْ خَرَجَ مِنْهُ». المحاسن،ج1ص262

و في رواية عنه عليه السلام «إنَّما هُوَ الرِّضا والسُّخطُ ، وإنَّما عَقَرَ النّاقَةَ رَجُلٌ واحِدٌ ، فلَمّا رَضُوا أصابَهُمُ العَذابُ ، فإذا ظَهَرَ إمامُ عَدلٍ فمَن رَضِيَ بِحُكمِهِ وأعانَهُ عَلى عَدلِه فهُوَ وَلِيُّهُ، وإذا ظَهَرَ إمامُ جَورٍ فمَن رَضِيَ بِحُكمِهِ وأعانَهُ عَلى جَورِهِ فهُوَ وَلِيُّهُ». بحار الأنوار،ج72ص377 ، ميزان الحكمة، ج ٧ ص٣٣٩

و الرضا هو الموافقة و القبول و الارتياح ، و ضده السُخْط هو الاِسْتِيَاء و التَذَمُّر و الإِمْتِعَاض.

و «إِنَّمَا يَجْمَعُ النَّاسَ الرِّضَا وَ السُّخْطُ»، أي الرّاضي بفعل شخص أو فئة شريك للفاعل أو الفاعلين، والسّاخط على فعله أو فعلهم رافض و منكر له أو لهم.

و و التصوير هو أنّ نظرة و رؤية النّاس عامة اتجاه الحوادث و الوقائع و الأحوال سماطان أو صفّان سماط الرضا و سماط السخط، الراضون و الساخطون، في كل حادث و قضية من آدم حتى اليوم و ما بعد اليوم، مرورا بالأنبياء و الأوصياء و الشهداء و الصالحين، و في كل بقعة و زمان، هناك من يؤيدها و هناك من يرفضها.

و استشهد عليه السلام بقصّة ثمود«وَ إِنَّمَا عَقَرَ نَاقَةَ ثَمُودَ» قوم صالح، «رَجُلٌ وَاحِدٌ» وهو قيدار، «فَعَمَّهُمُ اللَّهُ بِالْعَذَابِ» بأن أنزل عليهم العذاب جميعا العاقر و غيره، « لَمَّا عَمُّوهُ بِالرِّضَا» أي عَمُّوا الفاعل أو العاقر بالرضا، رضوا بفعله فكانوا شركاء له في الإثم و العقاب، «فَقَالَ سُبْحَانَهُ» ناسبا الفعل إلى جميعهم «فَعَقَرُوها فَأَصْبَحُوا نادِمِينَ» من فعلهم الذي أوجب نزول العقاب عليهم جميعا.

و نسبة عقر الناقة إلى المجموع جاء في سورة الشمس، في الآية 13 قال تعالى:«فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَـهَا فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا فَدَمْدَمَ عَلَيهِم رَبُّهُم بِذَنْبِهِم فَسَوَّاهَا وَلاَ يَخَافُ عُقْبَـهَا». قال : فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا.

عقر ناقة صالح كمثال واضح و لكن التاريخ مليء بالأمثلة، و منها غرق كل من تخلف عن سفينة نوح بتكذيبهم لنوح أو رضاهم بالكذب، و هكذا في حوادث التاريخ و الحاضر، و بالتالي السؤال مع من أنت ؟ هل أنت مع قابيل أو هابيل؟ أو مع إبراهيم أو نمرود؟ في التاريخ، و في الحاضر الآن تقف مع من أنت؟ مع المظلوم او الظالم ؟ مع المستضعف أو المستكبر؟ مع آلة التوحش و القتل أو ضدها ؟ فإنّ المقياس و المعيار لفرز النّاس هو الرضا و السخط، فمن رضا عن أمر دخل فيه برضاه، و من سخط عن أمر خرج منه بسخطه.

و في علل الشرائع و عيون الأخبار عَنِ اَلرِّضَا عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ قَالَ: « قُلْتُ لَهُ: لِأَيِّ عِلَّةٍ أَغْرَقَ اَللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ اَلدُّنْيَا كُلَّهَا فِي زَمَانِ نُوحٍ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ وَ فِيهِمُ اَلْأَطْفَالُ وَ فِيهِمْ مَنْ لاَ ذَنْبَ لَهُ؟ فَقَالَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ: مَا كَانَ فِيهِمُ اَلْأَطْفَالُ، لِأَنَّ اَللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ أَعْقَمَ أَصْلاَبَ قَوْمِ نُوحٍ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ وَ أَرْحَامَ نِسَائِهِمْ أَرْبَعِينَ عَاماً فَانْقَطَعَ نَسْلُهُمْ فَغَرِقُوا وَ لاَ طِفْلَ فِيهِمْ، وَ مَا كَانَ اَللَّهُ لِيُهْلِكَ بِعَذَابِهِ مَنْ لاَ ذَنْبَ لَهُ، وَ أَمَّا اَلْبَاقُونَ مِنْ قَوْمِ نُوحٍ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ فَأُغْرِقُوا بِتَكْذِيبِهِمْ لِنَبِيِّ اَللَّهِ نُوحٍ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ وَ سَائِرُهُمْ أُغْرِقُوا بِرِضَاهُمْ بِتَكْذِيبِ اَلْمُكَذِّبِينَ، وَ مَنْ غَابَ عَنْ أَمْرٍ فَرَضِيَ بِهِ كَانَ كَمَنْ شَهِدَهُ وَ أَتَاهُ». علل الشرایع،ج1ص30، عيون الأخبار،ج2ص75، التوحيد، ج1ص392

وفي نهج البلاغة، من حكم أمير المؤمنين عليه السلام «الرّاضي بِفِعلِ قومٍ كالدّاخِلِ فيهِ مَعَهُم، وعَلى كُلِّ داخِلٍ في باطِلٍ إثمانِ : إثمُ العَمَلِ بِهِ ، وإثمُ الرِّضا بِهِ». حكمة 154

فالفعل الاختياري للإنسان يتكون في القلب ابتداء وهو أصل الفعل، و الإرادة القلبية أو الدافع القلبي هو الذي يقود إلى العمل، ثم يتحقق في الخارج، و الراضي بفعل قوم قد تحقق منه الفعل في المرحلة القلبية «الرّاضي بِفِعلِ قومٍ كالدّاخِلِ فيهِ مَعَهُم».

و في ثورة الشهيد زيد بن علي بن الحسين عليه السلام في الكوفة حيث قُتل و صُلب، قال الإمام الصادق عليه السلام لأبي ولاّد الكاهليّ: «أَ رَأَيْتَ عَمِّي زَيْداً ؟ قَالَ نَعَمْ رَأَيْتُهُ مَصْلُوباً، وَ رَأَيْتُ اَلنَّاسَ بَيْنَ شَامِتٍ خَنَقِ وَ بَيْنَ مَحْزُونٍ مُحْتَرِقٍ، فَقَالَ أَمَّا اَلْبَاكِي فَمَعَهُ فِي اَلْجَنَّةِ، وَ أَمَّا اَلشَّامِتُ فَشَرِيكٌ فِي دَمِهِ». كشف الغمة،ج2ص204

فيجب الرضا بالخير و المعروف بالقلب، كما يجب انكار الشر و المنكر بالقلب، و في هذا روايات كثيرة.

منها ما روي في الكافي عن الإمام الصادق عليه السلام في قول الله تعالى: («قُلْ قَدْ جاءَكُمْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِي بِالْبَيِّناتِ وَبِالَّذِي قُلْتُمْ فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ». قَالَ كَانَ بَيْنَ اَلْقَاتِلِينَ وَ اَلْقَائِلِينَ خَمْسُمِائَةِ عَامٍ فَأَلْزَمَهُمُ اَللَّهُ اَلْقَتْلَ بِرِضَاهُمْ مَا فَعَلُوا»). الکافي،ج2ص409.

و في رواية أخرى قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اَللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ يَقُولُ: فِي قَوْلِ اَللَّهِ «قُلْ قَدْ جٰاءَكُمْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِي بِالْبَيِّنٰاتِ وَ بِالَّذِي قُلْتُمْ فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِنْ كُنْتُمْ صٰادِقِينَ» وَ قَدْ عَلِمَ أَنَّ هَؤُلاَءِ لَمْ يَقْتُلُوا وَ لَكِنْ فَقَدْ كَانَ هَوَاؤُهُمْ مَعَ اَلَّذِينَ قَتَلُوا، فَسَمَّاهُمُ اَللَّهُ قَاتِلِينَ لِمُتَابَعَةِ هَوَائِهِمْ وَ رِضَاهُمْ لِذَلِكَ اَلْفِعْلِ. تفسیر العیاشی،ج1ص208

و في رواية عن رَسُول اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ : «مَنْ شَهِدَ أَمْراً فَكَرِهَهُ كَانَ كَمَنْ غَابَ عَنْهُ، وَ مَنْ غَابَ عَنْ أَمْرٍ فَرَضِيَهُ كَانَ كَمَنْ شَهِدَهُ». تهذيب الأحكام،ج6ص170

و في مجموعة ورّام عن رَسُول اَللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ : «إِذَا عُمِلَتِ اَلْخَطِيئَةُ فِي أَرْضٍ فَمَنْ أَنْكَرَهَا كَانَ كَمَنْ غَابَ عَنْهَا وَ مَنْ رَضِيَهَا كَانَ كَمَنْ شَهِدَهَا». مجموعة ورّام،ج2ص292، كنز العمال،ج٣ص٧٠

و عن الرضا عليه السلام: «وَ مَنْ رَضِيَ شَيْئاً كَانَ كَمَنْ أَتَاهُ، وَ لَوْ أَنَّ رَجُلاً قُتِلَ بِالْمَشْرِقِ فَرَضِيَ بِقَتْلِهِ رَجُلٌ بِالْمَغْرِبِ لَكَانَ اَلرَّاضِي عِنْدَ اَللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ شَرِيكَ اَلْقَاتِلِ ». وسائل الشیعة،ج16ص138

و في رواية جابر الأنصاري في زيارة الأربعين : سَمِعْتُ حَبِيبِي رَسُولَ اَللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ يَقُولُ «مَنْ أَحَبَّ قَوْماً حُشِرَ مَعَهُمْ، وَ مَنْ أَحَبَّ عَمَلَ قَوْمٍ أُشْرِكَ فِي عَمَلِهِمْ، وَ اَلَّذِي بَعَثَ مُحَمَّداً بِالْحَقِّ نَبِيّاً إِنَّ نِيَّتِي وَ نِيَّةَ أَصْحَابِي عَلَى مَا مَضَى عَلَيْهِ اَلْحُسَيْنُ وَ أَصْحَابُهُ». بحار الأنوار،ج65ص130

و في زيارة الإمام الحسين عليه السلام «لَعـَنَ اللهُ اُمَةً قَتـَلَتـكَ وَلَعَنَ اللهُ اُمَةً ظَلَمَتكَ وَلَعَنَ اللهُ اُمَةً سَمِعت بـِذلك فَرَضِيَت بـه». زيارة وارث. فالأمة الراضية على قتل الحسين عليه السلام ملعونة ، كما هي الأمة القاتلة و الظالمة.

في رواية أمير المؤمنين عليه السلام «يَا مَعْشَرَ اَلنَّاسِ! أَلاَ فَمَنْ سُئِلَ عَنْ قَاتِلِي فَزَعَمَ أَنَّهُ مُؤْمِنٌ فَقَدْ قَتَلَنِي»، بحار الأنوار،ج34ص359، الرضا بالقاتل ابن ملجم و عدم إنكاره و اعتباره مؤمنا هو قتل لأمير المؤمنين عليه السلام.

و في هذا المقام، نقرأ في زيارات أهل البيت عليهم السلام العبارة التي يذكرها الخطباء على المنبر الحسيني، وهي « فـَيالَيتَني كـُنتُ مَعـَكُم فَاَفوُز فوزاً عَظيما».

في القرآن الكريم «قٰالَ إِنِّي لِعَمَلِكُمْ مِنَ اَلْقٰالِينَ» سورة الشعراء:168، أي من المبغضين الكارهين، في إنكار و رفض العمل القبيح.

اللهم أدخلني في كل خير أدخلت فيه محمدا وآل محمد، وأخرجني من كل سوء أخرجت منه محمدا وآل محمد صلواتك عليهم أجمعين، و الحمد لله ربّ العالمين و صلّ اللهمّ على محمد و آله الطاهرين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *