المرء مع من أحبّ
(من أحبّ قوما حشر معهم، و من أحبّ عمل قوم أشرك في عملهم)
محمد جواد الدمستاني
هذا مقطع من رواية جابر بن عبد الله الأنصاري عند قبر الإمام الحسين عليه السلام في زيارة الأربعين و هو يوم رجوع السبايا مع الإمام زين العابدين عليه السلام و لقائهم معه.
و الرواية عن عطية العوفي عن جابر بن عبد الله الأنصاري، و قد قام جابر بآداب الزيارة كالغسل و ارتداء أطهر الثياب، ذكر الله، و أنّه قال عند زيارة الحسين (ع):
« ..، وَ اَلَّذِي بَعَثَ مُحَمَّداً بِالْحَقِّ نَبِيّاً لَقَدْ شَارَكْنَاكُمْ فِيمَا دَخَلْتُمْ فِيهِ.
قَالَ عَطِيَّةُ فَقُلْتُ لَهُ يَا جَابِرُ كَيْفَ وَ لَمْ نَهْبِطْ وَادِياً وَ لَمْ نَعْلُ جَبَلاً وَ لَمْ نَضْرِبْ بِسَيْفٍ وَ اَلْقَوْمُ قَدْ فُرِّقَ بَيْنَ رُءُوسِهِمْ وَ أَبْدَانِهِمْ وَ أُوتِمَتْ أَوْلاَدُهُمْ وَ أَرْمَلَتْ أَزْوَاجُهُمْ؟
فَقَالَ يَا عَطِيَّةُ سَمِعْتُ حَبِيبِي رَسُولَ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ يَقُولُ مَنْ أَحَبَّ قَوْماً حُشِرَ مَعَهُمْ، وَ مَنْ أَحَبَّ عَمَلَ قَوْمٍ أُشْرِكَ فِي عَمَلِهِمْ، وَ اَلَّذِي بَعَثَ مُحَمَّداً بِالْحَقِّ نَبِيّاً أَنَّ نِيَّتِي وَ نِيَّةَ أَصْحَابِي عَلَى مَا مَضَى عَلَيْهِ اَلْحُسَيْنُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ وَ أَصْحَابُهُ،…». بشارة المصطفی (ص)،ج1ص74، بحار الأنوار،ج65ص130
فالإنسان يُحشر مع من يحب، و لو أحبّ حجرا حشر معه كما في الرواية عن رسول الله (ص): «مَنْ أَحَبَّنَا كَانَ مَعَنَا يَوْمَ اَلْقِيَامَةِ وَ لَوْ أَنَّ رَجُلاً أَحَبَّ حَجَراً لَحَشَرَهُ اَللَّهُ مَعَهُ». الأمالی (للصدوق)،ج1ص209.
كما إذا أحبّ إنسان عمل قوم أو جماعة فإنّه يُشرك في عملهم الذي يحبه.
و روي عن أمير المؤمنين (ع) في الغرر و العيون قريب من هذه الرواية في التحذير من محبة أعداء الله، بل الودّ و المحبة لأولياء الله و نتيجته الحشر معهم: «إِيَّاكَ أَنْ تُحِبَّ أَعْدَاءَ اللَّهِ، أَوْ تُصْفِيَ وُدَّكَ لِغَيْرِ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ، فَإِنَّ مَنْ أَحَبَّ قَوْماً حُشِرَ مَعَهُمْ». غرر الحكم،ص١٧٠، عيون الحكم،ص٩٨.
و في مكارم الأخلاق عن النبي (ص) «أَحِبَّ اَلصَّالِحِينَ فَإِنَّ اَلْمَرْءَ مَعَ مَنْ أَحَبَّ، فَإِنْ لَمْ تَقْدِرْ عَلَى أَعْمَالِ اَلْبِرِّ فَأَحِبَّ اَلْعُلَمَاءَ فَإِنَّهُ يَقُولُ وَ مَنْ يُطِعِ اَللّٰهَ وَ اَلرَّسُولَ فَأُولٰئِكَ مَعَ اَلَّذِينَ أَنْعَمَ اَللّٰهُ عَلَيْهِمْ مِنَ اَلنَّبِيِّينَ وَ اَلصِّدِّيقِينَ وَ اَلشُّهَدٰاءِ وَ اَلصّٰالِحِينَ وَ حَسُنَ أُولٰئِكَ رَفِيقاً». مکارم الأخلاق،ص446
و مثل هذه الروايات في كتب المسلمين عامة، و كأمثلة روي عن النبي صلى اللّه عليه و آله: «مَن أحَبَّ قَوما عَلى أعمالِهِم حُشِرَ يَومَ القِيامَةِ في زُمرَتِهِم، فَحوسِبَ بِحِسابِهِم وإن لَم يَعمَل أعمالَهُم». كنز العمال،ج٩،ص٢١
و روي: «قال أبو ذر قلت يا رسول الله الرجل يحب القوم و لا يستطيع ان يعمل كعملهم، قال أنت مع من أحببت، قلت فاني أحب الله و رسوله، قال فأنت يا أبا ذر مع من أحببت».مسند أحمد بن حنبل،ج٥ص ١٦٦.
و روي: «يا رَسول اللّهِ، كَيفَ تَقولُ في رَجُلٍ أحَبَّ قَوما ولَم يَلحَق بِهِم؟ فَقالَ رَسولُ اللّهِ صلى اللّه عليه [و آله] و سلم: المَرءُ مَعَ مَن أحَبَّ» البخاري،ج7ص112.
و المسلمون عامة ينقلونها في كتبهم و لكن كثير منهم لا يعملون بها، فلا ينتبهون إلى من يحبوا و من يبغضوا، و لا إلى العمل الصالح فيحبونه و إلى العمل الطالح فيجتنبونه.
و الروايات في هذا المقام كثيرة، و يجمعها الرضا و السخط، و منها:
روي عن أمير المؤمنين (ع): «أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا يَجْمَعُ النَّاسَ الرِّضَا وَ السُّخْطُ، وَ إِنَّمَا عَقَرَ نَاقَةَ ثَمُودَ رَجُلٌ وَاحِدٌ فَعَمَّهُمُ اللَّهُ بِالْعَذَابِ لَمَّا عَمُّوهُ بِالرِّضَا فَقَالَ سُبْحَانَهُ فَعَقَرُوها فَأَصْبَحُوا نادِمِينَ». نهج البلاغة، خطبة 201.
فالرواية تذكر آثار الرضا و السخط في الدّنيا، و قد نزل العذاب على قوم صالح بسبب رضاهم بعقر الناقة وهم ليسوا المباشرين للعقر و إنّما عقرها رجل واحد، فعمّهم الله بالعذاب بسبب رضاهم و قبولهم بالعقر.
و في التفسير: «وَ إِنَّ اَلرَّاضِينَ بِقَتْلِ اَلْحُسَيْنِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ شُرَكَاءُ قَتَلَتِهِ، أَلاَ وَ إِنَّ قَتَلَتَهُ وَ أَعْوَانَهُمْ وَ أَشْيَاعَهُمْ وَ اَلْمُقْتَدِينَ بِهِمْ بُرَآءُ مِنْ دِينِ اَللَّهِ». التفسير العسکری (ع)،ص369.
و في زيارة الإمام الحسين (ع) «فَلَعَنَ اللهُ اُمَّةً قَتَلَتْكَ، وَ لَعَنَ اللهُ اُمَّةً ظَلَمَتْكَ، وَ لَعَنَ اللهُ اُمَّةً سَمِعَتْ بِذلِكَ فَرَضِيَتْ بِهِ». زيارة وارث. فالرضا بقتل الحسين عليه السلام، موضوع اللعن كالقتل و الظلم المباشر.
و من الروايات في هذا المضمون:
عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ اَلْأَرْقَطِ عَنْ أَبِي عَبْدِ اَللَّهِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ قَالَ: قَالَ لِي تَنْزِلُ اَلْكُوفَةَ فَقُلْتُ نَعَمْ، فَقَالَ تَرَوْنَ قَتَلَةَ اَلْحُسَيْنِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ؟ قَالَ قُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ مَا بَقِيَ مِنْهُمْ أَحَدٌ، قَالَ فَأَنْتَ إِذاً لاَ تَرَى اَلْقَاتِلَ إِلاَّ مَنْ قَتَلَ أَوْ مَنْ وَلِيَ اَلْقَتْلَ، أَ لَمْ تَسْمَعْ إِلَى قَوْلِ اَللَّهِ «قُلْ قَدْ جٰاءَكُمْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِي بِالْبَيِّنٰاتِ وَ بِالَّذِي قُلْتُمْ فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِنْ كُنْتُمْ صٰادِقِينَ»، فَأَيَّ رَسُولٍ قَتَلَ اَلَّذِينَ كَانَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ وَ لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُ وَ بَيْنَ عِيسَى رَسُولٌ وَ إِنَّمَا رَضُوا قَتْلَ أُولَئِكَ فَسُمُّوا قَاتِلِينَ». وسائل الشیعة،ج16ص141.
و الإمام الصادق عليه السلام كانت ولادته سنة 80هـ أو بعدها، و شهادته سنة 146هـ أو بعدها (على اختلاف الروايات)، و إمامته بعد شهادة الإمام الباقر (ع) سنة 114هـ، و كربلاء كانت في 10 محرم 61هـ، و المختار ثار في سنة 66هـ و قتل غالبية القتلة، فلم يبق من قتلة الحسين في الكوفة وقت الرواية أحد يذكر، و لكن بقى في الكوفة من يرضى بقتل الحسين عليه السلام، فسُمّوا قتلة.
و الرواية «وَ مَنْ رَضِيَ شَيْئاً كَانَ كَمَنْ أَتَاهُ وَ لَوْ أَنَّ رَجُلاً قُتِلَ فِي اَلْمَشْرِقِ فَرَضِيَ بِقَتْلِهِ رَجُلٌ فِي اَلْمَغْرِبِ لَكَانَ اَلرَّاضِي عِنْدَ اَللَّهِ شَرِيكَ اَلْقَاتِلِ»، و هي:
عَنْ عَبْدِ اَلسَّلاَمِ بْنِ صَالِحٍ اَلْهَرَوِيِّ قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي اَلْحَسَنِ عَلِيِّ بْنِ مُوسَى اَلرِّضَا عَلَيْهِ السَّلاَمُ: يَا اِبْنَ رَسُولِ اللَّهِ مَا تَقُولُ فِي حَدِيثٍ رُوِيَ عَنِ اَلصَّادِقِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ أَنَّهُ قَالَ إِذَا خَرَجَ اَلْقَائِمُ قَتَلَ ذَرَارِيَّ قَتَلَةِ اَلْحُسَيْنِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ بِفِعَالِ آبَائِهَا، فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ هُوَ كَذَلِكَ، فَقُلْتُ فَقَوْلُ اَللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ «وَ لاٰ تَزِرُ وٰازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرىٰ» مَا مَعْنَاهُ؟ فَقَالَ صَدَقَ اَللَّهُ فِي جَمِيعِ أَقْوَالِهِ لَكِنَّ ذَرَارِيَّ قَتَلَةِ اَلْحُسَيْنِ يَرْضَوْنَ أَفْعَالَ آبَائِهِمْ وَ يَفْتَخِرُونَ بِهَا وَ مَنْ رَضِيَ شَيْئاً كَانَ كَمَنْ أَتَاهُ وَ لَوْ أَنَّ رَجُلاً قُتِلَ فِي اَلْمَشْرِقِ فَرَضِيَ بِقَتْلِهِ رَجُلٌ فِي اَلْمَغْرِبِ لَكَانَ اَلرَّاضِي عِنْدَ اَللَّهِ شَرِيكَ اَلْقَاتِلِ، وَ إِنَّمَا يَقْتُلُهُمُ اَلْقَائِمُ إِذَا خَرَجَ لِرِضَاهُمْ بِفِعْلِ آبَائِهِمْ، قَالَ فَقُلْتُ لَهُ بِأَيِّ شَيْءٍ يَبْدَأُ اَلْقَائِمُ فِيهِمْ إِذَا قَامَ؟ قَالَ يَبْدَأُ بِبَنِي شَيْبَةَ وَ يَقْطَعُ أَيْدِيَهُمْ لِأَنَّهُمْ سُرَّاقُ بَيْتِ اَللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ». علل الشرایع،ج1ص229
و هذا مفهوم التولي لأولياء الله والتبرّي من أعداء الله، و محبة الأئمة الأطهار عليهم السلام والإنقياد لهم و ولايتهم، و التبرّي من أعدائهم قال تعالى «قُل لَّا أَسْأَلُكمْ عَلَيهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَي». سورة الشورى:23.
و في زيارة الإمام الحسين (ع) تأكيد على التولي و التبري، ومنها:
« يا أَبا عَبْدِ الله إِنِّي سِلْمٌ لِمَنْ سالَمَكُمْ وَحَرْبٌ لِمَنْ حارَبَكُمْ إِلى يَوْمِ القِيامَةِ». زيارة عاشوراء.
«یا اَبا عَبْدِاللهِ اِنّی اَتَقَرَّبُ اِلی اللهِ وَ اِلیٰ رَسُولِهِ، وَ اِلیٰ أمیرِا لْمُؤْمِنینَ وَ اِلیٰ فاطِمَةَ، وَاِلَی الْحَسَنِ وَ اِلَیك بِمُوالاتِك، وَ بِالْبَرائَةِ مِمَّنْ قاتَلَك وَ نَصَبَ لَك الْحَرْبَ». زيارة عاشوراء
فيجب إنكار المنكر و التبرئ من القتلة و السخط منهم كما في الرواية عن الإمام الباقر عليه السلام: «فَأَنْكِرُوا بِقُلُوبِكُمْ وَ اِلْفِظُوا بِأَلْسِنَتِكُمْ، وَ صُكُّوا بِهَا جِبَاهَهُمْ، وَ لاَ تَخَافُوا فِي اَللَّهِ لَوْمَةَ لاَئِمٍ». تهذيب الأحكام،ج6ص180
و على هذا فكل إنسان يعلن تأييده للظالمين و الطغاة مطلقا و يرضى بأفعالهم و يدافع عنهم فهو معهم و شريكهم في جرائمهم، و من يرضى على بني أمية و يرضى بفعل معاوية و يزيد فهو معهم و شريك لهم في قتل الحسين و أولاده و أصحابه، و هو عدوّ لمحمد و آل محمد (ص).
نسأل الله أن يحشرنا مع محمد و آل محمد صلوات الله عليهم أمير المؤمنين وأبنائه الميامين الطَّيبين الطّاهرين صلوات الله عليهم أجمعين.
المرء مع من أحبّ
(من أحبّ قوما حشر معهم، و من أحبّ عمل قوم أشرك في عملهم)
محمد جواد الدمستاني
هذا مقطع من رواية جابر بن عبد الله الأنصاري عند قبر الإمام الحسين عليه السلام في زيارة الأربعين و هو يوم رجوع السبايا مع الإمام زين العابدين عليه السلام و لقائهم معه.
و الرواية عن عطية العوفي عن جابر بن عبد الله الأنصاري، و قد قام جابر بآداب الزيارة كالغسل و ارتداء أطهر الثياب، ذكر الله، و أنّه قال عند زيارة الحسين (ع):
« ..، وَ اَلَّذِي بَعَثَ مُحَمَّداً بِالْحَقِّ نَبِيّاً لَقَدْ شَارَكْنَاكُمْ فِيمَا دَخَلْتُمْ فِيهِ.
قَالَ عَطِيَّةُ فَقُلْتُ لَهُ يَا جَابِرُ كَيْفَ وَ لَمْ نَهْبِطْ وَادِياً وَ لَمْ نَعْلُ جَبَلاً وَ لَمْ نَضْرِبْ بِسَيْفٍ وَ اَلْقَوْمُ قَدْ فُرِّقَ بَيْنَ رُءُوسِهِمْ وَ أَبْدَانِهِمْ وَ أُوتِمَتْ أَوْلاَدُهُمْ وَ أَرْمَلَتْ أَزْوَاجُهُمْ؟
فَقَالَ يَا عَطِيَّةُ سَمِعْتُ حَبِيبِي رَسُولَ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ يَقُولُ مَنْ أَحَبَّ قَوْماً حُشِرَ مَعَهُمْ، وَ مَنْ أَحَبَّ عَمَلَ قَوْمٍ أُشْرِكَ فِي عَمَلِهِمْ، وَ اَلَّذِي بَعَثَ مُحَمَّداً بِالْحَقِّ نَبِيّاً أَنَّ نِيَّتِي وَ نِيَّةَ أَصْحَابِي عَلَى مَا مَضَى عَلَيْهِ اَلْحُسَيْنُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ وَ أَصْحَابُهُ،…». بشارة المصطفی (ص)،ج1ص74، بحار الأنوار،ج65ص130
فالإنسان يُحشر مع من يحب، و لو أحبّ حجرا حشر معه كما في الرواية عن رسول الله (ص): «مَنْ أَحَبَّنَا كَانَ مَعَنَا يَوْمَ اَلْقِيَامَةِ وَ لَوْ أَنَّ رَجُلاً أَحَبَّ حَجَراً لَحَشَرَهُ اَللَّهُ مَعَهُ». الأمالی (للصدوق)،ج1ص209.
كما إذا أحبّ إنسان عمل قوم أو جماعة فإنّه يُشرك في عملهم الذي يحبه.
و روي عن أمير المؤمنين (ع) في الغرر و العيون قريب من هذه الرواية في التحذير من محبة أعداء الله، بل الودّ و المحبة لأولياء الله و نتيجته الحشر معهم: «إِيَّاكَ أَنْ تُحِبَّ أَعْدَاءَ اللَّهِ، أَوْ تُصْفِيَ وُدَّكَ لِغَيْرِ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ، فَإِنَّ مَنْ أَحَبَّ قَوْماً حُشِرَ مَعَهُمْ». غرر الحكم،ص١٧٠، عيون الحكم،ص٩٨.
و في مكارم الأخلاق عن النبي (ص) «أَحِبَّ اَلصَّالِحِينَ فَإِنَّ اَلْمَرْءَ مَعَ مَنْ أَحَبَّ، فَإِنْ لَمْ تَقْدِرْ عَلَى أَعْمَالِ اَلْبِرِّ فَأَحِبَّ اَلْعُلَمَاءَ فَإِنَّهُ يَقُولُ وَ مَنْ يُطِعِ اَللّٰهَ وَ اَلرَّسُولَ فَأُولٰئِكَ مَعَ اَلَّذِينَ أَنْعَمَ اَللّٰهُ عَلَيْهِمْ مِنَ اَلنَّبِيِّينَ وَ اَلصِّدِّيقِينَ وَ اَلشُّهَدٰاءِ وَ اَلصّٰالِحِينَ وَ حَسُنَ أُولٰئِكَ رَفِيقاً». مکارم الأخلاق،ص446
و مثل هذه الروايات في كتب المسلمين عامة، و كأمثلة روي عن النبي صلى اللّه عليه و آله: «مَن أحَبَّ قَوما عَلى أعمالِهِم حُشِرَ يَومَ القِيامَةِ في زُمرَتِهِم، فَحوسِبَ بِحِسابِهِم وإن لَم يَعمَل أعمالَهُم». كنز العمال،ج٩،ص٢١
و روي: «قال أبو ذر قلت يا رسول الله الرجل يحب القوم و لا يستطيع ان يعمل كعملهم، قال أنت مع من أحببت، قلت فاني أحب الله و رسوله، قال فأنت يا أبا ذر مع من أحببت».مسند أحمد بن حنبل،ج٥ص ١٦٦.
و روي: «يا رَسول اللّهِ، كَيفَ تَقولُ في رَجُلٍ أحَبَّ قَوما ولَم يَلحَق بِهِم؟ فَقالَ رَسولُ اللّهِ صلى اللّه عليه [و آله] و سلم: المَرءُ مَعَ مَن أحَبَّ» البخاري،ج7ص112.
و المسلمون عامة ينقلونها في كتبهم و لكن كثير منهم لا يعملون بها، فلا ينتبهون إلى من يحبوا و من يبغضوا، و لا إلى العمل الصالح فيحبونه و إلى العمل الطالح فيجتنبونه.
و الروايات في هذا المقام كثيرة، و يجمعها الرضا و السخط، و منها:
روي عن أمير المؤمنين (ع): «أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا يَجْمَعُ النَّاسَ الرِّضَا وَ السُّخْطُ، وَ إِنَّمَا عَقَرَ نَاقَةَ ثَمُودَ رَجُلٌ وَاحِدٌ فَعَمَّهُمُ اللَّهُ بِالْعَذَابِ لَمَّا عَمُّوهُ بِالرِّضَا فَقَالَ سُبْحَانَهُ فَعَقَرُوها فَأَصْبَحُوا نادِمِينَ». نهج البلاغة، خطبة 201.
فالرواية تذكر آثار الرضا و السخط في الدّنيا، و قد نزل العذاب على قوم صالح بسبب رضاهم بعقر الناقة وهم ليسوا المباشرين للعقر و إنّما عقرها رجل واحد، فعمّهم الله بالعذاب بسبب رضاهم و قبولهم بالعقر.
و في التفسير: «وَ إِنَّ اَلرَّاضِينَ بِقَتْلِ اَلْحُسَيْنِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ شُرَكَاءُ قَتَلَتِهِ، أَلاَ وَ إِنَّ قَتَلَتَهُ وَ أَعْوَانَهُمْ وَ أَشْيَاعَهُمْ وَ اَلْمُقْتَدِينَ بِهِمْ بُرَآءُ مِنْ دِينِ اَللَّهِ». التفسير العسکری (ع)،ص369.
و في زيارة الإمام الحسين (ع) «فَلَعَنَ اللهُ اُمَّةً قَتَلَتْكَ، وَ لَعَنَ اللهُ اُمَّةً ظَلَمَتْكَ، وَ لَعَنَ اللهُ اُمَّةً سَمِعَتْ بِذلِكَ فَرَضِيَتْ بِهِ». زيارة وارث. فالرضا بقتل الحسين عليه السلام، موضوع اللعن كالقتل و الظلم المباشر.
و من الروايات في هذا المضمون:
عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ اَلْأَرْقَطِ عَنْ أَبِي عَبْدِ اَللَّهِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ قَالَ: قَالَ لِي تَنْزِلُ اَلْكُوفَةَ فَقُلْتُ نَعَمْ، فَقَالَ تَرَوْنَ قَتَلَةَ اَلْحُسَيْنِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ؟ قَالَ قُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ مَا بَقِيَ مِنْهُمْ أَحَدٌ، قَالَ فَأَنْتَ إِذاً لاَ تَرَى اَلْقَاتِلَ إِلاَّ مَنْ قَتَلَ أَوْ مَنْ وَلِيَ اَلْقَتْلَ، أَ لَمْ تَسْمَعْ إِلَى قَوْلِ اَللَّهِ «قُلْ قَدْ جٰاءَكُمْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِي بِالْبَيِّنٰاتِ وَ بِالَّذِي قُلْتُمْ فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِنْ كُنْتُمْ صٰادِقِينَ»، فَأَيَّ رَسُولٍ قَتَلَ اَلَّذِينَ كَانَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ وَ لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُ وَ بَيْنَ عِيسَى رَسُولٌ وَ إِنَّمَا رَضُوا قَتْلَ أُولَئِكَ فَسُمُّوا قَاتِلِينَ». وسائل الشیعة،ج16ص141.
و الإمام الصادق عليه السلام كانت ولادته سنة 80هـ أو بعدها، و شهادته سنة 146هـ أو بعدها (على اختلاف الروايات)، و إمامته بعد شهادة الإمام الباقر (ع) سنة 114هـ، و كربلاء كانت في 10 محرم 61هـ، و المختار ثار في سنة 66هـ و قتل غالبية القتلة، فلم يبق من قتلة الحسين في الكوفة وقت الرواية أحد يذكر، و لكن بقى في الكوفة من يرضى بقتل الحسين عليه السلام، فسُمّوا قتلة.
و الرواية «وَ مَنْ رَضِيَ شَيْئاً كَانَ كَمَنْ أَتَاهُ وَ لَوْ أَنَّ رَجُلاً قُتِلَ فِي اَلْمَشْرِقِ فَرَضِيَ بِقَتْلِهِ رَجُلٌ فِي اَلْمَغْرِبِ لَكَانَ اَلرَّاضِي عِنْدَ اَللَّهِ شَرِيكَ اَلْقَاتِلِ»، و هي:
عَنْ عَبْدِ اَلسَّلاَمِ بْنِ صَالِحٍ اَلْهَرَوِيِّ قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي اَلْحَسَنِ عَلِيِّ بْنِ مُوسَى اَلرِّضَا عَلَيْهِ السَّلاَمُ: يَا اِبْنَ رَسُولِ اللَّهِ مَا تَقُولُ فِي حَدِيثٍ رُوِيَ عَنِ اَلصَّادِقِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ أَنَّهُ قَالَ إِذَا خَرَجَ اَلْقَائِمُ قَتَلَ ذَرَارِيَّ قَتَلَةِ اَلْحُسَيْنِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ بِفِعَالِ آبَائِهَا، فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ هُوَ كَذَلِكَ، فَقُلْتُ فَقَوْلُ اَللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ «وَ لاٰ تَزِرُ وٰازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرىٰ» مَا مَعْنَاهُ؟ فَقَالَ صَدَقَ اَللَّهُ فِي جَمِيعِ أَقْوَالِهِ لَكِنَّ ذَرَارِيَّ قَتَلَةِ اَلْحُسَيْنِ يَرْضَوْنَ أَفْعَالَ آبَائِهِمْ وَ يَفْتَخِرُونَ بِهَا وَ مَنْ رَضِيَ شَيْئاً كَانَ كَمَنْ أَتَاهُ وَ لَوْ أَنَّ رَجُلاً قُتِلَ فِي اَلْمَشْرِقِ فَرَضِيَ بِقَتْلِهِ رَجُلٌ فِي اَلْمَغْرِبِ لَكَانَ اَلرَّاضِي عِنْدَ اَللَّهِ شَرِيكَ اَلْقَاتِلِ، وَ إِنَّمَا يَقْتُلُهُمُ اَلْقَائِمُ إِذَا خَرَجَ لِرِضَاهُمْ بِفِعْلِ آبَائِهِمْ، قَالَ فَقُلْتُ لَهُ بِأَيِّ شَيْءٍ يَبْدَأُ اَلْقَائِمُ فِيهِمْ إِذَا قَامَ؟ قَالَ يَبْدَأُ بِبَنِي شَيْبَةَ وَ يَقْطَعُ أَيْدِيَهُمْ لِأَنَّهُمْ سُرَّاقُ بَيْتِ اَللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ». علل الشرایع،ج1ص229
و هذا مفهوم التولي لأولياء الله والتبرّي من أعداء الله، و محبة الأئمة الأطهار عليهم السلام والإنقياد لهم و ولايتهم، و التبرّي من أعدائهم قال تعالى «قُل لَّا أَسْأَلُكمْ عَلَيهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَي». سورة الشورى:23.
و في زيارة الإمام الحسين (ع) تأكيد على التولي و التبري، ومنها:
« يا أَبا عَبْدِ الله إِنِّي سِلْمٌ لِمَنْ سالَمَكُمْ وَحَرْبٌ لِمَنْ حارَبَكُمْ إِلى يَوْمِ القِيامَةِ». زيارة عاشوراء.
«یا اَبا عَبْدِاللهِ اِنّی اَتَقَرَّبُ اِلی اللهِ وَ اِلیٰ رَسُولِهِ، وَ اِلیٰ أمیرِا لْمُؤْمِنینَ وَ اِلیٰ فاطِمَةَ، وَاِلَی الْحَسَنِ وَ اِلَیك بِمُوالاتِك، وَ بِالْبَرائَةِ مِمَّنْ قاتَلَك وَ نَصَبَ لَك الْحَرْبَ». زيارة عاشوراء
فيجب إنكار المنكر و التبرئ من القتلة و السخط منهم كما في الرواية عن الإمام الباقر عليه السلام: «فَأَنْكِرُوا بِقُلُوبِكُمْ وَ اِلْفِظُوا بِأَلْسِنَتِكُمْ، وَ صُكُّوا بِهَا جِبَاهَهُمْ، وَ لاَ تَخَافُوا فِي اَللَّهِ لَوْمَةَ لاَئِمٍ». تهذيب الأحكام،ج6ص180
و على هذا فكل إنسان يعلن تأييده للظالمين و الطغاة مطلقا و يرضى بأفعالهم و يدافع عنهم فهو معهم و شريكهم في جرائمهم، و من يرضى على بني أمية و يرضى بفعل معاوية و يزيد فهو معهم و شريك لهم في قتل الحسين و أولاده و أصحابه، و هو عدوّ لمحمد و آل محمد (ص).
نسأل الله أن يحشرنا مع محمد و آل محمد صلوات الله عليهم أمير المؤمنين وأبنائه الميامين الطَّيبين الطّاهرين صلوات الله عليهم أجمعين.