محمد جواد الدمستانيمحمد جواد الدمستاني

Loading

المعية في زيارة الحسين و أهل البيت (ع)

«فَمَعَكُمْ مَعَكُمْ لاَ مَعَ عَدُوِّكُمْ»

محمد جواد الدمستاني

جاء في خاتمة زيارة الأربعين «فَمَعَكُمْ مَعَكُمْ لاَ مَعَ عَدُوِّكُمْ».

«فَمَعَكُمْ مَعَكُمْ لاَ مَعَ عَدُوِّكُمْ، صَلَوَاتُ اَللَّهِ عَلَيْكُمْ وَ عَلَى أَرْوَاحِكُمْ وَ أَجْسَادِكُمْ، وَ شَاهِدِكُمْ وَ غَائِبِكُمْ، وَ ظَاهِرِكُمْ وَ بَاطِنِكُمْ، آمِينَ رَبَّ اَلْعَالَمِينَ». المزار الکبير،ص514.

و في زيارة الجامعة الكبيرة «فَمَعَكُمْ مَعَكُمْ لاَ مَعَ عَدُوِّكُمْ».«لاَ مَعَ غَيْرِكُمْ».

«فَمَعَكُمْ مَعَكُمْ لاَ مَعَ عَدُوِّكُمْ آمَنْتُ بِكُمْ وَ تَوَلَّيْتُ آخِرَكُمْ بِمَا تَوَلَّيْتُ بِهِ أَوَّلَكُمْ وَ بَرِئْتُ إِلَى اَللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ مِنْ أَعْدَائِكُمْ..». من لا یحضره الفقیه،ج2ص609، و في نسخة «فَمَعَكُمْ مَعَكُمْ لَا مَعَ غَيْرِكُمْ».ملاذ الأخيار،ج9ص270

وفي زيارة العبّاس بن أمير المؤمنين عليه السلام «مَعَكُمْ مَعَكُمْ لا مَعَ عَدُوِّكُمْ».

«مَعَكُمْ مَعَكُمْ لا مَعَ عَدُوِّكُمْ إنِّي بِكُمْ وبِإيابِكُمْ مِنَ المُؤْمِنِينَ، وَبِمَنْ خالَفَكُمْ وَقَتَلَكُمْ مِنَ الكافِرِينَ».المزار،ص١٦٥

و في زيارة الحسين عليه السلام أيضا «فَيَا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَكُمْ فَأَفُوزَ فَوْزاً عَظِيماً». إقبال الأعمال،ج2ص571، أمنية الفوز بالمعية مع الحسين و أصحاب الحسين عليهم السلام و الشهادة معهم في كربلاء.

معكم معكم لا مع غيركم، لا مع عدوكم، شعار الولاء و الموالين لآل محمد صلوات الله و سلامه عليهم، و في تكرار «معكم معكم» تأكيد و تثبيت و ترسيخ المعنى و تعميق الفكرة في النفوس.

و معكم معكم يعني المعية و الكينونة مع أهل البيت عليهم السلام، مع الحسين عليه السلام، و مع العباس عليه السلام، قال الله تعالى «يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقين»، المراد من الصادقين، هم أهل البيت عليهم السلام كما في الروايات، و روي عن أمير المؤمنين عليه السلام، «.. صَدَقَ اَللَّهُ تَعَالَى وَ أَعْطَاهُ اَلْوَسِيلَةَ إِلَيْهِ وَ إِلَى اَللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ فَقَالَ يٰا أَيُّهَا اَلَّذِينَ آمَنُوا اِتَّقُوا اَللّٰهَ وَ كُونُوا مَعَ اَلصّٰادِقِينَ فَنَحْنُ وَ اَللَّهِ اَلصَّادِقُونَ وَ أَنَا أَخُوهُ فِي اَلدُّنْيَا وَ اَلْآخِرَةِ ..». إرشاد القلوب،ج2ص299

و المعية إمّا جسمانيَّة بأن يكون الشخص جسما مع آخر في زمان و مكان واحد، يكونان معاً.

و إمّا معنويّة، بمعنى أنّ شخصا موافق مع آخر في العقيدة و في الفكر و الرأي و في الخط، و إن لم يلتقيا بالأجسام في مكان واحد، و لم يكونا في زمان واحد.

و «لا مع غيركم، ..، لا مع عدوّكم»، و معنى غيركم أوسع من عدوّكم لأنها تشمل العدو و غيره ممن ليس معهم، و مع وجود خطّ الحقّ و خط الباطل، أو جبهة الحقّ و جبهة الباطل، و أنّ النبي و أهل بيته هم الحقّ، فما عداه فهو باطل عدوّ كان أو غيره.

فالزائر يقول أنّا معكم «يا أَهْلَ بَيْتِ النُّبُوَّةِ وَمَوْضِعَ الرِّسَالَةِ وَمُخْتَلَفَ الْمَلَائِكَةِ وَمَهْبِطَ الْوَحْيِ وَمَعْدِنَ الرَّحْمَةِ وَخُزَّانَ الْعِلْمِ ..»، كما في الزيارة الجامعة، أنا معكم عقيدة ، و فكرا، و سلوكا، و جبهة، و خطا لأنّكم الحق و ما عداكم هو باطل.

وهذا تعبير عن الموقف الواضح مع أهل البيت عليهم السلام، و تصريح بالانتماء لهم عليهم السلام، و بالاطلاق: أنّا معكم و أنتمي إليكم و أسير على نهجكم، في كل الاتجاهات، العقائدية، الفكرية، الثقافية، الأخلاقية، الجهادية، هويتي أنتم، و مدرستي أنتم، طريقي أنتم، طريقتي أنتم، و أنتم أئمتي وأسوتي وقدوتي.

معكم معكم يا آل محمد (ص) في الإسلام، و أنتم تمثلون الإسلام الحقيقي الأصيل، و مبادئ الإسلام، و قيّم الإسلام، و تعاليمه.

معكم معكم يا آل بيت النبوة، أنتم تمثلون النبيّ صلى الله عليه و آله و امتداده.

معكم معكم يا آل محمد (ص) في أخلاقكم، و قيّمكم، و فضائلكم، و مناقبكم و صفاتكم النبيلة.

معكم معكم يا آل محمد (ص) في جهادكم و تضحياتكم، و دفاعكم عن الإسلام، فأنتم مثال التضحيات و مصداق الشهادة و الفداء، وأنا مقتدي بكم في الجهاد و رفض الظلم و الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر.

و في الزيارة الجامعة «أَنِّي مُؤْمِنٌ بِكُمْ وَبِمَا آمَنْتُمْ بِهِ،كَافِرٌ بِعَدُوِّكُمْ وَبِمَا كَفَرْتُمْ بِهِ، مُسْتَبْصِرٌ بِشَأْنِكُمْ وَبِضَلَالَةِ مَنْ خَالَفَكُمْ، مُوَالٍ لَكُمْ وَ لِأَوْلِيَائِكُمْ، مُبْغِضٌ لِأَعْدَائِكُمْ وَمُعَادٍ لَهُمْ، سِلْمٌ لِمَنْ سَالَمَكُمْ، وَحَرْبٌ لِمَنْ حَارَبَكُمْ، مُحَقِّقٌ لِمَا حَقَّقْتُمْ، مُبْطِلٌ لِمَا أَبْطَلْتُمْ، مُطِيعٌ لَكُمْ، عَارِفٌ بِحَقِّكُمْ، مُقِرٌّ بِفَضْلِكُمْ، مُحْتَمِلٌ لِعِلْمِكُمْ، مُحْتَجِبٌ بِذِمَّتِكُمْ، مُعْتَرِفٌ بِكُمْ، وَمُؤْمِنٌ بِإِيَابِكُمْ، مُصَدِّقٌ بِرَجْعَتِكُمْ، مُنْتَظِرٌ لِأَمْرِكُمْ، مُرْتَقِبٌ لِدَوْلَتِكُمْ». من لا یحضره الفقیه،ج2ص609

و هذا الكلام أو النص أو الشعار يحتاج أن يكون الزائر و المؤمن على إيمان كامل و فهم كامل به، و يقوم بإصرار على تطبيقه، بوعي و بصيرة.

و هذا النص و الشعار يعبر عن عزّ و فخر و شرف و قوة و طرحه ينسجم مع قوته و عظمته دون تردد أو توقف أو إِحجام و إمساك.

و لأجل تأكيد الانتماء و تأكيد الهوية ينبغي إظهار هذا المعنى و الجهر به أمام العالم نحن مع أهل البيت عليهم السلام دون غيرهم، نسير على هداهم و نقتدي بهم و عقيدتنا عقيدتهم و فكرنا فكرهم إلى يوم القيامة.

و ينبغي التطبيق العملي للموقف و الشعار و المعية مع أهل البيت عليهم السلام و الكينونة معهم عبر الاقتداء بهم حقيقة و صدقا، حتى لا يكون شعارا شكليا بل حقيقة موقف و عهد و ميثاق مع أهل البيت عليهم السلام.

و معكم معكم تعني الصدق و الثبات و الصمود معهم عليهم السلام فلا يقول المؤمن في الزيارات «فَمَعَكُمْ مَعَكُمْ لَا مَعَ عَدُوِّكُمْ ..» بلسانه و هو مع غيرهم عمليا، أو مع عدوّهم، و يؤمن بغيرهم أو يتولى غيرهم، و لا يكون في صفوف خصمائهم بعلم أو بدون علم، بل يؤكد البراءة – كما في الزيارة الجامعة- «بَرِئْتُ إِلَى اَللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ مِنْ أَعْدَائِكُمْ وَ مِنَ اَلْجِبْتِ وَ اَلطَّاغُوتِ وَ اَلشَّيَاطِينِ وَ حِزْبِهِمُ اَلظَّالِمِينَ لَكُمُ اَلْجَاحِدِينَ لِحَقِّكُمْ وَ اَلْمَارِقِينَ مِنْ وَلاَيَتِكُمْ وَ اَلْغَاصِبِينَ لِإِرْثِكُمْ وَ اَلشَّاكِّينَ فِيكُمْ وَ اَلْمُنْحَرِفِينَ عَنْكُمْ».

فلا يكون المؤمن المعاهد أبدا في تيار الأشرار الجاحدين لحقّ أهل البيت عليهم السلام، و المنحرفين عنهم، ومع تيارات و قيادات تدعوا إِلَى النّٰارِ، و الضلال، والفجور، بل يكون «بِمَنْ خالَفَ أهل البيت وَ قَتَلَهمْ مِنَ الكافِرِينَ»، كما في زيارة العباس عليه السلام، و من يفعل ذلك و يصطف مع أعدائهم فليس منهم.

و هذا الموقف له لوازم صعبة في الحياة الدنيا، و قد يتعرض الإنسان بسببه إلى ابتلاءات عظيمة، و كم دفع شيعة أهل البيت عليهم السلام عبر التاريخ بالارتباط بهم و العلاقة معهم و الولاء لهم تضحيات عظيمة، و قدّموا أثمانا باهظة، و أعطوا حياتهم ثمنا لثباتهم في خط أهل البيت، و ارتقى الشهداء منهم عبر العصور و الأزمنة فداء لثباتهم على هذا الخط و صدقهم، قتل الأئمة عليهم السلام و أصحابهم، عمّار بن ياسر في صفين، مالك الأشتر، حُجر بن عَدي، رُشيد الهجري، كربلاء و شهداء كربلاء، و مابعدها، و قتل و صلب أتباع أهل البيت عليهم السلام، و سُجن من سُجن، و أُبعد من أُبعد عن أوطانهم، و وُضعوا في أسطوانات أيام المنصور و هارون العباسيين، فُجّرت مساجدهم و حسينياتهم، و آلاف الشهداء و الضحايا عبر التاريخ و لم يتخلوا عنه و عنهم عليهم السلام.

و يعلم المؤمن يقينا أنّ النجاة معهم، و عذوبة الحياة و الممات معهم، و وحدة المصير معهم، و حتى القتل معهم خير و أفضل، و كما في روي عن الإمام الحسن العسكري عليه السلام «اَلْفَقْرُ مَعَنَا خَيْرٌ مِنَ اَلْغِنَى مَعَ عَدُوِّنَا، وَ اَلْقَتْلُ مَعَنَا خَيْرٌ مِنَ اَلْحَيَاةِ مَعَ عَدُوِّنَا». كشف الغمة،ج2ص421.

و كل مسلم ينبغي أن تكون عنده هذه العقيدة بالمعية و الكينونة مع أهل البيت عليهم السلام و اتخاذهم قدوة و أسوة، و اتّباع منهجم كما أوصى رسول الله صلى الله عليه و آله، و هم سفينة النجاة و باب حطة، كما أخبر النبي صلى الله عليه و آله: «وَ اِعْلَمْ يَا أَبَا ذَرٍّ أَنَّ اَللَّهَ (تَعَالَى) جَعَلَ أَهْلَ بَيْتِي كَسَفِينَةِ اَلنَّجَاةِ فِي قَوْمِ نُوحٍ، مَنْ رَكِبَهَا نَجَا، وَ مَنْ رَغِبَ عَنْهَا غَرِقَ، وَ مَثَلَ بَابِ حِطَّةٍ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ مَنْ دَخَلَهَا كَانَ آمِناً» الأمالي (للطوسی)، ج1ص525، أن تكون معهم في السفينة، و أن تدخل معهم آمنا.

و في الدعاء «اَللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَ آلِ مُحَمَّدٍ، وَ أَدْخِلْنِي فِي كُلِّ خَيْرٍ أَدْخَلْتَ فِيهِ مُحَمَّداً وَ آلَ مُحَمَّدٍ، وَ أَخْرِجْنِي مِنْ كُلِّ سُوءٍ أَخْرَجْتَ مِنْهُ مُحَمَّداً وَ آلَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ عَلَيْهِمْ وَ اَلسَّلاَمُ عَلَيْهِ وَ عَلَيْهِمْ وَ رَحْمَةُ اَللَّهِ وَ بَرَكَاتُهُ»، تهذيب الأحكام،ج3ص71

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *