متى تعطف الدّنيا على أهل البيت عليهم السلام
(لتعطفن الدّنيا علينا بعد شماسها عطف الضروس على ولدها)
محمد جواد الدمستاني
وعد من أمير المؤمنين عليه السلام أنّ الدّنيا ستميل إلى آل بيت النبي صلوات الله عليه و عليهم، فبعد أن تعرّضوا إلى كثير من الشدائد و لاقوا كثيرا من الأهوال، و واجهوا عظيم الابتلاءات، و اضُطهدوا في كل الأزمنة في الأمكنة المتعددة، و شُنت عليهم و على شيعتهم الحروب، و قُتلوا و سفكت دماؤهم و دماءُ شيعتِهم و محبِيهم، و سُجنوا و قضى على كثير منهم في السجون و المعتقلات و الطوامير المظلمة تحت الأرض، و حوصروا أشد الحصار، و أُبعدوا من ديارهم، و مُنعت الأمة من التواصل معه، و تعرضوا لحملات التشويه و التزييف كذبا و زورا و ظلما، و تعرضوا لأنواع الابتلاءات في القرون المتتالية حتى يومنا هذا، هذه المصائب و المحن التي لو حصلت لغير أمة لأبادتها و لما بقى منها باقية، و لكنها الأمة الموعودة الصابرة المحتسبة، الموعودون بالنصر المبين و الفتح اليسير، بقوا و بقى شيعتهم الأوفياء صامدين صابرين صادقين يتحدون الظلم و الجور و يزلزلون عروش الظالمين على مدى التاريخ.
و بعد كل هذا الاضطهاد و الأهوال و المصائب و الظلم التي حلت على آل بيت رسول الله و شيعتهم، فإنّ النصر آت، بل ستعطف الدّنيا بأكملها عليهم (عليهم السلام) و تأتيهم طائعة منقادة و أهلها راغبون لا متمردين و لا عاصين.
و عد أمير المؤمنين بذلك في قوله عليه السلام: «لَتَعْطِفَنَّ الدُّنْيَا عَلَيْنَا بَعْدَ شِمَاسِهَا عَطْفَ الضَّرُوسِ عَلى وَلَدِهَا. وَ تَلَا عَقِيبَ ذَلِكَ «وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ»[1].
لتعطفنّ الدنيا و تميل عليهم بعد شماسها و امتناعها و ادبارها عنهم، مثل ما تعطف الناقة الضروس سيئة الخلُق على ولدها.
فبعد كل هذا الشِماس و الابتعاد و التنكر لهم و لحقوقهم عليهم السلام سترجع لهم الأمة بل كل الأمم طائعة، و ستهتدي إليهم (عليهم السلام)، و سيكونون هم قادتها و زعمائها و مرجعيتها الحقيقية حينما تصل الأمة إلى مرحلة النضوج و الوعي الكافي و الرشد الكامل، و تتغلب على العصبيات و الجاهليات، و ترفض منطق التضليل و التكفير، حينها ستهتدي بهم عليهم السلام و تنتصر.
و قرأ عليه السلام قوله تعالى «وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ»[2]، إشارة إلى مهدي الأمم المنتظر (عجّل الله تعالى فرجه) منقذ البشرية من الظلم و الظلام و الظلامات، الموعود الذي سيملأ الله به الأرض قسطا و عدلا بعد ما ملئت ظلما و جورا، و هو في قول جده رسول الله صلى الله عليه و آله: «لَوْ لَمْ يَبْقَ مِنَ اَلدُّنْيَا إِلاَّ يَوْمٌ وَاحِدٌ لَطَوَّلَ اَللَّهُ ذَلِكَ اَلْيَوْمَ حَتَّى يَخْرُجَ فِيهِ وَلَدِي اَلْمَهْدِيُّ، وَ يَنْزِلُ رُوحُ اَللَّهِ عِيسَى اِبْنُ مَرْيَمَ فَيُصَلِّي خَلْفَهُ، وَ تُشْرِقُ اَلْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهٰا، وَ بَلَغَ سُلْطَانُهُ اَلْمَشْرِقَ وَ اَلْمَغْرِبَ»[3].
و هذه الآية – وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ -جارية فيهم و هم المستضعفون الذين سينتصرون، و هم الأئمة الهداة، و روي عن الإمام الصادق (ع) «فَهَذِهِ اَلْآيَةُ جَارِيَةٌ فِينَا إِلَى يَوْمِ اَلْقِيَامَةِ»[4].
النصر النهائي سيكون في عصر ظهور الإمام المهدي (عج)، و لكن قبله ستكون انتصارات و تمهيد و إعداد فإذا ما خرج انعطفت الدّنيا و تغيرت.
و في تمام نهج البلاغة، «ثُمَّ يُفَرِّجُهَا اللّهُ – تَعَالى – عَنْكُمْ كَتَفْريجِ الأَديمِ مِنْ بيته، بِرَجُلٍ مِنّا أَهْلَ الْبَيْتِ، يَعْطِفُ الْهَوى عَلَى الْهُدى إِذَا عَطَفُوا الْهُدى عَلَى الْهَوى ، وَيَعْطِفُ الرَّأْيَ عَلَى الْقُرْآنِ إِذَا عَطَفُوا الْقُرْآنَ عَلَى الرَّأْيِ»[5].
«أَلَا وَفي غَدٍ ، وَسَيَأْتي غَدٌ بِمَا لَا تَعْرِفُونَ ، يَأْخُذُ الْوَالي مِنْ غَيْرِهَا عُمّالَهَا عَلى مَسَاوِئِ أَعْمَالِهَا، وَتُخْرِجُ لَهُ الأَرْضُ أَفَاليذَ كَبِدِهَا ، وَتُلْقي إلِيه سِلْماً مَقَاليدَهَا، فَيُريكُمْ كَيْفَ عَدْلُ السّيرَةِ ، وَيُحْيي مَيِّتَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ»[6].
«وَالَّذي فَلَقَ الْحَبَّةَ وَبَرَأَ النَّسَمَةَ، لَتَعْطِفَنَّ الدُّنْيَا عَلَيْنَا بَعْدَ شِمَاسِهَا عَطْفَ الضَّرُوسِ عَلى وَلَدِهَا، ثم قرأ عليه السلام : وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ..»[7].
أحاديث المسلمين تؤكد خروج المهدي (عج)، و أنّه من عترة النبي (ص)، ومن وُلد الإمام الحسين (ع)، يواطئ اسمه اسم النبي (ص)، يخرج في آخر الزمان من مكة، و يبدأ قيامه من مسجد الحرام، ويُبايَع بين الركن والمقام، ثم ینطلق مع أنصاره إلى الكوفة ليتخذها عاصمة لدولته، و أنّه ينتصر و يؤسس الدولة العالمية العظمى، و أنه يؤم الأمة، و يخرج معه النبي عيسى (ع) و يصلي خلفه، وأنّه يملأ الأرض قسطا و عدلاً بعد أن ملئت ظلما و جورا، و تشمل دولته (ع) جميع مناطق العالم، و تنفتح على العوالم الأخرى، و تطيب الدنيا و أهلها، و يكون هذا العصر عصر الخير و النور و العلم و المعجزات، في تفاصيل كثيرة في كتب المسلمين عامة.
اللهم وصلّ على ولي امرك القائم المؤمل و العدل المنتظر و حفه بملائكتك المقربين و أيده بروح القدس يا رب العالمين، اللهم اعزه و اعزز به، و انصره و انتصر به، و انصره نصرا عزيزا، وافتح له فتحا يسيرا، واجعل له من لدنك سلطانا نصيرا.
-
– نهج البلاغة – حكمة 209 ↑
-
– سورة القصص، آية 5 ↑
-
– كشف الغمة، ابن أبي الفتح الإربلي، ج2، ص507 ↑
-
– معاني الأخبار، الصدوق، ج1، ص 79 ↑
-
– تمام نهج البلاغة، السيد صادق الموسوي، ص ٢٩٦ ↑
-
– المصدر السابق ↑
-
– المصدر السابق ↑