صوم شهر رمضان وقاية من العقاب و النّار
أفضل ما توسل به المتوسلون الإيمان بالله و برسوله .. و صوم شهر رمضان
محمد جواد الدمستاني
ذكر أمير المؤمنين عليه السلام أفضل الوسائل التي يُتقرب بها إلى الله سبحانه و تعالى، فذكر الإيمان بالله و برسوله، ثم ذكر الفرائض و الواجبات فذكر الجهاد و كلمة الإخلاص و الصلاة و الزكاة و صوم شهر رمضان و الحج و العمرة و صلة الرحم و الصدقة و صنائع المعروف.
فقد روي عنه عليه السلام في نهج البلاغة، قوله «حدأحد
إِنَّ أفْضَلَ مَا تَوَسَّلَ بِهِ الْمُتَوَسِّلُونَ إِلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَ تَعَالَى الْإِيمَانُ بِهِ وَبِرَسُولِهِ، وَالْجِهَادُ فِي سَبِيلِهِ فَإِنَّهُ ذِرْوَةُ الْإِسْلاَمِ، وَكَلِمَةُ الْإِخْلاَصِ فَإِنَّهَا الْفِطْرَةُ، وَ إِقَامُ الصَّلاَةِ فَإِنَّهَا الْمِلَّةُ، وَ إِيتَاءُ الزَّكَاةِ فَإِنَّهَا فَرِيضَةٌ وَاجِبَةٌ، وَصَوْمُ شَهْرِ رَمَضَانَ فَإِنَّهُ جُنَّةٌ مِنَ الْعِقَابِ، وَ حَجُّ الْبَيْتِ وَ اعْتِمَارُهُ فَإِنَّهُمَا يَنْفِيَانِ الْفَقْرَ وَ يَرْحَضَانِ الذَّنْبَ، …»[1].
و في تمام نهج البلاغة «وَصَوْمُ شَهْرِ رَمَضَانَ فَإِنَّهُ جُنَّةٌ حَصينَةٌ مِنَ الْعِقَابِ»[2]. أي وقاية منيعة و مُحكمة و قوية من العقاب، و في الوصية للإمام الحسن و الحسين عليهما السلام في تمام نهج البلاغة: «وَاللّهَ اللّهَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ، فَإِنَّ صِيَامَهُ جُنَّةٌ حَصينَةٌ مِنَ النّارِ»[3].
و في الرواية عن رسول الله صلى الله عليه و آله «الصَّوْمُ جُنَّةٌ مِنَ النَّارِ»[4]، أي وقاية و حماية من النّار.
و في الحديث القدسي: «وَ اَلصِّيَامُ جُنَّةُ اَلْعَبْدِ اَلْمُؤْمِنِ يَوْمَ اَلْقِيَامَةِ»[5].
و الكلمة إرشاد إلى أفضل ما توسل و تقرّب به المتوسلون إلى اللَّه و هو الإيمان الكامل باللَّه و رسوله و هو الأصل، و باقي الفرائض متفرعة على هذا الإيمان، ذكرها عليه السلام ترغيبا للتمسك بها و العمل، و ذكر مزاياها و صفاتها في التقرّب إلى الله، فذكر صفة صوم شهر رمضان بأنّه جُنّة و وقاية من العقاب، و ممكن أن يكون المعنى أنّ الصوم وقاية من الوقوع في المحذورات التي توجب المؤاخذة و المعاقبة، فهو وقاية من العقاب و المجازاة.
و خصّص الإمام صوم شهر رمضان بالوقاية من العقاب و إن كانت كل الواجبات كذلك وقاية و جُنّة من العقاب و العذاب فلعل ذلك من أنّ شهر رمضان أكثرها و أشدها وقاية من العقاب، حيث يكون السعي و العمل تثبيت الإرادة لدى الصائم امتثالا لأحكام الله، و الامتناع عن الرغبات و الشهوات و الغرائز ، و كل ذلك في طاعة الله و بأمره، و قطع وساوس و حبائل الشيطان التي تسحب الإنسان للإثم و العقاب فيكون الصائم أبعد عن الشيطان و العقاب و يتقرب إلى الله في عبادة الصوم، و في خطبة النبي صلى الله عليه و آله في استقبال شهر رمضان:«وَ الشَّيَاطِينَ مَغْلُولَةٌ فَاسْأَلُوا رَبَّكُمْ أَنْ لَا يُسَلِّطَهَا عَلَيْكُمْ»[6].
و يروى أيضا عن رسول الله صلى الله عليه و آله، قوله «الصَّوْمُ يُسَوِّدُ وَجْه الشيطان»[7].
و يمكن أن تكون وقاية الصوم من العقاب و النّار لما في الصوم من إخلاص لله في عبادته، فهي عبادة مستمرة طول ساعات النهار و بعيدة عن الرياء، و أنّها لا يُتعبّد بها لغير الله فلا يصوم و يتعبد الإنسان بعدم فعل المفطرات خدمة و طاعة لأحد من البشر، فالصيام لله و هو يجزي به كما في الحديث القدسي عن رسول الله صلّى الله عليه و آله قال: «قَالَ اَللَّهُ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى كُلُّ عَمَلِ اِبْنِ آدَمَ هُوَ لَهُ غَيْرَ اَلصِّيَامِ هُوَ لِي وَ أَنَا أَجْزِي بِهِ وَ اَلصِّيَامُ جُنَّةُ اَلْعَبْدِ اَلْمُؤْمِنِ يَوْمَ اَلْقِيَامَةِ كَمَا يَقِي أَحَدَكُمْ سِلاَحُهُ فِي اَلدُّنْيَا»[8].
و لما في الصوم من عظيم الأجر و الثواب، و في رواية في فضل صوم شهر رمضان يروى عن النبي (ص): «شَهرُ رَمَضانَ شَهرٌ فَرَضَ اللَّهُ عز وجل عَلَيكُم صِيامَهُ، فَمَن صامَهُ إيماناً وَ احتِساباً خَرَجَ مِن ذُنوبِهِ كَيَومَ وَلَدَتهُ امُّهُ»، و الخروج من الذنوب وقاية للصائم من العقاب و العذاب و النّار، و رحمة له في السير إلى الجنّة.
و عمليا فإنّ المجتمعات الإسلامية أكثر تديّنا و إلتزاما بالأحكام الشرعية في شهر رمضان من بقية شهور السنة، و يتمسك أعداد من المسلمين غير المتدينين بالأحكام فيه دون غيره من الشهور و يبتعدون عن المحرمات، حتى ذُكر أنّ الجرائم تقل في شهر رمضان في المجتمعات الإسلامية أو بعضها، و تتستر في لبسها فيه بعض النساء المسلمات أكثر و يلبسن بعضهن الحجاب ممن لا يلبسنه في غيره من الشهور، و تزداد فيه مظاهر التديّن و العبادات و المراسيم الدينية، و يكون لأعداد من المسلمين موسم المراجعة مع النفس و مقدمة و بداية لهم للتوبة و التوجه إلى الله و طلب المغفرة.
فهو وقاية و صيانة للمسلم عامة، الطائع حيث يزداد إيمانا و تقوى في شهر الله العظيم، و العاصي حيث يرد بوابة التوبة و الهداية.
و الصوم الصحيح و الامتناع الجدّي عن المفطرات التي يعملها الإنسان في بقية شهور السنة فيه فوائد كثيرة لا يستطيع الإنسان حصرها، و فيه ينتصر الإنسان على شهواته و أهوائه و يقيّد شياطينه، و يقويّ إرادته، قال الله تعالى: «وَأَن تَصُومُوا خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ»[9].
و في فوائد الصوم روى الصدوق في الخصال عن الإمام الحسن المجتبى عن جده رسول الله (ص) في حديث طويل قال: قال رسول الله صلّى الله عليه و آله:«مَا مِنْ مُؤْمِنٍ يَصُومُ شَهْرَ رَمَضَانَ اِحْتِسَاباً إِلاَّ أَوْجَبَ اَللَّهُ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى لَهُ سَبْعَ خِصَالٍ:
أَوَّلُهَا يَذُوبُ اَلْحَرَامُ مِنْ جَسَدِهِ.
وَ اَلثَّانِيَةُ يَقْرُبُ مِنْ رَحْمَةِ اَللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ.
وَ اَلثَّالِثَةُ قَدْ كَفَّرَ خَطِيئَةَ أَبِيهِ آدَمَ.
وَ اَلرَّابِعَةُ يُهَوِّنُ اَللَّهُ عَلَيْهِ سَكَرَاتِ اَلْمَوْتِ.
وَ اَلْخَامِسَةُ أَمَانٌ مِنَ اَلْجُوعِ وَ اَلْعَطَشِ يَوْمَ اَلْقِيَامَةِ.
وَ اَلسَّادِسَةُ يُطْعِمُهُ اَللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ مِنْ طَيِّبَاتِ اَلْجَنَّةِ.
وَ اَلسَّابِعَةُ يُعْطِيهِ اَللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ بَرَاءَةً مِنَ اَلنَّارِ»[10].
براءة من النّار و دخول الجنّة.
اللهمّ وفقنا لصيامه و قيامه و تعظيمه و اغتنامه، و الحمد لله ربّ العالمين، و صلّ اللهم على محمد و آله الطاهرين.
-
– نهج البلاغة، الشريف الرضي، خطبة 110 ↑
-
– تمام نهج البلاغة، السيد صادق الموسوي، ص ٣٢٧ ↑
-
– تمام نهج البلاغة، السيد صادق الموسوي، ص ٩٩٥ ↑
-
– المحاسن، البرقي، ج1، ص289 ↑
-
– الخصال، الصدوق، ص 45، وسائل الشیعة، الحر العاملي، ج10، ص403 ↑
-
-الأمالی ، الصدوق، ص93 ↑
-
– الکافي ، الكليني، ج4، ص62 ، عن الإمام الصادق عليه السلام عن آبائه عليهم السلام أنّ النبي صلى الله عليه و آله قال لأصحابه «أَ لاَ أُخْبِرُكُمْ بِشَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ فَعَلْتُمُوهُ تَبَاعَدَ اَلشَّيْطَانُ مِنْكُمْ كَمَا تَبَاعَدَ اَلْمَشْرِقُ مِنَ اَلْمَغْرِبِ قَالُوا بَلَى قَالَ اَلصَّوْمُ يُسَوِّدُ وَجْهَهُ وَ اَلصَّدَقَةُ تَكْسِرُ ظَهْرَهُ وَ اَلْحُبُّ فِي اَللَّهِ وَ اَلْمُوَازَرَةُ عَلَى اَلْعَمَلِ اَلصَّالِحِ يَقْطَعُ دَابِرَهُ وَ اَلاِسْتِغْفَارُ يَقْطَعُ وَتِينَهُ وَ لِكُلِّ شَيْءٍ زَكَاةٌ وَ زَكَاةُ اَلْأَبْدَانِ اَلصِّيَامُ». ↑
-
– الخصال، الصدوق، ص 45 ، وسائل الشیعة، الحر العاملي، ج10، ص403 ↑
-
– سورة البقرة، آية 184 ↑
-
– الخصال، الصدوق، ج2، ص346 ↑