محمد جواد الدمستانيمحمد جواد الدمستاني

Loading

تأثير الأموال على الرغبات

«المال مادة الشهوات»

محمد جواد الدمستاني

روي عن أمير المؤمنين عليه السلام قوله «المَالُ مَادَّةُ الشَّهَوَاتِ»[1].

مادَّة أي ما يكون مددا لغيره، فالماء النابع من الأرض له مادة يتصل بها و يستسقي منها، و الشهوات لها مادة، و هي المال.

و المال و الجمع أموال هو كلّ ما يملكه الأفراد أو الجماعات من متاعٍ: من سِّلع و أثاث و أداوات و طعام، أو عُروض تجارة، أو عقار، أو حيوان كالأنعام و غيرها، أو نقود من ذهب أو فضة، فلذا يحتاج عند الاطلاق إلى قرينة لتمييز المراد من كلمة المال.

أما الآن – في هذا الزمن – فالمال ينصرف إلى العملة الورقية أو الأوراق النقدية أكثر من المعاني الأخرى و أكثر من النقدين، هذه الأوراق التي كانت بديلا و حلّت محل النقود المعدنية أو الذهب و الفضة، و أنهت مشاكل كثيرة في تداولها و تخزينها و نقلها.

و المال بنفسه من الدينار أو الدرهم أو الذهب أو الفضة أو الممتلكات لا يتوجه إليه المدح أو القدح إذا كان مفصولا عن صاحبه، و إنما يتوجه ذلك إلى طريقة التصرف بالمال أو الأموال، وبالتالي المدح أو القدح يتوجه لصاحب المال، و أصحاب المال يتصرفون مع أموالهم بطرق متعددة، منهم من يتصرف بها بطريقة إيجابية مفيدة، و منهم من يتصرف بطريقة سلبية مضرة، فالمؤمنون الصادقون و أصحاب الدين يستخدمونه في التوسعة و الطاعة، و أهل المعاصي يستخدمونه في الفسق و المعصية.

و لكن طبيعة أغلب أفراد البشر حينما يجدون أنفسهم ممتلكين للأموال و أنّهم مستغنون و غير محتاجين كثيرا للآخرين يعمدون إلى الطغيان، و ينسلخون من عبودية الله، و ينحرفون عن الحق و العدل، «إِنَّ الْإِنسَانَ لَيَطْغَىٰ أَن رَّآهُ اسْتَغْنَىٰ»[2]، و يروى عن أمير المؤمنين عليه السلام «ثَرْوَةُ اَلْمَالِ تُطْغِي وَ تُرْدِي وَ تَفْنَى»[3].

و الشّهوات جمع الشّهوة أي ما يُشتَهَى من الملذّات المادية، قال تعالى «زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ»[4].

و اطلاق كلمة الشهوات في «المال مادة الشهوات» قد يشمل مطلق الشهوات و الرغبات و الغرائز، شهوة البطن و الفرج، الرغبة في السطوة و السيطرة، حب الجاه و المكانة و المنزلة، و حب التعالي و التباهي، التكبّر و التجبّر، و غير ذلك، و كلّ هذه تحتاج إلى اعداد أسباب و وسائل و تهيئة و مقدمات و المال سبب رئيسي لها.

فالمال يسبّب و يسهّل الحصول على المشتهيات و الملذات الدّنيويّة و الشهوات، و الشهوات تستمدّ و تستقى و تقوى بالمال و الثروة، فـ «الْمَالُ مَادَّةُ الشَّهَوَاتِ»، فهو أصل و عنصر رئيسي في تحقيق الشهوات و الرذائل، و من لا مال له يعجز عن تنفيذ رغباته و شهواته.

و الكلمة بها تنبيه و تحذير و من الاستكثار من المال لما يلزم من حصول الشهوات، و حتى الوصول للطغيان في بعض الحالات بل و كثيرها، فالمال فتنة و امتحان «إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ»[5]، و يروى عن أمير المؤمنين عليه السلام «اَلْمَالُ يُبْدِي جَوَاهِرَ اَلرِّجَالِ»[6].

و ليس في الحكمة ذم للمال أو لأصحاب مطلق المال، و كل إنسان لديه مال قلّ أو كثر و لا أقل ثيابه و طعامه و هو مما له مالية و إن صغرت، و لكن سياق الذم هنا لبيان حقيقة تأثير المال السلبي على الشهوات و الانحرافات، بل و أصل لها و مادة، فإن وُجد ذم فهو لصاحب المال مع تصرفه السفيه و السيئ به، و ذلك لغلبة المال على عموم أصحابه و جرهم إلى المعاصي، و في تمام نهج البلاغة «الْمَالُ مَادَّةُ الشَّهَوَاتِ، وَالدُّنْيَا مَحَلُّ الآفَاتِ»[7].

و إذا تم ملاحظة النّاس بدقة فإنّ بعض من أصحاب رؤوس الأموال الكبيرة عموما يختلفون في أوضاعهم النفسية و الاجتماعية و أعمالهم اليومية عن أصحاب الطبقات المالية الأقل حتى في مشيتهم و حركة الأيدي، فضلا عن صفاتهم النفسية و أعمالهم الخارجية و كلامهم الاستعلائي و غرورهم.

كما يُلاحظ في بعضهم أنّه يملك أموالَه و لا تملكه أموالُه، فيحسن التصرف بها، و لا تجره إلى المعاصي بل هو من يجذبها للطاعات، فهو من يتحكم بها و لا تتحكم به و لا تغيّر من حركاته و أعماله، فيكون هو نفسه و أمواله تحت السيطرة.

و روي عن أمير المؤمنين عليه السلام أيضا «أنّا يَعْسُوبُ المؤمنين و الْمَالُ يَعْسُوبُ الْفُجَّارِ»[8]، فعلي عليه السلام يعسوب المؤمنين و يعسوب الدّين و أمير المؤمنين، و أما المال فهو يعسوب و رئيس و كبير الفجّار و الفسّاق. و روي في حجة الوداع عن رسول الله صلى الله عليه و آله قوله «عليّ يَعْسُوبُ المؤمنين، و الْمَالُ يَعْسُوبُ الظالمين»[9]، و «أَنَا يَعْسُوبُ اَلْمُؤْمِنِينَ وَ اَلْمَالُ يَعْسُوبُ اَلظَّلَمَةِ»[10].

و في هذا المعنى من التأثيرات السلبية للأموال و الرغبات روي عن أمير المؤمنين عليه السلام «حُبُّ المالِ سَبَبُ الفِتَنِ، حُبُّ الرئاسة أصل المحن»[11]، و حبّ الرئاسة مثال للرغبات و الشهوات.

وكذلك روي عنه عليه السلام أنّه قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله «إن الدينار و الدرهم أهلكا من كان قبلكم و هما مهلكاكم»[12].

  1. – نهج البلاغة – حكمة 58

  2. – سورة العلق، آية 6

  3. – عيون الحكم والمواعظ، علي بن محمد الليثي الواسطي، ص ٢١٧، غرر الحكم ودرر الكلم، عبد الواحد الآمدى التميمي، ص ٣٣٤ (ثروة المال تردى وتفنى)

  4. – آل عمران، آية 14

  5. – سورة التغابن، آية 15

  6. – غرر الحكم ودرر الكلم، عبد الواحد الآمدى التميمي، ص ٦٢ ، عيون الحكم والمواعظ، علي بن محمد الليثي الواسطي، ص ١٨

  7. – تمام نهج البلاغة، السيد صادق الموسوي، ص ١٦٢

  8. – ربيع الأبرار ونصوص الأخبار، الزمخشري ، ج ٥ ، ص ٩٠، غرر الحكم ودرر الكلم، عبد الواحد الآمدى التميمي، ص ٢٦٢، عيون الحكم والمواعظ، علي بن محمد الليثي الواسطي، ص ١٦٥

  9. – الأمالي، الشيخ الطوسي، ص ٥٢١

  10. – مسند أبي بصير، أبي بصير، ج١، ص١٦٣، الخصال، الشيخ الصدوق، ص ٦٤٧، معاني الأخبار، الشيخ الصدوق، ص ٤٠٨، معرفة الصحابة، أبي نعيم الأصبهاني، ج١، ص ١٠٣

  11. – عيون الحكم والمواعظ، علي بن محمد الليثي الواسطي، ص ٢٣١

  12. – من لا یحضره الفقیه، الصدوق، ج4، ص352

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *