![]()
ألا إنّ مثل آل محمد (ص) كمثل نجوم السماء
آل محمد (ص) نجوم الهداية الزاهرة و الدائمة و الأمان للأمم
محمد جواد الدمستاني
بيان لمنزلة و عظمة آل محمد صلوات الله و سلامه عليهم قال أمير المؤمنين عليه السلام في نهج البلاغة: «أَلَا إِنَّ مَثَلَ آلِ مُحَمَّدٍ (صلى الله عليه وآله) كَمَثَلِ نُجُومِ السَّمَاءِ إِذَا خَوَى نَجْمٌ طَلَعَ نَجْمٌ فَكَأَنَّكُمْ قَدْ تَكَامَلَتْ مِنَ اللَّهِ فِيكُمُ الصَّنَائِعُ وَ أَرَاكُمْ مَا كُنْتُمْ تَأْمُلُونَ»[1]، و الكلمة جزء من خطبة لأمير المؤمنين (ع) يتحدث فيها عن رسول اللّه (صلّى الله عليه و آله) و أهل بيته (عليهم السلام).
و تمثيل آل محمد (ص) بالنجوم تكرّر في أحاديثهم (ع)، و في رواية للنبيّ (ص): «…و مَثَلُكُم مَثَلُ النُّجومِ، كُلَّما غابَ نَجمٌ طَلَعَ نَجمٌ إلى يَومِ القِيامَةِ»[2].
و نجوم السماء تهدي النّاس على الأرض فإذا ضلّ أو جهل السالكون أو السائرون الطريق في الليل اهتدوا بنجوم السماء، قال تعالى: «وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ»[3]، بإضاءتها، وانتظامها و مواقعها، فيستدلون بوضعها على مكانهم و موقعهم في الأرض و الاتجاهات و القبلة، و على أجزاء و ساعات الليل، قال تعالى: «وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ»[4].
و كذلك آل محمد (ع) منبع الهداية و هداة الأمم، فالنّاس يجهلون و يفتقرون إلى أعلام هداية إلى الله طاهرين يهدونهم و يبعدونهم عن الضلال و الظلمات، و الهداة هم حجج الله على خلقه، آل محمد صلوات الله عليهم، أهل بيت النبوة، و موضع الرسالة، و هم هداة الأمة و أئمتها و مرجعيتها، و في نهج البلاغة «بِنَا اهْتَدَيْتُمْ فِي الظَّلْمَاءِ»[5]، و مع اتّباعهم تحصل الهداية، و عند الانحراف عنهم و عدم الأخذ منهم و عدم اعتمادهم أئمة هداة و مرجعية للأمة سيؤدي إلى التخبط في الظلمات و الضلال و الضياع في الأمة.
فالهداية هي أحد وجوه التمثيل بين أهل البيت عليهم السلام و النجوم حيث يهتدي النّاس بهم كما يهتدون بالنجوم، و من وجوه التمثيل بينهم (ع):
الإضاءة و الإنارة حيث تضيء النجوم الأرض و يضيء أهل البيت للناس في الأرض، يخرجونهم من الظلمات إلى النور، يبيّنون لهم الحقائق.
و الأمان فالنجوم أمان للأرض، و وجود أهل البيت أمان لأهل الأرض و النّاس فيها و الرواية عن النبي (ص) في فضائل أهل البيت (ع) لأحمد بن حنبل «قال رسول اللَّه صلى الله عليه [و آله] و سلم: النجوم أمان لأهل السماء، إذا ذهبت النجوم ذهب أهل السماء، و أهل بيتي أمان لأهل الأرض فإذا ذهب أهل بيتي ذهب أهل الأرض»[6].
و مثل النجوم في ارتفاعها و علّوها أهل البيت (ع) في الرفعة المختصة بهم (ع) و المنزلة العظيمة التّي اختارها الله تعالى لهم لا يشاركهم غيرهم فيها.
و في دعاء الندبة الذي يستحب قراءته في أيام الجمعة و الأعياد، قال (ع): «أينَ الشُّموسُ الطّالِعَةُ؟ أينَ الأَقمارُ المُنيرَةُ؟ أينَ الأَنجُمُ الزّاهِرَةُ؟ أينَ أعلامُ الدّينِ وقَواعِدُ العِلمِ؟»[7].
و مثل سرور الناظر إلى نجوم السماء و جمال النجوم سرور الناظر إلى نجوم الولاية، بل أنّ السماع بأسمائهم أو أحاديثهم (ع) تبعث في نفس المحبين حالة من السرور و الابتهاج و السكينة و الطمأنينة.
و الاستمرار و الدوام فكلما خوى نجم و مال للمغيب طلع نجم، و كلما ارتحل إمام من أئمة أهل البيت (ع) قام إمام آخر، فهم الأدلاء علي الدين، حجج الله و لا تخلوا الأرض من حجّة، و قال الإمام (ع): «فإِذَا خَوَى نَجْمٌ طَلَعَ نَجْمٌ فَكَأَنَّكُمْ قَدْ تَكَامَلَتْ مِنَ اللَّهِ فِيكُمُ الصَّنَائِعُ وَ أَرَاكُمْ مَا كُنْتُمْ تَأْمُلُونَ».
لا تنقطع الأرض من حجة منهم، يقوم إمام بعد إمام، و بشّرهم أنّه قد تكاملت فيكم يا آل محمد الصنائع و أراكم الله ما كنتم تأملون من الفرج و النصر بظهور القائم من آل محمد (عجّل الله تعالى فرجه الشريف)، فاستمرار الهداية من خلال آل البيت (ع) دون انقطاع، و روى الشيخ في الغيبة جوابا من الإمام الحجة على كتاب إلى جماعة قالوا إنّ أبا محمّد عليه السّلام مضى و لا خلف له، و فيه: «أَ وَ مَا رَأَيْتُمْ كَيْفَ جَعَلَ اَللَّهُ لَكُمْ مَعَاقِلَ تَأْوُونَ إِلَيْهَا، وَ أَعْلاَماً تَهْتَدُونَ بِهَا مِنْ لَدُنْ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ إِلَى أَنْ ظَهَرَ اَلْمَاضِي عَلَيْهِ السَّلاَمُ، كُلَّمَا غَابَ عَلَمٌ بَدَا عَلَمٌ وَ إِذَا أَفَلَ نَجْمٌ طَلَعَ نَجْمٌ، فَلَمَّا قَبَضَهُ اَللَّهُ إِلَيْهِ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اَللَّهَ تَعَالَى أَبْطَلَ دِينَهُ وَ قَطَعَ اَلسَّبَبَ بَيْنَهُ وَ بَيْنَ خَلْقِهِ، كَلاَّ مَا كَانَ ذَلِكَ وَ لاَ يَكُونُ حَتَّى تَقُومَ اَلسَّاعَةُ وَ يَظْهَرَ أَمْرُ اَللَّهِ سُبْحَانَهُ وَ هُمْ كَارِهُونَ»[8].
و روي عن الإمام الباقر (ع) قال: «إِذَا قَامَ قَائِمُنَا وَضَعَ اَللَّهُ يَدَهُ عَلَى رُءُوسِ اَلْعِبَادِ فَجَمَعَ بِهَا عُقُولَهُمْ وَ كَمَلَتْ بِهِ أَحْلاَمُهُمْ»[9].
و في نهج البلاغة «اللَّهُمَّ بَلَى لَا تَخْلُو الْأَرْضُ مِنْ قَائِمٍ لِلَّهِ بِحُجَّةٍ إِمَّا ظَاهِراً مَشْهُوراً وَ إِمَّا خَائِفاً مَغْمُوراً لِئَلَّا تَبْطُلَ حُجَجُ اللَّهِ وَ بَيِّنَاتُهُ»[10].
و هذه من روايات فضائل أهل البيت عليهم السلام و بيان منزلتهم و عظمتهم، و أنّهم الهداة المهديين و سفن النجاة فمن تخلف عنهم ضلّ و غرق، و من روايات منزلتهم قول رسول الله (ص) إلى أمير المؤمنين (ع) «مَثَلُكَ وَ مَثَلُ اَلْأَئِمَّةِ مِنْ وُلْدِكَ بَعْدِي مَثَلُ سَفِينَةِ نُوحٍ مَنْ رَكِبَهَا نَجَا وَ مَنْ تَخَلَّفَ عَنْهَا غَرِقَ»[11].
و قال الإمام (ع) في نفس الخطبة في نهج البلاغة: «وَ نَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ غَيْرُهُ، وَ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَ رَسُولُهُ، أَرْسَلَهُ بِأَمْرِهِ صَادِعاً، وَ بِذِكْرِهِ نَاطِقاً، فَأَدَّى أَمِيناً وَ مَضَى رَشِيداً، وَ خَلَّفَ فِينَا رَايَةَ الْحَقِّ مَنْ تَقَدَّمَهَا مَرَقَ وَ مَنْ تَخَلَّفَ عَنْهَا زَهَقَ وَ مَنْ لَزِمَهَا لَحِقَ»[12].
و قال عليه السلام: «لَا يُقَاسُ بِآلِ مُحَمَّدٍ (صلى الله عليه وآله) مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ أَحَدٌ، وَ لَا يُسَوَّى بِهِمْ مَنْ جَرَتْ نِعْمَتُهُمْ عَلَيْهِ أَبَداً، هُمْ أَسَاسُ الدِّينِ وَ عِمَادُ الْيَقِينِ إِلَيْهِمْ يَفِيءُ الْغَالِي وَ بِهِمْ يُلْحَقُ التَّالِي، وَ لَهُمْ خَصَائِصُ حَقِّ الْوِلَايَةِ وَ فِيهِمُ الْوَصِيَّةُ وَ الْوِرَاثَةُ»[13].
و ذكر القرآن مقاماتهم و منازلهم و عظمتهم في آياته، و منها:
قد طهّرهم تطهيرا في قوله تعالى: «إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً»[14].
و أوجب لهم المودة كما في قوله: «قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى»[15].
و هذا المعنى من المقام و العظمة لهم (ع) مترسخ عند محبيهم و شيعتهم ففي الشعر العربي ذكر لأهل البيت عليهم السلام بالنجوم، و أنشد دعبل:
أفاطمُ قومي يا آبنة الخير و انـــــدُبي نجـــوم سماوات ٍ بـــــأرض فـلاة
و الشريف الرضي في قصيدة كربلا، لا زلت كربا و بلا:
و وجوها كالمصابيح فمن قمر غاب و نجم قد هوى
و الآيات و الروايات و أحاديث النبي في فضل أهل البيت (ع) و بيان مقامهم كثيرة، و هي توجب اتّباعهم و الأخذ منهم و عدم الانحراف عنهم، فهم أصل الهداية في الأرض كما هي هداية النجوم في السماء، و هم حجج الله و سفن النجاة.
و الحمد لله ربّ العالمين و صلّ اللهم على محمد وآله الطاهرين.
-
– نهج البلاغة، خطبة 100 ↑
-
– فضائل أمير المؤمنين (ع)، ابن عقدة الكوفي، ص٤٤، الأمالي، الشيخ الصدوق، ص٣٤٢، كمال الدين وتمام النعمة، الشيخ الصدوق، ص٢٤١ ↑
-
– سورة النحل، آية 16 ↑
-
– سورة الأنعام، آية 97 ↑
-
– نهج البلاغة، خطبة 4 ↑
-
– فضائل أهل البيت ( ع ) من كتاب فضائل الصحابة، الإمام أحمد بن حنبل، ص ١٨١ ↑
-
– المزار الکبير، ابن المشهدي، ص573، إقبال الأعمال، اين طاووس، ج1، ص295 ↑
-
– الغيبة، الطوسی، ص 285، الاحتجاج، الطبرسي، ج2، ص466 ↑
-
– الکافي، الشيخ الكليني، ج1، ص 25، كمال الدين، الشيخ الصدوق، ج2، ص675 ↑
-
– نهج البلاغة، حكمة 147 ↑
-
– فضائل أمير المؤمنين ( ع )، ابن عقدة الكوفي، ص ٤٤،كمال الدين، الشيخ الصدوق، ص241 ↑
-
– نهج البلاغة، خطبة 100 ↑
-
– نهج البلاغة، خطبة 2 ↑
-
– سورة الأحزاب، آية 33 ↑
-
– سورة النساء، آية 62 ↑
