تسونامي الديمقراطيه
كثيرآ ما تكون الظواهر المفاجأه مصدر قلق للفرد والمجتمع , بغض النظر عن جنس هذه الظاهره , سواء كانت هذه الظواهر طبيعيه أم أجتماعيه , خاصه عندما لم يألفها المجتمع من قبل ,فهي لا شك تسبب الكثير من الأرباك والخلل, مسببآ ردود أفعال غير متوازنه , يعتريها الكثير من التخبط واللانظام. على سبيل المثال ان من يتعرض الى التيه في الصحراء , لاشك سوف يقوده الى حاله من الأعياء الشديد نتيجه لفقدان السوائل , وعندما يحالفه الحظ ويجد من ينقذ حياته وهو بالرمق الأخير , نرى هذا المنقذ وخاصه اذا كان لديه الخبره الجيده, لايعطيه الماء الكثير , بل يقطر له الماء تقطيرآ , لأن عكس ذلك سوف يعرضه للهلاك , لا لأنه بخيلآ بما لديه من الماء بل لأن الماء الكثير يمثل خطرآ حقيقيآ على حياة المنقوذ , ولكي يعطي فرصه تتكيف فيه خلايا الجسم تدريجيآ. هذا من ناحيه ولو أخذنا الموضوع من الناحيه الأجتماعيه ومثله من أكتسب المال بطريقه سريعه وهذا مايحدث اليوم في واقعنا العراقي , فترى هذا المال يتحول الى وبال عليه وعلى عائلته لأنه لم يكن مستعدآ له في كيفية التعامل ,فيصاب بما يسمى بالشخصيه الأنتفاخيه والتي تفقده الكثير من التوازن والذي يعرضه الى الكثير من المشاكل والتداعيات والتي قد تعيده الى حاله أسوء من حالته قبل أقناءه للمال , وهناك الكثير من المشاهد التي لا تخفى على القارئ الكريم ممن أصابهم تسونامي مالي مما أفقدهم صوابهم فسقطوا في غياهبه غرقى .
كذلك تنسحب الحاله الى أناس تعرضت بلادهم الى تطورات سياسيه كبيره مما دفعت بهم الأقدار للهجره بعيدآ عن أوطانهم وخاصه الدول الأوربيه, فتراهم أو أبنائهم أكثر من يسئ التصرف في شوارع أوربا , وأكثر من يتصرف وبشكل شاذ في علاقاتهم العامه لأنهم لم يستوعبوا الحاله الجديده ولم يكونوا مستعدين للتكيف معها لأنها حاله طارئه عليهم , فحينها يفقد الأنسان توازنه مما يوقعه في حاله دورانيه يفقد من خلالها صوابه, ولكني وقبل أن أغادر مقدمتي هذه , أحببت التطرق الى ظاهرة العبيد وكيف عالجها الأسلام بطريقه حكيمه والذي ابعد فيها المجتمع من التعرض الى هزات عنيفه لا تخلوا من كثير من الآلام ,لو لم تعالج برؤى حكيمه بعيده عن الأرتجال والتهور. فمثلآ عالج الأسلام مسألة العبيد بطرق كثيره ولكنها تعتمد أستراتيجية التدرج وهو المقصود بهذا المثل.ومن المفيد أن نذكر هذه الأسباب التي أعتمدها الأسلام هي:
*أنه لو حرم الرق دفعه واحده وبشكل مفاجئ فأن الحياة ستصاب بالشلل والجمود, وأن الحياة الأقتصاديه ستتعطل بل وتموت ,مما يؤدي الى كارثه أقتصاديه كبيره.
*لو حرم الأسلام الرقيق دفعه واحده لكان معنى ذلك أنه أستثار الرقيق ضد مالكيهم وفجر براكين من الحقد لا يستحقها أسيادهم , وحينها سوف ينطبق عليهم ما قاله الأمام علي (ع) (أستأثروا فأساءوا الأستئثار وجزعتم فأسئتم الجزع)و هذا ما يقود الى مآسي ومضاعفات مرعبه يحرص الأسلام على عدم حصولها والذي تقود نتيجته الى ثورات غير منضبطه تقود الى حاله من الأنهيار والفوضى الأجتماعيه , والتي من أول مظاهرها فقدان الأمان الشخصي والأجتماعي وهي حاله لا تنال رضى أحد بل لعل الكثير من يفضل عليها الدكتاتوريه.
هذه العوامل هي التي جعلت من الأسلام أن يعالج مسألة الرق بأسلوب علمي بعيد عن الأرتجال , وذلك لما يترشح منه من مضاعفات لا تحمد عقباه., وهكذا يمكن النظر الى الأمور الحياتيه الأخرى والتي تدخل بأسلوب يداهم المجتمع على عجل مما يشكل ظواهر شاذه بالمجتمع تؤدي الى أرباكه بل يؤدي الى تشوهات خطيره فيه, ومنها على سبيل المثال , دخول خدمة الأنترنيت المفاجئ , والأنفتاح المفاجئ على العالم مما أدى الى صدمه أجتماعيه بل اهتزاز في المجتمع العراقي, والذي من مظاهره الآن هو التصادم القيمي والأرتباك الأجتماعي , حيث تعرض الكثير منها للأهتزاز والتصدع , وما أمراض السكر والضغط عند الكبار الا نتيجه طبيعيه لهذا الأهتزاز الأجتماعي الغير محتمل منهم , وهي حاله لايتمكن الكبار من التكيف عليها لسرعة هجومها على الواقع وبدون انذار مسبق كما يقال عادتآ.
أنه تسونامي مرعب حل على مجتمعنا , ومن منافذ لم نعهدها ولا قبل لنا فيها , فما كان منه الا فيضان من القيم الغربيه والدخيله علينا .
كل هذا مجرد مقدمه لمساله أردت طرحها الا وهو هبوب الديمقراطيه الشديد والمفاجئ على مجتمعنا والذي أدى الى حاله من التشرذم للكيان الأجتماعي , وهذا يمثل تهديد خطير للبنيه الأجتماعيه للمجتمع مما يعرضه لخطر الأنهيار والذي من مخلفاته أهتزاز الكثير من الثوابت والرؤى والتي من مظاهرها التمزق السياسي والأجتماعي والتي لا شك تقود البلد في نفق مظلم لا يعلم نهايته الا الله, وها نحن نعيش مرحله خطره من تداعياته.
بأختصار أني أخشى على بلدي من هذه الوصفه الديمقراطيه والتي دس فيها السم بالعسل حيث نزلت علينا من فوق , والتي وضعت البلد على كف عفريت .
أن هذه الوصفه الديمقراطيه , وبهذا اللون والطعم يمثل كيكه حلوة المذاق لبعض أطراف العمليه السياسيه اليوم , وهم معروفون اليوم من خلال سلوكياتهم المشبوه ,والذين يؤسسوا الى نوع ديمقراطي وفيدرالي لا وجود له في عالم اليوم , واتونا بنموذج لا عهد لنظريات السياسه بها . أنه نموذج مشوه من اليمقراطيه. أنها ديمقراطيه تؤدي الى تشتيت شعب وتمزيق بلد ,ليستبدل به , دويلات يحكمها أقطاعي المال السياسي , لاغين لحضاره عمرها آلاف السنين.
نحن لسنا مع هذه الديمقراطيه التي تعطي لأقليم كردستان ما يشاء ومتى يشاء , ويعقد العقود مع من يشاء , بدون علم الحكومه المركزيه, وكذلك لرئيس برلمان يتنقل كما يشاء ويصرح كما يشاء ,بدون أن يراعي حرمة بلد ولا كرامة شعب, وهكذا كل تصرف لا يحترم مركز الدوله وممثلها الشرعي.
بأختصار ان الديمقراطيه لا يمكن ان تجد لها طريقآ الى التطبيق الا بعد أن تروض لها الأذهان,لتستقر في عقولهم وتستريح لها نفوسهم لأن الفشل لا سامح الله في هذه الفتره الأنتقاليه يمكن أن يعود الى ديكتاتوريه أشد فتكآ من السابق , بل وأكثر تقنينآ,أن سوء الأستخدام أو بالأحرى الأستخدام المشوه للديمقراطيه ,سوف يخلق بيئه مرحبه بدكتاتوريه جديده, لأنه اليمقراطيه المنفلته كالمرأه اللعوب ,التي خرجت عن كل القيم الأخلاقيه وتنقلت بين أكناف الرجال بلا واعز ولا أصول وحين شعرت بالعبث وعدم الأمان في حياة المجون تراه تنزع لاجئه الى من يوفر لها الأستقرار والطمأنينه من غوائل الزمن , مهما كان هذا الراعي لها لأن ما يكون منه أفضل مما كان لها.
أياد الزهيري