محمد جواد الدمستانيمحمد جواد الدمستاني

Loading

موقف الحكومة الإسلامية من المعارضة فيها

على ضوء حكومة أمير المؤمنين

الإمام علي (عليه السلام)

محمد جواد الدمستاني

قبل الدخول في الموضوع نذكر نقطتين مهمتين لهما علاقة بالموضوع :

الأولى : إنّ عليا عليه السلام هو الحاكم الشرعي بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقد أوصى رسول الله إليه، و ركز عليه  في مواطن عديدة ، و يمكن الاستناد في ذلك إلى كم من الروايات  كقول رسول الله (ص) في حديث الدار : إنّ هذا أخي ووصيي وخليفتي فيكم، فاسمعوا له وأطيعوا (1)، و حديث المنزلة : أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا انه لا نبي بعدي  (2) ، وحديث الثقلين و حديث السفينة ، و حديث الغدير ، و أحاديث أخرى كأقضاكم علي ، أعلمكم علي ، علي مع الحق و الحق مع علي، …… إلى غيرها من الروايات.

الثانية : إنّ عليا – و هو الإمام المعصوم المسدد من الله تعالى- يمثل المعارض المخلص في حكومات من سبقوه بعد رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم و كانوا أقل كفاءة منه باتفاق غالب المؤرخين إن لم يكن كلهم. و عمليا يكسب هذا الموقع صاحبه زيادة خبرة  في كيفية التعامل مع المعارضين حين استلام الحكم ، إلا أنه عليه السلام كان يقدم المصلحة الإسلامية العليا و الحفاظ على الدولة الإسلامية على حقه في الخلافة ، قال (ع):  ” لقد علمتم أني أحق الناس بها من غيري ، و الله لأسلمن ما سلمت أمور المسلمين و لم يكن فيها جور إلا علي خاصة التماسا لأجر ذلك و فضله ، و زهدا فيما تنافستموه  من  زخرفه  و زبرجه ” (3).

لقد حدثت عدة أنواع من المعارضات في خلافة الإمام علي عليه السلام  ابتداء من جماعة الجمل و هم مجموعة أشخاص بارزين في المجتمع الإسلامي و صحابة عاشوا عهد رسول الله (ص) وخرجوا  بحركة عنف مسلحة و استولوا على البصرة و احتلوا الأرض و نهبوا  أهم  مؤسسة  رسمية للحكومة المركزية في البصرة  وهي بيت مال المسلمين  و سفكوا الدماء.

ويمثل معاوية نوع آخر من المعارضة  و تعتبر حركة انفصالية  تقدم مصالحها الشخصية  وإن كان على حساب وحدة الأرض و الشعب و تطالب بالحكم بأي ثمن و إن مر عبر قتل عشرات الآلاف من المسلمين وتعتمد على المراوغات و الخداع  والأكاذيب و الدجل ، و قام بإنشاء حكومة ذاتية مستقلة عن الحكومة الأم.

ومجموعة الخوارج أو الحرورية وهم يمثلون جماعة أو حزب مسلح انسلخ عن جيش الدولة و رفض الانصياع لقانونها و أصبحت له رؤية و قراءة مختلفة عن رؤية الدولة الإسلامية الرئيسية و رجالها  ثم قام بسفك دماء المسلمين.

و مجموعات أخرى معارضة كالذين عارضوه و لم يبايعوه في خلافته وهم مجموعة من الأشخاص البارزين ، ومجموعة بني ناجية المسلحة التي خرجت عن قرارات الدولة الإسلامية ، والمجموعات  المسلحة المبعوثة من  معاوية لشن حرب الغارات على أطراف الدولة الإسلامية  دون عاصمتها الكوفة للتخريب و التدمير.

يشير عدد من النصوص المروية عن أمير المؤمنين (ع)  إلى موقفه  بالسماح بالمعارضة السلمية بالتواجد و الحرية في التعبير في الدولة الإسلامية و لا توجد- والله العالم – خصوصية للنصوص لحصرها في موقف خاص أو جماعة خاصة ، ففي مسألة الخوارج التي بدأت بعد رجوع الجيش الإسلامي من صفين إلى الكوفة حيث تجمع الخوارج حتى كثروا ثم خرجوا إلى صحراء بالكوفة تسمى حروراء  و إليها نسبوا ثم رفعوا شعار “لا حكم إلا  لله و لو كره المشركون ، ألا أنّ عليا و معاوية أشركا في حكم الله ”  ، فقام  الإمام علي بتفحص الوضع و أرسل عبد الله  بن عباس لينظر في أمرهم ويكلمهم و عند رجوعه سأله الأمام عن  وضعهم و إن كانوا منافقين فقال  ابن عباس : إنّ سيماهم ليست بسيماء منافقين و أنّ أثر السجود بين أعينهم وهم يتأولون القرآن ، فقال عليه السلام : ” دعوهم مالم  يسفكوا  دما أو يغصبوا مالا”(4).

فقد أوضح الإمام عليه السلام أنهم مواطنون أحرار في الدولة الإسلامية و لا تجوز مضايقتهم أو قتالهم و إن كانوا يحملون و جهة نظر و آراء مختلفة عن رؤية الحكومة المركزية ماداموا لم يسفكوا الدم و لاينالوا المحرمات ، فهم آمنون على أنفسهم و أموالهم وينالون حقوقهم كاملة ، و لا يمنعون من دخول مساجد الله – أو مؤسسات الدولة- و لا يُستفزون أو يُضايقون ففي موضع آخر قال عليه السلام: “إنّا لا نمنعهم الفيء و لانحول بينهم و بين دخول مساجد الله و لا نهيجهم مالم يسفكوا  دما  و مالم ينالوا محرما”(5) ، و قد ترك حركة الجمل في البصرة و معاوية في الشام حينما كانتا حركتيهما سلميتين ، و هم كأشخاص و كجماعة لهم الحق في إبداء آرائهم و الحق في الحياة الكريمة في وطنهم الإسلامي بكامل حقوقهم و يمارسون عبادتهم في المساجد و تقسم عليهم حقوقهم المالية بلا أية نقص و لهم  حقوقهم كاملة ، و باب الحوار و  المحادثات  مفتوح معهم ، و قد قال عليه السلام عندما سمعهم يقولون  لاحكم إلا لله  : “كلمة حق يراد بها باطل ، لكم عندنا ثلاث خصال لا نمنعكم مساجد الله أن تصلّوا فيها ، و لانمنعكم الفيء  ما كانت أيديكم في أيدينا و لا نبدؤكم بحرب حتى تبدؤنا به “(6).

الحقوق المالية أو المخصصات  محفوظة للمخالفين أو المستحقين منهم إذا كانوا متحدين مع الدولة الإسلامية و حكومتها المركزية رافضين للعنف المسلح ، و في حالة أنهم لا يشكلون مظهر اختلال و إرباك  للمجتمع و الدولة الإسلامية مع حرمة و منع  استخدام العنف و القمع ضدهم ، وليس هناك من مبرر لقتالهم ما دامت حركتهم سلمية ، لا تتخذ من العنف و سيلة  لتحصيل أهدافها ، وقد منع الإمام عليه السلام العطاء المالي لمن لا يستحقون وهم الذين رفضوا مبايعته و القتال في حربه وهم ستة أشخاص.

و الدولة الإسلامية ملزمة بقتال المعارضين و المخالفين إذا بدؤوا هم بالقتال ، و ملزمة بالتناظر و التحاور معهم قبله و بسط بساط الحوار، قال عليه السلام ” فإن سكتوا تركناهم ، أو قال عذرناهم ، و إن تكلموا حججناهم ، و إن خرجوا علينا قاتلناهم”(7).

و عندما قام الخوارج بالإفساد في الأرض و الترويع وقتل الأبرياء و النساء دون حق وهددوا الدولة الإسلامية بأعمال إجرامية في أوساط المجتمع المسلم ثم بدؤوا بقتال الجيش الإسلامي قاتلهم الإمام ، ولكنه عليه السلام قام في كل حروبه أيام خلافته بتقديم الحوار و الحل السلمي  و طلب تقديم مرتكبي القتل إلى الحاكم الشرعي و الكف عن الاستمرار في الغي  و الخروج عن قانون الدولة الإسلامي ، و لكن ثلثهم  لم يستوعب  نصائحه و وصاياه  و أصرّوا على الخروج عن سلطة الدولة  فوجب قتالهم  وقد ترك من تاب و رجع منهم سالما دون أذى(8).

كان موقف الإمام عليه السلام الواضح و المهم هو تقديم الحوار و الحل السلمي على الحرب و شهد له التاريخ  بمحاولات حثيثة و كثيرة  لتفادي  الحرب في حروبه في الجمل في البصرة و صفين  بصفين و الخوارج   بالنهروان  ،  فلم يقاتل طلحة و الزبير و عائشة عندما تجمعوا بمكة و نكثوا البيعة إلا بعد أن سفكوا  الدماء في البصرة و أفسدوا في الأرض و احتلوا جهاز الدولة بيت مال المسلمين وقتل حراسه و تعذيب الوالي على البصرة بن حنيف وقد صرّح عليه السلام أنه لن يتعرض لهم إلا إذا فرّقوا وحدة المسلمين وتعرضوا لنظامهم وحقوقهم المالية “إنّ هؤلاء قد تمالئوا على سخطة إمارتي و سأصبر مالم أخف على جماعتكم ، فأنهم إن تمموا على فيالة هذا الرأي أنقطع نظام المسلمين”(9) ، و هكذا في صفين.

ولم يقاتل مجموعة الخريت بن راشد وجماعته بني ناجية إلا بعد قيامهم بالإفساد و القتل و كذلك معاوية و زمرته.

————————————————————–

(1) –  راجع : تاريخ الطبري: 2/319 ـ 321 ط دار المعارف بمصر، الكامل في التاريخ لابن الأثير الشافعي: 2/62 و63 ط دار صادر في بيروت، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 13/210 و244

(2) – راجع : صحيح البخاري ك المغازي ب غزوة تبوك: 5/129 ط دار الفكر ، صحيح مسلم ك الفضائل ب من فضائل علي بن أبي طالب: 2/360 ط عيسيى الحلبي ، صحيح الترمذي: 5/301 ح3808 ، مسند أحمد بن حنبل: 3/50 ح1490

(3) – نهج البلاغة , خطبة 73  وجاء قي الخطبة الشقشقية” لولا حضور الحاضر و قيام الحجة بوجود الناصر،و ما أخذ الله‏ على العلماء أن لا يقاروا  على كظة  ظالم و لا سغب مظلوم،لألقيت حبلها على ‏غاربها ، و لسقيت آخرها بكأس أولها، و لألفيتم دنياكم هذه أزهد عندي من‏ عفطة  عنز” . نهج البلاغة , الخطبة 3 .

(4) – مستدرك نهج البلاغة ج 2ص 315  .

(5) – أنساب الأشراف , البلاذري , ج2ص 359 .

(6) – مستدرك نهج البلاغة ج2 ص342 .

(7) – أنساب الأشراف , البلاذري. ج2 ص  352 والتردد من الراوي .

(8) – جاء في الروايات التاريخية أنه بعد حوار عبد الله بن عباس مع الخوارج  اقتنع و رجع ثلثيهم  و بقى الثلث على موقفه السابق وهم الذين قاتلهم الأمام .

(9) – نهج البلاغة خ 169  

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *