الحذر من الكلام على الآخرين
«من أسرع إلى النّاس بما يكرهون قالوا فيه بما لا يعلمون»
محمد جواد الدمستاني
إذا أراد الإنسان أن يحمي نفسه من كلام الآخرين فلابد له أن يمتنع من الكلام عنهم بما يكرهون فإنّ «مَنْ أَسْرَعَ إِلَى النَّاسِ بِمَا يَكْرَهُونَ قَالُوا فِيهِ بِمَا لَا يَعْلَمُونَ»[1]، كما في الرواية عن أمير المؤمنين عليه السلام في نهج البلاغة.
و النص في تمام نهج البلاغة «مَنْ أَسْرَعَ إِلَى النّاسِ بِمَا يَكْرَهُونَ قَالُوا فيهِ مَا لَا يَعْلَمُونَ، وَمَنْ تَتَبَّعَ مَسَاوِئَ الْعِبَادِ فَقَدْ نَحَلَهُمْ عِرْضَهُ»[2]، أي منحهم عرضه.
فمن تعجّل في النّاس بأقوال أو أفعال أو أخبار أو ذكر صفات لا يحبّونها، و بإظهار نواقصهم أو عيوبهم، و بكل ما يكرهون حقيقة كانت أو كذبا ملفقا فإنّ ردة الفعل عندهم أن يقولوا فِيه بما لا يعلمون و لا يعرفون، ردة الفعل هذه مدفوعة بغضب و مبالغة في الانتقام أو التشفي فيذكرون له عيوبا لا يعلمونها فيه أو نواقصا يجهلونها عنه أو افتراءات يختلقونها.
والغرض من الكلام هو دعوة و حث على ألا يتحدث الإنسان عمّا يكرهه الآخرون، و إذا فعل ذلك فإنّه سيضطر أن يسمع أكاذيب ضده و مبالغات و اتهامات هو بريء منها، و عليه ينبغي أن يضبط الإنسان لسانه و مشاعره و ملاحظاته في غير مواقعها، حتى يتجنب النتائج السلبية و ردود الأفعال.
أما إذا كان يبادر بإيذاء الناس أو مواجهتهم بما يكرهون من الكلام أو الأفعال، فإنهم سيردّون عليه، و قد يتحدثون عنه بما لا يعرفونه عنه، و ربما يظلمونه في أقوالهم، جزاءً له على إساءته لهم.
و بمعنى آخر فإنّ من يتسرع في معاملة الناس بسوء و أذى فإنّه يجلب على نفسه ألسنتهم، و ربما بالغوا في ذمّه أو اتهموه بأشياء ليست فيه فيقع الضرر عليه و هو في غنى عنه.
و هذا مشاهد في بعض الأفراد في المجتمع فإنّ من عاداتهم كثرة الكلام فيقعون في كثرة الأخطاء، و لا يتورعون من الكلام على الآخرين فتصلهم أسهمهم و تكثر عليهم بما لا يستطيعون ردّها لكثرتها بحق أو بباطل، فالأولى للعاقل أن يتجنب الكلام على النّاس و خاصة بما يكرهون، و يمتنع عن غيبتهم، و ينشغل بعيوب نفسه و تهذيبها فإذا فعل ذلك أخرس المغتابين و المرجفين و المهرجين.
و لا يشغل نفسه كثيرا بأقوال الآخرين بالكذب و الباطل فإنّه مهما فعل من أعمال صالحة و ترقى في مدارج الكمال و أخلص و اتّقى فلن يستطيع أن يمنع كلام الآخرين أو يرضيهم، و لم يسلم من ذلك الأنبياء و الأوصياء و هم المصطفون من الله سبحانه و تعالى، و ليسعى جاهدا لرضا الله سبحانه و تعالى، ثم لا يهمه ماذا يُقال و من قال.
و مثله أيضا يُروى عن الإمام زين العابدين (ع) في قوله: «مَن رَمَى الناسَ بما فيهِم، رَمَوهُ بما ليسَ فيهِ»[3]، أي من تكلم عن النّاس بسوء و اغتابهم و كشف عيوبهم فتح على نفسه بابا للانتقام المبالغ فيه و بأمور ليست فيه، فيكون هو الضحية بكلامه و كأنّه رمى نفسه و أذّى نفسه، فإنّ النّاس لا يحبون أن تكشف عيوبهم و خاصة أمام النّاس.
و إذا أراد الإنسان النصيحة و الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر و تعليم الجاهل فله طرقه و هي هدية يجب أن يفرح بها الموجّه إليه النصح و الملاحظات و لها طريقتها و شروطها و منه أن يكون الناصح بقلب محب و مخلص، و ألا تقال الملاحظات و النصائح علنا، و في هذا روايات.
و بالتفصيل الكلام بما يكرهه الناس يسبب لهم أذى و إِساءة و مضرّة و من طبائع الناس النفور عن الأذى، و بغض الموذي و عداوته و خصومته، و هو في غالب الناس يؤدي لرمي المتكلم بكلام صادق أو كاذب، بما فيه و بما ليس فيه، فينسبون إليه أمورا كثيرة، إما كردة فعل، أو تشفيا ، أو انتصارا لأنفسهم، أو ليوافقهم الآخرين و يوآزروهم و يناصروهم في دفع المتكلم و دفع أذاه و أذيته، و بالتالي «الكلام على النَّاسِ بِمَا يَكْرَهُونَ» يؤدي إلى خصومات و عداوات و زيادة الأعداء.
و الناس قد يتكلمون و يتحدثون بشكل سلبي في شخص ما، و هو أساسا مسالم و غير مؤذي و غير متعدي، فكيف إذا كان شخص متعدى على الآخرين و يجرحهم و يسمعهم مايكرهون حينها يتضاعف كلامهم و تكثر غيبتهم، و قد تلحقه إضافات من طعون و تعيير و شتم، قال الشاعر:
و منْ دعا النَّاسَ إلى ذمِّهِ ذمُّوهُ بالحقِّ و بالباطلِ
و الانشغال بالكلام أو بالأفعال ضد الآخرين أو النيل منهم يوقع في محذورات شرعية، و يولد ردود فعل قد تكون عنيفة وغير متوقعة، و إلى عداوات و كما يروى عن أمير المؤمنين (ع) «مَن عابَ عِيبَ، ومَن شَتَمَ أجِيبَ»، و المهم انشغال الإنسان بنفسه و بعيوبه و نواقصه و شوائبه، كما عن الإمام (ع) في نهج البلاغة «طُوبَى لِمَنْ شَغَلَهُ عَيْبُهُ عَنْ عُيُوبِ النَّاسِ»، و عنه (ع) «أي بُنَيَّ، مَن أبصَرَ عَيبَ نَفسِهِ شُغِلَ عَن عَيبِ غَيرِه»[4]، و عن الإمام الصادق (ع) : «لا تَغتَبْ فتُغتَبُ، و لا تَحفِرْ لِأخِيكَ حُفرَةً فَتَقَعَ فيها، فإنَّكَ كما تَدينُ تُدانُ»[5]، فالأولى و الأجدر إصلاح الإنسان نفسه و رفع عيوبه و التخلص من نواقصه، و هي المهمة الصعبة التي ينبغي التركيز عليها و التذكير بها و الجدّ فيها، و هي تهذيب و إصلاح النفس.
و التعاليم الإسلامية تدعو إلى احترام الآخرين و حفظ حقوقهم و عدم التعدي عليهم و لو بالكلام و في الرواية عن النبي (ص): «إذا نَسَبَكَ رجُلٌ بما يَعلَمُ مِنكَ فلا تَنسِبْهُ بماتَعلمُ مِنهُ، فيكونَ أجرُ ذلكَ لكَ و وَبالُهُ علَيهِ»[6]، و أمير المؤمنين (ع): «اصْحَبِ النَّاسَ بِمَا تُحِبُّ أَنْ يَصْحَبُوكَ تَأْمَنْهُمْ وَ يَأْمَنُوكَ»[7].
و يحفظ الإنسان نفسه بحفظ حقوق الغير فإن انتهكها انتهكت حقوقه، فكأنّه يعطي الآخرين فرصة أو إجازة في التعرض و الإساءة إليه و الكلام عليه بسوء فيجلب على نفسه سياط ألسنتهم، فتتسع نوبتهم في الردّ و الذم و الاتهام بما يتسع له انتقاماتهم و بغضهم.
-
– نهج البلاغة – حكمة 35 ↑
-
– تمام نهج البلاغة، السيد صادق الموسوي، ص ١٥٠ ↑
-
– نزهة الناظر وتنبيه الخاطر، الحلواني، ص ٩١ ، بحار الأنوار، ج ٧٢، العلامة المجلسي، ص ٢٦١، بحار الأنوار، ج ٧٥، العلامة المجلسي، ص ١٦٠ ↑
-
– تحف العقول عن آل الرسول ( ص )، ابن شعبة الحراني، ص ٨٨ ↑
-
– الأمالي، الشيخ الصدوق، ص ٥٠٥ ↑
-
– كنز العمال، المتقي الهندي، ج٣، ص ٥٩٨ ↑
-
– غرر الحكم ودرر الكلم، عبد الواحد الآمدى التميمي، ص ١٤٧ ↑