اياد الزهيري

Loading

( مسارات التدين بين الشكل والمضمون )
من الملاحظ إن التدين الذي نراه في واقعنا ، هو تدين على نوعين : تدين شكلي (ظاهري) ، وهو تدين بلا روح يختصر رؤيته بالممارسة الشكلية ، وغالباً ما تكون موسمية ، وهناك تدين يتسم بالروح والحياة ، وهو تدين يشمل باطن وظاهر الإنسان ويملء عليه كل حركاته وسكناته ، الحركة الجسدية وما ينطوي عليه الضمير من قيم وأخلاقيات ، وما تضمر النفس من أهداف ، والعقل من تطلعات ، وهو تدين يستحضره صاحبه في كل لحظة ، وفي كل مكان ، في حركته وسكونه ، في ظاهره ، وفي باطنه ، وللأسف النوع الأول واسع الأنتشار ، وهو المهيمن في الصورة العامة لحركة التدين عند الناس ، وصوته أصدح ، ورنينه أعلى ، وبريقه ألمع ، وبسبب ذلك ما جعل للدين معناً ومحتوى ، غير دين الحق الخلاق ، الذي يدفع بحالة من الحركة الدافعية بأتجاه تكاملي ، وبصيرورة أيجابية . حين بدأ الأفتراق ما بين الشكل والمضمون حدثت الفاجعة التي عانت بالأمس وتعاني الإنسانية اليوم معاناة هذا الأفتراق ، بسبب البون الشاسع بينهما ، وهكذا ترى وراء كل ظاهرة علة تنتهي أليها أسباب ظهورها . النوع الأول هو بالحقيقة تفريغ مروع لمعنى الدين ، وانحراف لوظيفته الحقيقة في تقويم أخلاق الإنسان ، وتشكيل ضميره الإنساني ، وبالتالي ترشيد حركته ، وذلك بجعلها حركة بنائية، ذات توجه أرتقائي ، تضفي على الوجود الإنساني معناً متقدماً يستحق عليه لقب خليفة الله في أرضه، أما أنزواء المعني الثاني وتقهقره أمام المعنى الأول ، فهو بالحقيقة أطفاء لأنواع التدين التي عمل الأنبياء على أشعاله، لتنور على البشرية بأنوارها الساطعة ، ولذلك يكون التدين الشكلي هو حركة مضادة لحركة كل الأنبياء ، واتجاه معاكس لجهودهم الحثيثة طوال الزمن ، وتشتيت لمنجزاتهم العظيمة . اليوم هناك قوى دولية ، وبحركة دؤوبة تُستعمل بها كل الأسلحة ، الخشنة والناعمة بالوصول لهذا الانحراف لنهايته ، والمجيء بدين جديد تضع هذه المراكز الدولية أبجديته ليصنعوا عالماً يقبضون عليه من تلابيبه، ويقودونه حيث شاءوا هم ، وعلى أيديهم ينهي التاريخ فصوله الأخيرة ، عند مخطط نهاية التاريخ الذي تُهيمن بها حضارتهم الليبرالية في ظاهرها ، واليهودية – الصهيونية في باطنها.
أياد الزهيري

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *