ليس من البِرِّ الصّيام في السفر
محمد جواد الدمستاني
يروى عن رسول الله صلى الله عليه و آله في مانعية الصوم في السفر قوله «ليس من البِرِّ الصِّيامُ في السفَر»، كما تروى عن الإمام الصادق عليه السلام، و عن أبي الحسن (الإمام الکاظم أو الإمام الرضا عليهما السلام).
البِرِّ (بكسر الباء) بمعنى الخَيْر، الإحسان، الجَمِيل، ويقابلها الإثم، و في الآية «وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ ۖ وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ». سورة المائدة – آية 2.
و لسعة اللغة العربية و تعد مفرداتها فإنّ تحريك الباء يعطي معاني مختلفة، فالبر تقرأ : لـ البَرّ، البِرّ، البُّر.
و البَرُّ (فتح الباء): اليابس من الأرض، و الجمع بُرور، بَرُّ و بُرور)، «في ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ»، الأنعام: ٩٧، النمل: ٦٣، و البَرُّ: جمع أبرار وهو الصالح التقي. و البَرُّ (بالفتح): من أسماء الله الحسنى.
و البُرُّ (بالضم): حب القمح.
و هنا البِرُّ (بالكسر) : الخَيْرُ ، قال تعالى : « لَن تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّىٰ تُنفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ ». سورة آل عمران: 92.
« لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ..» سورة البقرة: 177
و « وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَن تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِن ظُهُورِهَا ..» سورة البقرة: 189
و يروى عن الرسول (ص) وفقا للهجة حمير و طيّىء الذين يبدلون لام التعريف بالميم حيث قوله (ص) «ليس من امْبِرّ امْصِيامٌ في امْسَفَر»؟ وقيل أنّ السائل سأل النبي (ص) «امن امبر امصيام في امسفر»؟ فأجابه طبقا للهجته.
فإذا الصوم في السفر ليس من البِرِّ فهو فليس له قيمة شرعية أو هو من الإثم للمقابلة، و إذا كان إثما فهو محرم، و لا يتقرب به إلى الله سبحانه وتعالى، و لا يجزئ عن التكليف، وبالتالي يحتاج إلى قضاء الصوم، طبقا لتفصيلات كثيرة في صلاة و صوم المسافر في الكتب الفقهية.
ثم أنّ النهي عن الصيام في السفر بسبب السفر، و ليس بسبب الوقوع في الحرج الشديد،لأنّ الصيام مع الحرج و الضرر الشديد محرم على المسافر و الحاضر أيضا، فتأكيد النبي (ص) على نهي الصيام في السفر يبيّن أن الموضوع للحرمة هو السفر لا الحرج.
و في الرواية عن الإمام الصادق (ع) « الصَّائِمُ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ فِي اَلسَّفَرِ كَالْمُفْطِرِ فِيهِ فِي اَلْحَضَرِ». من لا یحضره الفقیه،ج2،ص140
و يروى (عنه (ع) أيضا «إِذَا سَافَرَ فَلْيُفْطِرْ لِأَنَّهُ لاَ يَحِلُّ لَهُ اَلصَّوْمُ فِي اَلسَّفَرِ فَرِيضَةً كَانَ أَوْ غَيْرَهُ، وَ اَلصَّوْمُ فِي اَلسَّفَرِ مَعْصِيَةٌ». تهذيب الأحكام، ج4، ص328
وفي الرواية عن الإمام الصادق (ع) أيضا « قَدْ صَامَ أُنَاسٌ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ فَسَمَّاهُمُ اَلْعُصَاةَ فَلاَ صِيَامَ فِي اَلسَّفَرِ إِلاَّ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ اَلَّتِي قَالَ اَللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ فِي اَلْحَجِّ». تهذيب الأحكام، ج4،ص230
و في الكافي عن الإمام الصادق عليه السلام « مَنْ سَافَرَ قَصَّرَ وَ أَفْطَرَ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ رَجُلاً سَفَرُهُ إِلَى صَيْدٍ أَوْ فِي مَعْصِيَةِ اَللَّهِ أَوْ رَسُولاً لِمَنْ يَعْصِي اَللَّهَ أَوْ فِي طَلَبِ شَحْنَاءَ أَوْ سِعَايَةِ ضَرَرٍ عَلَى قَوْمٍ مُسْلِمِينَ » الکافي، جزء 4، ص129، أي بمعنى الإفطار و التقصير في السفر إلا أن يكون سفره معصية، و هذه أمثلة على سفر المعصية.
وتكرر الإفطار في السفر مرتين في آيتين متتاليتين في سورة البقرة،آية 184 و 185، الآيات «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴿١٨٣﴾ أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ ۚ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ۚ ..آية ﴿١٨٤﴾ شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ ۚ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ۖ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ۗ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ.. ﴿١٨٥﴾».
و في تفسير الأمثل يذكر أنّ تكرار حكم المسافر و المريض في هذه الآية (آية 185) والآية السابقة (آية 184)، قد يكون سبب كراهية بعض المسلمين أن لا يصوموا أيام شهر رمضان حتى ولو كانوا مرضى أو مسافرين، و القرآن بهذا التكرار يفهم المسلمين أن الصوم في حالة السلام والحضر حكم إلهي، والإِفطار في حال السفر و المرض حكم إلهي أيضاً لا تجوز مخالفته.
لكن الإفطار ليس مطلقا في السفر و إنّما بشروط تذكر في كتب الفقه و الرسائل العملية و بتفصيل كبير في أحكام صوم المسافر و صلاته، و هنا مختصر شديد لشروط الإفطار للصيام و القصر للصلاة كما ذكره السيد السيستاني في كتاب منهاج الصالحين، حيث ذكر المسائل مفصلة ، ومنها:
إنّ من شروط صحّة الصوم و وجوبه أن لا يكون مسافراً سفراً يوجب قصر الصلاة، فإنّه لا يجوز له أداء الصوم الواجب، إلّا في ثلاثة مواضع:
أحدها: الثلاثة أيّام وهي التي بعض العشرة التي تكون بدل هدي التمتّع لمن عجز عنه.
ثانيها: صوم الثمانية عشر يوماً، التي هي بدل البدنة كفّارة لمن أفاض من عرفات قبل الغروب.
ثالثها: صوم النافلة في وقت معيّن، المنذور إيقاعه في السفر أو الأعمّ منه ومن الحضر.
و في باب الصلاة، ذكر:
تُقصَّر الصلاة الرباعيّة بإسقاط الركعتين الأخيرتين منها في السفر بشروط:
الأوّل: قصد قطع المسافة وهي ثمانية فراسخ ذهاباً أو إياباً و هو ما يعادل أربعاً وأربعين كيلو متراً تقريباً.
الثاني: استمرار القصد ولو حكماً، فلا ينافيه إلّا العدول أو التردّد.
الثالث: أن يحرز عدم تحقّق شيء من قواطع السفر في أثناء المسافة وهي : المرور بالوطن والنزول فيه، وقصد الإقامة عشرة أيّام، والتوقّف ثلاثين يوماً في محلّ متردّداً.
الرابع: أن لا يكون السفر معصیة و لا یکون للصید لهواً، فإذا كان حراماً لم يقصّر.
الخامس: أن لا يكون كثير السفر إلى حدّ المسافة و إلّا أتمّ صلاته، وهذا في ثلاثة موارد:
1. من يتّخذ العمل السفريّ مهنة له، كالسائق و الملّاح ومساعديهما.
2. من يكون السفر مقدّمة لمهنته، كمن يقيم في مكان ويسافر إلى مكان آخر في كلّ يوم مثلاً لممارسة مهنته من طبابة أو تجارة أو تدريس أو غير ذلك.
3. من يتكرّر منه السفر لغرض آخر، كمن يسافر يوميّاً للتنزّه أو للعلاج أو للزيارة ونحو ذلك.
فهؤلاء جميعاً يتمّون الصلاة في سفرهم مع صدق عنوان (كثير السفر ) عليهم عرفاً.
السادس: أن لا يكون ممّن بيته معه، بأن لا يكون له مسكن يستقرّ فيه وإلّا أتمّ صلاته ويكون بيته بمنزلة الوطن.
السابع: أن يصل إلى حدّ الترخّص فلا يجوز التقصير قبله.
و قد رويت عن رسول الله صلى الله عليه و آله بهذا النص « ليس من البِرِّ الصِّيامُ في السفَر».
كما تروى عن الإمام الصادق عليه السلام في وسائل الشیعة، جزء 10، ص 177.
و كذلك عن تروى عن الإمام أبي الحسن (الإمام الکاظم أو الإمام الرضا عليهما السلام) في التهذيب، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ يَحْيَى عَنْ أَبِي اَلْحَسَنِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ : أَنَّهُ سُئِلَ عَنِ اَلرَّجُلِ يُسَافِرُ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ فَيَصُومُ فَقَالَ «لَيْسَ مِنَ اَلْبِرِّ اَلصِّيَامُ فِي اَلسَّفَرِ» تهذيب الأحكام، جزء4، صفحة 217.
و رويت عن النبي صلى الله عليه و آله في الصراط المستقيم في ج3ص286، و مستدرك الوسائل،ج7ص383، و عوالي اللئالي، ج1ص204، و ج2ص81، و ج2ص226، و في غيرها من الكتب.
و في سنن أبي داود، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ [و آله] وَسَلَّمَ رَأَى رَجُلًا يُظَلَّلُ عَلَيْهِ وَالزِّحَامُ عَلَيْهِ ، فَقَالَ: « لَيْسَ مِنْ الْبِرِّ الصِّيَامُ فِي السَّفَرِ». سنن أبي داود، السجستاني، ج2،ص1038 (طبعة دار الحديث قاهرة).
و في سنن النسائي عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه [و آله] وسلم رأى ناسا مجتمعين على رجل فسأل فقالوا رجل أجهده الصوم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس من البر الصيام في السفر». سنن النسائي، النسائي،ج ٤، ص١٧٥
وفيه أيضا قريب منه عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه [و آله] و سلم مر برجل في ظل شجرة يرش عليه الماء قال ما بال صاحبكم هذا قالوا يا رسول الله صائم قال «إنّه ليس من البر أن تصوموا في السفر وعليكم برخصة الله التي رخص لكم فاقبلوها ». سنن النسائي، النسائي، ج ٤، ص ١٧٦
كذلك روي في كتب أخرى.