Loading

الجنّة للمطيعين و النّار للعاصين

(خلق الله الجنة لمن أطاعه و لو كان عبدا حبشيا)

(و خلق النّار لمن عصاه و لو كان سيد قرشيا)

محمد جواد الدمستاني

روي عن الإمام زين العابدين عليه السلام « دَعْ عَنِّي حَدِيثَ أَبِي وَ أُمِّي وَ جَدِّي خَلَقَ اَللَّهُ اَلْجَنَّةَ لِمَنْ أَطَاعَهُ وَ أَحْسَنَ وَ لَوْ كَانَ عَبْداً حَبَشِيّاً، وَ خَلَقَ اَلنَّارَ لِمَنْ عَصَاهُ وَ لَوْ كَانَ سيّدا قُرَشِيّاً، أَ مَا سَمِعْتَ قَوْلَهُ تَعَالَى «فَإِذٰا نُفِخَ فِي اَلصُّورِ فَلاٰ أَنْسٰابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَ لاٰ يَتَسٰاءَلُونَ» وَ اَللَّهِ لاَ يَنْفَعُكَ غَداً إِلاَّ تَقْدِمَةٌ تُقَدِّمُهَا مِنْ عَمَلٍ صَالِحٍ ». عوالم العلوم،ج18ص118، المناقب،ج4ص151، بحار الأنوار،ج46ص81.

و المعنى هو إنّ كرامة الإنسان و قربه من الله و جنانه بالطاعة و البعد عن المعصية، لا بشيء آخر من المال و الجمال، و لا بالرئاسة و الوجاهة، و لا بالمنطقة و الزمان، و لا باللون و العرق.

و الرواية عن الإمام الباقر عليه السلام «فَاتَّقُوا اَللَّهَ وَ اِعْمَلُوا لِمَا عِنْدَ اَللَّهِ لَيْسَ بَيْنَ اَللَّهِ وَ بَيْنَ أَحَدٍ قَرَابَةٌ، أَحَبُّ اَلْعِبَادِ إِلَى اَللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ وَ أَكْرَمُهُمْ عَلَيْهِ أَتْقَاهُمْ وَ أَعْمَلُهُمْ بِطَاعَتِهِ يَا جَابِرُ وَ اَللَّهِ مَا يُتَقَرَّبُ إِلَى اَللَّهِ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى إِلاَّ بِالطَّاعَةِ، وَ مَا مَعَنَا بَرَاءَةٌ مِنَ اَلنَّارِ، وَ لاَ عَلَى اَللَّهِ لِأَحَدٍ مِنْ حُجَّةٍ، مَنْ كَانَ لِلَّهِ مُطِيعاً فَهُوَ لَنَا وَلِيٌّ، وَ مَنْ كَانَ لِلَّهِ عَاصِياً فَهُوَ لَنَا عَدُوٌّ، وَ مَا تُنَالُ وَلاَيَتُنَا إِلاَّ بِالْعَمَلِ وَ اَلْوَرَعِ». الکافي،ج2ص74

و الشيعة من سماتهم الطاعة و التعبد و ذكر الله ، و في الرواية عن الإمام الباقر عليه السلام « يَا جَابِرُ أَ يَكْتَفِي مَنِ اِنْتَحَلَ اَلتَّشَيُّعَ أَنْ يَقُولَ بِحُبِّنَا أَهْلَ اَلْبَيْتِ، فَوَ اَللَّهِ مَا شِيعَتُنَا إِلاَّ مَنِ اِتَّقَى اَللَّهَ وَ أَطَاعَهُ، وَ مَا كَانُوا يُعْرَفُونَ يَا جَابِرُ إِلاَّ بِالتَّوَاضُعِ وَ اَلتَّخَشُّعِ وَ اَلْأَمَانَةِ وَ كَثْرَةِ ذِكْرِ اَللَّهِ وَ اَلصَّوْمِ وَ اَلصَّلاَةِ وَ اَلْبِرِّ بِالْوَالِدَيْنِ وَ اَلتَّعَاهُدِ لِلْجِيرَانِ مِنَ اَلْفُقَرَاءِ وَ أَهْلِ اَلْمَسْكَنَةِ وَ اَلْغَارِمِينَ وَ اَلْأَيْتَامِ وَ صِدْقِ اَلْحَدِيثِ وَ تِلاَوَةِ اَلْقُرْآنِ وَ كَفِّ اَلْأَلْسُنِ عَنِ اَلنَّاسِ إِلاَّ مِنْ خَيْرٍ، وَ كَانُوا أُمَنَاءَ عَشَائِرِهِمْ فِي اَلْأَشْيَاءِ ». الکافي،ج2ص74

وَ في تفسير اَلْإِمَامُ العسكري عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ : قَالَ رَسُول اَللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ «..، إِنَّ شِيعَتَنَا مَنْ شَيَّعَنَا وَ تَبِعَنَا فِي أَعْمَالِنَا». التفسير العسکری،ج1ص307

و في أخبار زيد ابن الإمام الكاظم و أخ الإمام الرضا عليهما السلام الذي سيطر على البصرة و أمر بإحراق بيوت بني العباس وأتباعهم ومُواليهم، و جيء به إلى خراسان، روى الشيخ الصدوق في معاني الأخبار، قال الإمام الرضا عليه السلام في حديث طويل « فَأَمّا أن يَكونَ موسَى بنَ جَعفَرٍ عليه السلام يُطيعُ اللَّهَ ويَصومُ نَهارَهُ ويَقومُ لَيلَهُ، و تَعصيهِ أنتَ، ثُمَّ تَجيئانِ يَومَ القِيامَةِ سَواءً ؟ ! لَأنتَ أعَزُّ عَلَى اللَّهِ عز وجل مِنهُ».

و خاطب الراوي حسن الوشا عن نوح النبي عليه السلام في الآية «يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ»، هود 46، قال « لَقَد كانَ ابنَهُ ولكِن لَمّا عَصَى اللَّهَ عز وجل نَفاهُ اللَّهُ عَن أبيهِ، كَذا مَن كانَ مِنّا لَم يُطِعِ اللَّهَ عز وجل فَلَيسَ مِنّا، وأنتَ إذا أطَعتَ اللَّهَ فَأَنتَ مِنّا أهلَ البَيتِ». معاني الأخبار، الشيخ الصدوق، ص 106.

أي أنّ كرامة الإنسان عند الله بالتقوى، «إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ»، و إلغاء التفاضل بالأشياء الأخرى، و الامتيازات الأخرى الظاهرية والمادية التي يتفاضل بها بنو البشر، و التقوى تعني طاعة الله و البعد عن معصيته.

و بمميز الطاعة يصبح من كان كسلمان الفارسي الذي استرق و بيع كعبد ثم حرره الرسول صلى الله عليه و آله شريفا عظيما، و يصبح أبو لهب ذليلا صاغرا.

و يصبح سلمان منا اهل البيت كما روي عن النبي (ص)، و ابن نوح ليس من أهله، كما أنشد أبو فراس الحمداني:

كانت مودة سلمان له رحماً ولم يكن بين نوح وابنه رحم

و شيعة أهل البيت أولى من غيرهم بالعمل بالفضائل، و الأعمال الصالحة و إجتناب الرذائل و الأعمال القبيحة، كونهم ينتمون إلى أهل البيت محمد و آل محمد صلوات الله عليهم، و شفاعة أهل البيت و رعايتهم تشمل الموالين و المحبين و الطائعين، جعلنا من أهل الطاعة و رزقنا الله شفاعة النبي و أهل بيته صلوات الله عليهم.

و الرواية عن الإمام الباقر عليه السلام – لجابرٍ الجُعْفيِّ : «يا جابرُ ، بَلِّغْ شِيعَتي عَنّي السَّلامَ ، وأعْلِمهُم أنَّهُ لا قَرابَةَ بَيْنَنا وبَينَ اللَّه‌ِعزّ وجلّ ، ولا يُتَقرَّبُ إلَيهِ إلّابالطَّاعةِ لَهُ . يا جابرُ ، مَن أطاعَ اللَّهَ وأحَبَّنا فهُو وليُّنا ، ومَن عَصى اللَّهَ لَم يَنْفَعْهُ حُبُّنا». الأمالي، الشيخ الطوسي، ص ٢٩٦

و نص الرواية عن الإمام زين العابدين عليه السلام كاملة كما في المناقب :

طَاوُسٌ اَلْفَقِيهُ : « رَأَيْتُهُ يَطُوفُ مِنَ اَلْعِشَاءِ إِلَى اَلسَّحَرِ وَ يَتَعَبَّدُ فَلَمَّا لَمْ يَرَ أَحَداً رَمِقَ اَلسَّمَاءَ بِطَرْفِهِ وَ قَالَ إِلَهِي غَارَتْ نُجُومُ سَمَاوَاتِكَ وَ هَجَعَتْ عُيُونُ أَنَامِكَ وَ أَبْوَابُكَ مُفَتَّحَاتٌ لِلسَّائِلِينَ جِئْتُكَ لِتَغْفِرَ لِي وَ تَرْحَمَنِي وَ تُرِيَنِي وَجْهَ جَدِّي مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ فِي عَرَصَاتِ اَلْقِيَامَةِ ثُمَّ بَكَى وَ قَالَ وَ عِزَّتِكَ وَ جَلاَلِكَ مَا أَرَدْتُ بِمَعْصِيَتِي مُخَالَفَتَكَ وَ مَا عَصَيْتُكَ إِذْ عَصَيْتُكَ وَ أَنَا بِكَ شَاكٌّ وَ لاَ بِنَكَالِكَ جَاهِلٌ وَ لاَ لِعُقُوبَتِكَ مُتَعَرِّضٌ وَ لَكِنْ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي وَ أَعَانَنِي عَلَى ذَلِكَ سِتْرُكَ اَلْمُرْخَى بِهِ عَلَيَّ فَأَنَا اَلْآنَ مِنْ عَذَابِكَ مَنْ يَسْتَنْقِذُنِي وَ بِحَبْلِ مَنْ أَعْتَصِمُ إِنْ قَطَعْتَ حَبْلَكَ عَنِّي فَوَا سَوْأَتَاهْ غَداً مِنَ اَلْوُقُوفِ بَيْنَ يَدَيْكَ إِذَا قِيلَ لِلْمُخِفِّينَ جُوزُوا وَ لِلْمُثْقِلِينَ حَطُّوا أَ مَعَ اَلْمُخِفِّينَ أَجُوزُ أَمْ مَعَ اَلْمُثْقِلِينَ أَحُطُّ وَيْلِي كُلَّمَا طَالَ عُمُرِي كَثُرَتْ خَطَايَايَ وَ لَمْ أَتُبْ أَ مَا آنَ لِي أَنْ أَسْتَحِيَ مِنْ رَبِّي ثُمَّ بَكَى ثُمَّ أَنْشَأَ يَقُولُ:

أَ تُحْرِقُنِي بِالنَّارِ يَا غَايَةَ اَلْمُنَى فَأَيْنَ رَجَائِي ثُمَّ أَيْنَ مَحَبَّتِي

أَتَيْتُ بِأَعْمَالٍ قِبَاحٍ رَدِيَّةٍ وَ مَا فِي اَلْوَرَى خَلْقٌ جَنَى كَجِنَايَتِي

ثُمَّ بَكَى وَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُعْصَى كَأَنَّكَ لاَ تُرَى وَ تَحْلُمُ كَأَنَّكَ لَمْ تُعْصَ تَتَوَدَّدُ إِلَى خَلْقِكَ بِحُسْنِ اَلصَّنِيعِ كَأَنَّ بِكَ اَلْحَاجَةَ إِلَيْهِمْ وَ أَنْتَ يَا سَيِّدِي اَلْغَنِيُّ عَنْهُمْ ثُمَّ خَرَّ إِلَى اَلْأَرْضِ سَاجِداً فَدَنَوْتُ مِنْهُ وَ شِلْتُ رَأْسَهُ وَ وَضَعْتُهُ عَلَى رُكْبَتَيَّ وَ بَكَيْتُ حَتَّى جَرَتْ دُمُوعِي عَلَى خَدِّهِ فَاسْتَوَى جَالِساً وَ قَالَ مَنْ ذَا اَلَّذِي أَشْغَلَنِي عَنْ ذِكْرِ رَبِّي فَقُلْتُ أَنَا طَاوُسٌ يَا اِبْنَ رَسُولِ اَللَّهِ مَا هَذَا اَلْجَزَعُ وَ اَلْفَزَعُ وَ نَحْنُ يَلْزَمُنَا أَنْ نَفْعَلَ مِثْلَ هَذَا وَ نَحْنُ عَاصُونَ جَافُونَ أَبُوكَ اَلْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ وَ أُمُّكَ فَاطِمَةُ اَلزَّهْرَاءُ وَ جَدُّكَ رَسُولُ اَللَّهِ قَالَ فَالْتَفَتَ إِلَيَّ وَ قَالَ هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ يَا طَاوُسُ دَعْ عَنِّي حَدِيثَ أَبِي وَ أُمِّي وَ جَدِّي خَلَقَ اَللَّهُ اَلْجَنَّةَ لِمَنْ أَطَاعَهُ وَ أَحْسَنَ وَ لَوْ كَانَ عَبْداً حَبَشِيّاً وَ خَلَقَ اَلنَّارَ لِمَنْ عَصَاهُ وَ لَوْ كَانَ قُرَشِيّاً أَ مَا سَمِعْتَ قَوْلَهُ تَعَالَى فَإِذٰا نُفِخَ فِي اَلصُّورِ فَلاٰ أَنْسٰابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَ لاٰ يَتَسٰاءَلُونَ وَ اَللَّهِ لاَ يَنْفَعُكَ غَداً إِلاَّ تَقْدِمَةٌ تُقَدِّمُهَا مِنْ عَمَلٍ صَالِحٍ». المناقب،ج4ص151

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *