(أفكار بصيغة المطلق)
بين الفينة والآخرى تخرج علينا كتابات تتناول فيها أحداث وتصورات حضارات التاريخ القديم عن خلق الإنسان وتكوين العالم وما جرى فيه من أحداث ، متناولة ما له علاقة بالأديان السماوية ، في محاولة للربط بين الحضارات القديمة من سومرية، وبابلية، ومصرية قديمة ،أضافة لحضارات أخرى هندية وفارسية ويونانية ،ناسبين جل ماتحمله الأديان السماوية من أحداث تاريخية الى هذه الحضارات كأساس ، وباكورة لكل هذه التصورات والأفكار والأحداث ، وإن الأديان السماوية ،ماهي إلا صدى وأستنساخات لها ، ولكن بطبعات منقحة وَمحورة لها ، أضافها محرريها من كتاب وأنبياء ، وإن هناك متوازيات بينها وبين ما جاء في ألواح هذه الحضارات ،وقد برز كتاب قديرون لا نشك في روحهم العلمية أمثال الباحث فراس السواح ،والأستاذ محمد القلاوي ،ولكن لا نخفي سر بأن هناك من يسعى من خلال مايلتقطه من غيره كوسيلة في الصراع الآيديولوجي ضد الأديان ، كما هناك مراكز تسعى للتشويش الفكري لأغراض ونوايا ذات بُعد أستعماري خبيث ، ولكن ما نود الأشارة أليه ، هو ما أنتجت أيدي الباحثين الجادين الذين نشد على أيديهم بما قدموه من بحوث علمية رصينة ، مادامت الغاية الحقيقة ، والهدف سامي ،ولكن الى جانب هؤلاء الباحثين الجادين ، هناك كتاب ينحون منحى ترقيعي ، مغموسه بنفس آيديولوجي كما في كتابات البعض . من خلال ما مررت به من هذه البحوث لمست بها حساً علمياً خالصاً ،ولكن كُتبت بروح أقرب للأطلاق ، وكأنها حقائق نهائية ، وهذا ما يُحيد عما يحملونه هؤلاء الكتاب من نمط فكري حداثي ، وهو نمط يقول بنسبة الفهم ، والتفسير ، وعدم القول بالحقيقة المطلقة ، كما إن مايقدمونه من أفكار، فهي لا تعدو من أنها من مصادر غير مكتملة المحتوى ، ففيها الكثير من الحلقات المفقودة ، بالأضافة الى أمكانية ضعف الترجمة للغات مندثرة ، مما يعرض ترجمتها الى خلل اكيد ، كما أشير الى أن ما نُقل لا يمثل إلا الجزء اليسير من التراث الإنساني القديم ، ودليل ذلك هو الأكتشافات المستمرة للتراث الإنساني ليومنا هذا ،وهناك من الأقوال مايُشير الى إن المستكشف لا يمثل حتى ١٥% من الموجود الحقيقي ، وهناك حقيقة تعرض الكثير من هذه البحوث للأهتزاز والشك ، وهو إن هذه التصورات نقلت لنا معلومات في أقصاه هو النصف الأول من الألف الثالث قبل الميلاد ، وهو تاريخ ليس بالبعيد مقارنة مع تاريخ وجود الإنسان على هذه الأرض ، وأن هناك تاريخ طويل للإنسان لم تكن فيه كتابة ، وهو تاريخ أطول بكثير لزمن مابعد الكتابة ، وهذا ما يجعلنا نذهب إلى أمكانية وجود أديان سماوية أقدم من هذه الحضارات التي جاءت بمدونات مكتوبة ، ولاشك قد تكون ما نُقل من قصص من هذه الحضارات راجع بالأصل لما جاءت به هذه الأديان السماوية التي سبقت هذه الحضارات ، وبما إن المنقول جاء بطريقة شفوية ، وعبر آلاف السنين ، فلاشك قد أدخلت الكثير من الأساطير والتخيلات الشعبية إليها مما جعلها بالصورة التي حصلنا عليها من خلال كتاباتهم . أن الدافع لما أكتبه في هذا المقال هو خطورة ما يتناول البعض لهذه البحوث وكأنها نتاج ذو نصوص نهائية ، وأنها الحقيقة المطلقة ،في حين عند التدقيق بها ،تجد فيها الكثير من الظن ، والترجيحات ، وهي أمور لا تغني عن الحق شيء ، ولا تعطي طابعاً يقينياً خالصاً ، وهناك الكثير ما يمكن أن يأتينا به الزمن ،وما تكتشفه التنقيبات الأركيولوجية المستمرة ، ولكن ما أحببت أن أُشير إلية هو خطورة طريقة التسويق التي تستخدمها بعض المراكز ذات الوجودات المتخفية ، والأهداف المشبوه للتموية والتشوية على الفكر العام ، واستخدامها لغايات خطيرة ، لذا رأينا ضرورة التنبيه ، والوقوف على هذه الأبحاث بنفس علمي حقيقي ، وأن لا نكون ضحية لبعض المدارس الإستشراقية العنصرية ، الممهدة لطمس حضارتنا ، وتمزيق هويتنا . أن خلاصة ما وددت القول حولة ،إن ما جاءت به الحضارات السومرية والبابلية ، ومحرري التوراة ، والقرآن الكريم ، هي حقائق حَدثت في الواقع في الزمن البعيد جداً ، زمن لم يكن للكتابة وجود ، ولكن مدوني الحضارات القديمة حين أكتشفوا الكتابة دونوا ما تلقاه شفاهةً ، والذي جاءهم عبر آلاف ولعل ملايين السنين ، ومن المعروف كم سيكون مقدار التغيير الذي يقع على قصة حدث عبر هذا العدد الهائل من السنين ، وما يلعبه المخيال الشعبي من أضافات لها ، وعندما جاء كتاب سماوي كالقرآن الكريم ، لاشك سيكون هناك بعض المشتركات لحقائق وقعت أصلاً ، ولكن بالتأكيد سيختلف معهم بالبعض نتيجة لما طرأ عليها من تغيرات وتحولات ذكرنا أسبابها ، لذا لا أتفق مع ما زُعم من تناص جاء به القرآن ممن سبقه من حضارات قديمة ،ومدوني العهد القديم ، ولكن لا أستبعد ، إن هناك تناص حدث بين الحضارات القديمة والعهد القديم ، وذلك بسبب واضح ، إن العهد القديم كُتب بأيدي محررين بعد مضي فترة طويلة من موت النبي موسى عليه السلام ، وخاصة بعد العودة من السبي البابلي ، وهذه الفترة الطويلة بين موت موسى وكتابات العهد القديم كفيلة بأحدث تغيرات كبيرة وهائلة، وخاصةً بعد النهل والتلاقح مع ثقافات وحضارات أخرى ، ولكن ما حدث للعهد القديم غير ملزم ، ولايمكن أسقاطه على القرآن الكريم ، وذلك لسبب غاية بالوجاهة ،وهو إن القرآن كُتب في زمن وجود النبي (ص) ، ولم تكن هناك قطيعة زمنية بينه وبين كتابة النص القرآني ، لذلك ينبغي التنوية الى عدم الخلط بين ما مر على اللوائح المكتشفه للحضارات القديمة ومدونات العهد القديم ، وبين ما جاء في القرآن الكريم للسبب التي ذكرناها أعلاه .
أياد الزهيري