الْمُوَاسَاةُ أَفْضَلُ الْأَعْمَالِ
محمد جواد الدمستاني
هذه الحكمة في كتاب غرر الحكم من حكم أمير المؤمنين و إمام المتقين علي بن أبي طالب عليه السلام، و رقمها 10223 في كتاب تصنيف غرر الحكم، «الْمُوَاسَاةُ أَفْضَلُ الْأَعْمَالِ».
مواساة مصدر وَاسَى بمعنى عزَّى، سلّى، شاطر في الأسى، و المُوَاسَاة هي التعزية و التخفيف من الخزن و المصاب.
و و كذلك تأتي مساواة بمعنى مساواة الغير مع النفس و إشراكه في المال الّذي يمتلكه الإنسان، واساه بماله، أو شاركه في ماله مواساة.
و المواساة أفضل الأعمال قد يكون سبب ذلك لأنّها تخفّف و تسكّن أحزان صاحب المصاب في العزاء أو المصائب و الملمات، و هي كذلك تسبّب ارتفاع قدر الإنسان و علوّ منزلته بين الناس و احترامه أكثر.
و الحكمة أنّ المواساة أفضل الأعمال أو خير الأعمال، و لكن الأجر و الثواب الأخروي لبعض الأعمال ـ كالصلاة و الحجّ ـ يفوقها أجرا و ثوابا، حيث ورد في الحديث عن الإمام الصادق عليه السلام «إنَّ صَلاَةً فَرِيضَةً خَيْرٌ مِنْ عِشْرِينَ حَجَّةً، وَ حَجَّةً خَيْرٌ مِنْ بَيْتٍ مَمْلُوءٍ ذَهَباً يُتَصَدَّقُ بِهِ حَتَّى يَفْنَى»، من لا یحضره الفقیه، ج2ص221.
أو أنّ المراد هو أفضليّتها بحسب الأجر و الثواب نسبة إلى أكثر الأعمال مع استثناء بعض الأعمال الّتي يفوق ثوابها ثواب المواساة، لأنّ التخصيص في العمومات أمر شائع و مشهور.
ويمكن أن يكون أجر و ثواب المواساة العظيم و المرتبة العظيمة من الأجر في مجال الكرم و الجود و ليس كل الأعمال، حيث يعتبر فيها الشخص الناس شركاءه في ماله و يتقاسمه إياهم أو يتقاسم معهم أحزانهم و آلامهم، فهذا العمل العظيم أكثر من أجر و ثواب جميع الأعمال في مجاله.
و في غرر الحكم أيضا: «اُبْذُلْ لِصَدِيقِكَ كُلِّ المَوَدَّةِ وَلاَ تَبْذُلْ لَهُ كُلَّ الطُّمَأْنِينَةِ، وَأَعْطِهِ مِنْ نَفْسِكَ كُلَّ المُواسَاةِ،وَلاَ تَقُصَّ إلَيْهِ بِكُلِّ أَسْرارِكَ»، تطنيف غرر الحكم/ رقم 2462.
«أَعْطِه كُلَّ المُواسَاةِ»، مشاركته في أحزانه، و منها ضيقه و فقره، و ايصال المال إليه أو باعطائه من قوته ، ولكن «وَلاَ تَقُصَّ إلَيْهِ بِكُلِّ أَسْرارِكَ»، أي احتفظ ببعض الأسرار ، لا يطلع عليها الغير حتّى الصديق، و قد لا تدوم صداقته ، و قد يصبح عدوا ، ممكن ، فإذا كان مطّلعاً على جميع أسرار صديقه قد يستغلها بشكل سلبي.
و قد وردت روايات كثيرة بأفضل الأعمال و خير الأعمال، و أحد فصول الأذان و الإقامة «حيّ على خير العمل»، و في الرواية عن الإمام الرضا عليه السلام إنّ حيّ على خير العمل الولاية، فأراد من أمر بتركها ألا يقع حث عليها. علل الشرايع، ج2، ص 368.
و في الروايات أفضل الأعمال إِدخال السّرور على المؤمن، اشباع الجائع، الايمان، الغزو، الحج، الصلاة، الصلاة في أول الوقت، صلاة الليل، مواساة المؤمن، صلة الرحم،الأمر بالمعروف، و النهي عن المنكر، الحب في الله و البغض الله، تعظيم حق الله، و روايات أخرى.
و كأمثلة على الروايات، ما روي في رؤية رسول الله صلى الله عليه و آله لعمه الحمزة و أخيه جعفر بن أبي طالب قالا:«وَجَدْنَا أفْضَلَ اَلْأَعْمَالِ اَلصَّلاَةَ عَلَيْكَ، وَ سَقْيَ اَلْمَاءِ، وَ حُبَّ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ»، کشف اليقين، ص231.
و في فقه الرضا عليه السلام سأل رجل النبي (ص) أن يخبره خير الأعمال فقال (ص): «اَلْإِيمَانُ بِاللَّهِ، قَالَ ثُمَّ مَاذَا، قَالَ صِلَةُ اَلرَّحِمِ، قَالَ ثُمَّ مَاذَا، قَالَ اَلْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَ اَلنَّهْيُ عَنِ اَلْمُنْكَرِ»، فقه الرضا (ع)، ص 376.
و في خطبة النبي (ص) في استقبال شهر رمضان «أَفْضَلُ اَلْأَعْمَالِ فِي هَذَا اَلشَّهْرِ فَقَالَ يَا أَبَا اَلْحَسَنِ أَفْضَلُ اَلْأَعْمَالِ فِي هَذَا اَلشَّهْرِ اَلْوَرَعُ عَنْ مَحَارِمِ اَللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ»، الأمالی (للصدوق) ،ص93، و شهر رمضان أفضل الشهور و الليالي و الأيام و الساعات، فالورع أفضل الأعمال في كل الشهور.
عن الصادق (ع) عن جده رسول الله (ص) «إِنَّ أَفْضَلَ اَلْأَعْمَالِ كُلِّهَا اَلصَّلاَةُ لِوَقْتِهَا»، بحار الأنوار، ج84، 161
و في غرر الحكم، «أَفْضَلُ الْأَعْمَالِ مَا أُكْرِهَتِ النُّفُوسُ عَلَيْهَا»، تصنيف غرر الحكم، رقم٢٩٢٧ ، و «أَفْضَلُ الْأَعْمَالِ لُزُومُ الْحَقِّ»، تصنيف غرر الحكم، رقم٢٩٢٩، و «خَيْرُ الْأَعْمَالِ مَا اكْتَسَبَ [أَكْسَبَ] شُكْراً»، تصنيف غرر الحكم، رقم ٢٩٣٢، «خَيْرُ الْأَعْمَالِ مَا أَصْلَحَ الدِّينَ»، تصنيف غرر الحكم، رقم ٢٩٣٤، «خَيْرُ أَعْمَالِكَ مَا قَضَى فَرْضَكَ»، تصنيف غرر الحكم، رقم،٢٩٣١.