
لمشاهدة جميع الصور اضغط هنا
المرأه البنزرتية في قهر الجائحة الكونية ..
كلما واجه بعض الافراد او المجتمعات تحديا حياتياً ما تقفز الى ذاكرتي على الفور نظرية التحدي والاستجابة لارنولد توينبي والذي يشير فيها الى ان للافراد والمجتمعات ردات فعل تتراوح مابين اقصى الايجابية الى اقصى السلبية والتي تمثل استجابتهم ازاء تلك التحديات محدداً نوع وحجم الاستجابة بما يمتلكه الفرد او المجتمع من مقومات صمود وتفاعل من جهة وحجم التحدي من جهة اخرى. استحضرت ذاكرتي تلك النظرية التوينبية العتيدة وانا ارصد انواعاً شتى من الاستجابات تجاه جائحة كورونا الذي عم العالم من شماله لجنوبه ومن شرقه لغربه لم يقف للحظة ليتأمل في سمات من يقابلهم هل هم بيض ام سمر اغنياء ام فقراء مؤمنين ام ملحدين فالكل في الوباء اخوان ويالها من مفارقة مضحكة مبكية ان ينجح وباء في غضون بضع اسابيع او اشهر في تحقيق مساواة عجز عن تحقيق حدها الادنى البشر خلال عقود ان لم نقل قرون مضت . اشد ما استوقفني واثار اعجابي من بين كل تلك الاستجابات كانت الاستجابة الاستثنائية التي عاينتها في احدى مدن تونسنا الحبيبة واقصد بها هاهنا مدينة الجلاء بنزرت تلك المدينة الجميلة بأهلها المتحضرين الطيبين المتسلحين بثقافة انسانية تفلح دائما في احتواء الجميع واضافة بصمتها المائزة على اخاديد ذاكرتهم الروحية والفكرية والذوقية كانت الاستجابة البنزرتية واحدة من افضل الاستجابات الايجابية التي رصدتها لمواجهة جائحة كورونا على مستوى العالم فالادارة الحكومية تعمل بروح الفريق في خلية نحل منتجة ومعطاءة بدءا من رأس الهرم الاداري المتمثل بالوالي محمد قويدر وانتهاء بقاعدة ذلك الهرم المتمثلة بأصغر موظف وعامل في الدوائر الحكومية ذلك النجاح الذي كان مشفوعا بتفهم ووعي اهالي بنزرت والذي لولاه لما تم تحقيق هذا الانجاز المميز والمتمثل في المحافظة على صحة وسلامة المواطنين في المدينة في ظل هذا التحدي الأعتى الذي تواجهه البشرية جمعاء هذه الايام تلك الاستجابة البنزرتية الرائعة بمجملها حملت بين ثناياها نكهة نسوية تضيف للاستجابة طعما ارقى واجمل تحيل المشهد برمته الى اقرب مايكون باللوحة السوريالية لكن هل هذه اللمسة النسوية المكافحة غريبة وجديدة على الساحة التونسية قطعا لا فاللمسات النسوية حاضرة بقوة وببهاء على طول التاريخ الحضاري التونسي من علم وأدب وشعر وسياسة ونضال جنبا الى جنب مع الرجل لتحقيق نهضة تليق ببلد بتاريخ وحضارة تونس ” فسبحان من خص هذا البلد المحبوب .. بابناء نبغاء – رجالاً ونساءً – زينوا موطنهم بخصال حميدة وفعال سديدة .. على مدى العصور وتوالي الدهور ، الم يؤلف الاعلامي التونسي محمد المنصف بن مراد كتابه الذي يحمل عنوانا اجده غاية في الروعة والدقة ” مادام في الثورة التونسية نساء ” والذي يتضمن شهادات ل25 امرأة تونسية قدمت كل منهن قراءتها للنضال التونسي المعاصر في تونس وبنزرت على وجه الخصوص يبدو ان لاثورة ولا استجابة ولا حضارة بدون تلك اللمسات النسوية الآسرة تجسدت كل تلك المعاني امامي دفعة واحدة في شخصية ادارية نسوية تمتلك من الصفات والافعال مايؤهلها لتكون انموذجا عالميا يحتذى به للاستجابة المثالية للتحديات مهما عظم شأنها والمتمثلة برئيسة هيئة مكافحة الفساد السيدة بنت فرج التي تدفعك دفعا لأعادة ترتيب اوراقك الكفاحية ان كان قد شابها بعض من تردد او تسلل اليها شئ من احباط فروح التحدي معدية فيما يبدو . اشك احياناً وانا اتابع سيرة عمل هذه السيدة الاستثنائية طوال فترة عملها في ادارتها من ان اليوم لديها هو ذاته اليوم الذي نعرفه ذو ال 24 ساعة لا غير يبدو ان لها كأينشتاين مفهوما اخر للزمن والا لما كان بمقدورها ان تواصل عملها بكل ذلك الكم المهول والرائع من الانضباط والابداع والعطاء منذ ساعات الفجر الاولى وحتى ساعات الفجر الاولى لليوم الذي يليه الا تتوقف هذه المرأة ولو لبرهة الا تشعر بالتعب بالاعياء بالتردد بالقلق ب و ب و ب .. الخ من ال ( باءات ) التي يتخذها البعض شماعة لتبرير تقاعسهم او اعتياديتهم في الانجاز والبذل على اقل تقدير في ظل هذا الظرف العالمي العصيب ، هي نسيج وحدها كما يقولون عالم قائم بذاته يتماهي بكل انسيابية وعطاء مع العوالم الاخرى المتفاعلة معه تبدأ يومها بجولات تفتيشية برفقة الاداره الجهويه للتجاره والقوى الأمنيه في الاسواق للتأكد من عدم حدوث غش او تلاعب بالاسعار من قبل بعض ضعفاء النفوس وتجار الازمات لتحقيق بعض الربح المشبوه على حساب مصلحة المواطن والوطن والاحتكار، رفع الاسعار ، اخفاء البضاعة ، المحاباة، البيع المشروط.. هذا بالاضافه الى انها عضوه في لجنة الكوارث والتضامن الاجتماعي للمساعدات العينية الاجتماعية الاستثنائيه المرصودة للمتضررين المعوزين في هذه الفترة من الجائحه الوبائيه، تعود بعد جولاتها المنهكة تلك الى مكتبها لتلقي شكاوي مواطني مدينتها عبر هاتف المعلن عنه بالتبليغ عن أي مخالفه في بنزرت والمناطق التابعه لها يعقبها لقاءات اعلامية لتوعية الناس الى مخاطر الجائحة وضرورة بقائهم في منازلهم حفاظا على صحتهم وحياتهم التي هي شغلها الشاغل الذي تتصاغر بجانبه كل المشقات والصعوبات المهولة التي تكابدها يوميا تبث فيهم روح الامل والتحدي وتشد على ايديهم للوقوف صفا واحد ازاء هذا التحدي العالمي الذي سنخرج منه منتصرين كما هو عهدنا دوما بانفسنا كمواطنين تونسيين نصر جديد سنضيفه الى سجل انتصاراتنا وتحدياتنا في عشقنا وكفاحنا من اجل عيش حياة حرة كريمة تستحق ان تسمى بالحياة متمثلين ومقتدين بدعوة الشاعر التونسي المبدع ابو القاسم الشابي اذا الشعب يوما اراد الحياة فلا بد ان يستجيب القدر ولا بد لليل ان ينجلي ولا بد للقيد ان ينكسر تحية حب واجلال واحترام لتلك الاستجابة الجماعية التونسية البنزرتية الرائدة وتحية خاصة لتلك القامة النسوية الاستثنائية لماقدموه ويقدموه لمدينتهم واهلهم من عطاء قل مثيله حمى الله تونس واهلها الرائعين وحمى البشر اجمعين من المحن والنوازل والفتن ، آميين ربِ العالمين …
بقلم / عباس هاشم الحكيم – مملكة السويد