محمد جواد الدمستانيمحمد جواد الدمستاني

Loading

فوت الحاجة أهون من طلبها إلى غير أهلها

(طلب الحاجات من المؤهلين و اجتناب الممسكين)

حكمة 66 – نهج البلاغة

فوت الحاجة بمعنى عدم الحصول عليها، وعدم تحققها ، و غير أهلها أي من لا يصلح أن تُطلب الحاجة منه، لصفة أو منقصة فيه من بخل أو حرص أو عدم إدراك و اهتمام، فهو إما أن لا يعطيك الحاجة، أو يعطيك الحاجة مع المنّ و الأذى و التبرم أو التأفف أو حتى الابتزاز.

و طبيعة الحياة بين النّاس أن يحتاج بعضهم لبعض، يقترضون من بعضهم، يستدينون، يستعيرون، يتساعدون، يبيعون و يشترون بالسلف أحيانا، و في حالات الضيق و الفقر يسألون بعضهم بعضا لسد حوائجهم.

و هنا يرشد أمير المؤمنين (ع) للذي له حاجة و يريد أن يطلبها من الآخرين أن يتوجه بطلبها إلى من هو أهلٌ لها و من يلبي طلبها، أو يساعد في حلها، و لا يطلبها ممن ليس أهلا لها، فإنّ «فَوْتُ الْحَاجَةِ أَهْوَنُ مِنْ طَلَبِهَا إِلَى غَيْرِ أَهْلِهَا»، نهج البلاغة، حكمة 66

و سبب أنّ الفوت أهون من طلب الحاجات إلى غير أهلها ذلك لأنّ في فوتها يسبب ضررا واحدا أو هَمّا و غمّا و حُزنا واحدا، و هو بسبب فوت الحاجة.

بينما طلبها لغير أهلها يسبب عدة أضرار و هموم و غموم فهمّ و ذل الطلب و السؤال، و همّ رفض الحاجة إذا رفضت أو المنّ و الأذى إذا أعطيت بهما، و قد يكون مع ذل و إهانة و استغلال الحاجة، و التأسف و الندم من طلبها، ففوت الحاجة أهون و أحسن و أعزّ و أشرف.

و فوت الحاجة أهون من طلبها إلى غير أهلها و أما طلبها إلى أهلها فليس كذلك أي ليس أهون من فوتها بل هو مقبول.

وهذه الحالات و الحاجات تتكرر في المجتمعات بصورة يومية و خاصة في المجتمعات الفقيرة أو التي تفتقر المؤسسات الاجتماعية و التكافل الاجتماعي و تفتقد الدعم الأهلي المؤسساتي أو الحكومي حيث يكون النّاس أكثر حاجة لبعضهم البعض، يحتاجون لصغائر الأشياء كما لكبائرها، و من اقتراض البيضة و البصل إلى قروض البيوت و المنازل و حل الأزمات و الكوارث.

و الحكمة و إن كانت عامة في كل مجال قابلة للتطبيق و لكنها تقترب من تطبيقها على الحاجات الضرورية المهمة، و حالات الفقر و العوز أكثر من حالات الرفاه و الرخاء، بل أقرب إلى تلك التي فيها غصة الرفض و حسرة الطلب حين رفضه و مرارة بسبب تبريرات المعتذرين.

و روي عن الإمام الصادق (ع) قريب منها و هو قوله «لاَ تَسْأَلْ مَنْ تَخَافُ أَنْ يَمْنَعَكَ»، أعلام الدین، ص 304. وقد قرنها عليه السلام بأشباهها فقال: «لاَ تُحَدِّثْ مَنْ تَخَافُ أَنْ يُكَذِّبَكَ، وَ لاَ تَسْأَلْ مَنْ تَخَافُ أَنْ يَمْنَعَك،َ وَ لاَ تَثِقْ فِي مَنْ تَخَافُ أَنْ يَغْدِرَ بِكَ»، أعلام الدین، ص 304. فمجرد الخوف و الخشية و احتمال المنع و الإمساك ينبه لعدم السؤال و عدم طلب الحاجة، فضلا عن الصد أو الزجر المتوقع في بعض الحالات و النّاس.

و من كلمات أمير المؤمنين عليه السلام في هذا المقام :

«مَاءُ وَجْهِكَ جَامِدٌ يُقْطِرُهُ السُّؤَالُ فَانْظُرْ عِنْدَ مَنْ تُقْطِرُهُ»، نهج البلاغة، حكمة 346، حيث يوجّه السائل إلى خصوص من يحفظ كرامته و يستجيب لطلبته و يحافظ على ماء وجهه و شهامته و عزّته.

و في الغرر «بَذْلُ مَاءِ الْوَجْهِ فِي الطَّلَبِ أَعْظَمُ مِنْ قَدْرِ الْحَاجَةِ وَ إِنْ عَظُمَتْ وَ أُنْجِحَ فِيهَا الطَّلَبُ»، غُرر الحِكم و دُرر الكلِم، ص 313، و فيها إرشاد إلى حفظ الكرامة و المروءة للإنسان و هي حالة عظيمة ينبغي للمؤمن التمسك بها، و هي أعظم من الحاجة التي يطلبها من الآخرين و إن عظمت و علت و استجيبت من المسؤول، فيسعى إلى أن يتفادى سؤال الآخرين.

على أنّ طلب الحاجة ممن يستحقها نعمة له و منافعها و فوائدها تعود إليه أي المسؤول صاحب المعروف و النعمة أو العطاء أكثر مما تعود على السائل و صاحب الحاجة، كما روي عن أمير المؤمنين و الإمام الجواد عليهما السلام قولهما: «أَهْلُ اَلْمَعْرُوفِ إِلَى اِصْطِنَاعِهِ أَحْوَجُ مِنْ أَهْلِ اَلْحَاجَةِ إِلَيْهِ، لِأَنَّ لَهُمْ أَجْرَهُ وَ فَخْرَهُ وَ ذِكْرَهُ، فَمَهْمَا اِصْطَنَعَ اَلرَّجُلُ مِنْ مَعْرُوفٍ فَإِنَّمَا يَبْدَأُ فِيهِ بِنَفْسِهِ فَلاَ يَطْلُبَنَّ شُكْرَ مَا صَنَعَ إِلَى نَفْسِهِ مِنْ غَيْرِهِ» عوالم العلوم، ج23، ص275، بحار الأنوار، ج75، ص79. فالأجر العظيم و الفخر الكبير و الذكر الجميلا إنّما ينحصر في المسؤول المعطي لا السائل الطالب.

فالصبر مع الاستطاعة أحسن و أفضل من طلب الحوائج مطلقا، أمّا مع الاضطرار للطلب فإنّها تطلب من أهلها و أصحابها من أهل الكرامة و الشهامة و المروءة المؤهلين للعطاء من أهل الخير و الصلاح، و ممن يستجيب للسائل و يحفظ إنسانيته و كرامته.

و في الصلوات الشعبانية المروية عن الإمام زين العابدين عليه السلام و التي تستحب قراءتها في شهر شعبان المعظم في كل يوم وقت الزوال، قال عليه السلام: «اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ،..، وَارْزُقْنِي مُوَاسَاةَ مَنْ قَتَّرْتَ عَلَيْهِ مِنْ رِزْقِكَ، ،بِمَا وَسَّعْتَ عَلَيَّ مِنْ فَضْلِكَ، وَنَشَرْتَ عَلَيَّ مِنْ عَدْلِكَ، وَأَحْيَيْتَنِي تَحْتَ ظِلِّكَ».

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *