محمد جواد الدمستانيمحمد جواد الدمستاني

Loading

صفات الإنسان الكامل

«كان لي فيما مضى أخ في الله و كان ..»

نهج البلاغة – حكمة 289

محمد جواد الدمستاني

معرفة الإنسان الكامل و صفاته ضرورة مهمة للسائرين نحو الكمال و ذلك باتخاذه نموذجا و السعي في الاتصاف بصفاته، و في حكمة عظيمة لأمير المؤمنين (ع) و كل حكمه عظيمة، رويت في نهج البلاغة، في الحكمة رقم 289، وصف فيها أخاه في الله بالنموذج الكامل في دينه و أخلاقه و زهده و جهاده و شجاعته و مخالفته لهواه.

و إن أُريد وضع عنوان لهذه الحكمة فالمناسب أن يكون صفات الشخص الكامل أو خصائص الإنسان المثالي، أو الإنسان النموذجي.

و ذكر أمير المؤمنين (ع) في هذه الكلمة عدة صفات وخصائص لأخيه في الله الذي مضى، أولها: «وَ كَانَ يُعْظِمُهُ فِي عَيْنِي صِغَرُ الدُّنْيَا فِي عَيْنِهِ».

وآخر الحكمة أمر أمير المؤمنين (ع) بلزوم هذه الصفات و العمل بها : «فَعَلَيْكُمْ بِهَذِهِ الْخَلَائِقِ فَالْزَمُوهَا وَتَنَافَسُوا فِيهَا».

قال (ع): «كَانَ لِي فِيمَا مَضَى أَخٌ فِي اللَّهِ» فلم يذكر اسم أخيه الذي يعنيه، و كأنّ أخاه ليس حاضرا وقت كلامه (ع)، بل رحل من الدّنيا، و الأخوة التي يعنيها هنا هي الأخوة الإيمانية أو الدينية و هي أعم من النَسَبية.

أما الأخ المشار إليه هنا في الكلام فقد اختلف فيه و من يعنيه فقال قوم أنّه كان يعني رسول الله صلى الله عليه و آله.

و قيل أنّه يعني أبو ذر الغفاري، و قيل أنه عثمان بن مظعون، و قيل المقداد بن عمرو، و قد يُضاف إليهم بعض أصحابه (ع) مثل مالك الأشتر أو عمّار بن ياسر أو غيرهما مع اختلاف في انطباق بعض الصفات على المحتملين.

و قيل إنه ليس بإشارة إلى أخ معين، و لكن هذا الكلام عام كالمثل، و مثل قول كلمة يا صاحبي، و قلت لصاحبي و هذا جاري عند العرب.

وقيل: أنه أراد مثال و نموذج الأخ الكامل دون النظر إلى شخص معين، و يعني الشخص المثالي الذي يجب أن يُقتدى به و يكون أسوة فهذه صفاته.

لكن الأهم هو الاقتداء بصفاته التي يذكرها الإمام (ع) و العمل بها و السعي في الكمال الذي يريده عليه السلام.

أما لفظ (أخي) فقد قاله النبي (ص) لأمير المؤمنين (ع) في عدة مناسبات، و تكرر قول النبي (ص) مخاطبا الإمام (ع) أنت أخي، و أين أخي، نحو «أَنْتَ أَخِي وَ صَاحِبِي»[1]، «أَنْتَ أَخِي وَ وَزِيرِي وَ صَاحِبِي مِنْ أَهْلِي»[2]، «يا علي أنت أخي و أنا أخوك في الدنيا والآخرة»[3]، و في كتاب سليم عن أمير المؤمنين (ع): «وَ لاَ نَزَلَتْ بِرَسُولِ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ شَدِيدَةٌ قَطُّ وَ لاَ كَرَبَهُ أَمْرٌ وَ لاَ ضِيقٌ وَ لاَ مُسْتَصْعَبٌ مِنَ اَلْأَمْرِ إِلاَّ قَالَ أَيْنَ أَخِي عَلِيٌّ»[4].

و كذا قال أمير المؤمنين (ع) للنبي في عدة مواضع (أخي)، و في الديوان المنسوب لأمير المؤمنين (ع)، قال:

مُحَمَدٌ النَّبيُّ أَخي وَصِهري وَحَمزَةُ سَيِّدِ الشُهداءِ عَمّي

وَجَعفَرٌ الَّذي يُضحي وَيُمسي يَطيرُ مَعَ المَلائِكَةِ اِبنَ أُمّي

و قال عليه السلام : «فَإِنَّ رَسُولَ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ رَضِيَنِي لِنَفْسِهِ أَخاً وَ اِخْتَصَّنِي لَهُ وَزِيراً»[5].

و من النقاط المهمة التي تساعد في فهم التاريخ الاسلامي و منزلة أمير المؤمنين (ع) و أُخُوّته معرفة أنّ النبي (ص) تربى في بيت كافله و حاميه عمه أبي طالب (ع)، كما نشأ لاحقا الإمام (ع) و تربى في بيت رسول الله (ص)، و منه تعلّم الآيات و الحكم.

و في التسمية سمى الإمامُ عليه السلام عثمانَ بن مضعون أخي، و روي عنه (ع) في تسمية ابنه عثمان و أمه أم البنين (أم العباس و أخوته)، قوله (ع): «إِنَّمَا سَمَّيْتُهُ بِاسْمِ أَخِي عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ»[6]، و عثمان بن مظعون أخو النبي (ص) من الرضاعة.

و ذكر عليه السلام عدة صفات لأخيه في الله الذي مضى، و أولها:

«وَ كَانَ يُعْظِمُهُ فِي عَيْنِي صِغَرُ الدُّنْيَا فِي عَيْنِهِ».

الصفة الأولى هي صغر الدّنيا في عينه، و صغرها كناية عن الزهد في الدّنيا و عدم المبالات فيها و زخارفها و عدم التشبث بها و متاعها، و النظر إليها باحتقار، و مداه هو عدم الأسى على ما فاته و عدم الفرح بما آتاه، كما روي عنه (ع) في نهج البلاغة، «الزُّهْدُ كُلُّهُ بَيْنَ كَلِمَتَيْنِ مِنَ الْقُرْآنِ، قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ: «لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى ما فاتَكُمْ وَ لا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ»[7]، وَ مَنْ لَمْ يَأْسَ عَلَى الْمَاضِي وَ لَمْ يَفْرَحْ بِالْآتِي فَقَدْ أَخَذَ الزُّهْدَ بِطَرَفَيْهِ»[8].

و المعنى هو أنّ نظري و نظرتي إلى أخي هذا بتعظيم و تَبجِيل و إِحترام و توقِير بسبب نظرتِهِ إلى الدنيا باحتقار و استصغار و استخفاف، فإنّ هذه النظرة من صِغَر الدنيا في عين أخي هي التي تجعله عظيما في عيني.

لكن ما السبب الذي يجعل الدنيا صغيرة في عينه؟ ذلك ذكره أمير المؤمنين في خطبة المتقين و التي بيّن (ع) فيها صفات المتقين و فيها ذكر السبب في صغر الدنيا في أعينهم، في قوله (ع): «عَظُمَ الْخَالِقُ فِي أَنْفُسِهِمْ فَصَغُرَ مَا دُونَهُ فِي أَعْيُنِهِمْ»[9].

و هذا الأخ عظم الخالق في نفسه، فصغرت الدّنيا في عينه، فعظم في عين أمير المؤمنين عليه السلام.

و خطبة صفات المتقين عظيمة و من الضروري تدارسها و التزود منها، و لا أقل قراءتها بين مدة و أخرى، قال (ع): «فَالْمُتَّقُونَ فِيهَا هُمْ أَهْلُ الْفَضَائِلِ، مَنْطِقُهُمُ الصَّوَابُ، وَ مَلْبَسُهُمُ الِاقْتِصَادُ، وَ مَشْيُهُمُ التَّوَاضُعُ، … عَظُمَ الْخَالِقُ فِي أَنْفُسِهِمْ فَصَغُرَ مَا دُونَهُ فِي أَعْيُنِهِمْ، فَهُمْ وَ الْجَنَّةُ كَمَنْ قَدْ رَآهَا فَهُمْ فِيهَا مُنَعَّمُونَ، وَ هُمْ وَ النَّارُ كَمَنْ قَدْ رَآهَا فَهُمْ فِيهَا مُعَذَّبُونَ ..»[10].

«وَ كَانَ خَارِجاً مِنْ سُلْطَانِ بَطْنِهِ فَلَا يَشْتَهِي مَا لَا يَجِدُ وَ لَا يُكْثِرُ إِذَا وَجَدَ»

الصفة الثانية هي سيطرته على بطنه و غريزته، و سلطان البطن أو الرغبة في الأكل حالة فطرية غريزية في كل إنسان لإشباع الحاجة عند الجوع و إلا يموت الإنسان و ينتهي، و مراد الإمام عليه السلام أنّه يسيطر على حجم و مقدار أطعمته و أشربته فهو يستجيب لبطنه و غريزته بمقدار الحاجة فقط و ليس أكثر، فلا يفرط فيما يدخله بطنه، و لا يتخم من كثرة الأكل.

«فَلَا يَشْتَهِي مَا لَا يَجِدُ وَ لَا يُكْثِرُ إِذَا وَجَدَ»، يأكل ما يجده و لا يشتهي مالا يجده، بل يصبر و يقنع، و لا يتكلّف و يتكبّد للحصول على ما لا يجده.

ثم أنّه إذا وجد طعاما لا يكثر منه بل يأكل بمقدار الحاجة اللازمة دون زيادة و إفراط، فهو ليس ليس أسيرا لبطنه و غريزة الأكل، بل هو خارج من سلطان بطنه و غريزته و من سلطتِها و سيطرتِها، و لديه الوعي و الإرادة الكافية لذلك.

و الكلام به دعوة إلى الاعتدال في الطعام و عدم الافراط، و هو مهم جدا و فيه محافظة على صحة الجسم و الوقاية من الأمراض، و في السيطرة على الغريزة، كذلك في تقوية الإرادة، و الخروج من من دائرة الحرص و الطمع.

أمّا إعطاء النفس رغبتها في الطعام و في الأكل دون ضبط فهو يؤدي إلى المرض ثم الموت، و أكثر الأمراض بسبب هذا الإكثار من الأكل، و لذا الصوم وقاية للبدن «صوموا تصحوا»[11] ، كما أنّ زيادة الأجسام و تضخم الكروش سببها الافراط في الطعام، حيث يتمدد البطن لاستيعاب الطعام و يتفرع عليه مخاطر و آثار سلبية.

و في الرواية عن رسول الله (ص): «نحن قوم لا نأكل حتى نجوع، وإذا أكلنا لا نشبع»[12]، و يروى عنه (ص): «ما مَلَأَ آدَمِيٌّ وِعاءً شَرّاً مِن بَطنِهِ»[13].

و روي أمير المؤمنين (ع) في نهج البلاغة ، «فَمَا خُلِقْتُ لِيَشْغَلَنِي أَكْلُ الطَّيِّبَاتِ»[14]، و ينقل عنه (ع) في ليالي شهر رمضان الذي استشهد فيه و في الليلة التي ضُرب فيها أنّ أكله كان بسيطا و قيل له في ذلك فقال:«إنما هي ليال قلائل، حتى يأتي أمرُ الله و أنا خميص البطن»[15].

و في الكافي و كتب أخرى روي «و كَانَ خَارِجاً مِنْ سُلْطَانِ فَرْجِه،..، و كَانَ خَارِجاً مِنْ سُلْطَانِ الْجَهَالَةِ»، و النص في تمام نهج البلاغة أكبر، «وَكَانَ خَارِجاً مِنْ سُلْطَانِ بطَنْهِ ، فَلا يَشْتَهي مَا لا يَجِدُ، وَلا يُكْثِرُ إِذَا وَجَد، وَ كَانَ خَارِجاً مِنْ سُلْطَانِ فرَجْهِ، فَلَا يَسْتَخِفُّ لَهُ عقَلُهُ وَ لَا رَأْيُهُ، وَ كَانَ خَارِجاً مِنْ سُلْطَانِ جَهْلِهِ، فَلَا يَمُدُّ يَداً إِلّا عَلى ثِقَةِ الْمَنْفَعَةِ، وَ لَا يَخْطُو خُطْوَةً إِلّا لِحَسَنَةٍ»[16].

و مما يروى عنه عليه السلام أنّه يوما أكل طعاما بسيطا ثم شرب عليه الماء، و ضرب يده على بطنه ثم قال: «من أدخله بطنه النار فأبعده الله»[17].

«وَ كَانَ أَكْثَرَ دَهْرِهِ صَامِتاً فَإِنْ قَالَ بَذَّ الْقَائِلِينَ وَ نَقَعَ غَلِيلَ السَّائِلِينَ».

الصفة الثالثة: و كان أكثر دهره صامتا يلتزم الهدوء و السكوت، فلا يتكلم كثيرا، فَإِنْ قَالَ و تكلم «بَذَّ الْقَائِلِينَ» و تفوق عليهم و غلبهم لحسن كلامه و فائدته و أهميته و فصيح بلاغته، «وَ نَقَعَ غَلِيلَ السَّائِلِينَ» و أزال عطشهم بالفائدة، أو لما يرون في كلامه من الحكمة و الأهمية و الفائدة.

فهو قليل الكلام فلا يتكلم فيما لا يعنيه، أو بكلام لا فائدة فيه، أو فضول أو ثرثرة، بل يتكلم للفائدة من نصيحة أو علم و تعليم و إرشاد، أو قول بمعروف او نهي لمنكر، و هذا دليل كمال العقل كما يقول أمير المؤمنين (ع) : «إِذَا تَمَّ الْعَقْلُ نَقَصَ الْكَلَامُ»[18].

لكن الصمت من حيث هو صمت مرجوح، و ليس من صفة الإنسان الذي أعطاه الله نعمة اللسان ليتكلم به أن يسكت، قال تعالى: «خَلَقَ اَلْإِنْسَانَ عَلَّمَهُ اَلْبَيَانَ»[19]، فالبيان بالكلام.

و بهذا يحمل كلام أمير المؤمنين (ع) و العلماء و الحكماء في مدح الصمت و السكوت على ما يقابله من الكلام عديم الفائدة، أو الكلام في الباطل، أو الكلام بالجهل و ليس مطلق الكلام، و في هذا المعنى عدد من الروايات عنه (ع): منها:

«لَا خَيْرَ فِي الصَّمْتِ عَنِ الْحُكْمِ كَمَا أَنَّهُ لَا خَيْرَ فِي الْقَوْلِ بِالْجَهْلِ»[20]، و عنه (ع): «لَا خَيْرَ فِي الصَّمْتِ عَنِ الْحِكْمَةِ كَمَا أَنَّهُ لَا خَيْرَ فِي الْقَوْلِ بِالْبَاطِلِ»[21]، و «الْقَوْلُ بِالْحَقِّ خَيْرٌ مِنَ الْعِيِّ وَ الصَّمْتِ»[22]، و «أَحْسَنُ الصَّمْتِ مَا كَانَ عَنِ الزَّلَلِ»[23].

و من آثار الصمت الهيبة كما روي عنه عليه السلام «بِكَثْرَةِ الصَّمْتِ تَكُونُ الْهَيْبَةُ»[24]، و الوقار«بِالصَّمْتِ يَكْثُرُ الْوَقَارُ»[25]، و النجاة «الصَّمْتُ نَجاةٌ»[26].

و في روايات متعددة يبيّن الإمام عليه السلام أهمية الصمت: «لَا عِبَادَةَ كَالصَّمْتِ»[27]، «لَا حِلْمَ كَالصَّمْتِ»[28]، «لَا وَقَارَ كَالصَّمْتِ»[29]، «لَا حَافِظَ أَحْفَظُ مِنَ الصَّمْتِ»[30]، «لَا خَازِنَ أَفْضَلُ مِنَ الصَّمْتِ»[31].

«وَ كَانَ ضَعِيفاً مُسْتَضْعَفاً فَإِنْ جَاءَ الْجِدُّ فَهُوَ لَيْثُ غَابٍ وَ صِلُّ وَادٍ لَا يُدْلِي بِحُجَّةٍ حَتَّى يَأْتِيَ قَاضِياً».

الصفة الرابعة: تواضعه و زهده، و شجاعته و بأسه، وقوة حُجته.

كان «ضَعِيفاً مُسْتَضْعَفاً»، كناية عن تواضعه و ذلَّته للَّه، و بساطته و عدم تكلفّه، و زهده مما قد يحسبه الجاهل من أهل الذلة.

«فَإِنْ جَاءَ الْجِدُّ فَهُوَ لَيْثُ غَابٍ وَ صِلُّ وَادٍ»، ممكن أن تكون كناية عن الشجاعة و السرعة و المباغتة، أي أنّ هذا الأخ و إن كان من أهل الزهد و التواضع والتذلل لله، و لكنه في مواطن الجدّ و الحرب من أهلها و إذا جد الجدّ و الحرب و الظروف الصعبة، فهو «ليث غاب» أي أسد الغابة كناية عن سطوته ونكايته بالعدوّ و شجاعته، و «صلّ واد» أي حية الوادي كناية ربما عن سرعته و مباغتته، أي يكون في مواطن الحرب من أهلها، و من أهل الشجاعة و السطوة في الحرب، و ينكر المنكر، و يدافع عن حقه، ويصون كرامته، و يضحي بنفسه في سبيل الحق.

الشجاعة و النكاية بالعدوّ و كذلك حية الوادي تذكر بمالك الأشتر النخعي الذي كان يروى عنه في صفين في أحد مواقفه أنّه أخذ اللواء ثم حمل و هو يقول:

إني أنا الأشتر معروف الشتر إني أنا الأفعى العراقيُّ الذَّكر [32]

«لَا يُدْلِي بِحُجَّةٍ حَتَّى يَأْتِيَ قَاضِياً»، كان على علمه لا يتسرع بالحجة بل يسكت و يصبر، و لكنه إذا لزم الأمر بيان حجته يأتي بها بالغة مفحمة للآخر.

و روي عنه عليه السلام عدد من الروايات في الشجاعة، قال (ع):

«زَكَاةُ الشَّجَاعَةِ الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ»[33].

و «السَّخَاءُ وَ الشَّجَاعَةُ غَرَائِزُ شَرِيفَةٌ يَضَعُهَا اللَّهُ سُبْحَانَهُ فِيمَنْ أَحَبَّهُ وَ امْتَحَنَهُ»[34].

و في التواضع روي عنه (ع):

«وَ بِالتَّوَاضُعِ تَتِمُّ النِّعْمَةُ»[35]، «التَّوَاضُعُ ثَمَرَةُ الْعِلْمِ»[36]، «التَّوَاضُعُ عُنْوَانُ النُّبْلِ»[37].

«وَ كَانَ لَا يَلُومُ أَحَداً عَلَى مَا يَجِدُ الْعُذْرَ فِي مِثْلِهِ حَتَّى يَسْمَعَ اعْتِذَارَهُ».

الصفة الخامسة: و كان لا يلوم أحدا على أمر يحتمل العذر فيه إلا بعد سماع الاعتذار فإن كان هناك عذر قبله، و بمعنى أنّه يحمل النّاس على حسن الظن ابتداء و عدم التسرع في الحكم لاحتمال وجود عذر أو مسوغ يسبق اللوم، فإذا لم يجد له عذرا مقبولا أو تبريرا أو حجة، يتفرع موضوع اللوم و العتاب، أو النصح أو الارشاد أو التحذير.

و في نهج البلاغة أيضا روي عن الإمام (ع): «لَا تَظُنَّنَّ بِكَلِمَةٍ خَرَجَتْ مِنْ أَحَدٍ سُوءاً وَ أَنْتَ تَجِدُ لَهَا فِي الْخَيْرِ مُحْتَمَلًا»[38].

و روى في الكافي عن أمير المؤمنين عليه السلام: «ضَعْ أَمْرَ أَخِيكَ عَلَى أَحْسَنِه حَتَّى يَأْتِيَكَ مَا يَغْلِبُكَ مِنْه، ولَا تَظُنَّنَّ بِكَلِمَةٍ خَرَجَتْ مِنْ أَخِيكَ سُوءاً وأَنْتَ تَجِدُ لَهَا فِي الْخَيْرِ مَحْمِلًا»[39].

ضع أمر أخيك على أحسنه أي احمل ما صدر عن أخيك من قول أو فعل و أنت في شك منه أو لا ترتضيه على أحسن احتمالاته حتى يأتيك منه ما لا يمكنك تأويله فتبني عليه بتعقل و تبصّر.

قال تعالى «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ»[40].

«وَ كَانَ لَا يَشْكُو وَجَعاً إِلَّا عِنْدَ بُرْئِهِ».

الصفة السادسة: هي أنّه كان لا يشكو ما ينزل به من الأمراض و الأوجاع للنّاس و ذلك عملا بالتسليم لأحكام اللَّه و رضاه بها، و إنّما قد يتحدث بمرضه أو وجعه و آلامه بعد برئه على سبيل الإخبار دون الشكاية، و يتحدث عن الوجع شكرا لله على نعمه و أفضاله.

و في نهج البلاغة قال (ع): «مَنْ شَكَا الْحَاجَةَ إِلَى مُؤْمِنٍ فَكَأَنَّهُ شَكَاهَا إِلَى اللَّهِ، وَ مَنْ شَكَاهَا إِلَى كَافِرٍ فَكَأَنَّمَا شَكَا اللَّهَ»[41].

و في كتب الحديث و الوسائل باب في استحباب كتم المرض و ترك الشكوى منه.

و روي عن الإمام الباقر (ع) أنّه قال، قال رسول الله (ص) «قَالَ اللَّه عَزَّ وجَلَّ مَنْ مَرِضَ ثَلَاثاً فَلَمْ يَشْكُ إِلَى أَحَدٍ مِنْ عُوَّادِه أَبْدَلْتُه لَحْماً خَيْراً مِنْ لَحْمِه و دَماً خَيْراً مِنْ دَمِه، فَإِنْ عَافَيْتُه عَافَيْتُه و لَا ذَنْبَ لَه، و إِنْ قَبَضْتُه قَبَضْتُه إِلَى رَحْمَتِي»[42].

و قال (ص): «مِن كُنوزِ البِرِّ: كِتمانُ المَصائبِ، و الأمراضِ، و الصَّدَقَةِ»[43].

و في الخصال عن أمير المؤمنين (ع): «مَن كَتَمَ وَجَعاً أصابَهُ ثلاثةَ أيّامٍ مِن‌النّاسِ و شَكا إلَى اللَّهِ، كانَ حَقّاً علَى اللَّهِ أن يُعافِيَهُ مِنهُ»[44].

وفي باب حدّ الشكاية روي أنّ الشكاية ليست بمعنى إخبار الغير بالمرض، فعادة المرضى الإخبار و لو لأقاربهم بمرضهم، و بعض الأمراض ظاهرة لا يمكن إخفائها، بل الشكاية بمعنى التبرم أو الاحتجاج و عد الرضا، و الادّعاء بأنه وحيد بهذا المرض ولم يُصب به غيره، ففي الرواية عن الإمام الصّادق (ع) «لَيسَتِ الشِّكايَةُ أن يَقولَ الرّجُلُ : مَرِضتُ البارِحَةَ، أو وَعَكتُ البارِحَةَ، ولكنّ الشِّكايَةَ أن يقولَ: بُلِيتُ بما لَم يُبْلَ بهِ أحدٌ»[45].

و يوجد في كتب الحديث باب في استحباب ايذان المريض اخوانه بمرضه، و إخبار إخوانه المؤمنين ليس بشكوى، بل هي مفيدة في الدّعاء له بالشفاء و الفرج و التضامن معه، أو تقديم ما يمكن من العلاج، أو قيمة العلاج، لكنها ربما تجر سوء كفرح الشامتين و الأعداء، و حزن الأهل و المحبين و الأصحاب.

«وَ كَانَ يَقُولُ مَا يَفْعَلُ وَ لَا يَقُولُ مَا لَا يَفْعَلُ».

الصفة السابعة: وَ كَانَ يَقُولُ مَا يَفْعَلُ، أي كان يقول الذي يفعله و يطابق فِعْلُه قَوْلَه.

وَ لَا يَقُولُ مَا لَا يَفْعَلُ فهو صادقٌ يتنزه عن الكذب، و وفيّ يلتزم بوعوده و عهوده، فهو ملتزم بالصدق و الوفاء، و لا يوعد بما لا يستطيع، أو ما يعجز عنه.

قال الله تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّـهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ»[46].

إنّ من الصفات الأساسية للمؤمن الصادق هو تطابق و توافق بين أقواله و أفعاله، فإذا لم تتوافق و صار تباعد و تباين بين الأقوال و الأفعال فلخلل يوجد في إيمانه.

و لعموم الإنسان فإنّ القول ينبغي أن يقترن بالفعل في أي موقع كان و إلا عرّض صاحبُه نفسَه لعدم الثقة و المصداقية و اللّوم و الاحراج و المشاكل.

و في نهج البلاغة ضمن عهد الإمام علي (ع) العظيم لمالك الأشتر حين ولاّه مصر، قال (ع): وَ إِيَّاكَ .. أَنْ تَعِدَهُمْ فَتُتْبِعَ مَوْعِدَكَ بِخُلْفِكَ،..، وَ الْخُلْفَ يُوجِبُ الْمَقْتَ عِنْدَ اللَّهِ وَ النَّاسِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى «كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا ما لا تَفْعَلُونَ»[47]، فخُلف الوعد يوجب البُغض عند الله و عند النّاس.

و قد روي عنهم عليهم السلام كثير من الروايات في الصدق و الوفاء بالعهود، و في نهج البلاغة: «إِنَّ الْوَفَاءَ تَوْأَمُ الصِّدْقِ»[48]، و يروى عن الإمام زين العابدين (ع): «خَيرُ مَفاتيحِ الامورِ الصِّدقُ، و خَيرُ خَواتيمِها الوَفاءُ»[49].

«وَ كَانَ إِذَا غُلِبَ عَلَى الْكَلَامِ لَمْ يُغْلَبْ عَلَى السُّكُوتِ».

الصفة الثامنة: كان حكيما في كلامه و سكوته.

إِذَا غُلِبَ عَلَى الْكَلَامِ، ممكن تصوره بعدة حالات ، قد تكون:

– الذي يتحدث معه، أتاه بحجة أقنعته أو بدليل قاطع أقنعه، فسكت و لم يعقب أو يعلق أو يكابر.

– أو سمع الحق من المتحدث معه و قَبِل و سَلَّم رضوخا للحق فسكت.

– أو لم يمهله متحدُثُه في بيان كلامه، أو لم يعطه فرصة للكلام، فوجد أنّ السكوت أفضل فالتزمه.

– و قد يكون لارتفاع الأصوات و ضجيج الكلام ففضل السكوت على الردّ و الانفعال.

فإذا حصل ذلك و «غُلِبَ عَلَى الْكَلَامِ، لَمْ يُغْلَبْ عَلَى السُّكُوتِ» أي أنّه يترك المماراة و المجادلة و المغالبة في الأقوال و يعدل إلى السكوت.

و بالتالي لا يعتبر الكلام في ذاته ربحا و السّكوت خسارة، بل الحكمة و الحكيم يعلم مواضع السكوت و مواضع الكلام، و متى يسكت و متى يتكلم، و هنا من الحكمة أن يسكت لا أن يجادل.

و يقابل ذلك، إنّ هناك من «إذا غُلِبَ عَلَى الْكَلَامِ» لا يسكُت، بل يعاند و يحاجج و يتطاول بلسانه و يرمى بكلامه، و قد يخرج عن أدبه، أي أنه يُغلب عَلَى الْكَلَامِ و يُغْلَب عَلَى السُّكُوتِ ايضا.

و هذا يرجع إلى رعاية الكلام و صيانة اللسان، و معرفة مواقع السكوت و مواقع الكلام، و يروى عن أمير المؤمنين (ع) عدة حُكم عظيمة في هذا الشأن، منها :«لَا تَتَكَلَّمَنَّ إِذَا لَمْ تَجِدْ لِلْكَلَامِ مَوْقِعاً»[50]، «لَا تَتَكَلَّمْ بِكُلِّ مَا تَعْلَمُ فَكَفَى بِذَلِكَ جَهْلًا»[51]، «لِكُلِّ مَقَامٍ مَقَالٌ»[52]، «لَا تُحَدِّثْ بِمَا تَخَافُ تَكْذِيبَهُ»[53]، «لَا تَقُولَنَّ مَا يَسُوؤُكَ جَوَابُهُ»[54].

و روي عن النبي (ص) : «مَنْ كانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْراً أَوْ لِيَسْكُتْ»[55].

قال تعالى: «وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ ۚ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنسَانِ عَدُوًّا مُّبِينًا»[56].

«وَ كَانَ عَلَى مَا يَسْمَعُ أَحْرَصَ مِنْهُ عَلَى أَنْ يَتَكَلَّمَ».

الصفة التاسعة: سماعه أكثر من كلامه.

كان أحرص على الاستماع منه على التكلّم، و لعل هذا ناشئ من الرغبة في الاستفادة، و بالحكمة حث على الاستماع و التعلّم و الاستفادة، و يقابله كثرة الكلام و قلة الاستماع.

و الحالة العادية عند عموم الناس هي أنّ الإنسان يستمع أكثر مما يتكلم، و هو واحد و النّاس كثيرون، و لكن قد تجد من النّاس من يرغب في كثرة الكلام بطريقة ملفتة أكثر من استماعه.

وحالة كثرة الكلام مذمومة و لها آثار على المتكلم، و لأمير المؤمنين (ع) روايات كثيرة في هذا:

بعضها يشير إلى أنّ كثرة الكلام يؤدي إلى الخطأ و الزلل، مثل:

«وَ مَنْ كَثُرَ كَلَامُهُ كَثُرَ خَطَؤُهُ وَ مَنْ كَثُرَ خَطَؤُهُ قَلَّ حَيَاؤُهُ وَ مَنْ قَلَّ حَيَاؤُهُ قَلَّ وَرَعُهُ وَ مَنْ قَلَّ وَرَعُهُ مَاتَ قَلْبُهُ وَ مَنْ مَاتَ قَلْبُهُ دَخَلَ النَّارَ»[57].

بعضها يشير إلى أنّ كثرة الكلام تورث الملل و الضجر، مثل:

«إِيَّاكَ وَ كَثْرَةَ الْكَلَامِ فَإِنَّهُ يُكْثِرُ الزَّلَلَ وَ يُورِثُ الْمَلَلَ»[58]، «قُرِنَ الْإِكْثَارُ بِالْمَلَلِ»[59].

و منها أنّه يسبّب اللوم و العتاب:

«مَنْ كَثُرَ كَلَامُهُ كَثُرَ مَلَامُهُ»[60].

و منها أنّه يسبّب اللغَط و الضَجَّيج:

«مَنْ كَثُرَ كَلَامُهُ كَثُرَ لَغَطُهُ»[61]، و اللَغَط تأتي بمعنى اختلاط الأصوات و تداخلها و عدم وضوحها.

و منها أنّه يسبّب الهِجران:

«مَنْ أَكْثَرَ هُجِرَ»[62]، فكثير الكلام يهجره النّاس و يبتعدون عنه.

بينما قلة الكلام ممدوحة و تقلل الخطأ و الذنوب، و في الرواية عن أمير المؤمنين (ع): «قِلة الكَلَامِ تَستُرُ العُيُوبَ، وَ تُقَلّلُ الذُّنُوبَ»[63].

«وَ كَانَ إِذَا بَدَهَهُ أَمْرَانِ يَنْظُرُ أَيُّهُمَا أَقْرَبُ إِلَى الْهَوَى فَيُخَالِفُهُ».

الصفة العاشرة: مخالفة الهوى

الصفة الأخيرة التي ذكرها أمير المؤمنين (ع) لأخيه في الله من صفات أو خصائص الإنسان الكامل هي مخالفته لهواه فكان إذا طرأ عليه أو فاجأَه أمران ينظر و يفكر في أيّهما أقرب إلى الهوى أو الميل النّفسي و الرغبة النفسية فيُخالفه، و يعمل الآخر الأبعد عن الهوى، و بمعنى أنّه يملك نفسَه و لا تملكه نفسُه، و يسيطر على رغباتِه و لا تسيطر عليه رغباتُه، و لديه إرادة قوية و قدرة في الاختيار و العزم.

و يروى قريب من هذه الحكمة عن الإمام الكاظم (ع): «إذا مَرَّ بكَ أمرانِ لا تَدري أيُّهُما خَيرٌ وأصوَبُ، فانظُرْ أيُّهُما أقرَبُ إلى هواكَ فخالِفْهُ ، فإنَّ كَثيرَ الصَّوابِ في مُخالَفَةِ هَواكَ»[64].

أيّ في حالة وجود خيارين أو طريقين لديه «لا يَدري أيُّهُما خَيرٌ وأصوَبُ» يختار ما يخالف هواه، أمّا إذا كان يعلم أنّ أحد الأمرين خَيرٌ و أصوَبُ فإنّه يختاره مباشرة، فإذا كان أحد الأمرين فيه رضا الله يعمله و يتجنب ما ليس ما ليس فيه رضا الله، و إذا كان يوافق دينه و شرعي يعمله و يبتعد عمّا لا يوافق دينه و شرعه، و يعمل ما فيه الهداية و الرشاد و الاستقامة و يتجنب ما ليس كذلك، و يعمل ما يلائم الأخلاق و يتجنب ما يخالفه، و هكذا في الترجيح بين الخيارات.

و الكلام حول مخالفة هوى النفس مهم، و الروايات عنهم عليهم السلام في ذلك كثيرة:

و قد رُوي عن رسول الله (ص): «الشَّدِيدُ مَنْ غَلَبَ نَفْسَهُ»‏[65]، أي القوي و صاحب الإرادة و الإيمان هو من يغلب هواه و يخالفه، و ليس رضاه أو سخطه عن هوى بل مطابقة للحق.

و في الرواية عن الإمام الصادق (ع) : «لَا تَدَعِ النَّفْسَ وَ هَوَاهَا، فَإِنَّ هَوَاهَا فِي رَدَاهَا، وَ تَرْكُ النَّفْسِ وَ مَا تَهْوَى أَذَاهَا، وَ كَفُّ النَّفْسِ عَمَّا تَهْوَى دَوَاهَا»[66].

و عن أمير المؤمنين (ع): «اِقْمِعُوا هَذِهِ اَلنُّفُوسَ فَإِنَّهَا طُلَعَةٌ إِنْ تُطِيعُوهَا تَزِغْ بِكُمْ إِلَى شَرِّ غَايَةٍ»[67]، و «اِغْلِبُوا أَهْوَائَكُمْ وَ حَارِبُوهَا فَإِنَّهَا إِنْ تُقَيِّدْكُمْ تُورِدْكُمْ مِنَ اَلْهَلَكَةِ أَبْعَدَ غَايَةٍ»[68].

و قال الامام محمد بن علي الجواد (ع): مَنْ أَطَاعَ هَوَاهُ، أَعْطَى عَدُوَّهُ مُنَاهُ‏»[69].‏ 

قال الله تعالى في كتابه الكريم: «وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَىٰ فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَىٰ»[70].

«فَعَلَيْكُمْ بِهَذِهِ الْخَلَائِقِ فَالْزَمُوهَا وَ تَنَافَسُوا فِيهَا فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِيعُوهَا فَاعْلَمُوا أَنَّ أَخْذَ الْقَلِيلِ خَيْرٌ مِنْ تَرْكِ الْكَثِيرِ».

و خاتمة الحكمة أمر من أمير المؤمنين (ع) بالالتزام بهذه الصفات و الخصائص و التنافس فيها، فبعد أن ذكر صفات و خصائص الأخ الكامل من صغر الدّنيا في عينه، و سيطرته على بطنه و غرائزه، و صمته و سكوته، و تواضعه و شجاعته، و عدم شكايته من المرض، و تطابق أفعاله مع أقواله، و عدم غلبه على السكوت، و سماعه، و مخالفته لهواه، أمر عليه السلام بالاقتداء بها ، وهو الغرض من هذا الكلام أن يقتدي من سمع الكلام أو وصل إليه بهذه الصفات و الفضائل، و أخذها و العمل بها و التنافس فيها كلها، فإن لم يمكن فببعضها.

و هو درس للمؤمن و للأمة من أمير المؤمنين (ع) في تعلم هذه الصفات و التخلق و أن يكون تقييم الناس بالصفات و الفضائل و الخصائص النبيلة التي يتمتعون بها، و المؤهلات التي يتمتعون بها.

و الحكمة في نهج البلاغة كاملة ، هي:

« كَانَ لِي فِيمَا مَضَى أَخٌ فِي اللَّهِ وَ كَانَ يُعْظِمُهُ فِي عَيْنِي صِغَرُ الدُّنْيَا فِي عَيْنِهِ وَ كَانَ خَارِجاً مِنْ سُلْطَانِ بَطْنِهِ فَلَا يَشْتَهِي مَا لَا يَجِدُ وَ لَا يُكْثِرُ إِذَا وَجَدَ وَ كَانَ أَكْثَرَ دَهْرِهِ صَامِتاً فَإِنْ قَالَ بَذَّ الْقَائِلِينَ وَ نَقَعَ غَلِيلَ السَّائِلِينَ وَ كَانَ ضَعِيفاً مُسْتَضْعَفاً فَإِنْ جَاءَ الْجِدُّ فَهُوَ لَيْثُ غَابٍ وَ صِلُّ وَادٍ لَا يُدْلِي بِحُجَّةٍ حَتَّى يَأْتِيَ قَاضِياً وَ كَانَ لَا يَلُومُ أَحَداً عَلَى مَا يَجِدُ الْعُذْرَ فِي مِثْلِهِ حَتَّى يَسْمَعَ اعْتِذَارَهُ وَ كَانَ لَا يَشْكُو وَجَعاً إِلَّا عِنْدَ بُرْئِهِ وَ كَانَ يَقُولُ مَا يَفْعَلُ وَ لَا يَقُولُ مَا لَا يَفْعَلُ وَ كَانَ إِذَا غُلِبَ عَلَى الْكَلَامِ لَمْ يُغْلَبْ عَلَى السُّكُوتِ وَ كَانَ عَلَى مَا يَسْمَعُ أَحْرَصَ مِنْهُ عَلَى أَنْ يَتَكَلَّمَ وَ كَانَ إِذَا بَدَهَهُ أَمْرَانِ يَنْظُرُ أَيُّهُمَا أَقْرَبُ إِلَى الْهَوَى فَيُخَالِفُهُ فَعَلَيْكُمْ بِهَذِهِ الْخَلَائِقِ فَالْزَمُوهَا وَ تَنَافَسُوا فِيهَا فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِيعُوهَا فَاعْلَمُوا أَنَّ أَخْذَ الْقَلِيلِ خَيْرٌ مِنْ تَرْكِ الْكَثِيرِ»[71].

  1. – المناقب، ج3، ص104

  2. – الاحتجاج، ص134

  3. – الخصال، الشيخ الصدوق، ص ٥٥٦

  4. – كتاب سُليم، ج2، ص 696

  5. – الإرشاد، ج1، ص 276

  6. – بحار الأنوار، ج45، ص13

  7. – سورة الحديد، آية 23

  8. – نهج البلاغة، حكمة 439

  9. – نهج البلاغة، الخطبة 193

  10. – نهج البلاغة، خطبة 193

  11. – بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج ٥٩، ص ٢٦٧، روي عن رسول الله (ص): «صوموا تصحوا»

  12. – السيرة الحلبية، الحلبي، ج ٣، ص ٢٩٩

  13. – جواهر التصوف، يحيى بن معاذ الرازي، ص ١٢٧

  14. – نهج البلاغة، كتاب 45.

  15. – ربيع الأبرار ونصوص الأخبار، الزمخشري، ج ٣، ص ٢٠٦

  16. – تمام نهج البلاغة، السيد صادق الموسوي، ص ٣٤٨

  17. – مناقب الإمام أمير المؤمنين ( ع )، محمد بن سليمان الكوفي، ج ٢، ص٨٢

  18. – نهج البلاغة، الحكمة 71

  19. – سورة الرحمن ، آية 2-3

  20. – نهج البلاغة – حكمة 182 و471

  21. – غرر الحكم ودرر الكلم، عبد الواحد الآمدى التميمي، ص ٧٨٧

  22. – غرر الحكم ودرر الكلم، عبد الواحد الآمدى التميمي، ص ٧٨

  23. – غرر الحكم ودرر الكلم، عبد الواحد الآمدى التميمي، ص ٢٠٠

  24. – نهج البلاغة – حكمة 224

  25. – غرر الحكم ودرر الكلم، عبد الواحد الآمدى التميمي، ص ٢٩٦

  26. – عيون الحكم والمواعظ، علي بن محمد الليثي الواسطي، ص ٣٨

  27. – غرر الحكم ودرر الكلم، عبد الواحد الآمدى التميمي، ص ٧٦٨

  28. – غرر الحكم ودرر الكلم، عبد الواحد الآمدى التميمي، ص ٧٦٨

  29. – غرر الحكم ودرر الكلم، عبد الواحد الآمدى التميمي، ص ٧٦٩

  30. – غرر الحكم ودرر الكلم، عبد الواحد الآمدى التميمي، ص ٧٧٤

  31. – غرر الحكم ودرر الكلم، عبد الواحد الآمدى التميمي، ص ٧٨٠

  32. – وقعة صفين، ابن مزاحم المنقري، ص ٣٩٦

  33. – غرر الحكم ودرر الكلم، عبد الواحد الآمدى التميمي، ص ٣٩٠

  34. – غرر الحكم ودرر الكلم، عبد الواحد الآمدى التميمي، ص ٩٨

  35. – نهج البلاغة – حكمة 224

  36. – غرر الحكم ودرر الكلم، عبد الواحد الآمدى التميمي، ص ٢٨، ص ٤٦

  37. – غرر الحكم ودرر الكلم، عبد الواحد الآمدى التميمي، ص ٣٣

  38. – نهعج البلاغة، حكمة 360

  39. – الكافي – الشيخ الكليني – ج 2 – ص 362

  40. – سورة الحجرات، آية 12

  41. – نهج البلاغة – حكمة 427

  42. – الكافي، الشيخ الكليني، ج٣، ص ١١٩

  43. – الدعوات ( سلوة الحزين )، قطب الدين الراوندي، ص ١٦٧

  44. – الخصال، الشيخ الصدوق، ص ٦٣٠

  45. – معاني الأخبار، الشيخ الصدوق، ص ٢٥٣

  46. – سورة الصف، آية 2-3

  47. – نهج البلاغة، كتاب 53

  48. – نهج البلاغة، خطبة 41

  49. – أعلام الدين في صفات المؤمنين، الحسن بن محمد الديلمي، ص ٣٠٠

  50. – غرر الحكم ودرر الكلم، عبد الواحد الآمدى التميمي، ص ٧٥٠

  51. – غرر الحكم ودرر الكلم، عبد الواحد الآمدى التميمي، ص ٧٤٤

  52. – غرر الحكم ودرر الكلم، عبد الواحد الآمدى التميمي، ص ٥٤٢

  53. – غرر الحكم ودرر الكلم، عبد الواحد الآمدى التميمي، ص ٧٤٣

  54. – غرر الحكم ودرر الكلم، عبد الواحد الآمدى التميمي، ص ٧٤٢

  55. – وسائل الشيعة (آل البيت)، الحر العاملي، ج ١٢، ص ١٢٦

  56. – سورة الإسراء، آية 53

  57. – نهج البلاغة، حكمة 349

  58. – غرر الحكم ودرر الكلم، عبد الواحد الآمدى التميمي، ص ١٦٩

  59. – غرر الحكم ودرر الكلم، عبد الواحد الآمدى التميمي، ص ٤٩٧

  60. – غرر الحكم ودرر الكلم، عبد الواحد الآمدى التميمي، ص ٥٨٣

  61. – غرر الحكم ودرر الكلم، عبد الواحد الآمدى التميمي، ص ٥٩٦ ، ص 651

  62. – غرر الحكم ودرر الكلم، عبد الواحد الآمدى التميمي، ص ٥٧٥

  63. – غرر الحكم ودرر الكلم، عبد الواحد الآمدى التميمي، ص ٥٠٠

  64. – تحف العقول عن آل الرسول (ص)، ابن شعبة الحراني، ص ٣٩٨

  65. – من لا يحضره الفقيه، الشيخ الصدوق، ج٤، ص ٣٧٨

  66. – الكافي، الشيخ الكليني، ج٢، ص٣٣٦

  67. – غرر الحكم ودرر الكلم، عبد الواحد الآمدى التميمي، ص ١٥٧

  68. – غرر الحكم ودرر الكلم، عبد الواحد الآمدى التميمي، ص ١٥٧

  69. – أعلام الدين في صفات المؤمنين، الحسن بن محمد الديلمي، ص ٣٠٩

  70. – سورة النازعات، آية 40-41

  71. – نهج البلاغة، حكمة 289

و هنا ملخصات مقالات الحكمة كان لي فيما مضى اخ في الله مقسمة بالفيديو

1- كان لي فيما مضى أخ في الله – 01- نهج البلاغة

2 – وكان يعظمه في عيني صغر الدنيا في عينه – كان لي فيما مضى أخ في الله -02- نهج البلاغة

3- وكان خارجا من سلطان بطنه فلا يشتهي ما لا يجد ولا يكثر إذا وجد – نهج البلاغة – كان لي فيما مضى أخ 03

4- وكان أكثر دهره صامتا فإن قال بذ القائلين ونقع غليل السائلين-نهج البلاغة-كان لي فيما مضى أخ في الله 4

5- وكان ضعيفا مستضعفا فإن جاء الجد فهو ليث غاب وصلّ واد – نهج البلاغة – وكان لي فيما مضى أخ في الله 05

6- وكان لا يلوم أحدا على ما يجد العذر في مثله حتى يسمع اعتذاره – نهج البلاغة – كان لي فيما مضى أخ 06

7- وكان لا يشكو وجعا إلا عند برئه – نهج البلاغة – كان لي فيما مضى أخ في الله 07 (عدم الشكاية من المرض)

8- وكان يقول ما يفعل ولا يقول ما لا يفعل – نهج البلاغة – كان لي فيما مضى أخ في الله 08

9- وكان إذا غلب على الكلام لم يغلب على السكوت – نهج البلاغة – كان لي فيما مضى أخ في الله 09

10- وكان على ما يسمع أحرص منه على أن يتكلم – نهج البلاغة – كان لي فيما مضى أخ في الله 10

11- كان إذا بدهه أمران ينظر أيهما أقرب إلى الهوى فيخالفه – نهج البلاغة – وكان لي فيما مضى أخ في الله 11

12- فعليكم بهذه الخلائق فالزموها و تنافسوا فيها فإن لم تستطيعوها ..- نهج البلاغة – كان لي فيما مضى 12

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *