محمد جواد الدمستانيمحمد جواد الدمستاني

Loading

إضاعة الفرصة غصة

محمد جواد الدمستاني

إذا تمكن الانسان من شيء فَلَم يفعله في وقت إمكانه فإنّ تضييعه و تفويته يوجب الأسف و الأسى و الحزن و الألم، لأنه لم يتمكن من فعله و قد لا يتمكن لاحقا، و الحكمة عن أمير المؤمنين عليه السلام في نهج البلاغة «إِضَاعَةُ الْفُرْصَةِ غُصَّةٌ»[1].

و إضاعة الفرصة بمعنى تفويتها و عدم اغتنامها في وقتها و مناسبتها، و الغُصة هو ما اعترض في الحلق من طعام أو شراب و الجمع غُصص، يلازم من غصّ شعور بالاختناق و الألم.

و الحكمة إرشاد و تنبيه إلى عدم تضييع فرص الخير و اغتنامها قبل فوتها، و حتى لا تسبب الفرصة الفائتة لصاحبها غُصة و أسف و قد يلوم نفسه على تضييعها و يندم، و لسان حاله يردد بعد الفرصة الضائعة: ياليتني فعلت، و ياليتني عملت، ياليتني لم أتأخر أو أتردد.

و الفرص لها وقت محدود فتمر فيه مسرعة و لا تبقى مستمرة و إلا لما كانت فرصة كما قال أمير المؤمنين (ع) في الحكمة المروية في نهج البلاغة «وَ الْفُرْصَةُ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ فَانْتَهِزُوا فُرَصَ الْخَيْرِ»[2]، بمعنى سريعة الفوت أو سريعة الذهاب.

و في اغتنام وقت الفرص روي عن أمير المؤمنين (ع) قوله «مَنْ أَخَّرَ الْفُرْصَةَ عَنْ وَقْتِهَا فَلْيَكُنْ عَلَى ثِقَةٍ مِنْ فَوْتِهَا»[3]، و «مِنَ الْخُرْقِ الْعَجَلَةُ قَبْلَ الْإِمْكَانِ وَ الْأَنَاةُ بَعْدَ إِصَابَةِ الْفُرْصَةِ»[4]، بمعنى ضرورة سرعة اقتناص و اغتنام الفرص و إلا مضت و اختفت، و أنّ لها وقت محدد هو أحسن ما يكون فيه اغتنامها و انتهازها، فلا يكون قبل حصول وقتها فإنّ ذلك خرق و جهل و حماقة، و لا يكون بعده فإنّ ذلك الأناة و التمهّل تفويت لها.

ففرص الخير تحتاج إلى المسارعة و المبادرة و الاستعجال، و الإسراع و العجلة عامة غير مستحسنة لما فيها من عدم التثبت و التدقيق إلا في أمور الخير و أفعال البر فإنّها تحتاج إلى سرعة و إلا فاتت، و حتى لا يمنعها مانع من إِنس أو وسوسة أو شيطان، و في الرواية عن أمير المؤمنين (ع) «التَّثَبُّتُ خَيْرٌ مِنَ الْعَجَلَةِ إِلَّا فِي فُرَصِ الْبِرِّ»[5].

و إذا انتهت و مضت الفرصة فقد لا تعود أو تعود ببطء و قد لا تُغتنم أو لا تكون القدرة على اغتنامها بعد تكرارها، و في الرواية عن أمير المؤمنين (ع) «الْفُرْصَةُ سَرِيعَةُ الْفَوْتِ وَ بَطِيئَةُ الْعَوْدِ»[6].

فهي تتحقق في وقت مناسب و ملائم و هو الوقت المؤثر في اغتنامها، و تكون ذات أهمية أكثر في حال ندرتها، و المقصود هنا هي فرص الخير التي فواتها يسبب الغصة و الألم ذلك لما فيها من مزايا لصاحبها، فلا تسمى فرصة إلا إذا كان لها ميزة أو مزايا في وقتها تضيف منافع أو فوائد لصاحبها.

لكن الفرص في كثير من جهاتها مصحوبة بمخاطر و تحتاج إدارتها بشكل حكيم، و هذا ما ينتبه و يتوجه إليه أصحاب التجارات و الأعمال التجارية، و هي تحتاج أيضا لخبرة في التقييم و قدرة في التشخيص، و هذا يعني الاستعداد و التهيّؤ لاقتناصها بصورة عملية و إجرائية.

و الحياة كلها فرص، بل الحياة الدنيوية بأكملها فرصة الإنسان للحياة الأبدية و النعيم الدائم في الآخرة إذا أحسن في الأولى، و الرواية عن النبي صلّى الله عليه و آله في الأمر باغتنام فرصة الشباب و يقابلها الشيخوخة و الهرم، و فرصة الصحة و يقابلها السُقم أو المرض، و فرصة الغنى و يقابله الفقر، و فرصة الفراغ و يقابلها الانشغال، و فرصة الحياة و يقابلها الموت في قوله (ص) «اِغْتَنِمْ خَمْساً قَبْلَ خَمْسٍ: شَبَابَكَ قَبْلَ هَرَمِكَ، وَ صِحَّتَكَ قَبْلَ سُقْمِكَ، وَ غِنَاكَ قَبْلَ فَقْرِكَ، وَ فَرَاغَكَ قَبْلَ شُغْلِكَ، وَ حَيَاتَكَ قَبْلَ مَوْتِكَ»[7].

و يُفهم من فعل الأمر اغتنم في اللغة العربية هو أمر بالاستفادة من الفرصة و الوقت، و أخذ الشيء بسرعة قبل انتهائه، و قد أرشد النبي صلّى الله عليه و آله إلى الفرص في الحياة و هي مؤقتة بأوقات غير معلومة في نهاياتها فوجب اغتنامها في بداياتها دون تأخير.

و عن أمير المؤمنين (ع): «بَادِرْ غِنَاكَ قَبْلَ فَقْرِكَ وَ حَيَاتَكَ قَبْلَ مَوْتِكَ»[8]، و المبادرة يعني المسارعة في اغتنام فترة الغنى و الحياة.

و نحن في شهر رمضان المبارك و هو فرصة عظمى في الحياة و فيه ليلة القدر و هي خير من ألف شهر، و فيه يتضاعف ثواب الأعمال، فهو من أعظم فرص الخير في الحياة.

و فرص الخير بمعنى مطلق الأعمال الصالحة و الخيرية و منها فرصة تقديم خدمات اجتماعية، و المشاركة في المشاريع الخيرية من مساجد و حسينيات و مؤسسات خيرية، و منها فرصة كفالة أيتام، و غيرها فإنها كلها قد لا تُوفق في عملها إذا لم تبادر إليها و تسرع في اغتنامها، فتتحول إلى فرص ضائعة.

و في الحياة العامة فإنّ الفرص كثيرة الأمثلة فقد تكون في منحة دراسية أو تخصص علمي، أو فرصة مناسبة و ملائمة للزواج، أو صفقة تجارية أو استثمارية، أو صلح بين متخاصمين أو جهتين متحاربتين، أو غيرها من شؤون الحياة اليومية.

و منها ما يتعلق بشؤون الحرب و القتال فإنّ ذلك يحتاج إلى تشخيص و معرفة مواقع الفرص التي تسبب الانتصار مما يعني الاستعداد و التأهّب و مراقبة الخصم و العدوّ، و فيها روي عن أمير المؤمنين عليه السلام «اسْتَعْمِلْ مَعَ عَدُوِّكَ مُرَاقَبَةَ الْإِمْكَانِ وَ انْتِهَازَ الْفُرْصَةِ تَظْفَرْ»[9]، بل اغتنام الفرص عامة بحاجة إلى فهم مواقعها و أوقاتها، و خبرة في تشخيصها، و شجاعة في اتخاذ قرارها و العزم عليها، و البعد عن الخشية الزائدة من عدم التوفيق، و عدم التردد في غير مواقعه.

و تصلح هذه الحكمة كمثل و محفّز في مجالات الخير و البر عامة، و التعليم و الدراسة و العمل و التجارة.

و روي عن أمير المؤمنين عليه السلام في اغتنام الحياة الدّنيا لنعيم الآخرة قوله (ع):

(أَيُّهَا اَلنَّاسُ، اَلْآنَ اَلْآنَ مِنْ قَبْلِ اَلنَّدَمِ، وَ مِنْ قَبْلِ «أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يٰا حَسْرَتىٰ عَلىٰ مٰا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اَللّٰهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ اَلسّٰاخِرِينَ»[10]، «أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اَللّٰهَ هَدٰانِي لَكُنْتُ مِنَ اَلْمُتَّقِينَ»[11]، «أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى اَلْعَذٰابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ اَلْمُحْسِنِينَ»[12])[13].

  1. – نهج البلاغة، حكمة 118

  2. – نهج البلاغة، حكمة 21

  3. – غرر الحكم ودرر الكلم، عبد الواحد الآمدى التميمي، ص ٦٣٨

  4. – غرر الحكم ودرر الكلم، عبد الواحد الآمدى التميمي، ص ٦٧٥

  5. – غرر الحكم ودرر الكلم، عبد الواحد الآمدى التميمي، ص ١٠٧، عیون الحکم، الليثي الواسطي، ص58، مستدرك الوسائل، الميرزا النوري، ج12، ص142

  6. – غرر الحكم ودرر الكلم، عبد الواحد الآمدى التميمي، ص ١١٣، عيون الحكم والمواعظ، علي بن محمد الليثي الواسطي، ص ٢١

  7. – المصنف، ابن أبي شيبة الكوفي، ج ٨، ص ١٢٧، الأمالي، الشيخ الطوسي، ص ٥٢٦

  8. – غرر الحكم و درر الكلم، عبد الواحد الآمدى التميمي، ص ٣٠٨، عیون الحکم، الليثي الواسطي،، ص191

  9. – غرر الحكم ودرر الكلم، عبد الواحد الآمدى التميمي، ص ١٣٧، عیون الحکم، الليثي الواسطي، ص83

  10. – سورة الزمر، آية 56

  11. – سورة الزمر، آية 57‏

  12. – سورة الزمر، آية 58

  13. – الأمالي، الطوسي، ص 684

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *