اياد الزهيري

Loading

(لا تأفل مدنكم  كما أفلت مدينة بيزنطة)

روح الشعب والأمة هي قلبها النابض ، ومبعث أرادتها ، ولايمكن لأي تحول في مسيرة الأمة سواء كان صعوداً أو أنحداراً أن يحدث إلا بما يطرأ على هذه الروح من تغير ، لذا يعمد أعداء الشعب والأمة بالطَرق على روحها والعمل على جعلها روح تقبل الاستسلام والخنوع والأستحمار ، وهم لم يتمكنوا من النيل منها إلا بأستمالة بعض أبناءها ليكونّوا بهم وطأة قدم للزحف عليها والعبث بها ، وأخطر فئة يظفر بهم أعداء الأمة والشعب ، هو لون معين من المثقفين التي أستدرجتهم روح الأمم الأخرى ليتحولوا الى معاول هدم لروح شعبهم وأمتهم مما يُعبدوا الطريق لغزوا فكري يتبعه غزوا أقتصادي مقيت ، فاليوم المثقف التبعي أخطر من الجاهل ، فالأول يمكن أعادة تأهيله من خلال تعليمه ، أما من يدعي الثقافة يبدي مقاومة عكسية من خلال أعتقاده  بأنه يحمل فكراً تنويرياً ينبغي فرضه على الواقع ، وهذا مايتطلب وجود مثقف يمثل ضداً نوعياً له لفضح ملابسات ، وترّهات  مايطرحون من أفكار لا يعلم الإنسان البسيط درجة صحتها وعلميتها ، وما تحمل بين سطورها من أكاذيب معرفية ، فالآن في ساحتنا الثقافية وخاصة على شبكات التواصل الأجتماعي ، يُثير البعض من المتثوقفين أشكالات معرفية لاعهد للشارع بها مستغل حالة عدم اطلاع الكثير على المصادر الفكرية بفعل ما مر بالبلد من حروب وحصار أقتصادي ساهمت بأبتعاد الناس عن القراءة بعد ما كانت مصر تؤلف ولبنان تطبع والعراق يقرأ ، فيحدثوا ضجة ونقاش بيزنطي يلهو به الشارع ويشوشوا عليه ثوابته العقيدية والأخلاقية ، ويدخلونا في عملية ألهاء لاطائل من وراءها إلا التسويف والجدل الفارغ ،وهذا ما مايشبه الجدل البيزنطي الذي أُبتليت به مدينة بيزنطة ، مدينة الفن فأستغرقت هذه المدينة بجدلها المعروف مما أغفلها عن أداء واجباتها في حمايتها من أعداءها، وقد ساهم جدلها البيزنطي في تفتيت وحدتها مما سبب في أنهيار قوتها ودخول الأتراك لها وأنتزاعها من أهلها وأُسحقت حضارة بكاملها وأستلبَ الأتراك كل معالمها ، وأسلخوها من أصلها الحضاري الروماني ، وكنيسة آياصوفيا خير معلم يحكي قصة أستلاب حضاري من قِبل غازي عسكري متسلح بقوة العصبية والروح القتالية ، ولم يبقى لبيزنطه إلا الذكرى ، وقليل من الأطلال ،. وكمثال على تغير روح الأمم والحضارات والمدن ، هو ما طرأ من تحول في روح الامة الرومانية عسكريةً وفنيةً الى روح نصرانية لاهوتية على حد قول الفيلسوف الفرنسي غوستاف لوبون ، حيث مهد هذا التحول بسقوط روما على أيدي البرابرة الجرمان ،والذين لم يستطيعوا المؤائمة مع روح روما فأهبطوا بها الى مستواهم البربري ، وحولوا روما العظيمة الى أسطبل لخيولهم ، ومكاناً لقاذوراتهم ، فدنسوا صروحها العظيمة بأقدامهم الوسخة ، ولكي لاتسقط مدننا الواحدة تلو الأخرى ، وتُستلب حضارتنا ، وتتميع قيمنا ، علينا أن نستفيد من دروس التاريخ ، فالتاريخ ليس قصص للمتعة ،بل هو عِبر وعظة للأمم والشعوب لكي تتجنب أخطاء وقع بها غيرها ، أو أقترفتها هي في سالف الزمن ، هذه فلسفة التاريخ لا يعمل بها إلا الأمم الحية والتواقة لحياة حرة كريمة وتحترم وجودها،  لذا نُهيب بكل مثقفينا ممن يحمل روح هذه الأمة العريقة التصدي لهذه الزمر بنفس الآليات المعرفية التي يدعوها ، والتسلح بالعلم والزاد المعرفي العالي ، ليشكلوا سداً معرفياً ، وسوراً علمياً يحمي هذه الأمة من غزو يحمل روحاً لأمم لاتتساوق مع روحنا ، وقيماً لا تتزاوج مع قيمنا . فالصراع أيها الأخوة هو صراع وجودي بنهاية المطاف.

أياد الزهيري

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *