( ضيق أفق الإنسان وليس الأديان) كملاحظة مهمة أسترعي بها نظر القاريء ،هو أن ما أقصده بكلمة الأديان ،هو الأديان السماوية ، وهي لها شأن غير شأن الأديان الوضعية ، فهي كثيرة ومتعددة ، ومجهولة المصدر في غالبيتها ، وذات بُعد تراكمي في مبادئها وأفكارها ، مع فارق المصدر .
التحجر والتقوقع ، وعدم القدرة على ملائمة الأحداث والأحوال ، يقود بلا أدنى ريب الى حدوث شروخ وأنشقاقات على كل الأصعدة ، دينياً وسياسياً وقومياً وأجتماعياً ، فالنظام السياسي إذا لم يطور نفسه وأساليبه وتتأقلم قياداته حسب ماتقتضية الأحوال والحاجات سينقسم الى تيارات متعددة ، وأحزاب متفرقة ، وقد حدث ذلك قديماً وحديثاً والأمثلة في واقعنا الحالي خير دليل، حتى الأصوات الأحزاب في دول مثل العراق ولبنان لاتعد ولا تُحصى ،كذلك الأمر على المستوى الديني ،إذا لم يكن هناك مجمع علمي يواكب ماتقتضية التطورات على مستوى المنهج العلمي في أستنباط الحكم وعلى المستوى الفكري، ومراجعة الأحداث التاريخية ،ومراجعة بعض الممارسات ذات الطابع الغير وجوبي سيؤدي بلا شك الى خروج مذاهب وتيارات تزداد مع مرور الزمن ، وما التفرعات المذهبية التي حدثت لجميع الأديان الا دليل واضح على ذلك ، ولو دقننا في الأمر في كلا المستويين السياسي والديني لرأينا إن الأنسان وليس الأديان بذاتها هو السبب فيما حدث ويحدث من وجود الإنقسامات سياسية كانت أم دينية ، نتيجة فهمه القاصر ،أو تعنته وتحجره في فهم هذه المباديء ، وفي قصوره في فهم الحياة ومقتضياتها في التغير . أن الحروب التي حدثت في التاريخ والتي راح ضحيتها ملايين البشر ، وسُفكت خلالها دماء غزيرة كما حدث في حروب دينية وطائفية أمثال الحروب الصليبية والطائفية كما حدث بين الكاثوليك والبروتستانت ، وبين هؤلاء والارذودوكس ، وبين الهندوس والسيخ ، وبين الوهابيين وبقية المسلمين ، والأمر هو حاله في عالم السياسة حيث الصراع الذي يأخذ تارة حروب خشنة وأخرى ناعمة بين المعسكر الأشتراكي والرأسمالي ، وبين الأطراف المتصارعة للحزب الواحد من يمين ويسار كما في طرفي حزب البعث العربي الأشتراكي وكثير من الأحزاب، وهي حرب أكثر ضراوة فيما بين الأحزاب المختلفة ، يرجع لتخبطات الإنسان وقصر رؤاه . فالعقائدة المتقاربة كما يقول غوستاف لوبون تختلف وتتصارع أكثر من غيرها البعيدة عن بعضها فكرياً وهذا ما يُعرف بالضد النوعي ،كما لايمكن تناسي أن هناك بُعداً غير البُعد العقائدي المتشدد ،والبُعد النفسي المتعصب ، بل هناك بُعداً شخصياً يتمحور حول الفائدة الذاتية ، وهو بُعد لا يقل خطورة عن الأبعاد الأخرى ،إذا لم يكن أبرزها تحريضاً في عالم الأنقسامات بدافع الطموح والنفسية والتي يتفنن أصحابها بتلبسها لبوس وطني أو ديني ، أو قومي ، والأمثلة أكثر من أن تُحصى . نستخلص من كل ذلك إن الإنسان هو السبب فيما يحدث كنتيجة طبيعية لسوء الفهم مرةً لهذه الأديان ،أو لدوافع وأسباب نفسية لأرباب هذه المدارس الفكرية والسياسية والدينية ، فكل ماحصل على هذا العالم من مأساة لا شأن للسماء فيه وأنما هو فعل من أفعال أهل الأرض.
أياد الزهيري