Loading

و لا قربة بالنوافل إذا أضرت بالفرائض

تقديم الأولويات و إذا أضرت النوافل بالفرائض فارفضوها

و لا قربة بالنوافل إذا أضرت بالفرائض

محمد جواد الدمستاني

في الأولويات و تقديم الأهم على المهم، و تقديم الفرائض و الواجبات على النوافل و المستحبات، روي عن أمير المؤمنين عليه السلام في نهج البلاغة «إِذَا أَضَرَّتِ النَّوَافِلُ بِالْفَرَائِضِ فَارْفُضُوهَا» حكمة 279، و «لَا قُرْبَةَ بِالنَّوَافِلِ إِذَا أَضَرَّتْ بِالْفَرَائِضِ» حكمة 39.

و روي قريب منه عن أمير المؤمنين عليه السلام في غرر الحكم قوله «إِنَّكَ إِنِ اِشْتَغَلْتَ بِفَضَائِلِ اَلنَّوَافِلِ عَنْ أَدَاءِ اَلْفَرَائِضِ فَلَنْ يَقُومَ فَضْلٌ تَكْسِبُهُ بِفَرْضٍ تُضَيِّعُهُ». غرر الحکم،ج1ص266

النوافل جمع نافلة وهي الأمور غير الإلزامية و غير الواجبة في الشريعة، أو المستحبات الشرعية، والفرائض جمع فريضة وهي الأمور الإلزامية و الواجبة أو الواجبات الشرعية.

في المفهوم و الحمل على المجاز يصلح أن يكون هذا الكلام للتنبيه و الانتباه للأولويات وتقديمها، وتقديم الأولى فالأولى أو تقديم الأهم على المهم في الحياة عامة، و العقل يرشد بهذا. و هذا قاعدة لها نتائج كبيرة و كثيرة على مستوى الأفراد أو الجماعات.

أما في المنطوق و الحمل على الحقيقة و سياق النص الكامل من الخطبة كما هو في تمام نهج البلاغة فهو في ضرورة تقديم الفرائض على النوافل، و متى ما أضرّت النافلةُ على الفريضة أو النوافل على الفرائض، وجب ترك النوافل، و النص حول الصلاة.

و يمكن تصور ضرر النوافل على الفرائض بعدة صور، منها :

1- شخص يستغرق وقته بالنوافل فلا يبقى له وقت للفرائض، بينما الواجب إعطاء وقت للفريضة و تقديمها على النافلة.

2- أو إنّه يواظب على النوافل فيتعب و لا تكون له قدرة على أداء الفرائض، بينما الفرائض هي الواجبة.

3- أو إنّه ينشغل بالنوافل و يؤخر الفرائض عن وقت فضيلتها.

4- أو بأي نوع من إخلال شرورط الفرائض و الواجبات.

فلا يمكن التقرّب بالنوافل إذا اضّرت بالفرائض لأن الفرائض هي الواجبات فلا تزاحمها المستحبات، فإذا كانت المستحبات

تمنع من الواجبات أو تزاحمها فلا تقرّب بها.

و الأمثلة كثيرة : مثل أن يصلي المكلف صلاة الليل و مجموعة أدعية و اذكار وهي مستحبات مهمة للمؤمن، و يتعب حتى ينام فتفوته الفريضة وهي صلاة الصبح الواجبة.

أو فيمن يتصدق استحبابا ويترك ما عليه من الواجبات المالية أو الحقوق الشرعية و الزكاة، الواجبات المالية مقدمة على الاستحبابات.

و هكذا في الحج فلا يُؤتى بحج تطوعا لمن عليه حجة الإسلام، و في شهر رمضان المختص بصيامه لا صيام غيره، و في قضائه أيضا و أولويته على الصيام المستحب.

وفي الرواية فيمن سأل الإمام الصادق عليه السلام «عَنْ رَجُلٍ عَلَيْهِ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ أَيَّامٌ أَ يَتَطَوَّعُ؟ فَقَالَ لاَ حَتَّى يَقْضِيَ مَا عَلَيْهِ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ». الکافي،ج4ص123.

فمن عليه أيام من شهر رمضان الواجب لم يصمها وجب عليه أولا أن يقضيها بعد شهر رمضان ثم يصوم تطوعا و استحبابا.

و الرواية عن الإمام الباقر عليه السلام في قضاء الفرائض «وَ لاَ يَتَطَوَّعْ بِرَكْعَةٍ حَتَّى يَقْضِيَ اَلْفَرِيضَةَ»، يقضي الصلاة الواجبة ثم يصلي المستحبة.

و لعل هذا في غير النوافل اليومية فإنّ نافلة الظهر ثمان ركعات قبل فريضة الظهر، و نافلة العصر ثمان ركعات قبل فريضة العصر، و نافلة الفجر ركعتان قبل صلاة الصبح.(ويكي شيعة، كتاب تحرير الوسيلة، الإمام الخميني، كتاب منهاج الصالحين، السيد السيستاني).

و في الفقه يمكن الاستفادة من الرواية في أولوية الفرائض على النوافل، و أحكام النوافل اليومية تُذكر في الرسائل العملية و الكتب الفتوائية للمراجع.

و في الرواية أيضا عن الصادق عليه السلام في امرأة أَوْصَتْ بِثُلُثِهَا يُتَصَدَّقُ بِهِ عَنْهَا، وَ يُحَجُّ عَنْهَا، وَ يُعْتَقُ عَنْهَا، فَلَمْ يَسَعِ اَلْمَالُ ذَلِكَ، فقال عليه السلام «اِبْدَأْ بِالْحَجِّ فَإِنَّ اَلْحَجَّ فَرِيضَةٌ فَمَا بَقِيَ فَضَعْهُ فِي اَلنَّوَافِلِ»، تهذيب الأحكام،ج5ص407

أي العِتْقُ والصدقة، ففي حالة عدم كفاية الثلث الموصى به يبدأ بعمل الواجب فإذا أفضل شيئا يعمل بالمستحبات.

الحِكمتان جزء من وصية طويلة منه عليه السلام لابنه محمد بن علي (ابن الحنفية)، موجودة في كتاب تمام نهج البلاغة، و فيها جزء حول الصلاة و آدابها ، و هنا القسم الذي يحوي الحكمتين معا، قال عليه السلام:

«إِنَّ لِلْقُلُوبِ إِقْبَالًا وَإِدْبَاراً، فَإِذَا أَقْبَلَتْ فَاحْمِلُوهَا عَلَى النَّوَافِلِ، وَإِذَا أَدْبَرَتْ فَاقْتَصِرُوا بِهَا عَلَى الْفَرَائِضِ. إِذَا أَضَرَّتِ النَّوَافِلُ بِالْفَرَائِضِ فَارْفُضُوهَا. لَا تَقْضُوا النّافِلَةَ في وَقْتِ الْفَريضَةِ، وَلكِنِ ابْدَؤُوا بِالْفَريضَةِ ثُمَّ صَلُّوا مَا بَدَا لَكُمْ، [فإنّه] لَا قُرْبَةَ بِالنَّوَافِلِ إِذَا أَضَرَّتْ بِالْفَرَائِضِ.

وَلَا يُصَلِّي الرَّجُلُ نَافِلَةً في وَقْتِ فَريضَةٍ، وَلَا يَتْرُكُهَا إِلّا مِنْ عُذْرٍ، وَلكِنْ يَقْضي بَعْدَ ذَلِكَ إِذَا أمَكْنَهُ الْقَضَاءَ. فَإِنَّ اللّهَ – عَزَّ وَجَلَّ – يَقُولُ: «الَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ دائِمُونَ»، يَعْنِي الَّذينَ يَقْضُونَ مَا فَاتَهُمْ مِنَ اللَّيْلِ بِالنَّهَارِ، وَمَا فَاتَهُمْ مِنَ النَّهَارِ بِاللَّيْلِ». تمام نهج البلاغة، السيد صادق الموسوي، ص ٧٢٧

اللَّهُمَّ وفقنا لأداء الفرائض و النوافل، وَ أَكْرِمْنَا بِاْلهُدَى وَ الاِسْتِقَامَةِ برحمتك يا أرحم الراحمين، و صلّ اللهم على محمد و آله الطاهرين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *