القوة المباشرة أخر أدوات تنفيذ الأستراتيجة السياسية لأمريكا
يقول المثل العربي ( آخر الدواء الكي) . قديماً عندما يعجز الإنسان من معالجة مرض بالوسائل المعتادة , وخاصة في الأمراض المستعصية , نراه يستعين بالنار كآخر وسيلة لمعالجة مرض مستعصي على الشفاء, وعلى هذا الأساس قيل هذا المثل.
أن السياسة الأمريكية في العالم بشكل عام , وفي منطقتنا العربية بشكل خاص هو ما جعلني أستحضر هذا المثل العربي مع فارق التطبيق والغاية , ولتبيان ذلك عليَّ أن أوضح المنهج السياسي للولايات المتحدة الأمريكية في تحقيق ماتربوا اليه من أهداف سياسية , وما تخطط له في أستراتيجيتها البعيدة المدى .
قبل البدأ بخريطة الطريق التي وضعتها الأدارة الأمريكية , علينا معرفة الأهداف البعيدة المدى المنوي تحقيقها , في منطقة أصبحت مستعصية في الأستجابة لمطالب وأماني الجانب الأمريكو –صهيوني , وقد ضاقت ذرعاً أمريكا من عناد وتصدي شعوب منطقة الشرق الأوسط في مواجهة كل مخططات الولايات المتحدة الأمريكية , وقد نفذ صبرها , مما جعلها تفكر بآخر الحلول , وهو أستخدام القوة المفرطة , والعالية الخشونة , في أخضاع هذه الشعوب للأمر الواقع , وهو أجبارهم للدخول ببيت الطاعة الأمريكو-صهيوني . ومن الضروري بمكان الأشارة الى مبدأ قال به أول رئيس للولايات المتحدة الأمريكية ( جورج واشنطن) والذي نصح فيه الساسه الأمريكان بعدم التلاحم مع مشكلات العالم الخارجي , وأطلق عليها بسياسة الأنعزال , وأشار الى أن هناك مُسطحين مائيين كبيرين متمثلين بالمحيطين الأطلسي والهادي الذين يحققان سياسة العزلة هذه , ولكن دخول الولايات المتحدة الأمريكية في الحرب العالمية الثانية كسرت هذه السياسة ، متخطية لنصيحة أحد أهم مؤسسيها , والرئيس الأول لها , حين أشتركت بشكل مباشر في الحرب العالمية الثانية في معركة الروماندي عام 1944 م , في الجانب الغربي لأوربا .
بعد أنتهاء الحرب العالمية الثانية تقاسمت أمريكا مع الأتحاد السوفيتي وبريطانيا تركة ألمانيا , وصعد نجمها على الساحة الدولية خاصةً بعد أستعمالها للقنبلة النووية ضد اليابان عام 1945م ، وإن أستسلام اليابان لها , نفخ هذا النجاح غرور الطبقة السياسية الأمريكية , وأرتفع منسوب طموحاتهم , بكسب المزيد من السطو والأمتيازات من شعوب وبلدان أخرى , وهذا ما دفع بهم الى حلم فكرة حكم العالم , أعتماداً على فكرة إن الليبرالية هي أفضل فكر عرفته البشرية , وهو من يجب أن يسود العالم , وهو مايجب أن ينتهي التاريخ البشري له , وقد عبر عن الحلم الأمريكي هذا, الفيلسوف والسياسي الأمريكي فرنسيس فوكوياما في كتابه الشهير (نهاية التاريخ والأنسان الأخير) . هذه الفكرة لا يمكن ترجمتها على أرض الواقع من دون أن تمتلك المال , ومصادر الطاقة , والتكنلوجيا , وهذا هو سر عبور أمريكا عرض البحار والمحيطات للوصول الى مصدر الطاقة في الشرق الأوسط والسيطرة عليه , ولكي تتم السيطرة على هذا الجزء من العالم , كان عليهم أن يصنعوا في منطقة الشرق الأوسط حكومات ضعيفة وتابعة لنفوذهم , ولكي يتم ذلك لهم , يتوجب أقامة كيان مصطنع أسمه أسرائيل كقاعدة متقدمه لها , تكون حجر الزاوية والمنصة التي تنطلق منها للتآمر وتأديب من يحاول , أو ينوي الخروج من بيت الطاعة الأمريكي , فصنعوا كيانات هزيلة في الخليج والسعودية , وكذلك عمدوا على أنشاء كيانات مصطنعة كالأردن ولبنان , والى أضعاف القوى القوية التي تحيط بأسرائيل والقريبة منها , لتوفير حزام آمن لهذا الكيان المصطنع , وهذا هو السبب بخلق المشاكل لسوريا وأضعاف مصر عبر حروب وخلق أزمات ماليه لها , وتدمير العراق من خلال أحتلاله 2003م. بعد أنتصار الولايات المتحدة الأمريكية بالحرب الباردة على الأتحاد السوفيتي , والذي أدى الى تفتيته الى عدة دول , فتوجهوا حينئذ الى بسط سيطرتهم بشكل أكبر على دول النفط في الشرق الأوسط , والتمركز في أهم مناطق العالم أستراتيجية , بأعتبارها تمثل أهم مناطق مصادر الطاقة بالعالم , أضافة الى أنها تمثل سوق كبير لتسويق المنتجات الأمريكية والأوربية , وبالتالي تكون عنصر مهم بأنتعاش الصناعة والتجارة لأمريكا وحلفائها من الأوربيين . أن ماذكرنا أعلاه يمثل خارطة الطريق النظرية للولايات المتحدة الأمريكية , التي تحتاج الى أدوات عمل لتطبيقها على أرض الواقع . أدوات هذا المشروع العملاق والخطير تمثلت بسردية نظرية
أختصرها فرنسيس فوكوياما في كتابه ( نهاية التاريخ) , كشعار , وأدب سياسي , ولاشك إن كل أدب سياسي يحتاج الى نظرية عمل , وهنا يبرز لنا مفكر أستراتيجي , وهو المدعو برنارد لويس (1916-2018م) , وما أدراك ما برنارد لويس , وهو مستشرق بريطاني –أمريكي الجنسية يهودي الديانة , حاصل على الدكتوراة الفخرية من جامعة تل أبيب , متخصص بالتاريخ الأسلامي , وصاحب نظرية تقسيم الوطن العربي , فقد قدم هذا المستشرق خريطة كاملة المعالم والتفاصيل لكل بلد مراد تقسيمة , موظفاً عوامل عدة , كل وحسب تشكيلته السكانية وتلاوينها الطائفية والقومية والدينية , كما جاءت وزيرة الخارجية السابقة كوندريزا رايس كعامل مكمل لبرنارد , حيث قدمت مشروعها المسمى بنظرية الفوضى الخلاقة , وهي نظرية تقوم على خلق فوضى قائمة على الصراع بين الحاكم وشعبه , وبين فئات الشعب المختلفة , آملين بالوصول الى حالة التصادم الدموي , التي تنتهي بأنهيار الدول والمجتمعات , مما يسهل أستباحتها , والسيطرة عليها من قِبل الولايات المتحدة بشكل مباشر بالأحتلال , أو بشكل غير مباشر من خلال شخصيات محلية تأتمر بأوامر أمريكا . أن فلسفة السياسة الأمريكية القائمة على فرض مشروعها الحضاري الليبرالي على بقية الشعوب الأخرى التي هي الأخرى تعتز بحضارتها وموروثها الحضاري والديني لا يمكن أن تتنازل عن هويتها الحضارية والثقافية والدينية , مما يؤدي حتماً الى صراع على كل المستويات , والتي قد تنتهي الى صراع مسلح يصحبه دمار كبير يذهب ضحيته الإنسان . السؤال الذي يطرح نفسه , من الذي أعطى للولايات المتحدة الوصاية على الإنسانية لكي تدعي مسؤوليتها عن ما يجب أن تنتهجه من أسلوب , وما ينبغي أن تعتقد به من منهج بالحياة , وقد قدمت تفسيراً لنهجها الشمولي والخشن بما سموه بصراع الحضارات , وقد قدموه كنظرية أقرب لمنهج نظرية التطور لدارون التي تتلخص بالبقاء للأقوى, ونظرية صراع الحضارات تتلخص بالبقاء للحضارة الأصلح , وهي في أعتقادهم الحضارة الليبرالية التي ينبغي فرضها على كل البشرية , وبما أن الشعوب لا تستسلم لهذا النوع من الفرض بالقوة لطرف من الأطراف على حساب طرف آخر , مما يؤدي حتماً الى المزيد من
الصراعات المصحوب بكثير من الدمار على هذا الكوكب , والذي قد يقود الى تدميره , ولا أجد من مبرر لكل هذا , الا مبرر واحد , وهو مبرر عنصري شوفيني , يصبح فيه العالم طوع الشعب اليهودي , فيكون سيداً عليه , خادماً له , تحت مبدأ شعب الله المختار , وهو مبدأ شعبوي مقيت .
من المعيب والمخزي على دولة عظمى تسخر كل طاقات بلدها , وعصارة جهود شعبها من أجل أهداف عنصرية تلمودية تتبناها مجموعة صغيرة من الناس لا يمثلون نسبة أكثر من 0.2% من بين شعوب العالم , الا وهو الشعب اليهودي المتجمع في أرض أغتصبها من شعبها الأصلي , وشرده في كل أصقاع العالم , ويسوم من تبقى في أرضه سوء العذاب . أن ما تقوم به الولايات المتحدة من خدمة لأسرائيل هي أساءة للشعب الأمريكي نفسه ، وتبديد لمصالحه , وتهديد لمستقبله السياسي والأقتصادي , ولا أمل لأمريكا الا بالرجوع لنصيحة , وحكمة رئيسهم الأول جورج واشنطن , وذلك بالرجوع الى سياسة الأنعزال , وترك مشاكل العالم الاخر , وسيكون للولايات المتحدة مزيد من الحصانة والقوة والمنعة , أذا أخذت الحكومات الأمريكية بنصيحة بنيامين فرانكلين (1706-1790)م واحد من مؤسسي الولايات المتحدة الأمريكية , والتي تتلخص بالأتي ( هناك خطر عظيم يهدد الولايات المتحدة الأمريكية , وذلك الخطر العظيم هو خطر اليهود . أيها السادة : في كل أرض حل بها اليهود أطاحو بالمستوى الخلقي , وأفسدوا الذمة المالية التجارية فيها) , ولكن للأسف فأن أمريكا أنقادت لأوامر أصحاب رؤوس الأموال اليهود , ضاربين توصيات الآباء المؤسسين لها عرض الحائط, عازمين على تغير المعادلات السياسية في منطقة الشرق الأوسط , عبر تغير الخارطة السياسية لها , تنفيذا حرفياً لسيناريوهات برنارد لويس , موظفين القوة العسكرية , وتهادن دول عربية مطبعة خانعة , ذليلة , متخذين من السياسي الأسرائيلي الطموح والشرس نيتنياهو كفارس لخوض هذه المغامرة المجنونة , لرسم خارطة جديدة للشرق الأوسط , وقد قالها نيتنياهو بُعَيد أغتيال حسن نصر الله مباشرة , في لحظة نشوة الأنتصار , وبطريقة يفوح منها الغرور قائلاً , الآن ومن خلال أنتصارنا هذا , بات الطريق سالكاً لتغير أستراتيجي في المنطقة , وفي بيان نشرته وكالة رويتر للأنباء قال فيه ( القضاء على حسن نصر الله خطوة ضرورية نحو تحقيق الهدف الذي حددناه لتغير ميزان القوى في المنطقة لسنوات مقبلة) , وقد أشار الصحفي السعودي المعروف (مشاري الذايدي) في مقال له في جريدة الشرق الأوسط , الصادرة في أكتوبر 2024م في مقال له ( نلاحظ الأسم الذي أطلقته إسرائيل على عملية قتل حسن نصر الله , وطبقة القيادة للحزب , وهو النظام الجديد) , وهكذا نعرض للقاريء العربي أن ما يجري هو حلقة في سلسلة تنتهي الى سايكس-بيكو جديد تعتزم أمريكا وأسرائيل معاً على تحقيقة في المنطقة , وسيكون مشروع أكثر أيلاماً وتدميراً من مشروع سايكس-بيكو 1916م بين فرنسا وبريطانيا , الذي قسم منطقة الشرق الأوسط الى كيانات متشظية وضعيفة يحكمها عملاء تعينهم أمريكا وأسرائيل على شعوب مقهورة الجانب , ضعيفة القوى , لاتملك من ثرواتها الا الفتات , لينتهي بهم الحال بأن يكونوا عبيد لبني صهيون , وحينئذ يحقق اليهود ما أوصت ووعدت به توراتهم وصحف تلمودهم , وهو أستحمار الشعوب الغير يهودية .
أياد الزهيري