إن لم يكن عندكم دين و كنتم لا تخافون المعاد فكونوا أحرارا في دنياكم
ضرورة الرجوع إلى القيّم الحق
محمد جواد الدمستاني
صرخة من صرخات الإمام الحسين عليه السلام في كربلاء لتنبيه و إيقاظ النّاس و الأمم بأن يكونوا أحرارا في دّنياهم، و يرجعون إلى القيمّ و يتحرروا من سلطة و سيطرة الشيطان و الطغيان.
قَالَ اَلرَّاوِي: «وَ لَمْ يَزَلْ عَلَيْهِ السَّلاَمُ يُقَاتِلُهُمْ حَتَّى حَالُوا بَيْنَهُ وَ بَيْنَ رَحْلِهِ فَصَاحَ وَيْلَكُمْ يَا شِيعَةَ آلِ أَبِي سُفْيَانَ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ دِينٌ وَ كُنْتُمْ لاَ تَخَافُونَ اَلْمَعَادَ فَكُونُوا أَحْرَاراً فِي دُنْيَاكُمْ هَذِهِ، وَ اِرْجِعُوا إِلَى أَحْسَابِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ عَرَباً كَمَا تَزْعُمُونَ». اللهوف،ج1ص102.
و قال عليه السلام «أَقُولُ أَنَا اَلَّذِي أُقَاتِلُكُمْ وَ تُقَاتِلُونِّي وَ اَلنِّسَاءُ لَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ فَامْنَعُوا عُتُاتَكُمْ عَنِ اَلتَّعَرُّضِ لِحَرَمِي مَا دُمْتُ حَيّاً». اللهوف،ج1ص102.
إنّ وجود بنية إيمانية صلبة في وجدان و ضمير و قلب الإنسان و بصيرة نافذة لتشخيص الأمور التي ترد عليه بدقة و حكمة و حنكة أمور أساسية و رئيسية في حياة الإنسان، و في كربلاء فإنّ الأمويين و جيشهم قد افتقدوا كل البنى الإيمانية و القيّم الإنسانية و كانت الرعونة و الحماقة و الجهل و الأحقاد صفاتهم.
و خطاب الإمام أمر لهم مع خلوّهم من القيّم الدينية و الإنسانية أن يرجعوا و يركنوا و يستندوا لا أقل إلى القيّم و العادات العربية الإيجابية.
هنا و في آخر ساعات حياته الشريفة يدعو الإمام الحسين عليه السلام أعداءه و خصمائه أن يكونوا أحرارا و يتخلصوا من دنس الجرائم و الانتهاكات، و ينفكوا من عبودية الطغيان و الشيطان و يحرروا أنفسهم، و أن يكون لديهم حدّ من القيّم الشريفة و النبيلة يتخذونها قواعد ومنهج يسيرون عليه، و يعتقون انفسهم من أباطيل و أكاذيب الطغيان.
و بيّن الإمام عليه السلام الانحطاط و الانهباط الذي يعيشه مرتزقة الطغاة و أسيادهم بأنّهم أقوام لا مسؤولية لديهم و لابنية إنسانية عندهم و لا منهج حياة صحيح يسيرون عليه، فلا أقل أن يلتزموا بما عند العرب من آداب اجتماعية و عادات إنسانية لأنّهم عربا كما يزعمون.
فلقد قام الأمويون و اتباعهم في كربلاء بحرق خيام الأطفال و النساء، ثم تم سبي النساء و الأطفال و تسييرهم من بلد إلى بلد، و قاموا بمنع الماء عن معسكر الحسين عليه السلام، و قتل عترة رسول الله صلى الله عليه و آله الحسين و أولاده و أهل بيته و أصحابه، و ذبح الأطفال مباشرة كعبد الله الرضيع، أو بعد هجوم الخيل و الرجال على المخيم و فرارهم كما ذُبح ابنا مسلم بن عقيل لاحقا إلى غيرها من الانتهاكات التي عملوها في كربلاء، دون أي استناد لقيّم شرعية أو إنسانية فلا أقل الرجوع إلى أحسابهم و ما يعدّونه من مناقبهم إن كانوا عربا كما يزعمون فإنّ العرب تتسالم على مجموعة مسلمات و عادات بينهم و تستند إليها.
و هنا وجّه الإمام خطابه إلى الجهة الظالمة و المحاربة و المنتهكة و مجموعات الأوباش و الأراذل الذين قدموا لحرب الحسين و قاتلوه، و هم أعداء محمد و آل محمد صلوات الله و سلامه عليهم، و هم شيعة آل أبي سفيان، و هم أتباع و أنصار أبي سفيان و سلالته و مرتزقتهم.
و لا مقارنى بين آل محمد صلوات الله و سلامه عليهم و بين آل أبي سفيان، لا مقارنة بين النبي الأكرم صلى الله عليه و آله و أعداؤه و أبرزهم أبو سفيان، و لا بين أمير المؤمنين علي عليه السلام و معاوية، و لا بين سيدي شباب أهل الجنة و يزيد، و قد قال أمير المؤمنين عليه السلام في كتاب أرسله إلى معاوية: «وَ مِنَّا النَّبِيُّ وَ مِنْكُمُ الْمُكَذِّبُ، وَ مِنَّا أَسَدُ اللَّهِ وَ مِنْكُمْ أَسَدُ الْأَحْلَافِ، وَ مِنَّا سَيِّدَا شَبَابِ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَ مِنْكُمْ صِبْيَةُ النَّارِ، وَ مِنَّا خَيْرُ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ وَ مِنْكُمْ حَمَّالَةُ الْحَطَبِ، فِي كَثِيرٍ مِمَّا لَنَا وَ عَلَيْكُمْ، فَإِسْلَامُنَا قَدْ سُمِعَ وَ جَاهِلِيَّتُنَا لَا تُدْفَعُ». نهج البلاغة-كتاب 28.
لقد كان آل أبي سفيان مع الباطل و سعوا لإطفاء نور الله و حاربوا الحقّ و العدل و حاربوا أهل بيت الرسالة صلوات الله و سلامه عليهم في المواطن في بدر و أحد و صفين و كربلاء، و في كل مكان يتسنى لهم، فكانوا هم خط الباطل، بل الباطل يتجسد فيهم، و حتى آخر الزمان فإنّ السفياني الذي يحارب الإمام المهدي كما تذكر روايات المسلمين عامة من نسل أبي سفيان الذي سيخسف الله بجيشه في البيداء بين مكة و المدينة.
روي عن الصادق عليه السلام « إِنَّا وَ آلُ أَبِي سُفْيَانَ أَهْلُ بَيْتَيْنِ تَعَادَيْنَا فِي اَللَّهِ، قُلْنَا صَدَقَ اَللَّهُ وَ قَالُوا كَذَبَ اَللَّهُ، قَاتَلَ أَبُو سُفْيَانَ رَسُولَ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ، وَ قَاتَلَ مُعَاوِيَةُ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ، وَ قَاتَلَ يَزِيدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ اَلْحُسَيْنَ بْنَ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلاَمُ، وَ اَلسُّفْيَانِيُّ يُقَاتِلُ اَلْقَائِمَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ».معاني الأخبار،ج1ص346.
و كُتُب التاريخ تذكر أبا سفيان و أفعاله الشنيعة، و في مروج الذهب قال أبو سفيان: يا بني أمية، تَلَقَّفُوها تلقُّفَ الكرة ، فوالذي يحلف به أبو سفيان ما زلت أرجوها لكم ولتصيرَنَّ إلى صبيانكم وراثة. مروج الذهب ج2ص343، و يعني بذلك الخلافة.
و في تاريخ الطبري (ج ٨،ص ١٨٥) قوله «يا بنى عبد مناف تلقفوها تلقف الكرة فما هناك جنة ولا نار».
و لا مجال لأن تُقلب الحقائق كما يسعى الدجّالون و المزيّفون تسويقه الآن فإنّ الحسين عليه السلام يوضح من هم أعداؤه الذين حاربوه و قتلوه، و هم شيعة آل أبي سفيان، الذين خاطبهم عليه السلام يوم عاشوراء و قال: «يا شيعة آل أبي سفيان إن لم يكن لكم دين..».
أما شيعة الحسين عليه السلام فهم الذين الذين زُجوا في السجون وأعدم بعضهم و وصل منهم من استطاع إلى كربلاء قبل العاشر من المحرم و قاتل و استشهد مع الحسين عليه السلام.
و الشيعة هم من ناصروا الحسين، و ساروا على نهجه، و قاموا بالثورات باسمه، و أقاموا العزاء و البكاء لأجله طول التاريخ، و تعرضوا لما تعرضوا إليه من ابتلاءات و سجن و قتل و نفي في سبيل محبته و مودته و زيارته فسلام على الحسين و على شيعة الحسين.
و لا زال شيعة الحسين و آل محمد صلوات الله عليهم يتعرضون للقتل و التفجير في مراسمهم و مواسمهم و حسينياتهم لمودتهم و موالاتهم للحسين و آل محمد (ص).
هذا الفقدان من القيّم الإنسانية كان في كربلاء و يتجدد بعد كربلاء حتى العصور الحالية فقد شاهد العالم الحركات الظلامية و أفعالها المنكرة من قتل و تفجير، كما شاهد آلة التوحش و القتل الإسرائيلية ضد المدنيين و الأطفال و النساء.
و هذه الصرخة و الدعوة بالرجوع إلى القيّم و العمل بها لا زالت تتوجه إلى طغاة و شياطين هذا العصر و رعاعهم الذين لم يتركوا جريمة إلا عملوها و لا شنيعة إلا ارتكبوها «وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ». سورة الشعراء: 227